; بعد السلطان.. هل جاء دور أربكان؟ | مجلة المجتمع

العنوان بعد السلطان.. هل جاء دور أربكان؟

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 28-أكتوبر-1980

مشاهدات 20

نشر في العدد 502

نشر في الصفحة 4

الثلاثاء 28-أكتوبر-1980

  • الانقلاب التركي الذي أثار عدة تساؤلات في البداية، لم يخف اتجاهاته ونياته السياسية، لدرجة أن الصحافة الغربية أشارت صراحة إلى أن من أهداف الانقلاب قطع الطريق على حركة إسلامية تشبه ما قام به الخميني في إيران!! 

  • وبالفعل، فإن أول عمل قام به الانقلابيون هو اعتقالهم للسياسيين وكان منهم البروفسور نجم الدين أربكان رئيس حزب السلامة الوطني ذي الاتجاه الإسلامي المعروف، ولأن اللعبة كانت مكشوفة جدًا، فإن النظام الجديد لم يجد أي حرج في إطلاق سراح السياسيين وخاصة «ديميريل وأجاويد» والإبقاء على أربكان في الاعتقال، إلا أنه، ولغاية سياسية، أخرج أربكان من المعتقل لعدة أيام قليلة، لإعادة اعتقاله ثانية بتهم مختلفة ليس أقلها الطعن بمبادئ أتاتورك؟!

  • بعد هذا كله نتساءل: لماذا جرى ما جرى؟! وماذا في الأفق من نذر شر متوقعة؟! وهل سيعيد التاريخ نفسه وفي تركية بالذات، حيث كانت بداية المسيرة الرهيبة لإنشاء دولة صهيونية في فلسطين المحتلة؟! 

  • لنعد قليلًا إلى الوراء، لنتعرف إلى الخلفية التاريخية التي تتحرك من خلالها الأحداث الجديدة، إذ إن لهذه ارتباطًا وثيقًا بما جرى منذ إسقاط السلطان عبد الحميد خان 1908م.

  • ففي عام ۱۸۹۷م عقد أول مؤتمر للصهيونية العالمية في بازل بسويسرة فكان أخطر مؤتمر يعقده الصهاينة، إذ فيه تقرر إنشاء دولة لليهود في فلسطين!! ومن المعلوم أن رئيس المؤتمر هذا، كان تيودور هرتزل صاحب كتاب «الدولة اليهودية» الذي تنبأ بقيام الدولة بعد خمسين عامًا!! وهكذا كان للأسف!!!

  • الذي يعنينا من هذا كله الطريقة التي تمت بها إقامة الدولة اليهودية مع أن فلسطين كانت وقتها ولاية عثمانية، والذي يذكره التاريخ أن اليهود بعد المؤتمر أرسلوا ممثلًا عنهم إلى السلطان عبد الحميد وهو «قره صوه» لإغراء السلطان بشتى المغريات من أجل التخلي عن فلسطين ولكنه رفض العرض المغري وأبى الانقياد لمطامع الصهيونية في قصة معروفة مشهورة في كتب التاريخ.

  • ولأن للتاريخ عبرة، فقد صارت قصة السلطان عبد الحميد من أكبر العبر إنها تعني أن اليهودية العالمية لا ترى أي غضاضة في استخدام أي وسيلة لتحقيق مآربها الخسيسة، ومن هنا دفع عبد الحميد خان رأسه ثمنًا لوقوفه ضد مطامع الصهيونية، وجاء مصطفى كمال أتاتورك، الذئب الأغبر هادم الخلافة، وممزق شملها العلماني الغربي الملحد، فاجترح ما اجترح في حق الإسلام والمسلمين وكان من آثاره هذا الجيش التركي الذي ينسب إليه، ولأنهم يرون فيه بانيًا لتركية الحديثة فقد أوصلوه إلى مرتبة القدسية التامة، ورأوا فيه مخلصهم من الحضارة الإسلامية، التي يدعون فيها التخلف والرجعية!! ويعتبرونها سبب تأخرهم، ولأن هذا يصب في تيار اليهودية العالمية ورغبات الدول الغربية الاستعمارية من حيث الضرب الكامل والتدمير الشامل لما بناه المسلمون عبر التاريخ من خلال دولتهم الإسلامية التي يمثلها خليفتهم، فقد ساعدت الأطراف المتآمرة كلها، على دعم المارق الأغبر وملاحقة الإسلام في تركية وحصره في أغوار الأرياف للإجهاز عليه نهائيًا.

  • ولكن... لأن للبيت ربًا يحميه، فقد قام فتية آمنوا وبدأوا يعيدون الروح إلى جسد الرجل المريض تركية التي لم يقدّمها السفور ولم يحضّرها لبس القبعة، فبدأ الانتعاش يسري كالنسمات الخفيفة في ثنايا هذه الدولة الكبيرة، وظهر في الأفق ملامح عودة وبوادر أوبة إلى التراث العظيم للإسلام الذي جعل من بداوة الترك أمة متقدمة.

  • لما ظهرت هذه البوادر وبدأت تتجمع تحت راية الخلاص الوطني، الذي طرح برنامجه الفكري والعملي بقوة وثقة وإخلاص، ولما كاد البرنامج يجمع حوله أطرافًا واسعة وجماهير عريضة من المسلمين، بعد أن ثبت للناس جميعًا انهزام الفكرين الغربي والشرقي على حد سواء في برنامج الحزبين الرئيسيين «العدالة والشعب الجمهوري» ولما كانت الانتخابات النيابية التركية قريبة الأمد، وحزب الخلاص يأمل من إجرائها أن يرفع عدد ممثليه في المجلس النيابي إلى مائة عضو. لما كان هذا كله، جاء الحل المعهود في بلدان العالم الثالث.

الانقلاب العسكري

  • ويقال إن هناك عاملين اثنين عجَّلا بوقوعه: الأول: وقوف أربكان مع نوابه بقوة وحزم ضد التوجه الإسرائيلي في الحكومة التركية، ولا يزال الناس يذكرون مطالبته بقطع العلاقات مع إسرائيل، بعد محاولة نقل العاصمة إلى القدس. والتصويت بحجب الثقة عن وزير الخارجية المتهم بميوله الغربية الشديدة وتعاونه الوثيق مع إسرائيل. 

والثاني: كان مؤتمر قونية الإسلامي الضخم الذي عقده الحزب لإظهار تعاطفه وتأييده للقدس، مع ما طرح من شعارات الحزب ومبادئه باللغة العربية المحرمة هناك مما اعتبر مسًا عنيفًا بالكمالية العلمانية التي تحرم ذكر لفظة الإسلام والتكلم أو الكتابة بالعربية. 

  • ومن هذين الأمرين يظهر بوضوح مدى التأثير اليهودي في تركية ومدى التطابق الكامل بين ما جرى بالأمس وما يجري اليوم!!

فهل يعيد التاريخ نفسه؟! وهل سنسمع غدًا بعد المحاكمة بالحكم بسجن مؤبد لرئيس الحزب الذي رفع الإسلام شعارًا له، كما فعل اليهود وأشياعهم من الماسون والدونمة مع السلطان عبد الحميد رحمه الله؟! 

إننا نأمل أن تكون الثمانينات في هذا القرن قد غيرت شيئًا من عقلية الحاكم العسكري عن سلفه الحاكم في العشرينات، فلعله يلاحظ أن هناك اختلافًا كبيرًا بين مسلمي تركية والعالم اليوم عن أسلافهم في بداية هذا القرن.

الرابط المختصر :