; العادات الاجتماعية بالدول العربية وتأثيرها على زواج الشباب | مجلة المجتمع

العنوان العادات الاجتماعية بالدول العربية وتأثيرها على زواج الشباب

الكاتب محمد الجيزاوي

تاريخ النشر الخميس 01-يونيو-2023

مشاهدات 132

نشر في العدد 2180

نشر في الصفحة 22

الخميس 01-يونيو-2023

تتبــايــــــــــــــــن العــــــــــــــادات الاجتماعية في المجتمعات العربية بالنسبة للزواج ومتطلباته من دولة لأخرى، ومن مدينة لأخرى في البلد الواحد، وأحياناً من أسرة لأخرى داخل العائلة الواحدة أو القرية، وهذه العادات منها ما هو حسن ينبثق عن جوهر تعاليم الإسلام ولكنه قليل للغاية؛ بينما العادات السيئة تكون الأغلب؛ وهذه تؤدي إلى إغلاق أبواب الحلال في وجوه الشباب والفتيات، وتحول بينهم وبين تأسيس أسرة تكون بمثابة لبنة صالحة في بناء المجتمع.

وفي هذه السطور سنحاول استكشاف تلك العادات في عدد من الدول العربية.

البداية من الجزائر؛ حيث تقول نائبة رئيس البرلمان الجزائري السابقة عائشة بلحجار: الزواج وتأسيس الأسرة لبنة أساسية في بناء الحضارات، ولكن اليوم أصبح الزواج مجرد شكليات، وانحرفت النظرة للزواج بسبب العادات الفاسدة التي تتحكم في مصير الزواج والمتزوجين؛ وبالطبع، هناك عادات محمودة كالأفراح والهدايا والتطوع العائلي لإقامة العرس، وهناك ما شرعه الله كالمهر والسكن بدون مبالغة ولا ترف، هذه كلها عادات تدعم وتشجع الزواج؛ ولكن انحراف الناس عن جوهر دينهم جعلهم يغالون في المهور والتجهيزات، ويفعلون بعض الأمور السلبية التي تعوق تحقيق الاستقرار والسكينة في الزواج.

وتواصل بلحجار قولها: في الجزائر، يهرب بعض الشباب من فكرة الزواج بسبب المهور الباهظة، وتكاليف الفرح الخيالية وأثاث البيت المرهق للشباب، وكذلك الجهاز المرهق مادياً لأهالي العروس، فضلاً عن يوم العرس، حيث تقوم بـ«التصديرة»، لاستعراض الملابس طويلاً، وإعداد ولائم باهظة وبشكل استعراضي، ثم يدخل الزوجان بيت الزوجية وهما مثقلان بالديون؛ التي تقضي على الاستقرار والسكينة، ما يفضي في بعض الأحيان إلى انتهاء العلاقة بالطلاق.

ومن السودان، يؤكد الأكاديمي د. محمد ضوينا أن الزواج في السودان فيه عادات وأعراف حميدة، كما فيه عادات أخرى دخيلة على مجتمعنا الإسلامي، فالعادات الحميدة لديهم مأخوذة من منهج النبوة ومن العُرف الحسن، ومن ذلك أن عقد الزواج يُشهر في المساجد بحضور أهل الحي أو القرية والأقارب.

وفي حالة الزوجة الثانية يُحضر العريس مالاً ومقتنيات للزوجة الأولى لإرضائها، وأحياناً يشترط أهل الزوجة الثانية حضور الزوجة الأولى عند الخطبة احتراماً وتقديراً لها.

أما أبرز العادات السيئة الدخيلة، حسب ضوينا، فهي الحفلات الراقصة المكلفة والمختلطة، والمغالاة في المهور.

ومن ليبيا، تؤكد د‌. رقية دومة، خبيرة تطوير الذات وسلوكيات المجتمع العربي، أن من الأمور السلبية في المجتمع الليبي تقديم القبيلة والتفاخر بالأنساب على الشرع، لدرجة أن بعض المدن لا تقبل تزويج أبناء مدن أخرى، وبعض القبائل ترفض تزويج قبائل أخرى، بالإضافة إلى المغالاة بالمهور وتكاليف الزواج، ووجوب امتلاك منزل خاص وسيارة وأثاث فاخر، وزفاف صخب وولائم ضخمة.

لكن د. دومة تبشر بأن معايير المجتمع بدأت تتغير، مؤخراً؛ فأصبح الأهل يخففون متطلبات الزواج، ويقبلون منزلاً بالإيجار، وبذلك بدأ يحدث نوع من التوازن في المجتمع.

ومن اليمن، يؤكد الكاتب الصحفي اليمني وديع عطا أن عادات الزواج وتقاليده تتباين من محافظة لأخرى، وللقبائل أيضاً عادات ملزمة لأبنائها، لا سيما في موضوع الذهب، وهناك مناطق تثقل على كثير من الشباب في موضوع الذهب بوجه خاص، ولا سيما ما يعرف بـ«التمليك»؛ وهي أول هدية ثمينة تتملكها العروس، وكذلك الزفاف ويوم الحملة، وكلها أعباء على الزوج، وكذلك يوم الزفاف ويوم الحناء، كما يتحمل تجهيز بيت الزوجية، خاصة في قبائل جنوب اليمن وليس في كل المناطق، كما يتم تقديم الولائم للضيوف أسبوعاً كاملاً، أما المهور ففيها مغالاة كبيرة؛ حيث تبدأ بما يعادل 500 دولار، وتصل إلى 10 آلاف دولار.

 

الداء والدواء

ومن العراق، يؤكد د. عبدالحميد العاني، عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة قطر، أن عادات وتقاليد العراقيين فيما يتعلق بالزواج بها كثير من المبالغات التي تتجه من سيئ إلى أسوأ؛ وتزيد رقعة العزوف والعنوسة بين الجنسين بسبب المغالاة في المهور، وقيمة «النيشان» -الذي يوازي «الشبكة» للعروس في الدول الأخرى- وشراء أثاث فخم للبيت، ثم حفلة العُرس المكلفة جداً وتبعاتها، من فرقة غنائية وولائم كلها بذخ في المأكولات والمشروبات.

ويستنكر د. العاني تأخير البعض الزواج حتى إنهاء التعليم ثم التوظيف؛ الأمر الذي رفع سن الزواج؛ علاوة على انتشار وسائل التواصل والانفتاح مع ضعف التربية الدينية والأخلاقية بالمجتمع بسبب الاحتلال، وانشغال الدولة بمشكلاتها السياسية، والفساد الذي انتشر في أركان الدولة الذي كان له أثر سلبي كبير على المتزوجين حديثاً والمقبلين على الزواج؛ حيث كثرت المشكلات بين المتزوجين، ورأينا الكثير من الزيجات تفشل في أيامها وشهورها الأولى.

ويصف أستاذ الشريعة العلاج بأنه يبدأ بتكاتف الجميع للحل بدءاً من أئمة المساجد والعلماء والمثقفين وأصحاب الرأي في بيان الحلال والحرام في تلك العادات، وتوجيه الناس إلى الوسطية وتيسير الزواج وتكاليفه للشباب والفتيات وفق ما يريده الله سبحانه وتعالى، وترك التبذير والإسراف ومظاهر النفاق الاجتماعي، وحث الآباء على تيسير المهور.

ومن الأردن، يرى د. محمد سعيد بكر، عضو رابطة علماء فلسطين، أن الأصل لديهم تشجيع الشباب على الزواج فيما بين 22 و26 عاماً؛ لأن الشاب يعمل سنة أو سنتين بعد التخرج ويخطب ثم يتزوج، وهذا كان العرف العام، لكن يشير إلى أن الأمور اليوم تزداد تعقيداً وصعوبة؛ بسبب المغالاة الرهيبة في المهور وما يسمى في العادات «مهر المثل»؛ مع غلاء المعيشة، وقلة الوظائف، وبالتالي ارتفعت سن الزواج من 22 إلى 32 عاماً وبين الفتيات من 20 إلى 30.

ويقول د. بكر: هناك مشكلة أخرى تتمثل في موضوع تزيين العروس وصالات الأعراس، وكل هذه تربك الشاب، وهي مكلفة جداً، فضلاً عن أن العريس عليه في النهاية عبء المهر وصالة الأفراح وأثاث المنزل، وكلها أمور أسعارها تتزايد بشكل جنوني، فضلاً عن بقية التكاليف، ولا بد أن يتم البحث عن حلول لخفض هذه التكاليف الخرافية.

ومن لبنان، يقول إيهاب نافع، المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية: صار التفكير بالهجرة من لبنان هاجس الشباب ومبتغاهم الأول ليكوّنوا أنفسهم؛ فغير مقبول سكن الشاب مع أهله حتى لو كان فقيراً مُعدَماً، ولذا يعزف الشباب عن الزواج ويتجه إلى الحرام، رغم أن الدين والالتزام بالأخلاق العامة يمنعان المرء من ارتكاب الفواحش والمنكرات، ولكن تشجيع وسائل الإعلام وتزيينها الفاحشة أسهم إلى حد كبير بالابتعاد عن الزواج وازدياد نسبة العنوسة.

 

 

عودة للخمسينيات

ومن تونس، ترى الناشطة الحقوقية والسياسية عايدة بن عمر أن الزواج فقد معناه وجوهره من بناء وتأسيس أسرة صغيرة نواة للمجتمع الصالح، فأصبح مباراة للمبارزة بالتفاخر والنفاق الاجتماعي والتظاهر أمام الناس، وتحويل الفتاة إلى سلعة تُباع وتشترى؛ الأمر الذي جعل الشباب يعزفون عن الزواج، وبعضهم يلجأ للهجرة للهروب من هذا الواقع للزواج من عجوز أوروبية أو كندية من أجل تأشيرة الإقامة وتحقيق أحلامه!

ولفتت الناشطة التونسية إلى أنه يجب العودة لعاداتنا العربية والإسلامية التي التزم بها أسلافنا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي؛ حيث البساطة والألفة والسكينة والمودة داخل البيوت، وأن نعيد لمؤسسة الزواج مكانتها بأنها لأجل التناسل، ولحفظ النفس البشرية والذرية ولحفظ الأعراض، وهذا أهم ألف مرة من التجهيـــــزات الحديثـــــــة بأسعارهــــا الباهظة.

الرابط المختصر :