العنوان ضد التعصب أم ضد الإسلام؟ (6 من 6)
الكاتب أ.د. حلمي محمد القاعود
تاريخ النشر الثلاثاء 27-فبراير-2001
مشاهدات 27
نشر في العدد 1440
نشر في الصفحة 51
الثلاثاء 27-فبراير-2001
يحرص جابر عصفور في كتابه «ضد التعصب على مطاردة الثقافة الإسلامية مطاردة أمنية من خلال تحريضه السافر ضد وسائط التثقيف الإسلامي، إنه يسمي الثقافة الإسلامية بثقافة العنف عنف وهي التسمية الرائجة في الغرب الصليبي الذي لا يرى في ثقافتنا إلا الإرهاب والتعصب وهي التسمية ذاتها التي تشير إليها العصابات اليهودية في فلسطين عندما تتحدث عن الإسلام وقيمه.
ثقافة العنف عند جابر عصفور ثقافة مرجعيتها دينية، تبدأ وتنتهي بالدين الإسلامي على نحو ما تتأوله مجموعة من الأفراد أو التنظيمات أو الجماعات أو بعض المؤسسات الدينية، ثم يستدرك على ذلك قائلًا: ويعني ذلك أن السند الديني المباشر لهذه الثقافة ليس نصوص كتاب الله وأحاديث الرسول وسنته وإنما تأويل هذه النصوص بما يشدها إلى هدف بشري بالضرورة، ويضعها في سياق من العقلنة التفسيرية الموظفة لخدمة بعينها، غاية ترتبط بما يحقق مصالح الأفراد أو الجماعات أو التنظيمات أو المؤسسات التي تجعل من هذا التأويل، أو هذه العقلنة التفسيرية أصلًا لوجودها، ومبررًا لاتجاهاتها، ودافعًا لمواقفها وأفعالها، والهدف السياسي لهذه العملية هو التمهيد الفكري لإقامة دولة دينية تحل محل الدولة المدنية- ص (٤٤١).
مشكلة جابر عصفور أنه يراوغ دائمًا في كتاباته ومصطلحاته ليحقق التأثير المطلوب لدى القراء، ولكن القراء الواعين يدركون أنه يناقض نفسه دائمًا، فكثيرًا ما اتهم الحركة الإسلامية بل الفكر الإسلامي بالنقل والتقليد والجمود، ولكنه في الفقرة السابقة يتحدث عن العقلنة التفسيرية التي تملكها ثقافة العنف كما يسميها أو ثقافة الإسلام، كما يقصد في حقيقة الأمر.
إنه يصم هذه الثقافة وأصحابها بعدم العقلانية، ولكنه هنا يثبتها لهم- حتى لو كانت في اتجاه مضاد له. مما يعني أن الرجل ليس على موقف عقلاني راسخ، بل موقف عاطفي تعصبي لا يطيق وجودًا للثقافة الإسلامية.
إن جابر عصفور يرفض المرجعية الدينية أي المرجعية الإسلامية، وهذه رؤية غربية أو رؤية كنسية تحديدًا، تختلف بالضرورة اختلافًا كاملًا مع الرؤية الإسلامية التي ترى أن الإسلام يحكم المسلم في كل شيء.
لقد وضح الإسلام في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة أحكامًا أساسية وفرعية في العبادات والمعاملات والسلوك والقيم والعلاقات بين المسلمين وغيرهم، وبين الدول الإسلامية والدول الأخرى، وهذه هي المرجعية الإسلامية «لا الدينية كما يسميها جابر عصفور»، ولا أعتقد أن مسلمًا مؤمنًا بالإسلام حقًّا يمكن أن يقبل بالتنازل عن الإيمان بالجانب التطبيقي من الإسلام مكتفيًا بالجانب الروحاني، لأن هذا إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعضه الآخر.. ويبدو لي أن جابر عصفور يعيد إنتاج مقولة على عبد الرازق في كتابه الشهير الإسلام وأصول الحكم، وإذا كان الرجل قد تراجع في كهولته عن هذه المقولة، فإننا نسأل الله أن يتراجع جابر عصفور عنها هو الآخر، وأن يكون من جنود الإسلام الذين ينصرونه وينافحون عنه، كما تمنيت في بداية حديثي حول كتابه.
إن التأويل الذي يتحدث عنه عصفور، ليس صحيحًا، فالأمة لا تقل إلا ما يتفق مع القرآن الكريم والسنة المطهرة، وليست هناك قداسة لأحد أو عصمة المخلوق في الإسلام، فالقداسة لله وحده، والعصمة لنبيه ﷺ ، وما عداه يؤخذ منه ويرد عليه، وقد تحدث القرآن الكريم عن قضية التأويل بوضوح وحسم:
﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)﴾ (آل عِمرَان :7 )
إن الدولة في مصر والبلاد العربية والإسلامية لن تكون إلا دولة إسلامية "وليس دينية"، مرجعيتها الإسلام شئنا أم أبينا، لأن جماهير الأمة ليست على استعداد لمفارقة الإسلام واللهاث وراء الغرب الصليبي، ولو أراد بعض حكامها .. بل إن الغرب الصليبي يعد الدول العربية والإسلامية جميعًا دولًا أصولية أي إسلامية، حتى تلك التي تستأصل الإسلام وتحاربه في إعلامها وبوساطة مثقفيها المستنيرين.
والدولة الإسلامية هي الدولة المدنية الوحيدة في العالم- لا شأن لنا بما هو واقع- لأنها نقيض الدولة الدينية "الكنسية واليهودية"، وهي الدولة الوحيدة التي تجعل من تمام الإيمان بل من أسسه رفض العنصرية والظلم والغدر، وتقيم بنيانها على التسامح والعفو والتعاون والحرية والشورى وليت جابر عصفور يتخلى عن الرؤية الغربية للإسلام، ويحاول قراءته بعقلانية وحيادية، بعيدًا عن صخب التعصب التنويري والتعصب السياسي، ورغبة الاستئصال لجذور الإسلام. ولا شك أنه سيجد ثراء عقليًّا وحضاريًّا باهرًا يفوق ما لدى الغرب والشرق جميعًا.
وأكتفي بهذه السطور متمنيًا لصديقي اللدود الخير والعافية والسلامة من كل شر.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالكتَّاب الدنيويون.. وشيطنة الإسلام! (3 – 4) العدو الأخضر
نشر في العدد 2122
46
الأربعاء 01-أغسطس-2018