العنوان في مجلس مع الشباب «٢»
الكاتب محمد محمود الصواف
تاريخ النشر الثلاثاء 11-مايو-1982
مشاهدات 11
نشر في العدد 570
نشر في الصفحة 26
الثلاثاء 11-مايو-1982
يتابع الشيخ محمد محمود الصواف مقالته التي نشرناها في منبر المجتمع والتي وضع فيها بصراحة لا لبس فيها السبب في الوضع المزرى والمتردي الذي آل إليه العالم العربي والإسلامي في وقتنا الحاضر..
وأما ما أضافه أهل الكتاب إلى الدين من آراء أحبارهم ورهبانهم، وما نسبه إلى الإسلام المبتدعون من بدع وخرافات أو من ضلالات حديثة كنسبة الاشتراكية العربية المزعومة أو النعرات القومية إلى الإسلام، فهذا كله من الصبغة الإنسانية والصبغة البشرية التي جعلت الدين الواحد مذاهب متفرقة ومفرقة، والأمة الواحدة شيعًا متنافرة متناحرة متمزقة.
أما نحن معاشر المسلمين ودعاة الفكرة الربانية «فنحن له تعالى وحده عابدون ساجدون شاكرون حامدون، ولا نرضى أن يزيد أحد في ديننا، أو أن ينقص منه، أو ينسب إليه أشياء ليست منه ولا هو منها في شيء، ونحن نؤمن بصبغة الله وحدها التي فطرنا الله عليها، ونكفر بالصبغة البشرية التي تبعدنا عن صبغة الله، وتقضي بيننا بالباطل، وتنسب إلى الإسلام ظلمًا ما ليس منه، وتغلف الضلال وتسميه بكل أسف إسلامًا أن تفتري على الإسلام جهارًا ونهارًا، وتريد أن تحمل الناس على الإيمان بأن هذا الافتراء من صميم الإسلام أو هو الإسلام نفسه و-حاشا لله- أن تكون القوانين الوضعية أو المبادئ التي صدرها إلينا قوم كافرون واستوردها منهم تلاميذهم المخدوعون.
-حاشا لله- أن تكون من صبغة الله وهي من صبغة البشر، والبشر هو البشر يزل ويضل ويخطئ ويصيب، ولا يمكن أن يهتدي إلى الحق إلا إذا هداه الله إليه ومكنه منه.
هذا الدليل يا أخي من كتاب الله ورأيت فيه كيف أن الذين لا يؤمنون بمثل إيمان المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ولا يعودون إلى منابع الوحدة والعزة والمجد.
فإنما هم في شقاق دائم وبلاء مقيم. وإليك الدليل من حديث رسول الله وسنته المطهرة.
ذنوب وعقوبات:
لقد أخذت الدليل من كتاب الله، وهاك الدليل من حديث رسول الله صلوات الله وسلامه على النبي المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ، علَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ﴾ (سورة النجم: 4-5)
فقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: «يا معشر المهاجرين خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن:
١- لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم.
٢- ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان.
٣- ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا.
٤- ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم.
٥- وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم». رواه البيهقي وروى نحوه الحاكم وابن ماجه.
هذا حديث خطير يقرر أمورًا خطيرة، وقد رآها الناس ولا يزالون يرونها رأى العين، وهو من معجزات رسول الله وكلماته الخالدة التي تنطق بنبوته وتشهد برسالته وعظمته ، وقد حذر أمته وهو الرحيم بها الحريص على مصالحها ومستقبلها المشفق عليها من غضب الله وعذاب الآخرة.. وخزي الدنيا وعذابها، ولم يترك الدنيا صلوات الله وسلامه عليه حتى أكمل الله على يديه دينه، وأتم رسالته وبلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده، وما ترك من شيء يقرب أمته من النار إلا حذرها منه ونهاها عنه ونفرها منه.
وانظر أخي إلى الخصلة الخامسة من الحديث الشريف وهي قوله : «وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم»، وصدق رسول الله وهو الصادق الأمين والنبي الحكيم فقد جعل الله بأسنا بيننا شديدًا فغمرنا الشقاء، وعمنا البلاء، وزاد الشقاق، وكثر التخاصم، وقل التراحم، وأخذ بعضنا يكيد للبعض الآخر، كل ذلك كان نتيجة حتمية وأمرًا لازمًا لازبًا لعدم حكم أئمتهم وحكامهم ورؤسائهم بكتاب الله وعدم احتكامهم لكتاب الله وسنة رسول الله ورضائهم بحكم الجاهلية بدل حكم الله ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (سورة المائدة: 50).
استعرض بنظرك ديار الوطن العربي الكبير، فكم منها تحكم بحكم الإسلام؟ صوب بصرك نحو الشرق أو الغرب من ديار العروبة فماذا ترى؟ ترى العجب من انحراف عن شريعة الله، وبعد عن دينه القويم ومحايدة لكتابه العظيم، ومؤتمرات لإبعاد الإسلام عن كل محيط وأحزاب وجماعات تكيد للإسلام في دياره، وتدعو للحكم بغير ما أنزل الله وتضع لها برامج ومناهج كلها مستمدة من غير الإسلام، وكلها من الصنعة الإنسانية والصبغة البشرية، ولا يخطر ببال واحدة منها أن تحسب حسابا لنظام الإسلام وقواعده وأسسه الرصينة المتينة وأصحاب هذه الأحزاب وتلك الجماعات منسوبون للإسلام ومحسوبون عليه.
ومع هذا فهم يدعون للحكم بقوانين فرنسية أو إنجليزية أو أمريكية أو سويسرية، بل ويرضون بالحكم بالقوانين الرومانية القديمة العتيقة، ولا يرضون بحكم الشريعة السماوية السمحاء، فكيف لا يدوم بينهم الشقاق؟ وكيف لا يعمهم البلاء؟ وكيف لا تنشر بينهم الفتن، ولا يقعون في المحن، وكيف لا يتفرقون أشتاتًا ويلعن بعضهم الآخرة؟ وكيف لا يكون بأسهم بينهم وهذه حالهم وتلك خلالهم؟ وهل يمكن أن يتخلف قول الرسول فيهم وهو الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه؟
وقد رأيت كيف قال وحكم «وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم»..
أظن أيها الأخ أن في هذه الأدلة ما يكفي ويشفي، ولعلك استيقنت معي أن الشقاق سيبقى دائما بين العرب ما لم يعودوا إلى الإسلام، وكذلك غير العرب من المسلمين الذين ابتعدوا عن الإسلام وأصبحوا لا يحكمون بما أنزل الله.
أما الدليل من التاريخ وواقع الحال، ففي واقع الحال ما يغني عن المقال كما يقولون، ولكنني أود أن أذكرك بحالنا معشر العرب منذ أن ثرنا على الخلافة الإسلامية.. وتعانقنا مع الصليب وحطمنا الهلال الخصيب. لقد قمنا بثورة أسميناها.. «الثورة العربية الكبرى» وما كانت هذه الثورة إلا خنجرًا في خاصرة الإسلام إذ حطمنا بها الخلافة الإسلامية، وأدخلنا الاستعمار إلى ديارنا. ثورة خاسرة لم نر منها إلا الشر والضرر والبلاء، وكيف لا تكون خاسرة وقائدها «لورانس» القائد الإنجليزي الكافر والثعلب الماكر؟ ورجالها كانوا على غير هدى من الله. وقد كانت السفارات الإنجليزية والفرنسية والأمريكية في إسطنبول عاصمة الخلافة الإسلامية آنذاك كانت هذه السفارات مقر الاجتماع ومركز المؤامرات للثوار العرب الذين أعانوا المستعمرين جميعًا على هدم آخر خلافة إسلامية، ومهما كان النقصان في هذه الخلافة ومهما قال عنها أعداؤها فهي خلافة إسلامية لا يجوز الخروج عليها والتعاون مع الكفار على هدمها وتحطيمها، بل كان يجب عليهم العمل لإصلاحها والنهوض بها.
ولقد عجل الله العقوبة على الكثير من هؤلاء الثوار والذين تولوا القيادة منهم قادوا شعوبهم شر قيادة.
والبلاد العربية ماذا جنت من وراء هذه الثورة العربية الكبرى المزعومة، لقد جنت الشوك وحصدت الشر من ورائها، ولم تر الراحة منذ أن أعلنتها عصبية جاهلية جهلاء ولقد أصبحنا دولاً بعد أن كنا دولة واحدة، وأصبحنا شعوبًا وقبائل تتناحر وتتخاصم ولكل منها أمير للمؤمنين ومنبر..
وأخيرًا؛ أضعنا فلسطين قلب العروبة والإسلام النابض، وسلط الله علينا أخس خلق الله.. وأجبن عباد الله وهم اليهود شرار خلق الله.. لقد حاول اليهود إقناع السلطان التركي عبد الحميد -رحمه الله- وقدموا له من ملايين الجنيهات الذهبية ما يسيل له لعاب الكثيرين، ولكن السلطان المسلم أبى ووقف وقفة الأسد في قضية فلسطين، وجئنا نحن العرب فبعنا فلسطين لليهود، وخنا العهود، ونسينا الوعيد الذي ينتظر الخونة المارقين فعجل الله البطش بالكثير من هؤلاء الذي شاركوا في الجريمة فلم يبق منهم أحد في خلال عشر سنوات من وقوع الكارثة الكبرى والمصيبة العظمى على المسلمين في هذا العصر، ولو دخلنا معركة فلسطين كمسلمين مجاهدين لما خبنا فيها ولما خسرنا المعركة، وهي معركة الإسلام الكبرى في هذا العصر، ولكننا دخلنا فلسطين باسم النعرة القومية وشعارنا فيها العروبة وليس الإسلام الذي يخيف شبحه، ويهز اسمه قلوب أعدائه فيجعلها واجفة. وترتعد له فرائض الكافرين في كل مكان، وفي معاركنا باسم الإسلام لم ينكس لنا علم ولم نهزم في معركة، بل نصرنا بالرعب مسيرة شهر، وكانت الغلبة والانتصار شعار جيوشنا المظفرة في كل الميادين.. والتاريخ شاهد عدل على ما تقول..
وانتقلنا الآن من المعارك مع الصهيونية العالمية والاستعمار إلى معارك جانبية داخل الوطن العربي، يخطط لنا الأعداء ونحن ننفذ، وأصبح العربي يقتل أخاه العربي، والمسلم يسفك دم أخيه المسلم، وكل ذلك باسم القومية، فرجعنا كما كنا عربًا متقاتلين متناحرين. متخاصمين لا يراعى أحدنا في الآخر إلًّا ولا ذمة، فما أحوجنا اليوم إلى نهضة إسلامية شاملة تعيدنا إلى حظيرة ديننا مسلمين مؤمنين مجاهدين في الله حق جهاده، حيث تعود مرة أخرى إلى منابع الوحدة والعزة والمجد.
ما أحوجنا اليوم إلى رجعة سريعة إلى الله العلي الكبير تعيده ونتوب إليه ونستغفره ونعتصم بحبله ونتآخى تحت لواء الإيمان. ونقاتل تحت شعار الإسلام لا تريد علوًا في الأرض ولا فسادًا، إنما هو جهاد سليم نظيف طاهر لرفع راية الإسلام وجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.
ما أحوجنا إلى العودة إلى فطرة الله التي فطرنا الله عليها ليسود بيننا الحب والوئام .. ونعود كما كنا أمة السلام والإسلام، ولنكون كما وصفنا الله خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله. هذه يا أخي أدلتي وهذه آرائي سقتها لك صريحة واضحة، لعلك اقتنعت بها وآمنت كما آمنت أنا وكثير من أمثالي بأن العرب سيستمرون على الشقاق ما لم يعودوا إلى الإسلام.. فإن عادوا إليه فقد عادوا إلى فطرتهم السليمة ورسالتهم الحكيمة، والله يهديهم إلى سواء السبيل وينصرهم بعدها نصرًا مؤزرًا ..
نسأل الله أن يكون ذلك قريبًا وما ذلك على الله بعزيز.. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل