العنوان من أسرار غزوة الفتح
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 08-ديسمبر-1970
مشاهدات 24
نشر في العدد 38
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 08-ديسمبر-1970
من أسرار غزوة الفتح
محمد صلى الله عليه وسلم يرفض:
١- تجديد الهدنة
٢- تمديد قرار وقف إطلاق النار!
· ست سنوات من الهجرة النبوية، والحرب بين المشركين والمسلمين لم تكد تنطفئ أوارها حتى تشتغل مرة أخرى!!
· في نهاية السنة السادسة، وفي شهر ذي القعدة، منع المشركون من أهل مكة رسول الله وأصحابه من دخول مكة لأداء العمرة فعقد معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «الهدنة» التي كانت بنودها:
١- وضع الحرب بين المسلمين وقريش أربع سنوات.
٢- من جاء المسلمين من قريش يردونه!! ومن جاء قريشًا من المسلمين لا يلزمون برده!!
٣- أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم من غير عمرة هذا العام ثم يأتي العام المقبل، فيدخلها بأصحابه بعد أن تخرج منها قريش!! فيقيم بها ثلاثة أيام ليس مع أصحابه من السلاح إلا السيف في القراب!!
٤- من أراد أن يدخل في عهد محمد من غير قريش دخل فيه.
٥- من أراد أن يدخل في عهد قريش دخل فيه.
نقض «الهدنة»!
وخرق وقف إطلاق النار!
بعد عشرين شهرًا من عقد «الهدنة» وفي شهر رمضان من سنة ثمانية للهجرة، وقف رجل من بني بكر «حلفاء قريش» يتغنى بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على مسمع من رجل بني خزاعة «حلفاء المسلمين»!! فقام هذا وضربه، فتحركت ثارات قديمة لبني بكر وشدوا العزيمة لحرب «خزاعة» واستعانوا بحلفائهم من قريش الذين أعانوهم سرًا بالعدة والرجال.
وتوجهوا إلى خزاعة وهم آمنون فقتلوا منهم ما يربو على العشرين!!
بلوغ النبأ للمسلمين
أرسلت «خزاعة» وفدها برئاسة عمرو بن سالم الخزاعي ليخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بتفاصيل الأحداث وكيف أن قريشًا غدرت بعهدها، ونقضت ميثاقها وهدنتها، وخرقت قرار وقف إطلاق النار المتفق عليه لمدة أربع سنوات بينهم وأوليائهم وبين المسلمين وحلفائهم!!
القرار الإسلامي
حينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والله لأمنعنكم مما أمنع نفسي منه».
محاولات تجديد الهدنة.. وتمديد قرار وقف إطلاق النار!!
- أدركت قريش فداحة الخطأ الذي وقعت فيه!!
- وبلغتها كذلك أنباء استنجاد «خزاعة» بمحمد صلى الله عليه وسلم.
- وأحسوا بأن سمعتهم وشرفهم بين العرب قد نزل إلى الحضيض!!
وفد المفاوضات
أسرعت قريش بإرسال «أبو سفيان» ليشد العقد، ويزيد في المدة،
لسببين:
أولًا: لأنه قائدها، وكبيرها الباقي من الزعماء!!
ثانيًا: إن ابنته «أم حبيبة»، إحدى زوجات الرسول الكريم!!
ثالثًا: إنه لم يكن في وفد «عقد الهدنة» الذي كان يرأسه سهيل بن عمرو!!
الوساطة:
١- توجه «أبو سفيان» أول الأمر إلى ابنته «أم حبيبة» في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفجع بالمنظر الآتي:
ما أن دخل المنزل، وهم بالجلوس على الفراش، إذا بابنته تطوي الفراش عنه! فيقول لها: يا بنية:
أرغبت به عني أم رغبت بي عنه!؟
فقالت: ما كان لك أن تجلس على فراش رسول الله وأنت مشرك، نجس!!
فقال لها: لقد أصابك بعدي شر!!
وانصرف من عندها دون حديث.
٢-اتجه بعد ذلك إلى المسجد ليحدث الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة فيما جاء من أجله: تجديد الهدنة، ومد وقف إطلاق النار! وعرض عليه فعلًا مطالبه، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد عليه شيئًا!! وكان ذلك رفضًا لمهمته!!
٣-ولى وجهه تجاه الصديق «أبي بكر»، فكلمه أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:
ما أنا بفاعل!!
٤- أتي عمر بن الخطاب فكلمه، فاستنكر عمر من «أبو سفيان» ذلك قائلًا: أنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم!! فوالله لو لم أجد إلا الذَّر (ذرات الرمل أو التراب) لجاهدتكم به!!
٥- وكان آخر من كلمه علي بن أبي طالب
إذ دخل عليه وعنده «فاطمة» زوجته وبنت الرسول الكريم والحسن غلام يدب بين يديهما.
فقال:
يا علي إنك أمس القوم بي رحمًا، وإني قد جئت في حاجة، فلا أرجعن كما جئت خائبًا!! اشفع لي إلى محمد.
فقال له علي:
ويحك يا أبا سفيان!!
والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه، فالتفت «أبو سفيان» تجاه فاطمة ليلقي بآخر سهم قائلًا:
هل لك أن تأمري ابنك هذا-(الحسن) فيجير بين الناس!!
فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر!!
فقالت له:
والله ما يبلغ ابني ذاك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فشل الوساطة في المفاوضة
حينئذ عاد أبو سفيان إلى قومه يحكي لهم ما حدث، فاتهموه بالإسلام!! فتنسك عند الأوثان لينفي عن نفسه التهمة!!
لماذا رفض المسلمون حتى المفاوضة؟
أولًا: لأن قريشًا نقضت عهدها، وربنا سبحانه وتعالى العليم بالناس يقول:
﴿وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ*أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾. (التوبة: 12-13).
ثانيًا: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين».
ثالثًا: لا يجوز أن ترد طلبات النجدة من حلفاء ظلموا!!
رابعًا: لا يجوز أن يستمر منع الأعداء فرص التقوى لجيشهم، والإغرار بقوتهم، وإثارة الفتن والقلاقل والوقيعة بين المسلمين وحلفائهم!!
نتائج الرفض
استنفر الرسول عليه السلام الأعراب الذين حول المدينة، من قبائل أسلم وغفار ومزينة وأشجع وجهينه، وتجهز عليه السلام وأصحابه وطوى الأخبار عن قريش، ودعا الله سبحانه أن يتولى الجواسيس
ومنعهم قائلًا:
«اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبتغتها في بلادها».
فكان بذلك أعظم قائد عسكري يحارب بأرقي علم حربي وهو «المفاجأة»!!
وسار الجيش المسلم يتقدمه القائد الأعظم عليه السلام في عشرة آلاف مقاتل ليفاجئ مكة، حتى أن التكهنات وصلت إليهم فخرجوا يستطلعون الأخبار، فإذا بهم يفاجأون بالجيش العرمرم، فأسرع بعض المشركين ليعلن إسلامه وهرب آخرون إلى الساحل البحري يرغبون في الرحيل أو الانتحار! وأغلق آخرون عليهم أبوابهم! وتجمع بعضهم في المسجد! ولاذ بعضهم بدار قائدهم «أبو سفيان».
ودخل محمد صلى الله عليه وسلم مكة في تواضع لله عز وجل منحنيًا له سبحانه حتى تكاد تلمس جبهته ظهر راحلته!!
- حتى وصل إلى المسجد فاستلم الحجر الأسود، وطاف بالبيت، يطعن بقوسه ٣٦٠ صنمًا قائلًا:
«جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا، جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد».
- وأعطى مفتاح الكعبة لعثمان بن طلحة.
- ثم وقف وصلى، ودار في البيت وكبر في نواحيه، ووحد الله.
- ثم فتح الباب فإذا بقريش قد ملأت المسجد صفوفًا، ينتظرون ماذا يصنع، لكنه خرج إليهم ليعلن مبادئ الفاتحين:
إعلان النصر
لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.
ألا كل مأثرة أو مال أو دم، فهو تحت قدمي هاتين، إلا سدانة البيت، وسقاية الحاج.
ألا وقتل الخطأ شبه العمد (بالسوط والعصا) ففيه الدية مغلظة، مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها.
يا معشر قريش:
إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم من تراب ثم تلا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ﴾ (الحجرات: 13).
يا معشر قريش:
ما ترون أني فاعل بكم؟!
قالوا: خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم!!
قال: فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته:
لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء!!
صلاة النصر
ثم دخل دار «أم هانئ» حيث صلى ثماني ركعات تقول رضي الله عنها: ما رأيته وعليه السلام، صلاها قبلها ولا بعدها!!
﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ (ق: 37) عبد الخلاق
حُكم الجَاهِليَّة
﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (المائدة: 50)
§ والجاهلية ليست فترة تاريخية، إنما هي حالة توجد كلما وجدت مقوماتها في وضع أو نظام، وهي في صميمها الرجوع بالحكم والتشريع إلى أهواء البشر، لا إلى منهج الله وشريعته للحياة، ويستوي أن تكون هذه الأهواء أهواء فرد، أو أهواء طبقة، أو أهواء أمة، أو أهواء جيل كامل من الناس، فكلها ما دامت لا ترجع إلى شريعة الله، أهواء.
- يشرع فرد لجماعة فإذا هي جاهلية، لأن هواه هو القانون، أو رأيه هو القانون، لا فرق إلا في العبارات.
- وتشرع طبقة لسائر الطبقات فإذا هي جاهلية، لأن مصالح تلك الطبقة هي القانون -أو رأي الأغلبية البرلمانية هو القانون، فلا فرق إلا في العبارات.
- ويشرع ممثلو جميع الطبقات، وجميع القطاعات في الأمة لأنفسهم، فإذا هي جاهلية، لأن أهواء الناس الذين لا يتجردون أبدًا من الأهواء، ولأن جهل الناس الذين لا يتجردون أبدًا من الجهل، هو القانون -أو لأن الشعب هو القانون -فلا فرق إلا في العبارات.
- وتشرع مجموعة من الأمم للبشرية فإذا هي جاهلية، لأن أهدافها القومية هي القانون أو رأي المجامع الدولية هو القانون، فلا فرق إلا في العبارات.
- ويشرع خالق الأفراد، وخالق الجماعات، وخالق الأمم والأجيال، للجميع، فإذا هي شريعة الله التي لا محاباة فيها لأحد على حساب أحد، لا لفرد ولا لجماعة ولا لدولة ولا لجيل من الأجيال، لأن الله رب الجميع، والكل لديه سواء ولأن الله يعلم حقيقة الجميع ومصلحة الجميع، فلا يفوته -سبحانه ـ أن يرعى مصالحهم وحاجاتهم بدون تفريط ولا إفراط.
- ويشرع غير الله للناس، فإذا هم عبيد من يشرع لهم، كائنًا من كان، فردًا، أو طبقة، أو أمة، أو مجموعة من الأمم.
- يشرع الله للناس، فإذا هم كلهم أحرار متساوون، لا يحنون جباههم إلا لله، ولا يعبدون إلا الله.
- ومن هنا خطورة هذ القضية في حياة بني الإنسان، وفي نظام الكون كله وصدق الله العظيم ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾ (المؤمنون: 71)، فالحكم بغير ما أنزل الله معناه الشر والفساد، والخروج في النهاية عن نطاق الإيمان، بنص القرآن.
سید قطب
في ظلال القرآن
هل يساورك بعد الآن شك أيها القارئ في أن «سيد قطب» لم يكن في منهجه إلا سلفًيا يقتفي أثر الصالحين من السابقين؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
هل انتهت المؤامرة على الفلسطينيين بوقف إطلاق النار في المخيمات؟
نشر في العدد 722
9
الثلاثاء 25-يونيو-1985
خطابات سلامات هاشم الموجهة إلى أعضاء اللجنة الوزارية الرباعية بواسطة سمو الأمير سعود الفيصل بتاريخ ۲۳ مارس ۱۹۷۸
نشر في العدد 396
10
الثلاثاء 25-أبريل-1978