العنوان المسلمون في ألبانيا بين الجدران الحديدية
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 31-مايو-1983
مشاهدات 19
نشر في العدد 623
نشر في الصفحة 40
الثلاثاء 31-مايو-1983
• الشيوعيون يهدمون المساجد ويحولونها إلى متاحف ومكتبات شيوعية.
• الشيوعيون استولوا على السلطة سنة
١٩٤٤ على أكتاف المسلمين.
• العثمانيون الأتراك حملوا راية
الإسلام إلى ألبانيا.
• السجن تسع سنوات لمن يطهر صبيًّا، وخمس لمن يستمع إلى إذاعة دينية خارجية.
• الحكام الملاحدة يجندون التلاميذ
الصغار؛ للتجسس على آبائهم في المناسبات الدينية.
ألبانيا هي إحدى دول البلقان، تمتاز بمركز استراتيجي هام؛ إذ تعتبر
ممرًّا إلى البحر الأبيض المتوسط، وتتاخم حدودها مع اليونان وبلغاريا ويوغسلافيا.
وقد تمكن العثمانيون الأتراك من فتح ألبانيا، وحملوا الإسلام الحنيف
إلى شعبها الباسل، وأصبحت ألبانيا جزءًا من دولة الخلافة الإسلامية حتى سنة ۱۹۱۲ عندما أعلن استقلالها بعد أن
استقر الإسلام في قلوب أبنائها كدين شعبي أصبح يدين به أكثر من ۸۰ % من عدد السكان الإجمالي.
وأصبحت المساجد منتشرة في جميع أنحاء البلاد باستثناء الجزء الشمالي
من البلاد، الذي كان يوجد به عدد من المسيحيين الأرثوذكس والرومان والكاثوليك.
وكانت ألبانيا الدولة الأوروبية الوحيدة، التي كانت تعيش فيها أغلبية
مسلمة منذ القرن الخامس عشر الميلادي.
الاستيلاء الشيوعي
كيف استولى الشيوعيون على السلطة؟!
الشيوعيون استولوا على السلطة سنة ١٩٤٤، وجعلوا من أهم اهتماماتهم
القضاء على الإسلام، واستئصال جذوره العميقة من قلوب المسلمين الألبان، لكن بطريقة
المداراة والمخادعة في بداية الأمر؛ إذ تمكن الشيوعيون بقيادة زعيمهم أنور خوجة من
الوصول إلى السلطة على أكتاف رجال الدين من المسلمين والمسيحيين، الذين حاربوا الفساد
الذي كان منتشرًا في البلاد في عهد الملكية، وقادوا الثورات الوطنية من أجل محاربة
الظلم والاستبداد، فركب الشيوعيون الموجة، وتمكنوا بدهائهم ومكرهم من السيطرة على مقاليد
الأمور بعد إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، في بداية الأمر حاول «أنور خوجة» ورفاقه
اتباع سياسة لينة مع الزعماء الدينيين في فترة استرخاء واستعداد في آن واحد للانقضاض
على أئمة المسلمين وزعماء المسيحيين؛ لذلك بدأوا حكمهم بتخصيص رواتب لعلماء المسلمين
وأساقفة الكنائس، واحتفظوا بالمساجد والكنائس؛ خوفًا من إثارة مقاومة شعبية ضد حكمهم
قبل أن يستقر.
وبعد أن أحس «أنور خوجة» باستقرار الأمور والسيطرة على زمامها لحساب
الحزب الشيوعي أعلنها حربًا على المسلمين والمسيحيين، ورفع شعار «الدين أفيون الشعوب»،
كما رفعه من قبله أسياده من أمثال ماركس ولينين وستالين، فأمر بإغلاق عشرات المساجد
التي كانت تنتشر في جميع أنحاء البلاد، وبإغلاق المدارس الدينية، وأوقف صرف رواتب الأئمة
والأساقفة.
وهكذا اختفت التربية الإسلامية من حياة المسلمين الألبان، وبدأت
الصحف والإذاعة حملة شعواء لتشويه سمعة رجال الدين، ووصفهم بمن يعيشون على حساب الشعب
دون تحديد من تقصدهم بذلك؛ خوفًا من نقمة الشعب الذي فوجئ بالأمر من أساسه.
مضايقات
كل ذلك
كان تمهيدًا للتغيير الكبير والاستراتيجي، الذي أعلنه «أنور خوجة» نفسه سنة ١٩٦٧ عندما
أعلن الحرب رسميًّا ضد الدين، وحث شباب الحزب على التصدي لكل من يجهر بأداء شعائر الإسلام،
وتعرضت المدارس الدينية للتدمير والإغلاق، وكذلك المساجد والكنائس.
ورغم ذلك فقد تمسك الشعب المسلم بدينه، وظل أفراده يؤدون شعائرهم
في بيوتهم سرًّا، فجندت الحكومة الشباب الملحد؛ للبحث عن أولئك الذين مازالوا على أداء
الشعائر، والإبلاغ عنهم.
وبدأ الاضطهاد، وفتح باب الاعتقالات الجماعية، وأخذت التربية الأيديولوجية
السياسية مكان التربية الدينية، وتحولت المساجد إلى مستشفيات ومكتبات عامة تعرض فيها
الكتب الشيوعية، وبعضها أصبحت مخازن أعلاف للبهائم أو متاحف يزورها السواح، وأصبحت
التنظيمات الشبابية الثورية هي المسؤولة عن ترتيب الزيجات الودية بين الفتيات والفتيان
على أساس أن كل ما في الدولة ملك للدولة والحزب.
وبدأت الحكومة تشجع الزواج بين المسلمات وغير المسلمين، لكن أمام
كل هذه القيود ظل المسلمون متمسكين بدينهم، فكانوا يطلقون أسماء إسلامية على أبنائهم
وبناتهم رغم الأسماء الإلحادية، التي تطلقها الحكومة عليهم لدى ولادتهم بالمستشفيات
العامة، وكان المسلمون يطهرون أبناءهم على السنة، ويعقدون زيجاتهم على الطريقة الإسلامية
سرًّا.
ولما اكتشفت السلطات تلك الممارسات الدينية السرية جندت أبواق إعلانها
المضلل؛ لتخويف الناس، وحث شبان المناطق على دقة المراقبة على المناطق الخاضعة لمراقبتهم،
والإبلاغ عن الممارسات اللاحزبية، وسنت السلطات قوانين جائرة فرضت بموجبها عقوبة السجن
سنة كاملة على الزواج السني مع الإجبار على الطلاق، والسجن سنتين أو ثلاث سنوات لمن
يطهر ابنه على طريقة السنة، وأصبحت عبارة «إن شاء الله» دليلًا على التمسك بالدين يعاقب
عليها.
وقد حكم بالفعل على رجل طهر ابنه بالسجن تسع سنوات، وعلى آخر كان
يستمع إلى إذاعة دينية خارجية بالسجن خمس سنوات.
وعندما شعرت السلطات بعدم صرامة هذه الوسائل كلها في حمل المسلمين
على ترك العبادات جعلوا من الأطفال جواسيس على آبائهم، وخاصة عند المناسبات الدينية؛
حيث يطلب من التلاميذ الصغار في المدارس التعبير عما أكلوه في البيت، وهل أقيمت حفلات
في بيوتهم أم لا، وتتخذ إجابات التلاميذ حججًا للاعتقالات والاستفزازات العشوائية.
وقد توج «أنور خوجة» كل هذه الإجراءات الصارمة ضد المسلمين بإصدار
دستور جديد عام ١٩٧٦ يدعو إلى منع الدعوة إلى الدين منعًا باتًّا؛ بغية القضاء النهائي
على ما تبقى من ممارسات دينية، ظل الشعب متمسكًا بها رغم التحدي الرسمي المعلن ضد الدين.
لا توجد في ألبانيا إلا سفارة
عربية واحدة!
رغم الماضي المشرق للإسلام في ألبانيا، فإنه بعد وصول الشيوعيين
المتطرفين إلى الحكم فيها عمدوا إلى طمس كل الآثار الإسلامية وفرضت السلطات الإلحاد
على أبناء الشعب الألباني، وحرمته من أي اتصال خارجي وخاصة بالعالمين العربي والإسلامي
بعد أن أصبحت ألبانيا لا تربطها علاقات دبلوماسية بأي دولة عربية سوى مصر.
وألبانيا في الوقت الحاضر أشد صرامة في التطبيق الحرفي للمبادئ الماركسية
من جميع الدول الشيوعية الأخرى، بل تعتبر معظم الدول الاشتراكية متهاونة في تطبيق النظرية
الماركسية وبسبب هذا التطرف الماركسي أصبحت ألبانيا لا تقيم علاقات دبلوماسية لا مع
الاتحاد السوفيتي ولا مع الصين.
كما أنها لا ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع الولايات المتحدة؛ لأنها
دولة إمبريالية.
ومن صرامة تشبث السلطات الألبانية بالمبادئ الشيوعية يجد الزائر
نفسه في ألبانيا كأنه في سجن كبير، فالتجار الذين يزورون ألبانيا لهم فندق خاص بهم
يقابلون فيه التجار المحليين، وتتم معاملاتهم في نفس المكان، وللزوار العاديين فنادق
خاصة كذلك لا ينزل الضيف فيه إلا تحت مراقبة عيون النظام، ويحظر عليه الاختلاط بأفراد
الشعب.
صراع داخلي أم انتحار؟
أنور خوجة الذي يرأس البلاد منذ استيلاء الشيوعيين على السلطة عام
١٩٤٦ أكبر ديكتاتور حزبي في العالم، فهو الكل في الكل، وأي شخص يحاول أن يعارض رأيه
فمصيره الموت والاغتيال، وإن كان هذا الشخص من أقرب المقربين إليه.
فقد تخلص من رئيس وزرائه محمد شيحو في ظروف داخلية غامضة، ثم نشر
خبر انتحاره يوم ۱۸ ديسمبر ۱۹۸۱، لكن المراقبين في ذلك الوقت لم يصدقوا
خبر الانتحار الذي أذاعته الجهات الرسمية الألبانية، بل عزوا سبب وفاته إلى خلاف بينه
وبين رئيس الحزب «أنور خوجة» حول الممارسات الحزبية المتطرفة التي عزلت ألبانيا عن
العالم الخارجي بعد أن نجحت في استئصال الإسلام فيها بالإغراء تارة، وبالإرهاب تارة
أخرى.
لكن الشيء الذي نؤكده هو أن الإسلام لا يمكن أن يموت في قلوب أبنائه
مهما طال أمد التحدي، وأن الشعب الألباني المسلم المغلوب على أمره کإخوته في الجمهوريات
الإسلامية السوفيتية لن يخضع للإرهاب والقهر إلى الأبد، بل سيظل قابضًا على إسلامه
بكل الوسائل المتاحة له سرًّا حتى يأتي اليوم الذي يقوى فيه عوده، فيحطم قيود الإلحاد
المفروضة عليه، ويعود إلى دينه الحنيف في عزة ووقار.
وبعد.. لابد وقد استعرضنا معاناة المسلمين في ألبانيا من توجيه نداء
إلى جميع حكومات العالم الإسلامي، تستشعر مسؤولياتها تجاه معاناة المسلمين الألبان،
ولابد من تبني مشاكلهم؛ ليتمكنوا على الأقل من ممارسة شعائر الإسلام بكل حرية، وهذا
أضعف الإيمان.