العنوان رسائل الإخاء.. الحكم بالظاهر
الكاتب الشيخ نادر النوري
تاريخ النشر الثلاثاء 20-يوليو-1993
مشاهدات 710
نشر في العدد 1058
نشر في الصفحة 36

الثلاثاء 20-يوليو-1993
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ (النساء: ٩٤).
توجيه من الله لعباده المجاهدين في سبيله أن يطلبوا بيان كل ما يأتون ويذرون، وألا يعجلوا بأمر قبل تدبر وروية، ولا تقولوا لمن أظهر الانقياد لدعوتهم لست مؤمنًا؛ بل يقبلوا منه ظاهر حاله، ومن غير تفتيش عن السرائر والضمائر، فكما كنتم من قبل فمنَّ الله عليكم بالإيمان وعصم دمائكم وأموالكم، فلا تتهافتوا في القتل، وكونوا محترزين محتاطين في ذلك. قال الرازي: اعلم أن المقصود من هذه الآية المبالغة في تحريم قتل المؤمنين، وأمر المجاهدين بالتثبت فيه؛ لئلا يسفكوا دمًا حرامًا بتأويل ضعيف.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: في الآية دليل على أن من أظهر شيئًا من علامات الإسلام لم يحل دمه حتى يختبر أمره؛ لأن الإسلام تحية المسلمين.
وقال بعض المفسرين: ثمرة الآية الكريمة وجوب التثبت والتأني فيما يحتمل الخطر والإباحة؛ لقوله: «فتبينوا» وهذا قراءة الأكثر، وقرأ حمزة والكسائي «فتثبتوا» ويدخل في هذا أحكام كثيرة من الاعتقادات والأخبار من الأحكام وسائر الأعمال، فهذا حكم، والحكم الثاني: أنه يجب الأخذ بالظاهر، فمن أظهر الإسلام أو شيئًا من شعائر الإسلام، لا يُكذَّب، بل يقبل منه، ويدخل في هذا الملحد والمنافق وهو مذهب الأكثر، ويدخل في هذا أيضًا توبة المرتد خلافًا لأحمد وقبول توبة الزنديق وهو قول عامة الأئمة خلافًا لمالك.
أما مسألة من أراد الدخول في الإسلام وهو على عقيدة فاسدة، وأنه لابد في صحة إسلامه من تبرئه عنها، ونبذها ظهريًا تفسير القاسمي 5/1473
وبقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ (الحجرات: ١٢) أي اجتنبوا الظن الوهمي الذي هو من مراتب الشك، واجتنبوا الحكم على الناس الظن الراجح برجحان ضعيف لا يقوى على إدانتهم.
لأن بعض الظن يفضى إلى اتهام الناس بغير حق، فيوقع الظان بالإثم، فالحيطة في الأمر تقتضي الحكم على الناس بالظاهر؛ حتى لا يجر الظن إلى اتهامهم بغير حق وإصدار أحكام جائرة ضدهم. ومن شأنه أن يفسد العلاقات الاجتماعية ويولد الأحقاد والعداوات، ولكن هذا لا يعني الغفلة وترك الحذر.
روى الإمام أحمد بإسناده عن علي قال جاء النبي صلى الله عليه وسلم أناس من قريش قالوا: يا محمد، إنا جيرانك وحلفاؤك، وإن ناسًا من عبيدنا قد أتوك ليس لهم رغبة في الدين ولا رغبة في الفقه، إنما فروا من ضياعنا وأموالنا فأرددهم إلينا. فقال لأبي بكر ما تقول؟ قال: صدقوا إنهم جيرانك، قال: فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال لعمر: ما تقول؟ قال: صدقوا، إنهم لجيرانك وحلفاؤك، فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم. إسناده صحيح.
هذا الحديث يدل على قاعدة عظيمة من أسس القواعد الإسلامية: أن يقبل ممن أسلم ظاهر إسلامه، كما يدل عليه القرآن... بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (النساء: ٩٤). وتدل عليه السنة، وأنه لا يملك أحد، لا قاض، ولا أمير، ولا ملك، ولا خليفة، أن يبحث في الدوافع التي تدفع من أسلم إلى الإسلام، أسلم مخلصًا، أسلم متعوذًا، أسلم طامعًا، أسلم لأي شيء. كل ذلك سواء في ظاهر الحكم، لا نملك غير ذلك، حتى إن رسول الله وهو الذي يوحى إليه تغير وجهه لصاحبيه أبي بكر وعمر، إذا ظنَّا أنه يجوز البحث في ذلك لما بدا لهما من صحة القرائن التي شرحها هؤلاء الوفد من قريش، ولكن رسول الله طرح كل هذا، وأثبت ظاهر الإسلام.
وقد تأدب عمر رضى الله عنه بهذا الأدب الذي أدبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى لقد جاءه في خلافته رجل من الشعوب، أي الأعاجم، فشكا إليه أنه أسلم وأن الجزية تؤخذ منه، فقال عمر: لعلك أسلمت متعوذًا. فقال الرجل أما في الإسلام ما يعيذني. فقال عمر: بلي. رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في الأموال بإسناد صحيح / رقم ١٢٢.
فهذا الرجل لم يرض أن يجادل عن نفسه، وأن يتحدث عن ضميره، فيقول مثلًا، أنه أسلم خالصًا راغبًا في الإسلام، وقد لا يصدقه عمر، وإنما لجأ إلى سماحة الإسلام، وإلى حكم الإسلام، فهلا يفيده هذا الإسلام ويحميه إذا كان أسلم متعوذًا، سأل سؤال واضحًا صريحًا، فلم يستطع عمر إلا أن يجيب الجواب الصحيح: بلى.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

