; قــوانين الاقتصاد الســياسي ليست عامة ولا دقيقة ولا حتمية!! | مجلة المجتمع

العنوان قــوانين الاقتصاد الســياسي ليست عامة ولا دقيقة ولا حتمية!!

الكاتب د. عيسى عبده

تاريخ النشر الثلاثاء 16-يونيو-1970

مشاهدات 30

نشر في العدد 14

نشر في الصفحة 12

الثلاثاء 16-يونيو-1970

لم يبقَ في أرض الله من يؤمن بالاقتصاد السياسي الوضعي إلا المجتمع الإسلامي المعاصر المغلوب على أمره
 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد فإن «علماء» الاقتصاد السياسي يقولون بالحرف الواحد:

قوانين الاقتصاد السياسي ليست عامة، ولا دقيقة، ولا حتمية!!  

أصول الاقتصاد من الكتاب والسنة، تقع في مجموعات ثلاث، يجيء ذكرها تباعًا، غير بعيد إن شاء الله رب العالمين.

وقد تفضّل بعض القراء بالتساؤل عن ماهية هذه القوانين ونصوصها ويستعجلون الكلام عنها.. على أمل أن يجدوا بعد طول الترقّب والقلق.. ركنا شديدًا يأوون إليه.. وقد تهاوت من حولهم الهياكل التي أقامها الإنسان يريد بذلك أن يطاول إرادة الخالق جل وعلا.. وما من بناء هذا أصله ومُبتغاه إلا ومصيره إلى الانهيار كما كان المصير المحتوم لصروح فرعون وهامان.

أصول الاقتصاد من الكتاب والسنة، دراسة جادّة.. لا يُلقى بها في جو عاصف من الفكر المريض والدعايات الرخيصة.. بل يسبقها حتمًا كشف صادق رصين لسوءات هذا السفه الصغير الذي يُقال له «علم الاقتصاد السياسي»، ولست أدّعي أنه في عدد يسير من المقالات سيكون في وسعي إحصاء العيوب والنقص وسائر أسباب اليأس من شيء يقال له: «الاقتصاد السياسي».

كما يتعذر إحصاء الأقوال الصريحة التي سجّلها التاريخ المعاصر لكُتّاب بارزين ومعترف بهم.. وهم بصدد المتابعة لجهود من سبقهم وتقدير الموقف الراهن لشيء اسمه النظرية الاقتصادية.. ولأشياء أخرى يُقال لها فكر ورأي ونظام وسياسة وعقيدة ومذهب.. إلى آخر ما ذكرناه في مقال سابق...

نقول بأنّه من العسير أن نُمضي أقوال الكُتّاب المشهورين الذين وصفوا علمهم هذا بأنه فاشل.. وقد نرجع إلى هذه المحاولة في مناسبة أخرى إن شاء الله رب العالمين. أما الآن.. فإني محدثك عن نموذج واحد أو اثنين من الاعترافات المشهورة، في كل جامعات العالم... وهي اعترافات صريحة يصعب على أحبار الاقتصاد السياسي أن يعمدوا إلى تأويلها أو تفسيرها بغير ما تنطق به.. ومن ذلك قول مشهور لعالم إنجليزي مشهود له بالتفوق.. قال سيادته في كتابه المسمّى بالنظرية العامة.. قال ما يلي بالنص:

«إن أهم الأخطاء البارزة التي يقع فيها المجتمع المعاصر من حيث أوضاعه الاقتصادية.. أمران: أحدهما، العجز عن ضمان العمالة الكاملة «أي القضاء على البطالة»، والأمر الثاني هو التوزيع العشوائي للثروات وللدخول بين الناس.. على تفاوت شدید وغیر عادل».

ثم يستطرد للقول بأن ضرائب الدخل ورسوم التركات قد أسهمت في التقليل من الفروق بين الناس.. ويُسهب في هذا وفي غيره على نحو معروف لكل مهم بأقوال «كيبز» وما دار حولها وفي أعقابها من دراسات تحتل في الدراسات الاقتصادية مكانة مرموقة..

ولكن محل النظر هنا أن هذا الكاتب، وغيره من أئمة الاقتصاد السياسي «أو الاقتصاد الوضعي كما نسميه» قد سلموا بالفشل الذريع في مواجهة متاعب الإنسان في هذا المجال المحدد، وهو مجال التعاون فيما بين الناس في إيجاد المنفعة وأسباب الرفاهية وتوزيعها بين المشتركين في العمل، في جيل واحد، وعلى مر الأجيال.. مع الحرص على استهلاك قدر من السلع والخدمات، وادخار قدر آخر يُوجَّه إلى التنمية.. أي بناء أجهزة الإنتاج ومرافق الخدمة العامة.. بحيث تكون هذه وتلك.. في تزايد مستمر من جيل إلى جيل وهذا التزايد ضروري لمواجهة زيادة السكان ولإشباع رغبات الناس، وهي بدورها في تزايد وتنوّع مع تقدم الفنون والصناعات.. وليس فيما تقدم بيانه علم غزير ولا حكمة بالغة.. وإنما هو مجرد وصف لشقاء الكثرة الغالبة من الناس في الأجيال الأخيرة على نحو غير مسبوق.. قبل الثورة الصناعية وما جاءت به من قدرات متزايدة على الإنتاج..

ويتمثل هذا الشقاء في أمور جوهرية، نشير إلى بعضها فيما يلي:

أولًا- إن ثلثي سكان العالم يعيشون عند حد الكفاف.. أي يجدون من القوت والكساء والمأوى ما يحفظ عليهم تردد الأنفاس.. فلا يهلكون.. ويُعبّر الاقتصاديون عن هذا المستوى من العيش بأنه هبوط بالآدمية إلى حد يقترب بها من المادية الجامدة المجردة من الحس وتذوق الحياة.. فكما أن افريز الشارع «موجود» تدركه العين المجردة.. فكذلك المشردون الذين يقضون الليل من فوقه في أسمال بالية.. موجودون وتدركهم العين المجردة.. وكذلك بائعات الهوى اللائي يتسكعن هنا وهناك.. ويقضين الليل على أمل التلاقي.. من أجل كسرة الخبز وإيجار المأوى الحقير.. وكذلك النشالون وقطاع الطريق والعصابات.. كل هؤلاء خلق كثير يعترف لهم العلم الحديث بأنهم «موجودون» ولكنهم غير أحياء.

ثانيًا- فقدان الضمانات الأساسية لحياة الآدمي.. كحق العمل وفرصه المتاحة.. وإمكان الحصول على أجرٍ مناسب لأدنى مستوى يكفي لمواجهة الضروريات..

ثالثًا- ضياع الأسرة من بعد عائلها.. في معظم القطاعات، وكل علاج لهذا البلاء قد كان جزئيًا.. ولا يزال.

رابعًا- استمرار التفاوت بين الأفراد والجماعات والشعوب.. فيما يصيبه كل منها من متاع الدنيا ومن عوامل الأمن، في أدنى مراتب الأمن للفرد ولعياله...

هذا الشقاء الذي يتزايد بالنسبة للمجتمع البشري كله مع تقدم الآلة والصناعة والتكنولوجيا.. ومع تزايد كم الإنتاج.. قد لفت نظر الباحثين.. فكتبوا من أواسط القرن العشرين إلى يومنا هذا كتابات صريحة واقترحوا حلولًا حسبما هداهم اجتهاد الحر الطليق من كل إيمان بالقوة القاهرة فوق العباد..

فالاشتراكيون والشيوعيون يزيدون ثباتًا على ضلالهم.. ويشددون في أفكار حق الفرد في أن يتملك.. وآخر ما وصلوا إليه هو كراهة المقدرة الشخصية أو الكفاءة، والعمل على تسخيرها قسرًا لصالح الجماعة المتسلطة باسم الشعب أو باسم الجماهير..

فلم تعد ملكية رأس المال -فقط- هي الوضع المحرم، على زعم أنه وضع ظالم.. وإنما أصبح عند الشيوعيين وأحبارهم.. كل تملك صورة من صور الظلم.. حتى ولو كان التملك منصبًا على موهبة إدارية أو كفاية علمية أو قدرة على الإفادة من بعض قوى الطبيعة.. فهذه كلها صور دخلت في المحظورات.

أخيرًا، لأنها أنشأت طبقة تُسمى طبقة «التكنوكرات» وهذه التسمية تشير إلى الكفايات الشخصية والمواهب الطبيعية.. التي أصبح الانتفاع بها لصالح أصحابها خطرًا يهدد المجتمع الشيوعي أو الاشتراكي على حد سواء.. فهما ظلان كئيبان لنزعة جماعية واحدة..

وهكذا سمعنا في الأعوام الأخيرة أنباء الثورات الثقافية وسمعنا عن الحملات العنيفة على طبقة التكنوكرات.. وسمعنا في دار الإسلام من ينادي في جرأة حمقاء «فليسقط المتعلمون الجهلة»، وكان المنادون بطبيعة الحال من الإمعات المضللين.. أو كانوا على حد قول شوقي الشاعر ببغاوات بريئة.. لقّنوها كلمات نزهات أو بذيئة.

وأما أحبار اليهود وسدنة الدولار والإسترليني وسائر العملات الصعبة.. من المروّجين للرأسمالية فقد رأوا الخطر المحدق من انتشار الشيوعية في خارج أرضها.. فعمدوا إلى المعونات.. وفي هذا الباب كلام مفصّل وهام.. ولكنه بعيد عن موضوع المقال.. وخلاصة أن - المعونات لم تكن عن قصد طيب ولا بهدف إنساني ولذلك فشلت في صد تيار الفكر الشيوعي.. ومن حيث إن الرأسمالية لا تجهل شيئًا هامًا كهذا فقد استعدت لاحتمالات النزاع العالمي المسلح ووضعت لهذا الغرض سياسات باغية غاشمة.. لا صلة بينها وبين الإنسانيات حتى ندخلها في حساب الاقتصاد..

والمحصلة الأخيرة هي الفشل.. فشل الاقتصاد السياسي، والنزول بالمجتمع الإنساني جيلًا بعد جيل إلى أدنى المراتب.. من حيث انتشار الجوع والخوف، في يومنا هذا، وفي أي مستقبل منظور.

ومن الإنصاف أن نقول إن فريقًا من الكُتاب الأجانب قد وجد الجرأة الكافية ليعلن رأيه هذا صراحة... ونذكر منهم عددًا قليلًا: وكلهم أعلام في الدراسات الاقتصادية وفي أشهر الجامعات.. وفيما يلي بعض الأسماء «موريس بييه» من جامعة باريس، «فرانسو بيرو» من جامعة باريس، «جوزيف شاميلتر» من جامعة هارفارد، «فيرمان أوليس» رئيس قسم الاقتصاد بجامعة لوزان.

ولهذا الأخير رأي نُشِر من عام ١٩٥٩، ولا يزال ثابتًا عليه.. إلى آخر ما قرأت له في أوائل عام ۱۹۷۰ الميلادي الذي يظلنا.. يقول هذا الأستاذ الكبير إن فشل النظم الاقتصادية المعاصرة.. سيؤدي بالعالم إلى حرب عالمية.. ما لم تعدل عن التظالم وعن التسلح وتعالج التضخم..

ومن تلامذته كاتب ثاقب البصيرة اسمه جورج مانوسوس وهو يوناني تخرج في لوزان.. وكتب رسالة تقع في خمسمائة صفحة.. يحذّر العالم من المصير.. وقد أيّده في أقواله أستاذه «فيرمان أوليس»، ولقد سبق لي أن أشرت إلى أستاذ آخر اسمه «ليبرت» وهو ينعى على الاقتصاد المعاصر أنه يشهد مأساة الجوع في كل أرض حتى في الولايات المتحدة.. ولكن على تفاوت في خط المجتمع من الشقاء والجوع ودرجة البؤس التي تتردى فيها الطبقات المحرومة.. في كل من المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي.

 وما قصدت إلى الإحاطة.. إن هي إلا تذكرة.. ثم أقول، وكلي أسى وحزن.. إنه لم يبقَ في أرض الله من يؤمن بالاقتصاد السياسي الوضعي إلا المجتمع الإسلامي المعاصر.. المغلوب على أمره المصبوغ بالصبغة الغربية.. الذي فقد شخصيته وحاول أن ينتحل شخصية رأسمالية أو شيوعية.. وغرق في تمجيد هذه أو تلك.. وأنت تريد الدليل، يا سيدي القارئ، ومن حقك أن تقف على الدليل.. فهاكه من بعض المراجع المفروضة على شباب المسلمين:

كتاب يُقرأ في الجامعات، وفي الكليات المتخصصة في الاقتصاد، وصاحباه أستاذان يشغلان مراكز الصدارة في تعليم الاقتصاد..

وهما يقدمان علم الاقتصاد- السياسي.. على أنه علم تفردت قوانينه بأنها:

لیست عامة -وليست دقيقة- وليست حتمية.. ومع ذلك هي عند الجامعات الإسلامية قوانين.. وعلم الاقتصاد السياسي علم مقدس.. لا يمكن أن يفتى عند باب من أبواب الفقه، لأن الفقه من الدين.. والدين منقطع عن الاقتصاد؟!

وإذ نورد النصوص المفروضة على الطلاب فإننا نقرر بأنها وردت في معرض التقرير والأقدار فهي لم تذكر تمهيدًا لنقدها.. أو هدمها.. بل سيقت وكأنها حقائق تدين لها الرقاب.. ولذلك سأدلك على الكتاب والطبعة والنص.. لترجع إليه إن شئت.. ولترى أننا لم نجتزئ ولم نقطع سياق الكلام بل ننقل الكلام الصغير الذي يتعلمه أبناؤنا.. بدلًا من أن يدرسوا فقه الأموال.. ولستُ بقائل إن الاقتصاد الوضعي واجب الاستبعاد من جملة الدراسات.. ولكني أقول بأن بوضعه في الدراسات المقارنة.. كما يدرس الراغبون في التعمق كلا من الكفر والإلحاد.. وهم بسبيل التثبت من قضايا التوحيد، أو كما يدرس الطبيب أعراض السرطان وظاهرات الأوبئة ووافدات الأمراض..

أو كما يدرس رجال القانون دوافع الجريمة ونزعات الإجرام..

هذه كلها دراسات ضرورية في بعض مراحل التخصص.. ولكنها لا تقدم إلى شباب الأمة الإسلامية على أنها الحق، وأنها الأول والآخر.. وهكذا كان ولا سبيل إلا أن يكون الاقتصاد هكذا.. يسير وفقًا لقوانين لا هي عامة ولا هي دقيقة ولا هي حتمية.. وقبل أن نورد النص العظيم بأصله وفصله.. نُسائل المجتمع الإسلامي.. نسائل ولاة الأمور.. ونُسائل كل جامعة في بلد إسلامي: إلى متى يحجب فقه الأموال عن شباب الأمة ويقدم إليهم هذا الضلال على أساس أنه علم... وقد اعترف الذين ابتدعوه.. بأنه فاشل.. ولم يزد على الأخذ والرد في مائتي عام.. إلا تشفيًا وتجهيلًا ولم يزد الناس بسببه إلا فرقة وكراهة وانقسامًا؟

أما المرجع والنص، فها هو ذا وما هو إلا نموذج من عشرات باللغة العربية وغيرها من اللغات: الكتاب الذي ننقل عنه: مبادئ الاقتصاد السياسي.. المؤلفان: الدكتور رفعت المحجوب والدكتور عاطف صدقي السنة ١٩٦٧.

الناشر: دار النهضة العربية- بيروت، لبنان.. الصفحات من ٢٣ إلى ٢٦.

النص بالحرف الواحد.. ونُكرّر القول بأنه ليس بعده ولا قبله ما ينقضه أو يقلل من شأنه كمرجع أول وأخير لقوانين علم الاقتصاد.. وسنعود إلى مناقشة هذه الأقوال المنهارة لبيان تفاهتها بالقياس إلى ما اشتمل عليه التراث.. أما النص فهو كما يلي:

١- القوانين الاقتصادية:

يقصد بالقانون العلمي العلاقة الثابتة المستمرة بين ظواهر معينة. فإذا كانت هذه الظواهر اقتصادية كان القانون اقتصاديًّا.

وتهدف كل العلوم، ومن بينها علم الاقتصاد، إلى استخلاص القوانين التي تحكم العلاقات بين الظواهر التي تدرسها. ويتحقق ذلك -في نطاق الاقتصاد- عن طريق ملاحظة الظواهر الاقتصادية وتنسيقها واستخلاص ما قد يوجد بينها من علاقات منتظمة متجددة وإذا كان البعض قد أنكر القوانين الاقتصادية على أساس أن الظواهر الاقتصادية لا تربطها فيما بينها - علاقات متجددة ومنتظمة من نوع العلاقات التي تربط ظواهر العالم الطبيعي. إلا أن الاتجاه الغالب يرى أن هناك قوانين اقتصادية تحكم العلاقات بين مختلف الظواهر الاقتصادية إذا ما توافرت شروط معينة، وتسمى بشروط انطباق القانون.

والواقع أن استخلاص مثل هذه القوانين الاقتصادية له أهمية كبرى من الناحية العملية، بجانب أهميته العلمية. ذلك أنه يمكن الاعتماد على هذه القوانين، إذا ما عُني بتحديدها، في التنبؤ بما يحتمل حدوثه مستقبلًا من وقائع اقتصادية. أما إنكار قيام القوانين الاقتصادية فيعني عدم التمكن من التنبؤ بالمستقبل، ويعني أن دراسة الماضي والحاضر لا تخرج عن أن تكون نوعًا من إرضاء حب المعرفة. ولا شك أن توقّع الأحداث يسمح باتخاذ الإجراءات المناسبة لمواجهتها.

القوانين الاقتصادية ليست عامة وليست دقيقة وليست حتمية:

دار البحث لمعرفة ما إذا كانت القوانين الاقتصادية، عند الذين يعتقدون في وجودها، من طبيعة مماثلة للقوانين الطبيعية وللكيمياء، من حيث عموميتها، ومن حيث دقتها الحسابية، ومن حيث حتمية سريانها. ولقد انقسم الفكر الاقتصادي في هذا الصدد شعبًا مختلفة.

1-                        فقد اعتقد الفزيو كرات في وجود نظام طبیعي تحكمه قوانين طبيعية، ولا يمكن للجماعات الإنسانية البُعد عنه دون أن تخون مصالحها الحقيقية. فالجماعات الإنسانية تحكمها، في نظرهم، قوانين طبيعية كتلك التي تحكم العالم المادي، وهي قوانين إلهية لا يمكن مقاومتها، بمعنى أن أي تدخل صناعي يعارضها لا بد أن يفشل.

واعتقد التقليديون أيضًا في وجود قوانين طبيعية تحكم الظواهر الاقتصادية وفي أنها قوانين عامة ومطلقة. ولكنهم قدموا لها أساسًا علميًّا. فقد جعلوا أساس بحثهم الإنسان الاقتصادي الذي تحركه المصلحة الشخصية وهو إنسان موجود في كل زمان ومكان. فالقوانين الاقتصادية في نظرهم قوانين عامة تنطبق في كل زمان ومكان.

2-                         إلا أن الاتجاه الغالب، وهو اتجاه حديث، يرى أن القوانين الاقتصادية ليست عامة بل نسبية، وليست لها الدقة الحسابية التي للقوانين الطبيعية، وأنها ليست حتمية السريان بل هي قوانين احتمالية.

«أ» نسبية القوانين الاقتصادية:

ليست القوانين الاقتصادية قوانين عامة شاملة التطبيق، بل هي قوانين نسبية ذات تطبيق محدود، تتغير بتغير الزمان والمكان. ويرجع الفضل في صياغة هذه الفكرة إلى المدرسة التاريخية التي أنكر أغلب كُتابها وجود قوانين طبيعية، وأخذوا الاقتصاد على أنه علم قوانين التطور الاقتصادي في الشعوب المختلفة. وهكذا جردت هذه المدرسة القوانين الاقتصادية من صفة الإطلاق والعمومية، وأصبحت تنظر إليها على أنها قوانين نسبية.

«ب» عدم الدقة الحسابية:

وعلاوةً على ذلك فلا تتوافر للقوانين الاقتصادية الدقة الحسابية التي تتوافر لقوانين الطبيعة أو الكيمياء أو الفلك.

ويرجع ذلك إلى تعدد وتشعب وتشابك العوامل التي تؤثر في الأحوال الاقتصادية، بحيث يؤدي تغير أي عامل من هذه العوامل إلى عدم - انطباق القانون بحذافيره. ونتيجة لذلك لا يمكن الاعتماد على هذه القوانين للحصول على نتائج دقيقة محددة، وإنما فقط لاستخلاص ميل أو اتجاه معين.

 «جـ» علم حتمية السريان:

ليس للقوانين الاقتصادية انضباط قوانين العلوم الرياضية والطبيعية، بل هي كباقي قوانين العلوم الاجتماعية قوانين احتمالية قد تنطبق وقد لا تنطبق. ويرجع الفضل في صياغة هذه الفكرة، التي لاقت قبولًا عند كثير من الاقتصاديين، إلى «أوجيست كلنت» الذي فرّق بين نوعين من القوانين هما: قوانين الدرجة الأولى وهي القوانين المنضبطة الانطباق، أي التي لا تحتمل الاستثناءات ومنها قوانين الرياضة والطبيعة، وقوانين الدرجة الثانية، وهي القوانين - الاحتمالية التي قد تنطبق وقد لا تنطبق وهي قوانين العلوم الاجتماعية ومنها الاقتصاد.

والواقع أن الظروف اللازمة- لقيام العلاقات بين الظواهر الاقتصادية قد تتوافر وقد لا تتوافر، على عكس الظروف اللازمة لقيام العلاقات بين الظواهر الطبيعية. وعلى ذلك فإن القوانين الاقتصادية قد لا تنطبق لا لعدم صحة العلاقات بين الظواهر رغم توافر الظروف اللازمة. بل لعدم توافر هذه الظروف.

الرابط المختصر :