; آداب الطفل العربي المعاصر وفنونه الأبعاد.. القيم.. المحاذير | مجلة المجتمع

العنوان آداب الطفل العربي المعاصر وفنونه الأبعاد.. القيم.. المحاذير

الكاتب د. مصطفى جمعة

تاريخ النشر الخميس 01-مارس-2018

مشاهدات 18

نشر في العدد 2117

نشر في الصفحة 24

الخميس 01-مارس-2018

لكل مجتمع فنونه الموجهة للطفل التي تختلف حسب ثقافته ومستواه الحضاري

«الحواديت» كانت تشبع حاجات الطفل النفسية والتخيلية بجانب السيرة النبوية وقصص أبطال العرب

يعد أحمد شوقي ومعروف الرصافي وكامل كيلاني وأحمد نجيب وعبدالتواب يوسف رواد أدب الطفل

أكثر من 13 ألف كتاب للطفل نشرت بعام واحد في أمريكا مقابل 1700 كتاب في الأقطار العربية مجتمعة!

مؤسسة واحدة في بريطانيا يعادل إنتاجها حجم إنتاج الناشرين اللبنانيين وقوتهم التجارية كلهم

هدف البعض الرئيس هو جذب الطفل وتشويقه بكل السبل وهو ما يكون له تأثير سلبي على المضمون

قصة «علي بابا والأربعين حرامي» تقدم قيماً سلبية تتمثل في الحصول على الثروة دون عناء

من مشكلات فنون الطفل العربي إعلاء الذكورية في الآداب والفنون وتغييب الأنثى بشكل متعمد

تُعَدُّ آداب الطفل وفنونه روافد أساسية في تشكيل شخصية الطفل وبناء تكوينه النفسي والعقلي والفكري والاجتماعي، فكما يحتاج الكبار والناضجون إلى فنون تشبع ذائقتهم وتملأ خيالهم ووجدانهم، فإن الأطفال في حاجة أشد لمثل ذلك؛ في ضوء الطول النسبي لمراحل الطفولة من سني الطفولة المبكرة إلى سن الثامنة عشرة وفق تصنيف علم نفس النمو لها؛ وهو ما يجعل الإنسان من أكثر المخلوقات طولاً في مرحلة طفولتها، قياساً بغيره من الكائنات.

تُعرَّف فنون الطفل وآدابه بأنها «الآثار الفنية التي تصور أفكاراً وإحساسات وأخيلة، تتفق ومدارك الأطفال، وتتخذ أشكال القصة والشعر والمسرحية والمقالة والأغنية والفيلم والمسلسل وسائل لها(1)، وهو تعريف يتخطى الفهم الدارج الذي يحصر أدب الطفل في الأشكال المكتوبة فقط، ليمتد فيشمل مختلف الفنون القولية والمسموعة والمرئية، مما يجعل فنون الطفل صناعة كبرى، يتضافر في إبداعها كتّاب وفنانون وشعراء وموسيقيون ومسرحيون وممثلون.. إلخ، بل إنه يحفز كل مبدع للمشاركة في هذه الفنون التي احتلت مكانة كبرى، خلال العقود الخمسة الأخيرة.

أيضاً، فإننا لا نتفق مع الرأي القائل بأن فنون الطفل وآدابه إنما هي أشكال مستحدثة تأتي متزامنة مع النهضة المعاصرة في الغرب والشرق(2)، ذلك أن فنون الطفل وألعابه ترتبط بوجود الإنسان نفسه على الأرض، فلكل مجتمع فنونه الموجهة للطفل، التي تختلف حسب ثقافته ومستواه الحضاري.

جذور ممتدة

تمتد جذور أدب الطفل في الثقافة العربية إلى ما قبل الإسلام، ممثلة في أغاني المهد، والقصص والطرائف، ولنا في مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم أمثلة عديدة، في توجيهاته وإرشاداته وألعابه مع الأطفال(3)، لذا فإننا في أشد الحاجة لتأصيل فنون الطفل وألعابه في تراثنا العربي والشعبي، ودراستها بشكل معمق، لتكوين صورة كاملة عن كيفية إبداع الأجداد لإشباع حاجات أطفالهم بدءاً من حكايات الجدات، مروراً بالأغاني والأشعار والقصص، وانتهاء بالألعاب الفردية والجماعية التي مارسها الأطفال في البادية والساحات الشعبية والحقول، وكلنا يحتفظ في نفسه بذكريات عن زمن جميل، عن الألعاب الشعبية في ليالي الصيف مثل «عسكر وحرامية، والقفز والركض والتسابق..» التي كانت تعزز مهارات التخطيط والتفكير الجماعي، وتدعم قيم التآلف والتعارف بين الأطفال.

ولا يزال مترسخاً في وعينا حكايات الأمهات والجدات في ليالي الشتاء الباردة، وكيف كانت “الحواديت” تشبع حاجات الطفل النفسية والتخيلية، بجانب ما كن يقصصنه من السيرة النبوية وقصص الأنبياء والصحابة، وأبطال العرب التي تجلت في السير الشعبية الكبرى، مثل سيرة عنترة بن شداد، وسيف بن ذي يزن، والأميرة ذات الهمة، والسيرة الهلالية، وسيرة صلاح الدين الأيوبي، والظاهر بيبرس.. إلخ، وكلها تتصل بأبطال العروبة والإسلام.

لقد كان هذا قائماً قبل انتشار التلفاز والقنوات الفضائية، والعيش في الأحياء الحديثة بشققها الضيقة التي تحوي الأسرة النواة الصغيرة (الوالدين والأطفال)، وليست الأسرة الكبيرة (الجدّين، والوالدين، والأعمام، وأطفال العائلة)، صنع كل هذا ذكريات، وغرس قيماً، وأورث انتماءً وهوية، وأخرج شخصيات سوية، لا تعاني عزلة وانطواء وعُقداً نفسية، دون مخالفات قيمية تعارض ثقافتنا.

النهضة الحديثة وتداعياتها

مع بداية النهضة الأدبية في العصر الحديث، بدأت ترجمات غربية لأدب الطفل في أوروبا، وتبارى عدد من الكتّاب والشعراء في إبداعات الطفل، أبرزهم أمير الشعراء أحمد شوقي من خلال ديوانه «الشوقيات الصغيرة»، والشاعر العراقي الشهير معروف الرصافي، وظهر لاحقاً رائد أدب الطفل كامل كيلاني، ثم المبدع أحمد نجيب، وعبدالتواب يوسف، وهؤلاء كتبوا الكثير من القصص المفيدة، وهناك من برع في قصص المغامرات مثل محمود سالم صاحب سلسلة «المغامرين الخمسة» و»الشياطين الـ 13»، ونبيل فاروق صاحب سلسلة «رجل المستحيل»، و»ملف المستقبل»، وتوازى هذا مع تأسيس مجلات الأطفال في العالم العربي مثل «ميكي»، و»سمير»، و»قطر الندى» في مصر، و»براعم الإيمان»، و»العربي الصغير» في الكويت، و»ماجد» و»باسم» في السعودية، ومجلة «أحمد» في لبنان.

ومع انتشار المذياع والتلفاز ظهرت أغاني الأطفال، وكان الموسيقار محمد فوزي من أبرز من أبدع في أغاني الأطفال، ثم ظهرت سينما الأفلام ومسلسلاتهم الكرتونية التي اتسعت أكثر فأكثر مع قنوات الأطفال الفضائية العديدة، التي سدت الكثير من حاجة أطفالنا المرئية والسمعية.

مجال بكر

لا شك أن المشهد العام لفنون الطفل العربي وآدابه يبشّر بخير كثير، وإن كان لا يزال مجالاً بكراً، يحتاج لدعم مؤسسي كبير، في ضوء الإحصائيات المفزعة عن ضآلة المنتَج من آداب الطفل وفنونه في العالم العربي بالمقارنة مع الدول الغربية والولايات المتحدة، فقد تم نشر أكثر من ثلاثة عشر ألف كتاب للطفل في عامٍ واحد في الولايات المتحدة، في مقابل ألف وسبعمائة كتاب للطفل في كل الأقطار العربية مجتمعة.

وتبين الإحصاءات أيضاً أن الطفل العربي لا يقرأ خارج المنهاج الدراسي سوى ست دقائق في العام، وهو متوسط ما يقرأه الطفل الأمريكي في يوم واحد، وعلى صعيد الكتاب الوثائقي للطفل، فإننا لا نزال نعتمد على الترجمة بنسبة لا تقل عن 97% في كل الكتب الموجودة، وفي كثير من الأحيان هناك معلومات مغلوطة عن الوطن العربي وتاريخه.

أما على صعيد النشر، فيكفي أن هناك مؤسسة واحدة في بريطانيا حجم إنتاجها حجم إنتاج الناشرين اللبنانيين وقوتهم التجارية كلهم، وهناك مؤسسة أخرى في أمريكا حجم أعمالها يعادل الناشرين المصريين جميعهم، ومعلوم أن دور النشر الأجنبية لها مجلس إدارة ينسق أعضاؤه فيما بينهم بما يثري العملية الإنتاجية، فضلاً عن تطوير أعمالهم(4).

كما أننا ما زلنا نستورد الكثير من المرئيات الطفولية من الغرب، وتتم دبلجتها أو ترجمتها وتوجه إلى الطفل العربي، رغم ما فيها من قيم وعادات تخالف ديننا وثقافتنا، وعلى سبيل المثال؛ هناك مسلسل مترجم يبث في إحدى قنوات الأطفال العربية، فيه الكثير من الإشارات عن العلاقة بين الجنسين، وأهمية وجود روابط عاطفية مبكرة بين الولد والبنت، وهذا ضمن ما يسمى التثقيف الجنسي المبكر، بجانب عشرات الأفلام المترجمة التي تروج للعنف والخداع بوصفهما بطولة وذكاء.

وعلى جانب المضمون في قصص الأطفال، فإننا نجد ظواهر مفزعة، تتمثل في عدم وعي بعض كتّاب الطفل بالقيم ولا بالمعلومات والحقائق، وقد بدأ هذا مع الجيل الأول من كتّاب الطفل، ولا يزال للأسف مستمراً لدى البعض، الذين يضعون هدفهم الرئيس جذب الطفل وتشويقه بكل السبل، على نحو ما نجده جلياً في سلسلة المكتبة الخضراء للأطفال، التي حوت عشرات القصص، كثيراً منها منقول عن الغرب، أو مأخوذ من بعض خرافات التراث العربي الشعبي.

ويبدو هذا واضحاً في قصص الجن والعفاريت وأمنا الغولة والسحرة؛ وكلها تزرع الخوف في نفوس الأطفال، وتجعل هذه الكائنات الخرافية حقائق ثابتة، على نحو ما نقرأه في قصة “سندريلا والأقزام السبعة”، وكيف أن الساحرة كانت متآمرة عليها، وهناك أيضاً قصص عديدة تدور حول البطل المنقذ الذي يستطيع قهر السحرة الذين مسخوا حبيبته وحولوها إلى قرد أو غزال أو شجرة، وقد صيغت هذه الفكرة في عشرات المسرحيات وأفلام الطفل، ويظن القائمون عليها أنها أفضل وسيلة لجذب عيون الأطفال بأحداثها المدهشة وصراعاتها المعقدة.

لا شك أنهم متأثرون  في ذلك بالإبداع الغربي المتتابع والمتراكم، وأشهر نتاجاته سلسلة “هاري بوتر” (Harry Potter) المؤلَّفة من سبعة كتب للكاتبة البريطانية “ج. ك. رولنغ”؛ وتحكي قصة الصبي الساحر “هاري بوتر”، منذ اكتشافه لحقيقة كونه ساحراً، وحتى بلوغه سن السابعة عشرة، فتكتشف ماضيه وعلاقاته السحرية وسعيه للقضاء على سيد الظلام “لورد فولدمورت”.

 وقد حققت هذه السلسلة نجاحاً مذهلاً، منذ صدور الجزء الأول منها وعنوانه “هاري بوتر وحجر الفلاسفة”، عام 1998م، وتُرجمت إلى معظم لغات العالم الحية ومنها العربية، وقد بيع من الكتاب السادس وعنوانه “هاري بوتر والأمير الهجين” عشرة ملايين نسخة عشية صدوره، وعُدَّ من أكثر الكتب مبيعاً في التاريخ، إلا أن الكتاب السابع والنهائي من السلسلة وعنوانه “هاري بوتر ومقدسات الموت” يتفوق عليه حيث بيع منه ثمانية ملايين نسخة في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها عشية صدوره في 21 يوليو 2007م.      

وعلى الجانب الآخر، هناك من يقدم قيماً سلبية تتمثل في الحصول على الثروة دون عناء، والمثال الأبرز لذلك قصة “علي بابا والأربعين حرامي”، فقد استطاع علي بابا بطل القصة الحصول على زكائب من الذهب والمجوهرات عندما اكتشف مغارة اللصوص التي تفتح بجملة سحرية وهي” افتح يا سمسم”، وانتصرت أحداث القصة في النهاية لعلي بابا وجاريته مرجانة، ضد تآمر شقيق علي بابا الخبيث، ونسي راوي القصة أن علي بابا حصل على أموال مسروقة ليست حقاً له، وأنه صار ثرياً فجأة ودون أي جهد أو مهارة منه.

وهو ما ناقشه أحد الأفلام السينمائية المصرية وعنوانه “محاكمة علي بابا” (1987م)، حيث اعترض الطفل في الروضة على معلمته التي دأبت على حكي القصة، وقال لها الصغير: إن علي بابا حرامي مثل الحرامية، وهو ما رفضته المعلمة، وعنفت الطفل بشدة، مما جعله يمتنع عن الذهاب إلى الروضة، لأنه مصمم على أن علي بابا لص، وطلب من والده عقاب علي بابا، فلم يجد الأب مناصاً إلا الذهاب إلى قسم الشرطة، ويطلب من الضابط عمل تمثيلية بالقبض على “علي بابا” ووضعه في القفص، ليقتنع الابن الصغير، فابتسم الضابط، واتصل بمستشفى الأمراض العقلية.

وفي الفيلم نفسه، فإن الابن الأكبر للأب (يحيي الفخراني) يرفض حفظ قصيدتين للمتنبي؛ الأولى في مدح كافور الإخشيدي، حاكم مصر، والثانية في هجاء نفس الشخص، فقال الابن: إنه منافق يتاجر بالشعر، ويتكسب به، وفشل معلم اللغة العربية مع الأب في إقناع الولد، الذي سكت على مضض، وكان لا بد من الرد عليه بأن بضاعة الشعراء هي الشعر من أجل التكسب والإثراء عبر غرضي الشعر المدح أو الهجاء، وكان هذا أمراً مستساغاً في البيئة العربية قديماً، والعبرة هنا بجمالية النص وليس بالنية من ورائه.

عقدة شهريار

أيضاً، من المشكلات ذات الصلة بفنون الطفل العربي، إعلاء الذكورية في الآداب والفنون الموجهة للطفل، وتغييب الأنثى بشكل متعمد، فيما يسمى «عقدة شهريار»، التي تتجلى في عناوين مجلات الأطفال العربية التي تحمل أسماء ذكورية على نحو ما تقدم، وترصد الإحصائيات في هذا الصدد أنه في مجلد واحد يحوي أعداداً سنوية لمجلة طفولية عربية توجد ثماني شخصيات ذكورية في مقابل شخصية أنثوية واحدة، أما النسبة العامة لتمثيل الفتاة وخطابها الأنثوي فهي 13% في مقابل 87% من تمثيل الذكور في المجلات العربية، كما أن مهن الذكور وألعابهم وأنشطتهم تغطي غالبية المحتوى المضموني في فنون الطفل(5).

ومن المفارقات أن نجد الطفل القارئ أكثر ذكاء وعلماً في أحايين كثيرة من كاتب القصة نفسه، فقد اعترض أحد الأطفال عندما سمع قصة الأديب العالمي “بورخيس” التي تدور حول الثعلب الذي أراد الحصول على قطعة الجبن التي في فم الغراب، فقال له: إن صوتك يا غراب حلو، كما تقول حيوانات الغابة، فلماذا لا تسمعني؟ فانخدع الغراب وراح يغني لتسقط قطعة الجبن فيأكلها الثعلب، قال الطفل: لا الغراب ولا الثعلب يأكلان الجبن، ومن المعلوم أن الغراب لا يغني! وهو نفس ما قاله طفل في موقف آخر، عندما سمع قصة عن الأسد الحنون الذي يجلب الطعام لأولاده، فقال الطفل: إن اللبؤة زوجة الأسد هي الموكول لها إحضار الطعام!

وختاماً؛ نؤكد حاجتنا الماسة إلى إعداد منهجي علمي لكتّاب الطفل ومبدعيه في العالم العربي، وحبذا إيجاد برامج أكاديمية أو منصات إبداعية تكون موجهة لمن يتصدى إبداعاً وتأليفاً لفنون الطفل، من أجل تقديم منظومة علمية متكاملة من القيم والأخلاقيات الإسلامية والعربية، وتعلمهم فن التخييل، وهو أمر غاية في الأهمية، فلا يزال كثير من أدباء الطفل وكتّاب السيناريو يعتمدون على الخرافات وتكوين شخصيات أسطورية أو خارقة من أجل تقديم نماذج للأطفال تجمع بين التشويق والإثارة، دون بث قيم سلبية أو الترويج لعادات وتقاليد ضد منظومتنا الأخلاقية والاجتماعية.

الهوامش

(1) أدب الأطفال: فلسفته وفنونه ووسائطه، هادي الهيتي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ص72.

(2) انظر: أدب الأطفال العربي: واقع وتحديات، د. موفق رياض مقدادي، مجلة دراسات للعلوم الإنسانية، الجامعة الأردنية، مج41،ع1، 2014م، ص129.

(3) قصص الأطفال ومسرحهم، د. محمد حسن عبدالله، دار قباء للنشر، القاهرة، 2003، ص22.

(4) من أعمال ندوة مركز الخليج للدراسات عن أدب الطفل العربي، نوفمبر2009، http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/

(5) من وثائق المؤتمر الثاني لأدب الطفل في العالم العربي، مركز بحوث أدب الطفل، دار الكتب المصرية، 21، 22/11/2017م.

الرابط المختصر :