; ملف خاص 2: 1756 | مجلة المجتمع

العنوان ملف خاص 2: 1756

الكاتب عصام جويحان

تاريخ النشر السبت 16-يونيو-2007

مشاهدات 12

نشر في العدد 1756

نشر في الصفحة 22

السبت 16-يونيو-2007

آلة التهويد الملعونة..

عصام جويجان

سباق بين التهام الأرض وتدمير الإنسان

إغراق القدس بالمخدرات

المدير المهني للهيئة الوطنية العليا للحدّ من انتشار آفة المخدّرات في القدس

الهدف: تحويل الشباب المقدسي من «مناضلين» إلى «مدمنين» حتى تصبح المدينة فريسة سهلة بين أنياب الاحتلال.

مفاجأة أذهلت قوات الاحتلال اكتشف أن هناك مدمنين بين من يتصدون له عند أبواب القدس!

منافذ الترويج علنية.. الشرطة تحمي صغار التجار وتغض الطرف عن كبار الموردين مادام الضحايا عربًا

تزامنًا مع المخططات الصهيونية المتواصلة لتفريغ مدينة القدس من أبنائها الفلسطينيين عبر التهجير والطرد والتضييق؛ حتى تصبح المدينة يهودية، تعمد سلطات الاحتلال إلى استغلال الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعيشها الفلسطينيون لنشر المخدّرات في أوساطهم؛ بغيّة تدميرهم وإسقاطهم.

وتهدف سياسة «التهويد» التي تتبعها سلطات الاحتلال إلى المزيد من تفريغ القدس من سكّانها، ببثّ الفساد بين الشباب، ونشر الدمار الأخلاقي والاجتماعي.. وهو ما يؤكده ارتفاع نسبة تعاطي المخدرات بشكل ملحوظ في الأراضي الفلسطينية. وخاصة مدينة القدس خلال العام ٢٠٠٦م مقارنة بالعام ٢٠٠٥م، وانتشار تعاطي «الماريجوانا» المهجّنة بالمواد الكيماوية، والحبوب «المهلّوسة» من نوع «اسكتازي»: والتي تؤثّر بشكل سلبي وضار على خلايا الدماغ العصبية.. 

وقد تفاقمت المشكلة بين فئة الشباب والمراهقين في عمر الـ ١٤ عامًا، فوقعت 130 حالة وفاة بسبب المخدّرات خلال العامين الماضيين: 85% منها في القدس وضواحيها، والباقي في الضفة الغربية. 

وفي سياق متصل، قدرت الإحصاءات الرسمية لدوائر مكافحة المخدّرات «الإسرائيلية» عدد مدمني المخدّرات في القدس الشرقية -وحدها- بنحو ٩٧٠٠ شخص، من بينهم ٤٥٠٠ مدمن يهودي و٥٢٠٠ مدمن فلسطيني..

جدير بالذكر أن نفس الإحصاءات ذكرت أن نسبة السكان العرب «فلسطينيي ٤٨» إلى السكان اليهود تساوي 33% فقط، بينما نسبة المدمنين العرب إلى المدمنين اليهود هي 53%!

وقد بالغ عدد من الإحصائيات في عدد المدمنين ليصل إلى الضِعف، بينما هبطت به إحصائيات أخرى لنصف هذا العدد، لكن النسبة المتفق عليها كانت تلك المتعلقة بزيادة عدد المدمنين في القدس الشرقية بين الفلسطينيين عن اليهود بنسبة كبيرة. 

وكلما كانت القرى الفلسطينية قريبة من القدس والخط الأخضر زادت معدلات الإدمان؛ وذلك لأن السلطة الوطنية الفلسطينية تواجه المخدرات بشكل أكثر جدية؛ حيث ترتبط تهمة الاتجار بالمخدرات في أغلب الأحيان بالاتصال والعمالة للاستخبارات الداخلية «الإسرائيلية» «شاباك».

وقد انتقلت أماكن انتشار المخدّرات في مدينة القدس وضواحيها من البلدة القديمة وشارع صلاح الدين إلى منطقة الرام والضاحية لغياب السلطة عنهما خاصة بعد بناء الجدار العازل..

ويعاني مخيّم «شعفاط» من هذه المشكلة منذ فترة طويلة، وقد زاد عدد المدمنين فيه، حتى إنّ هناك وكرًا معروفًا للتجار والمدمنين لا يبعد عن حاجز المخيّم سوى خمسين مترًا فقط، ولا تتم مداهمته أبدًا من قِبَل السلطات الصهيونية؟!

تعاطٍ و. «تغاضٍ»!

ويُعتبر الاحتلال الصهيوني وراء ظاهرة انتشار هذه الآفة في القدس، وهو العامل الأكبر في ترويج وتعاطي المخدرات في الأوساط العربية؛ حيث توفر الشرطة الصهيونية الغطاء لمروّجي المخدّرات بتغاضيها عنهم، بالإضافة إلى ردع من يقاوم هؤلاء الأشخاص؛ لأن التجار والمروّجين يعزّزون أهداف الاحتلال وسعيه الدائم لتدمير أخلاق وأجساد الشباب الذين يشكّلون أهم القوى الفاعلة في المجتمع الفلسطيني، وهو ما يتطلّب اجتثاثهم من المجتمع، وإنزال أشد العقوبات بحقّهم.. فمن يتم ضبطه يتاجر بالمخدّرات في القدس الغربية أو أراضي ٤٨ يصدر بحقّه حُكم مشدّد ومضاعف، أما من يضبط في القدس الشرقية فلا يكون حكمه مشددًا، وعلى الأغلب لا يُكمل مدة حكمه كاملًا لـــ «حُسن سلوكه»! فيرجع إلى المخدرات ثانية!

وقد بلغت حماية الشرطة «الإسرائيلية» لمروّجي المخدرات حدًّا غير مسبوق، عندما تصدّى عدد من الشباب الفلسطيني الغيور لبعض التجّار والمدمنين وأنهالوا عليهم ضربًا؛ حيث أتت الشرطة وألقت القبض على شباب الحي وليس على التجّار والمدمنين!

ما يؤكد أن «إسرائيل» وأجهزتها الأمنية تعمل على تفشي المخدرات بين الفلسطينيين بشكل عام، وشباب القدس بشكل خاص.

ومن بين أساليب الاحتلال المتّبعة لدفع الشباب إلى تعاطي المخدّرات. زجّ السجناء الأمنيين، في غرف السجناء «المدنيين». وخاصة تجار ومدمني المخدرات، من أجل الإيقاع بهم وإضعاف إرادتهم، وتحويلهم من «مناضلين» إلى «مدمنين».

«تأمين».. أمْ تزيين؟!

وأسباب هذه المؤامرة سياسية بحتة، في إطار التغييب والتهجير، بهدف «التهويد» بحيث تقوم سلطات الاحتلال بإغراق الشباب المقدسي في مستنقع المخدرات والإدمان، مع ضمان انتفاعهم من «التأمين الوطني» الشهري الذي تخصّصه الحكومة الصهيونية للمدمنين، وهو ما يشجّعهم على التمادي، ليؤمّنُوا لأنفسهم ولأطفالهم أبسط الاحتياجات الأساسية للحياة الكريمة، في ظل الظروف الاقتصادية المهلكة التي يرزحون تحت وطأتها من الحصار وإغلاق المنافذ وارتفاع الأجور، وتضخّم حجم الضرائب على كل مجالات حياتهم.

ولعل الفقر والبطالة وسوء الأوضاع الاقتصادية، التي لحقت بالفلسطينيين منذ العام الأول لاندلاع انتفاضة الأقصى المباركة، ثم تزايدت في الأعوام التالية بفعل إحكام الإغلاق والحصار، من أهم أسباب لجوء المقدسيين إلى الإدمان، خاصة مع وجود القوانين الصهيونية التي تزيّن وتشجّع الإدمان؛ إذ يحق للمدمن أن ينتفع هو وعائلته من «التأمين الوطني» الشهري الذي يكون بمثابة دخل بديل عن الدخل الذي يجلبه ربّ الأسرة. 

وهناك خرق آخر في القوانين «الإسرائيلية»؛ إذ إنها بدلًا من أن تعطي قيمة «التأمين الوطني» الذي ينتفع به المدمن لأسرته، تقوم بمنحه إياه لتشجيعه وإغوائه، فينفقه مجددًا على المخدرات، وتظل أسرته تعاني الويلات والفقر.. وتصل قيمة «التأمين الوطني» الشهري للفرد «الأعزب» إلى نحو ١٥٠٠ شيكل، بينما يحصل «المتزوج» على الضعف «3000 شيكل»، رغم أن المعيشة في القدس تتطلب دخلًا شهريًّا لا يقل عن 6 آلاف شيكل «نحو ۱۳۰۰ دولار»، وهذا لا يتوافر إلا لعدد قليل من الأسر. 

وهناك تفرقة كبيرة في التعامل مع المدمن العربي والمدمن الإسرائيلي، مع أن الاثنين يحملان الجنسية الإسرائيلية، والمفروض أن يعاملا على قدم المساواة وفق القانون. فالمدمن العربي يعرض على الفحص شهريًّا قبل أن يتقاضى التأمين وإن أثبت الفحص خلو دمه من المادة المخدرة لا يتقاضى شيئًا، وهذا يدفعه إلى مواصلة الإدمان حتى يحافظ على تقاضي التأمين أما الإسرائيلي فيكفي فحصه كل عام ليتقاضى التأمين. 

وقد قُدر لي أن أعمل كموظف داخل إحدى المصحات الإسرائيلية التي تعالج من الإدمان، وشاهدت بعيني كيف تتم التفرقة في استقبال المدمنين ومعالجتهم.. فبين كل عشرة إسرائيليين يوجد عربي واحد. ولا يتلقى العلاج المطلوب؛ بل وعندما تقع عملية استشهادية يتلقى هؤلاء المرضى معاملة قاسية داخل المستشفى..

فقدان الهوية والانتماء

أضف إلى ما تقدّم، شعور الشباب المقدسي بفقدان الهوية والانتماء الوطني؛ إذ يجد نفسه تائهًا بين الهوية «الإسرائيلية» والوطنية الفلسطينية، فهو في الضفة الغربية مرفوض؛ لأنه يتمتع بالتأمين الوطني «الإسرائيلي»، وكذلك في «دولة» الاحتلال مرفوض؛ لأنه عربي، وهذا الأمر يؤدي بالشباب إلى حالة زعزعة الهوية.

تشجيع.. رغم القانون!: ومن أسباب تفشّي ظاهرة المخدرات في القدس، عدم مبادرة السلطات «الإسرائيلية» بالقبض على تجار المخدرات العرب، واحتماء أولئك التجار بأماكن قريبة جدًّا من مراكز الشرطة..

ناهيك عن تقاعسها عن القبض على كبار تجار المخدرات، والاكتفاء بالقبض على أفراد معينين ثم الإفراج المباشر عنهم.. بالإضافة إلى استيلاء حكومة الاحتلال على ميزانيات مكافحة المخدرات في «القدس الشرقية» لحساب مكافحتها في «القدس الغربية» الواقعة تحت سيطرتها الكاملة.

وقد فسّر البعض تخاذل الشرطة «الإسرائيلية» عن التعرض لمهرّبي وتجار المخدرات بالقدس الشرقية بأنه يرجع لاهتمامها بشكل رئيس بالقضايا الأمنية، بينما لاحظت الأغلبية أن الشرطة تقوم فقط بشكل صوري بملاحقة المدمنين وليس التجار؛ حيث أصبحت منافذ بيع المخدرات بالقدس الشرقية «علنية»، ولا يتعرض لها أحد، بينما المنافذ المشابهة وسط اليهود يتم إغلاقها والقبض على التجار خلال «أسبوع واحد» على الأكثر!

وتهدف حكومة الاحتلال من وراء انتشار المخدرات بهذا الشكل إلى إبعاد الشباب المقدسي عن مقاومة الاحتلال، والسعي فقط وراء المخدرات؛ لأن قوانين «دولة» الاحتلال المناهضة للمخدرات لا تُطبق بالشكل المطلوب، بهدف التشجيع ليس فقط على التعاطي، وإنما المتاجرة وإغراق القدس في بحر المخدرات الذي من شأنه أن يوقعها فريسة سهلة تحت أنياب الاحتلال، فيفرغها من أهلها، ويُعمل فيها «التهويد» والنهب..

حظر عمل الشرطة الفلسطينية

ويرجع سر تفشي المخدرات مع اندلاع الانتفاضة إلى منع السلطات «الإسرائيلية»، الأجهزة الأمنية الفلسطينية من العمل في القدس الشرقية ضد تجار المخدرات. كما كان متبعًا من قبل - مما أتاح حرية حركة غير مسبوقة لضعاف النفوس؛ حيث تُلقي الشرطة الإسرائيلية القبض على رجال الأمن الوقائي أو أية شخصية عامة فلسطينية تحاول التصدي للظاهرة بتهمة تمثيل السلطة الفلسطينية بالقدس!

وقد وقع اعتداء في أبريل ٢٠٠٥م عندما اقتحمت قوات كبيرة من شرطة ومخابرات الاحتلال اجتماعًا لـــ «الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات» المنعقد في مقر الجمعية داخل المدينة المقدسة، بغرض بحث سبل مواجهة هذه الآفة الاجتماعية بحضور وزيرة الدولة الفلسطينية لشؤون القدس -آنذاك - «هند خوري».. وداهمت قوات الاحتلال المقر، واحتجزت هويات جميع الحاضرين، بمن فيهم الوزيرة. بذريعة أن الاجتماع تنظمه السلطة الفلسطينية بشكل مخالف داخل القدس!

وقد نددّت «خوري» بفعلة المحتلين واعتبرتها اعتداء على حق أي مجتمع في مناقشة قضية حساسة مثل موضوع المخدرات.

لقد نجح الإسرائيليون جزئيًّا في «جر» بعض الشباب إلى المخدرات، ويحاول إغراق المدينة في بحر لجي من الإدمان، لكن المفاجأة التي تذهل قوات الاحتلال دائمًا هي اكتشافها خلال مداهمات الأقصى أن من بين المتصدين لها من الشباب العربي، مدمنين في نصف وعيهم، وهو ما نبَّه سلطات الاحتلال إلى أن القدس في قلوب الجميع حتى من سقطوا في دائرة الإدمان الجهنمية!

 مقدسيون: حصار على الجمعيات العربية المهتمة بالعلاج

القدس: صباح محمد

في جولة سريعة للمجتمع بشوارع القدس، التقت خلالها بعدد من المقدسيين:

قال أبو راضي: «تجار المخدرات في كل مكان بالقدس، ومن كل الأعمار، وهم يعملون تحت حماية الاحتلال، الذي يسمح بالبيع والشراء بين العرب، لكن لو اقترب أحد التجار من يهودي واحد، تعرض للاعتقال والتعذيب الشديد..»

وأشار الكاتب المقدسي نبيل حمودة قائلًا: «لقد تفشت آفة المخدرات في القدس الشرقية وانتشرت سريعًا حتى باتت تشكل مشكلة خطيرة، ومرضًا وطنيًّا يهدد المجتمع بأسره، في ضوء سيناريو صهيوني يستهدف تدمير صورة مدينة القدس قبلة المسلمين جميعًا، وهدم صحة شبابها، وقواهم العقلية».

منع علاج المدمنين: جريمة صهيونية أخرى تنضاف لسجلها الإرهابي حسبما يؤكد أبو راضي الذي يستنكر الحصار الصهيوني المفروض على الجمعيات المعنية بعلاج المدمنين، داخل القدس، مما يفاقم خطورة الإدمان في الأوساط الفلسطينية، فالمدمنون إن أرادوا علاج أنفسهم؛ فعليهم الخروج إلى جمعيات خارج القدس.

خنق جمعيات العلاج الفلسطينية

ورغم المضايقات الصهيونية نجحت مجموعة من الناشطين الحقوقيين في القدس في إعادة فتح وتشكيل «اللجنة المحمدية في مقام النبي موسى» تحت اسم «حماية المجتمع» والتي يتم من خلالها معالجة الشباب المدمن بكافة الوسائل المتاحة.

وأكد أحد مسؤولي الجمعية أنهم بدأوا يواصلون عملهم محاصرين بالمضايقات الشديدة من الحكومة الصهيونية، التي بدأت بإجبارهم على فتح مقر الجمعية في أبو ديس وليس في مدينة القدس، بالرغم من أن معظم المرضى الذين يأتون للعلاج من سكان مدينة القدس، ويلفت المسؤول هنا إلى المعاناة الكبيرة التي يتكبدها المدمن الراغب في العلاج من أجل الوصول إلى مقر الجمعية في أبو ديس؛ حيث يتعين عليه المرور عبر التفافات الطرق والحواجز التي وضعتها قوات الاحتلال، وسط معاناة قاسية.

الرابط المختصر :