; آمال الأمة وسط الزلازل | مجلة المجتمع

العنوان آمال الأمة وسط الزلازل

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر السبت 27-نوفمبر-2004

مشاهدات 15

نشر في العدد 1628

نشر في الصفحة 45

السبت 27-نوفمبر-2004

يبدو أنه كلما ازدادت البشرية تقدمًا علميًا، ازداد عناء الإنسان وقهره، وكلما زعمت أنها تقدمت حضاريًا، تأخرت إنسانيًا وبشريًا وبعدت عن الفطرة والسعادة الإنسانية، وأصبح التقدم العلمي والحضاري مخلبا للحيوانية وسلاحًا للشر الذي يغتال خصوصية الإنسان وحريته ويفضح ستره وسره. 

والأمثلة في ذلك لا يكاد يحصيها العد أو يحدها الحصر.

وقد نتج عن ذلك ضياع الأخلاق الأساسية في الإنسان، فلا أخوة إنسانية تجمع بين الناس وتؤلف بينهم، ولا شعور بالثقة وتبادل المنافع، ولا أمان ولا اطمئنان في الحياة، فتلاشت بذلك مظاهر الحب والجمال، وغادرت السعادة القلوب والنفوس، وحل الشقاء والتعاسة والشك والقطيعة، بل قد استبيح الإنسان استباحة لم يسبق لها مثيل استبيح دمه وماله وعرضه.

وأصبح القتل في سبيل نهب الأقوات والاستيلاء على المقدرات شريعة هذه الحياة الملعونة التي لا تجد غضاضة في اللجوء إليها ولو على أشلاء البرءاء، ولا فرق في ذلك بين عزيز وحقير، أو بين صواب وخطأ، وكل ما يستعمل في ذلك من أسلحة دعائية، أو تكنولوجية أو حربية هي نبت الحضارة والتقدم من طائرات وأقمار وقنوات وأبحاث تخدمها جيوش من المدربين، ويرصد لها من الأموال ما يربو على ما يرصد لأقوات الناس في كثير من الدول.

والغريب أن الذي يقوم على هذه الكوارث دول تتصدر دعاوى التقدم والحضارة والحرية والديمقراطية، وهي بذلك تجمع بين المتناقضات، وقد يزيد الطين بلة ادعاؤهم للريادة، وجلوسهم مجلس المثل الذي ينبغي أن يحتذى والقدوة التي يفترض أن تترسم خطواتها. 

ولهذا كان لزامًا أن يعرف الناس شيئًا ولو يسيرًا عن هذا العالم العجيب، وعن هؤلاء الذين يلعبون بالنار ويحرقون الناس بلهيبها وجمرها، خاصة وقد تعدى ذلك إلى قهر الشعوب المستضعفة، وإذلال الأمم المستعمرة لتظل حبيسة حظها النكد. وجهلها المنحوس. 

وما أكثر ما تتناقله الأخبار عن أمتنا المستباحة اليوم خاصة في فلسطين وما يحل بها من كوارث وفظائع تقشعر منها الأبدان، وما تسمعه الآذان وتراه الأبصار عن العراق وما يجرى على ساحته من الدواهي والنكبات التي تحرق الأكباد وتدع الحليم حيران، والتي تركت كل مسلم اليوم يكتشف بنفسه حقيقة هذا الأخطبوط الحضاري المتخفي وراء الدعايات الكاذبة، والبهرج الخادع، وما إخال ذلك المسلم إلا ويتحسر كثيرًا على سنوات الغباء والغفلة والخداع التي ضاعت من عمره.

هذ شيء، أما عن آمال الإنسان في الخلاص وأمانيه في النصر الذي يداعب خياله ويحفظه من هذا الوباء وذلك الظلم والقهر فذاك شيء آخر، يهواه كل إنسان وتتطلع إليه كل أمة ويحبه كل بشر خاصة إذا كان مسلمًا، وصدق الله {وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (١٣) (الصف). 

والأمة المسلمة تعشق النصر وتهيم بذكراه وتعيش على أهازيجه، وتريده، ولكن بغير ثمن تريد النصر بالمجان تريده بالقعود والخيال، ولو أرادوه حقيقة لأعدوا له عدة، ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ (التوبة: 46-47).

نصر من دون قيادة تؤمن به وتعمل له نصر من دون استعداد نصر من دون وحدة من دون عزيمة، من دون تكاليف، بل نصر العمالة والاستعانة بالعدو والائتمار بأمره، نصر بمحاربة الشعوب وإذلالها وسفك دمائها وقتل مجاهديها وإهلاك الأخضر واليابس في البلاد وعند العباد أنى يكون ذلك وكيف يكون هذا وهو مخالف لكل قواعد الفوز والنصر ومعارض لكل السنن والقوانين الكونية والاجتماعية.

أما إذا أرادت الأمة النصر حقيقة والعزة فعلًا، فإنها مطالبة باليقظة على كل مستوى وبالإفاقة على كل صعيد، وبالاتحاد على كل مدينة وشعب وأمة، وبانتهاج سياسة الكفاح والتحدي وشحذ العزائم والملمة القوى واستثمار الطاقات المعطلة، وفتح البصر وإيقاظ البصيرة، ورسم الأدوار والتخطيط للفعاليات المهمة، حتى يكون أصحاب الفكر وأرباب الأقلام محاربين في الميدان ميدان البعث وميدان الإحياء وساحات الكفاح النفسي والروحي، ومكافحة الفساد والظلم والدكتاتوريات، وليتحملوا ما يتحمله الجندي في الميدان من جراح وسفك للدماء، وليقودوا المسيرة ليكونوا بثقافاتهم أمثلة خير ورواد حضارة وعزة وتقدم ليظهروا الحق ويبطلوا الباطل، ويكونوا مصابيح هداية في ظلمات الأمة الكثيفة، وأصوات ريادة وتجرد وطهر وفضيلة.

وأما عن أدوار وفعاليات أبناء الأمة الآخرين من علماء وصناع وطاقات أخرى فلابد أن يكون لنا معهم وقفات لإظهار أدوارهم المحورية حتى يكون هناك نصر وعزة وسؤدد..

الرابط المختصر :