العنوان أحداث السودان
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 07-أبريل-1970
مشاهدات 27
نشر في العدد 4
نشر في الصفحة 5

الثلاثاء 07-أبريل-1970
أحداث السُّودان سمعناها من جميع محطات العالم وقرأنا عنها في الصحف،
وهي تتلخص في أن السَّيد الهادي المهدي قام بثورةٍ في مواجهة النميري، وأنه كان يعتصم في جزيرة «آبا» معقل حركة الأنصار.
هذه الأحداث على الرَّغم من ضخامتها، لم تعد غريبة علينا، ففي كل يومٍ نسمع عن ثوراتٍ وانقلاباتٍ ومحاكماتٍ حتى أصبح معدَّل الانقلابات والثَّورات زاد عن معدل المصانع التي تقوم في البلاد العربيَّة.
إن من حق الأمة العربيَّة والإسلاميَّة أن تسمع كلمة حكيمة مُبْصِرة، وإن كانت الكلمة الحكيمة قد لا تستطيع أن تُسْكِت قرع طبول الحَرْب، إلا إنها ستؤتي ثمارها اليوم أو غدًا، وعمر الأُمَم ليس كعمر الأفراد يُعَدّ بالسنين والأيام.
● أن أوَّل كلمة نقولها: إن جميع الثَّورات والانقلابات لم تصدر عن العقيدة التي يدين بها سُكَّان المنطقة جميعًا والعقيدة، ونعني بها طبعًا الإسلام كفيل بصياغة المجتمع على أحسن وجه من الناحية السياسيَّة والاجتماعيَّة، ولسنا بسبيل الدفاع عن هذا الرأي، فنحن ننطلق من إيمانٍ عميق بأن الله تعالى خصنا برسالته لنكون روَّادًا وأئمةً في كل شيء، فإذا تنكَّرنا لثروتنا العقائديَّة فقد بددنا كل شيء.
ثُمَّ إننا نؤمن بأن أسلوب الثَّورات والانقلابات التي تتنزَّل على الشُّعوب لا يقرها الإسلام الحكيم، الذي يدعو إلى الأخذ بمناهج الدعوة الذي بدأ بالكلمة الحكيمة ولم يأخذ بأسلوب الشِدَّة إلا بعد أن تكشَّف المجتمع الأوَّل وتميَّز فيه الإيمان عن الكفر.
وإن أئمة الكفر لم يكفوا عن تآمرهم وغدرهم فصدرت إليه الأوامر المحددة «فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم».
ألا تقاتلون قومًا نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول ﴿ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ (سورة التوبة: الآية 13 ) ﴿وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (سورة البقرة: الآية: 190).
● وفي إيجازٍ نقول إن منهجية الإسلام تقتضي منا ألا نفرض على الناس ثورات أو تغييرات مهما يكن أسلوبها، وأن نأخذ بالمنهجيَّة الحكيمة التي تجمعنا في سلام فيما بيننا، وتجمعنا على السلاح في مواجهة عدونا.
والأمر الثاني: إن الثورات والانقلابات أصبح أسلوبها تعطيل مفعول القوانين والتشريعات بزعم أنها قوانين رجعيَّة لا توائم التطوُّر، ولكن الذي يحدث هو أن تظل إرادة الحاكم هي القانون والدستور.
● والخطر يكمن في إلغاء الحريَّات الفرديَّة، ولا يُسْمَح إلا بصوتٍ واحد يطلب من الجماهير أن تكون صداه تردده في كل مكان.
والمفروض أن الثورات تؤكِّد القانون والحريَّة الفرديَّة حتى يتمكَّن الشعب من المشاركة في الحكم.
● ثالثًا: إن كثيرًا من الثَّورات تبدأ بإعلان الولاء لنظامٍ اجتماعيٍّ معيَّن، زاعمة أن في هذا النظام كل الخلاص للمجتمع من الإمبرياليَّة والاستعمار.
وتأتي الخطوة التالية، وهي الولاء للدولة الأم، التي تكتنف هذا النظام الاجتماعيّ. والمخيف في هذا الأمر شيئان:
الأوَّل: إن هذه الأنظمة لا تمضي على نفس طريقنا، ومهما يُقَال إن فيها جانبًا من العدالة، فإننا يجب علينا أن نحاول استكشاف ثرواتنا الفكريَّة، واستكناه ما فيها، ثُمَّ نعتبرها الأساس الذي تُقَاس عليه الأنظمة القائمة، فنأخذ منها ما صلح ونطرح ما عدا ذلك.
وفي إيضاحٍ نطرح النُّظم الشيوعيَّة والاشتراكيَّة والرأسماليَّة أمام الإسلام، فيصدر حكمه على الصالح والطالح من اجتهاداتها، لأننا لا نستطيع أن ننكر أن هذه الأنظمة ما هي إلا جهد إنسانيّ استهدف تحقيق العدالة من وجهة نظر مجردة.
● ثانيًا: إن هذه الأنظمة ترتبط بدول ذات ثقلٍ سياسيٍّ وعسكريٍّ. والذي نخافه أن تلقي بثقلها علينا في فتتوارثنا الدول الكبرى، ومهما يكن أسلوبها فإننا لا نستطيع أن نلقي عقولنا ونسلم بتساوي الرؤوس بين الأقوياء والضعفاء، بين الأغنياء الدائنين والفقراء المستدينين.
وأخيرًا أو رابعًا: نقول إننا نعيش في منطقة زرعت فيها عصبة من السوء جمعت في إطارها حقد أربعة عشر قرنًاً، وتجمَّعت فيها آمال الدول الكبرى، وصارت تمثِّل عصا التأديب لكل العَرَب والمسلمين. وطبيعي أن يتجمَّع جهد العَرَب والمسلمين في صعيدٍ واحد لمُجَابهة هذا الخطر، وأن نكف عن الصِّرَاعات الداخليَّة، ونتذكَّر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار».
نتذكَّر هذا ونحن نستعرض جميع الثَّورات والانقلابات التي وقعت في العَالَم العربيّ والعَالَم الإسلاميّ، ونقول لو أن الرَّصَاص الذي أطلقناه على صدور إخواننا ادَّخرناه لصدور أعدائنا ما كانت مأساة فلسطين ولا غير فلسطين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

