; أخطاء الحجيج.. تصويب وتقويم | مجلة المجتمع

العنوان أخطاء الحجيج.. تصويب وتقويم

الكاتب د. حمود الحطاب

تاريخ النشر الثلاثاء 25-نوفمبر-1975

مشاهدات 14

نشر في العدد 276

نشر في الصفحة 34

الثلاثاء 25-نوفمبر-1975

الحج هو أحد أركان الإسلام الهامة وهو فريضة أوجبها الله على أمة محمد- صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًاۚ (آل عمران:97)، وقد رأينا من خلال احتكاكنا بالحجاج أخطاء كثيرة يعملها الحاج وهي قد تتسبب في إفساد الحج فنريد أن ننبههم إليهـا لعل الله أن ينفع بما نقول إخواننا ضيوف بيت الله عز وجل:

أولًا أخطاء عامة تتعلق بالفكر والسلوك:

النية: تعتبر النية أحد أركان الحج التي لا يصح الحج بدونها، ولكن كثيرًا من الحجاج وللأسف الشديد لا يعتنون بها فيهملون هذا الركن، وربما كانت هناك مجموعات كثيرة منهم تحضر الموسم بنية الاطلاع والسياحة أصلًا أي لم تكن السياحة قد دخلت ضمن الفوائد التي تستفاد من الحج والتي ذكرها الله عز وجل في كتابه ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ (الحج:28) فمن حضر بهذه النية فحجه باطل.

 الحج للتكاثر والتفاخر: بعض الحجاج يكررون الحج كل عام وهو يفعل ذلك من أجل السمعة ومن أجل أن يقال حج تسع مرات أو كان يحج منذ زمن الجمال أو غير ذلك وهذا العمل باب من أبواب الرياء يدخل في الشرك وقد قال تعالى في الحديث القدسي «أنا أغنى الأغنـياء عن الشرك» وقال «من عمل عملًا أشرك معي فيه غيرى تركته وشركه» وهم بهذا يخطئون من وجهين:

أولًا: أن عملهم هذا مردود عليهم فهم يتعبون أنفسهم وليس لهم من الأجر إلا كلام الناس عنهم فأجرهم مقدم لهم في الدنيا وليس لهم في الآخرة شيء فيا حسرة على العباد.

 ثانيًا: هذه الأموال التي أنفقوها وينفقونها كل عام تذهب هباء منثورًا فلو انتفعوا بها وأولادهم أو نفعوا بها الفقراء والمساكين أو أقاموا بها مشاريع خيرية لكان ذلك أحسن لهم وأفضل وهذا لا يمنع الحج كل عام بنية العبادة والتقرب إلى الله وطاعته.

آداب الحج ومراعاة حرمة الأماكن المقدسة والشعائر:

لما كان الحج مكفرًا للذنوب مطهرًا للخطايا مزيلًا للآثام، فقد وجبت فيه آداب وأخلاق لا بد للحاج من اتباعها ليحصل له الأجر الكثير وليعود كما  قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من حجه كيوم ولدته أمه».

ومن الأشياء المخالفة لآداب هذا الموسم وتلك البقاع المقدسة الشريفة استصحاب الأشرطة الغنائية التي تحتوى على الفجور وتدعو إلى الفسق والانحلال ويشتد إثم فاعل السماع كلما كان ارتكابه لها في أوقات وأماكن الشعائر، فمن ذلك أن بعض الحجاج يقضون يوم عرفة في طرب ولهـو حول هذه الآلات، ومعلوم أن الحـج عرفة فمن فاته ذكر الله وتسبيحه واستغفاره في ذلك اليوم فقد ضيع نفسه وأهلك حجه وتعرض لسخط الله وغضبه؛ بدل عفوه ومغفرته، وربما انشغلوا بالمطالعة في الصور الماجنة العارية التي تنشرها المجلات الماجنة الرخيصة التي تسف في قضايا الجنس إسفاف المفرطين الضائعين.

 وربما انشغلوا بالكلام في أعراض الناس فاغتابوهم وجرحوهم وذلك حرام في الأحوال الاعتيادية فكيف بها في الحج وقد قال الله تعالى ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُۚ﴾ (الحجرات:12) وقد قيل في التنبيه عنها «إياك والغيبة فإنها إدام كلاب الناس».

ومن ذلك أن بعض النساء من الحجاج لا يرتدين ما يستر أجسامهن فليت شعري، أحج هو أم عرض أزياء؟

وكذلك الاختلاط الذي قد يحصل في سيارات النقل وما يجر إليه من الحديث وغيره.

 ومن ذلك سفر المرأة بغير محرم دون ضرورة قصوى توجب ذلك، وبدون محارم من النساء في حالة الضرورة ومن شرط الاستطاعة وجود المحرم.

وهناك في هذا القسم أخطاء أشد فتكا مما ذكرنا تتعلق بأمور الاعتقاد والتوحيد والطاعة لله عز وجل ومنها أن بعض الحجاج يذهبون إلى الحج وهم يحملون أفكارًا معادية للإسلام ولا يتخلصون منها؛ إما لجهلهـم بعداوتها للإسلام وإما لعنادهم فيها وإصرارهم عليها؛ وإما لتأولهم لمعانيها، ومن ذلك اعتقاد القومية والاشتراكية والبعثية والناصرية والوطنية؛ ومن ذلك قولهم الله والزعيم والوطن وغيرها؛ وقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن ذلك وأمرنا بتركه وعدم اعتناق أي مبدأ غير الإسلام، فقال ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (آل عمران:85)، ومنها تبني الدعوات الهدامة الأخرى كالاختلاط والعمل على نشر ذلك في الصحافة أو الإذاعة أو التلفزيون والسينما، كمن يحج وهو يشتغل بإحدى الصحف التي تنشر الانحلال وتحارب الإسلام بأي شكل من الأشكال ولا يتوب عن ذلك، بل ولربما كان أحد المحررين أو المصورين أو غير ذلك؛ وكل هذه الاعتقادات والأعمال تناقض معنى التوحيد وتناقض قول الحاج في طريقه إلى بيت الله عز وجل لبيك اللهم لبيك؛ لبيك لا شريك لك لبيك؛ إن الحمد والنعمة لك والملك؛ لا شريك لك، فنفي الشرك هنا يقتضي نبذ جميع هذه الأعمال والتوبة منها وعدم الدعوة إليها، بل يوجب محاربتهـا ومعاداتها فمن نفى الشرك عن الله عز وجل بلسانه وهو قائم عليه بعمله وقلبه وفكره وسلوكه فهو كاذب في ادعائه، بل يعتبر دعاؤه هذا وقوله لبيك من قبيل الهذيان الذي يصيب المرضى بالحمى، فهم يقولون ما لا يقصدون بل هم أشبه بالببغاوات التي تردد الكلام دونما إدراك لمعانيه، ولو شتمتها لشتمت نفسها تقليدًا لك وهي لا تشعر.

 وكذلك من حكم بغير ما أنزل الله واعتقد ذلك وأصر عليه واعتبره أفضل من حكم الله؛ وأن حكمه سبحانه قاسٍ ووحشي ولا يناسب الحضارة والتقدم فقد ألغى حجه بنفسه؛ ودخل في عموم قوله تعالى ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (المائدة:44).

 فكيف يقبل الله من الكافر حجًا وهو القائل: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا﴾ (الفرقان:23).

أخطاء في أداء المناسك: 

أولًا في الطواف والسعي: 

تستعين غالبية الحجاج العظمي بالمطوفين بالبيت في الأدعية فيرفعون أصواتهم بالدعاء لدرجة الصراخ مما يشوش على الطائفين ويقلل الأدب مع الله عز وجل وينافي أسلوب الدعاء الشرعي وذلك بقوله تعالى ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةًۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (الأعراف:55) فيعتبر الجهر بالدعاء والصراخ اعتداءً كما ورد النهي عن ذلك من الرسول- صلى الله عليه وسلم:  «اربأوا بأنفسكم فإنكم لا تدعون غائبًا ولا أصم» وهو حديث صحيح وورد عن الصحابة سؤالهم للرسول- صلى الله عليه وسلم- أقريب فنناجيه أم بعيد فنناديه فأشار لهم أنه أقرب إلى أحدهم من حبل الوريد أو كما قال، فمشروعية الدعاء في خفض الدعاء تتحقق وليس برفعها. 

بعض الحجاج أو الغالبية منهم يزاحمون على تقبيل الحجر؛ وفي ذلك إيذاء بليغ لبعضهم البعض وقد علمنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه إن لم يتمكن من التقبيل مسح بيده أو أشار إليه بعصا أو بيده ولا يقبل؛ هذا بالنسبة للرجال، أما النسـاء فممنوع عليهن مزاحمة الرجال وليت الأمور تنظم لطوافهن بمنعزل عن الرجال وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت لها يا عائشة قد قبلت الحجر، فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها وقد فهمت: زاحمت الرجال لا تقبل الله منك.

 بعض الحجاج يتمسحون بالكعبة ويلصقون صدورهم فيها ويقبلون من كل الجهات وبعضهم يضع رأسه عليها ويبكي ولم يسرد في هذا الشيء عن النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو القائل أنا أعرفكم بالله وأتقاكم له أو كما قال، فهل هؤلاء المتعبدون بهذا أعبد من النبي صلى الله عليه وسلم لربه وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم لم يفعلوا ذلك، أو يصبح هؤلاء المنحرفون أعلم بالدين من الصحابة رضوان الله عليهم.

 فليس هناك ما يقبل غير الحجر وليس هناك ركن يستلم غير الركن اليماني.

أخطاء السعي: 

بعض الحجاج يطوفون في المسعى أربع عشرة مرة لاعتبار الذهاب والإياب شوطًا واحدًا والصحيح أن السعي من الصفا إلى المروة شوط آخر وما قيل من اتباع المطوفين والصراخ معهم حول الكعبة يقال أيضا في السعي بين الصفا والمروة.

المبيت في منى ليلة التاسع من ذي الحجة:

بعض الحجاج لا يبيت في منى ليلة التاسع وهذا مخالف للسنة فقد ورد أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يبيت في منى ليلة التاسع ويقيم يوم الثامن، وكان يقصر الصلاة فيها في حديث جابر الطويل الذي رواه عن كيفية حج النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو حديث صحيح تلقته الأمة بالقبول.

الوقوف في عرفة: 

لعرفة حدود واضحة على شكل أقواس نصر مبنية من الأسمنت المسلح وقد كتب عليها حدود عرفة.

 والحج هو يوم عرفة كما قال- صلى الله عليه وسلم- فمن وقف فيها ساعة من النهار أو الليل فقد صح حجه وهناك بعض القوافل تقف خارج الحدود طلبا للمكان وهذا خطأ فالواجب الوقوف داخل الحدود لا خارجها. 

ولا يشترط الوقوف فوق الجبل أو تحته أو قربه لأن النبي- صلى الله عليه وسلم وقف تحته وقال وقفت ها هنا، أي تحت هذا الجبل، وعرفة كلها موقف.

 ومن الحجاج من يغادر عرفة قبل غروب الشمس بحجة الوصول مبكرًا إلى مزدلفة وهم كثيرون جدًا وقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن غربت الشمس وهو القائل في مناسك الحج خذوا عني مناسككم وللأئمة خلاف في كون هذه المغادرة تخل بالحج فالأولى اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك.

أخطاء مزدلفة

بعد الإفاضة من عرفة ينطلق الحجاج إلى مزدلفة وهنا يرتكب الناس خطأين أحدهما: 

أن البعض لا يبيت في مزدلفة وهذا يلزمه تقديم دم لأنه ترك واجبًا لحديث ابن عباس من ترك نسكا فعليه دم، صحيح.

والبعض الآخر يعتقد أن التقاط الحصى من مزدلفة أمر واجب فتجدهم يشتغلون بجمعها وغسلها عن ذكر الله عز وجل وهو القائل ﴿فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (البقرة:198) وغسل الحصى أيضًا لم يرد فيه شيء والمشروع التقاط سبع حصيات فقط عند مغادرة مزدلفة صباحا كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. 

رمي الجمار 

ما أهلك الأمم السابقة إلا الغلو في الدين وفي هذا اليوم يأخذ بعض الحجاج الزائدة فما أن يعلن الصبح عن الإشراق حتى تنطلق هذه الجموع المتحمسة إلى مكان رمي الحجارة وقد تزودت بمختلف أنواع الأسلحة كالحجارة الكبيرة والعصي والأحذية وقد رأينا بعضهم يركب فوق الجمر متحملا ضرب الناس له بالحجارة فيهجم عليها ضربا بالنعال والعصي والحجارة وقد يعضها بأسنانه ثم يرفع يديه إعلانًا عن انتصاره وما دري هذا المسكين أنه غالى في الدين وخالف الرسول- صلى الله عليه وسلم- وخالف الشريعة وأضحك الشيطان عليه فالجمرة التي يسميها الناس جهلًا بالشيطان ليست شيطانًا وإنما رمي الجمرات عليها أمر تعبدي من قبل الشارع لا يقبل تفسيرًا وقد جعلها الله سبحانه وتعالى اختبارًا لعباده.

 وبخضوعهم هذا لله عز وجل يذل الشيطان ويحقر لأنه يرى العباد يأتمرون بأمر الله عز وجل مهما كان دون طلب تفسير أو تعليل.

 ومن المضحك أن بعض الحجـاج يفك إحرامه بحلق لحيته، وهو بهذا يكون قد خالف السنة مخالفة صريحة، فقد ورد الأمر بتربية اللحى وإعفائها، فقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خالفوا المجوس أعفوا اللحى وقال جزوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين. وهناك أحاديث كثيرة وردت في تربية اللحى وإعفائها وإطلاقها مخالفة لليهود فليس من فك الإحرام حلق اللحى.

ومن المؤسف أيضًا أن بعض الحجاج يعتبر انتهاء الحج وفك الإحرام إحلالًا للحرام وتحريمًا للحلال، فتراه يعود كما كان عليه أيام كان قبل الحج ومن علامة صحة قبول الحج عودة الحاج إلى الله عز وجل تائبًا. وتوجهه إلى الله عز وجل في سلوكه وفي حياته وفي بيئته وبيته، ومن ذلك ما يحصل عند استقبال الحجاج من تبادل القبلات بين الرجال والنساء فرحًا بعودتهم وتهنئة لهم بالحج وهذا لعمري من المنكرات البشعة المخالفة للدين، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

أوردنا هذه الأخطاء وغيرها كثير إنما حرصنا على الأهم لدفع الضرر بالحاج وتوجيهه إلى ما ينبغي عليه اجتنابه والابتعاد عنه حتى يتم له الحج الصحيح فينتفع بذلك وينفع، فنرجو من الحجاج العمل بما اتعظوا به وتذكير بعضهم لبعض به والله الموفق إلى الخير.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

حج المَدين.. صحيح أم باطل؟

نشر في العدد 2122

56

الأربعاء 01-أغسطس-2018

الحج.. وهموم الأمة

نشر في العدد 2122

43

الأربعاء 01-أغسطس-2018

الحـج.. ووحـدة الأمــــة

نشر في العدد 2181

43

السبت 01-يوليو-2023