العنوان أخي جاوز الظالمون المدى
الكاتب د. توفيق الواعي
تاريخ النشر السبت 03-يناير-2009
مشاهدات 9
نشر في العدد 1833
نشر في الصفحة 28
السبت 03-يناير-2009
ماذا أقول ونحن نشرب الظلم ونتنفس البغي، وننام على أشواكه، ونكتوي بناره، ماذا أقول والظلمة هم من أهلنا وولاتنا والموكلين بالمحافظة على مقدراتنا، ودمائنا وأرواحنا، ولكنهم خانوا الأمانة ونكثوا العهود وتمادوا في الغي.
وراعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف إذا كان الرعاة لها ذئابا
ولكن الذئاب البغاة لما استمرؤوا لحومنا، واستملحوا دماءنا، وباعونا إلى أعدائنا؟!
ومحرقة غزة وما جرى من خيانة لأهلنا في غزة، وإعلان الحرب على القطاع شاهد عدل على تدبير الخداع بغطاء عربي، لتحقيق عنصر المفاجأة ليكسب اليهود المعركة كما أنها برهان ساطع على الغدر، وقد ذُبَر هذا كله بدم بارد، وبنفوس ماتت مشاعرها، من أناس من جلدتنا وينتسبون إلى العروبة والإسلام، ولكنهم للأسف قطعوا تلك الآصرة.
وقد منتهم اليهود بالأماني الخلب، وهيهات هيهات أن يأتي الشر بالخير.
ولقد منتك نفسك بالكذاب فما بعد القطيعة من عتاب
وكيف يصبح بعد الغدر ود وتسلم نية بعد ارتياب؟
و«غزة» الغالية تستحق كل التضحيات والدموع من الأمة العربية والإسلامية، ولكن سيل الدموع لا يجرف البغي، ولا يمحو الظلم الخارق والبغي العظيم، الذي يقع تحت سمع وبصر العالم، وإنما الذي يمحو الظلم ويغير الموازين لصالح الحق الدم القاني الذي يبذله المجاهدون.
وللأوطان في دم كل حر يــد ســلــفــت ودين مستحق
ومن يسقي ويشرب بالمنايا إذا الأحرار لم يُسقوا ويسقوا
ولا يبني الممالك كالضحايا ولا يدني الحقوق ولا يحق
ففي القتلى لأجيال حياة وفي الأسرى فدى لهم وعتق
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق
فالحريات ليست هبات مجانية، ولا تتحقق بالخطب الرنانة ولا بالجمل المنمقة، والمقالات في هجاء الباغي، ولكنها تتحقق بالرجولة والتضحيات فيها؟
وللأسف، لا تستطيع أن تحصي أسماء الذين خانوا «غزة» من الفلسطينيين الذين رباهم الاستعمار على عينه، وهم اليوم الطابور الخامس الذي يحارب مع العدو اليهودي والصهيوني وينتظر الجائزة على خيانته؟ ولقد سمعنا وسمع العالم من يدعو سكان غزة إلى الصبر لأن الشرعية ستعود لهم قريبًا وزمرته ثم يقول: إن موعدنا قريب جدًّا، صبرًا آل ياسر، فإنكم لم تنتظروا كثيرًا، وكان ينقصه أن يقول: فإن موعدكم النار، ونستطيع بغير جهد إحصاء الخونة من العرب الذين تهودوا ورضوا بالخزي والعار، وباعوا كل شيء في سبيل حطام زائل وسراب خادع، باعوا دماء الشهداء وأشلاء المجاهدين، واشتروا الخسة والندالة، وهؤلاء الخونة والعملاء للأسف ليسوا من عامة الناس، ولكنهم من القادة المتصدرين للصفوف وأصحاب الألقاب والنياشين.
ويتساءل الجميع: ماذا يريد هؤلاء من تركيع الإرادة الفلسطينية؟ ماذا يريدون من بعثرة الأشلاء وسفك الدماء البريئة، وتيتيم الأطفال وإكثار الأرامل؟ ماذا يريدون من الدمار الذي ما ترك بيتا أو مبنى إلا دكه على رؤوس أصحابه حتى ارتفع عدد ضحايا المجزرة «الإسرائيلية» المتواصلة ليومين اثنين فقط إلى أكثر من ۳۰۰٠ شهيد وحوالي ألف جريح، بينهم ما لا يقل عن ۱۸۰ في حالة الخطر الشديد؟ ولهذا يقول المشاهدون للمأساة امتلأت ثلاجات الموتى في مستشفى «الشفاء» التي لا تتسع لأكثر من ثلاثين جثة وسط اندفاع عشرات المسعفين والمدنيين وهم يحملون جثثًا وأشلاء وشهداء في ممرات المستشفى الذي أضحت رائحة الموتى المكدسين تفوح منها في كل أرجائه وعمت الفوضى قسم الاستقبال في المستشفى مع وصول عشرات سيارات الإسعاف والمركبات المدنية تقل شهداء وجرحى، ويدعو المسعفون المواطنين عبر مكبرات الصوت ليتعرفوا على جثث أقاربهم لنقلهم فورًا لدفنهم، كي يتسنى إيداع عشرات الجثث التي ترد إلى المستشفى والمكدسة في الطرقات في ثلاجات الموتى.
يقول أحد المراقبين للمذبحة: شاهدت في المستشفى الجثث الملقاة على الأرض وعلى جنبات الطرق، بكثرة مذهلة، ورأيت الكثيرين، كل يندفع نحوها يبحث عن ابن أو أخ أو أب أو أم، وسط العويل والصياح والكل في لهفة وصياح وهياج، كأننا في يوم الحشر أو يوم القيامة، فقلت: أين أصحاب الضمائر، وأصحاب المعالي والفخامة لينظروا لهذه المشاهد التي تذيب القلوب؟
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إيمان وإسلام
إننا في أوقات مفجعة ومزلزلة، ورغم ذلك لم يهتز لها قلب مسؤول هل تحجر كبده؟ أو ذهب عقله؟
ماذا ينتظر العرب : لم تشهد غزة منذ احتلالها عام ١٩٦٧م مجازر سريعة ومتوالية أفظع من تلك التي تتعرض لها اليوم، إذ يُبادُ فيها الصغير والكبير وكل من تحرك على أرضها من بشر، بفعل الطائرات الحربية الصهيونية التي تقصف بأطنان القنابل والمتفجرات كل شيء في غزة، من أماكن سكنية مكتظة، ومن مستشفيات، ودور العبادة، فالأطفال والنساء والرجال يتحولون في غزة بفعل انهيار المباني وتطاير أجزاء كبيرة منها إلى ركام بشري، وبقايا أجساد يتوالى سقوطها تحت الأنقاض وسط عجز الجميع عن فعل شيء أمام هذا الهول، ورغم تعدد مشاهد الكارثة المروعة لم تتوقف «طائرات الموت» الصهيونية عن نشر الدمار في كل أرجاء القطاع.
سائلوا الليل عنهم والنهارا كيف باتت نساؤهم والعذارى؟!
كيف أمسى رضيعهم فقد أما وكيف اصطلى مع القوم نارا؟
كيف طاح العجوز تحت جدار يتداعى وأسقف تتجارى؟!
أخرجتهم من الديار عراة حذر الموت يطلبون الفرارا
أيها الرافلون في حلل الوشي يجرون الذيول افتخارا
إن فوق العراء قوم جياع يتوارون ذلة وانكسارا
وسمعنا في غزة صياحًا ملأ البر ضجة والبحارا
وبعد.. نقول: مهلًا آل صهيون وخونتهم، لستم أسودًا، وإنما أنتم فئران لن ينفعكم الدمار والخراب وبإذن الله ستشربون من الكأس نفسها مع كؤوس أخرى، ولن تغني عنكم آلتكم الحربية ولا خونة العرب شيئًا: ﴿وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَي مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ (الشعراء:227).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
من يحاكم الصهاينة على جرائمهم ضد الإنسانية؟.. الاحتلال يستخدم أسلحة «محرمة دوليًا» في حربه على «غزة!
نشر في العدد 1835
11
السبت 17-يناير-2009