العنوان «أردوغان» رئيساً للعدالة والتنمية.. ملامح المرحلة الانتقالية في تركيا
الكاتب د. سعيد الحاج
تاريخ النشر الخميس 01-يونيو-2017
مشاهدات 16
نشر في العدد 2108
نشر في الصفحة 52
الخميس 01-يونيو-2017
الحزب أراد أن يكون مؤتمر إعادة «أردوغان» رئيساً استثنائياً واحتفالياً
الرئيس السابق «عبدالله جول» غاب عن المؤتمر واكتفى برسالة تهنئة مكتوبة
توقعات بتعديل وزاري بالتوازي مع التغيير في قيادة الحزب
من أهم الملفات التي بقيت تنتظر لحظة عودة «أردوغان» للحزب ترتيب البيت الداخلي
العودة لمسار الحل السياسي للقضية الكردية من أصعب التحديات
«ماذا بعد أردوغان؟» سؤال ينبغي أن يحظى باهتمام خاص من الحزب وقائده
كان ثمة ثلاث مواد من الثماني عشرة مادة المستفتى عليها في السادس عشر من أبريل الماضي في تركيا سيبدأ تطبيقها فوراً بعد الاستفتاء قبل بدء سريان النظام الرئاسي، وهي إلغاء المحاكم العسكرية، وانتخاب «هيئة القضاة والمدعين العامين»، والسماح بانضمام الرئيس لحزبه السياسي، وقد تمت هذه الخطوة الأخيرة والأهم؛ أي عودة الرئيس التركي «أردوغان» لحزب العدالة والتنمية، في مؤتمر الحزب الاستثنائي الثالث في تاريخه، الذي عقد في 21 مايو الماضي.
لم يشأ العدالة والتنمية لمؤتمره، الذي أعاد زعيمه المؤسّس إلى قيادته مرة أخرى بعد انقطاع اضطراري دستورياً لمدة 998 يوماً، أن يمر عادياً، بل أراد له أن يكون كاسمه استثنائياً بل واحتفالياً، وهذا هو المعنى الذي ذكره الرئيس السابق للحزب ورئيس الوزراء «بن علي يلدريم» حين اعتبر أن «اليوم عيد»، رغم أنه يترك منصب رئاسة الحزب.
امتلأت قاعة المؤتمر عن بكرة أبيها، وقدر الحشد بمائة ألف مشارك بين مندوبي الحزب وكوادره وأنصاره وضيوفه ومراسلي وسائل الإعلام المختلفة الذين تجاوزوا وحدهم 800 شخص، إضافة إلى 80 ألف شخص لم يجدوا لهم مكاناً واكتفوا بالانتظار خارج القاعة، فاستحقوا تخصيص كل من «أردوغان»، و«يلدريم» كلمة قصيرة موجهة لهم قبل دخول القاعة.
رفع المؤتمر شعار «مرحلة نهضة جديدة: ديمقراطية.. تغيير.. إصلاح»، وحاول المنظمون إظهار هذه المعاني بشكل واضح في البرنامج والخطاب والشعارات والإشارات، حضرت قيادات سابقة في الحزب والحكومة اعتُبروا مؤخراً من المعارضين الصامتين لـ«أردوغان»، مثل رئيس الوزراء والحكومة السابق «أحمد داود أوغلو»، ونائب رئيس الحكومة ورئيس البرلمان السابق «بولند أرينتش»، ووزير الاقتصاد السابق «علي باباجان»، بينما اكتفى رئيس الجمهورية السابق «عبدالله جول» برسالة مكتوبة للمؤتمر تمنت له التوفيق.
كان «أردوغان» مرشح الرئاسة الوحيد، كما هي تقاليد العدالة والتنمية في مؤتمراته السابقة، وفاز بتأييد 1414 مندوباً من بين 1470 يحق لهم التصويت، مؤكداً زعامته التي لا تنازع في الحزب من جهة، وحاجة الأخير له لضبط الكثير من الجدل الدائر داخله ومواجهة التحديات الماثلة أمامه من جهة أخرى.
إشارات التغيير
في كلمته التي استمرت قريباً من ثلاث ساعات، قدم «أردوغان» إشارات وتصريحات واضحة حول الفترة القادمة، الفترة الانتقالية حتى نهاية عام 2019م؛ حيث يبدأ تطبيق النظام الرئاسي وفق نتائج الاستفتاء الشعبي مؤخراً.
بناءً على ذلك، ستكون الأشهر الستة المتبقية فترة تجديد في الحزب والحكومة على عدة صُعد، و2018م عام الإجراءات والإنجازات الحكومية، و2019م عام الانتخابات؛ حيث تجرى خلال شهر مارس منه الانتخابات المحلية أو البلدية، وتنظم في الثالث من نوفمبر منه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن.
قال «أردوغان» عن مسيرة حزبه: «إنها رحلة طويلة وشاقة وتحتاج للعمل والصبر، هناك من ملوا، وهناك من أداروا ظهورهم، وهناك من تخلفوا عن الركب، لكننا لن ندير ظهورنا وسنستمر»، معطياً إشارات واضحة على التغيير، الذي كان شعار المؤتمر وأحد أهم مخرجاته على حد سواء.
«اللجنة التنفيذية والقرار المركزي»، أعلى سلطة قرار في الحزب والمكوّنة من 50 عضواً، أفرزت انتخاباتها تجديداً لـ31 عضواً وتغييرَ 19 منهم (أحدهم رئيس الحزب السابق «بن علي يلدريم»)، بنسبة اقتربت من 40%، ورغم أن نسبة النساء في الهيئة القيادية الجديدة تراجعت من 15 إلى 9، فإن أصغر عضوين فيها طالبتان جامعيتان، ومعظم الأعضاء الجدد المنضمين لها من فئة الشباب.
ويبدو أن تطعيم الحزب بالشباب سيكون سياسة عامة يريدها الرجل؛ إذ طلب أن يراها في مختلف دوائر الحزب وهيئاته؛ ذلك أن التغيير لن يقتصر على اللجنة التنفيذية، بل سيمتد إلى مؤسساته الأخرى خصوصاً تشكيلاته وفروعه في المحافظات المختلفة، فضلاً عن رؤساء البلديات والمجالس البلدية، كما سيكون هناك تعديل وزاري بالتوازي مع التغيير في قيادة الحزب، وربما يجد طريقه للتطبيق قبل نشر هذه السطور، إذ يبدو أن «أردوغان» يريد أن تتم عمليات التغيير في مختلف المستويات سريعاً جداً.
ملامح الفترة الانتقالية
هكذا يكون الرئيس التركي قد أعلن بشكل واضح عن بدء استعدادات العدالة والتنمية للمرحلة الجديدة في تركيا التي تحمل عنوان «النظام الرئاسي»، وهو يدرك مسبقاً أن القادم أصعب بكثير من السابق، إذ جرّبنا وعرفنا أنه ليس من السهل الحصول على 50% من أصوات الناخبين.
ولذا سيحتاج الأمر لكثير من العمل وشيء من الاستقرار، فرغم أن خطاب «أردوغان» يوم المؤتمر تضمن حزماً شديداً فيما يتعلق بالمنظمات المصنفة على قوائم الإرهاب التركية وفي مقدمتها «التنظيم الموازي» المتهم بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية الفاشلة الصيف الماضي، فإن أجزاء مهمة منها حملت أيضاً تطمينات عدة؛ فقد حرص الرجل على التأكيد على احتضان حزبه للكل التركي ومخاطبة جميع شرائح الشعب، وأكد عدم تغير بوصلة تركيا في سياستها الخارجية عن الرغبة في الانضمام للاتحاد الأوروبي رامياً الكرة في ملعبه، وكرر أن الفترة القادمة ستكون مرحلة عمل وإنجاز وإصلاحات على مختلف الصعد السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية.
ولعل من أهم الملفات التي بقيت تنتظر لحظة عودة «أردوغان» للحزب ترتيب البيت الداخلي، إثر صعود بعض الخلافات والتراشقات بين بعض تياراته الداخلية إلى العلن ومقالات الصحف وبرامج التلفاز الحوارية، بما أعطى انطباعاً بوجود صراع داخل الحزب لا يستطيع السيطرة عليه ووقفه إلا شخص «أردوغان».
بيد أن أحد أهم التحديات الماثلة خلال الفترة الانتقالية هو كيفية إدارة المشهد السياسي الداخلي الذي ازداد تعقيداً، فالرجل بات يشغل منصبين؛ أحدهما رئاسة الجمهورية شبه المحصنة، والثاني رئاسة الحزب الحاكم التي تقع في قلب الاستقطاب السياسي، وهي ثنائية تصعّب الأمور وتفتح شهية جزء من المعارضة، سيما حزب الشعب الجمهوري، على رفع حدة التوتر من خلال الدعوة للتعامل مع «أردوغان» على أنه رئيس حزب لا رئيس جمهورية؛ الأمر الذي ينبئ بمطبات سياسية مقبلة.
يزيد هذا التفصيل الجوهري من أهمية «قوانين المواءمة» التي سيعمل عليها البرلمان التركي للانتقال تدريجياً وبسلاسة من النظام البرلماني للرئاسي خلال الأشهر القادمة وفق التعديل الدستوري الذي أقر، وهي القوانين التي يبدو أن العدالة سيتعاون إزاءها مرة أخرى مع حزب الحركة القومية، في ظل تهديدات من الشعب الجمهوري، والشعوب الديمقراطي، بمقاطعة تلك الجلسات لإفشالها.
وتبقى أهم التحديات وأصعبها أمام «أردوغان» وتركيا مستقبلاً، إضافة للتحديات الأمنية والاقتصادية، العودة مرة أخرى لمسار الحل السياسي للقضية الكردية، وهو أمر بات ممكناً نظرياً بعد كسر شوكة حزب العمال الكردستاني إلى حد بعيد، وبعد الرسائل والدلالات الواضحة للاستفتاء الأخير سيما من مناطق الأغلبية الكردية شرق البلاد وجنوبها الشرقي، فضلاً عن إشارات ذلك في تصريحات الرئيس التركي وتغييراته في قيادة العدالة والتنمية.
هي، في الخلاصة، مرحلة انتقالية صعبة إذن، وتكتنف بين طياتها تحدياتها الخاصة بها، التي ستكون عبارة عن تجربة عملية مصغرة للتحديات الحقيقية التي ستنتج بعد بدء سريان النظام الرئاسي في نهايات عام 2019م، حيث ستكون تركيا أمام واقع جديد ونظام سياسي مستجد سيأتي بصعوباته وتحدياته الخاصة به أيضاً، وستكشف الممارسة العملية بطبيعة الحال عن متطلبات واستحقاقات مهمة ينبغي الإتيان بها لتحقيق الاستقرار المطلوب، فضلاً عن السؤال الأكثر إلحاحاً - برأينا - على «أردوغان» والحزب وتركيا خلال الفترة المقبلة، وهو: «ما بعد أردوغان؟» الذي ينبغي أن يحظى باهتمام خاص من الحزب وقائده القديم - الجديد، على صعيد مأسسة التجربة وتأهيل الكوادر وترميز القيادات خصوصاً في ظل النظام الرئاسي الذي يزداد الاعتماد في ظله على المزايا الشخصية للفرد إلى جانب قوة الحزب.>
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلبنسبة مشاركة 84% وتصويت 52.1% لصالحه.. الشعب التركي يجدد الثقة بالرئيس «أردوغان»
نشر في العدد 2180
28
الخميس 01-يونيو-2023
الحــرب الأوكرانيـــــة اختبــــار صعـــب للعلاقـــــات التركيــــة الروسيـــة
نشر في العدد 2183
28
الجمعة 01-سبتمبر-2023