; أسامة بن زيد الحب بن الحب | مجلة المجتمع

العنوان أسامة بن زيد الحب بن الحب

الكاتب أبو سعود

تاريخ النشر الثلاثاء 27-أكتوبر-1970

مشاهدات 16

نشر في العدد 33

نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 27-أكتوبر-1970

أسامة بن زيد

الحب بن الحب

 أهم قريش أمر المخزومية التي سرقت وطفت على حديث كل الناس وفي جلسة كان يجلسها بعض من كبار رجال قريش الذين أسلموا بعد الفتح أرادوا أن يوكلوا أحدًا منهم ليشفع لها عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولعلمهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شديد في الحق لم يقبل منهم أن يشفع لها عند رسول الله، ولكن أحدهم قفز من مجلسه، وأشار بیده إلى فتى أسمر اللون وقال: «أسامة لها.. أسامة لها». يا ترى من هو أسامة هذا؟ ومن ذا الذي يستطيع أن يشفع للمرأة المخزومية دون أن يستطيع زعماء قريش أن يفعلوا ذلك، إنه الحب بن الحب أسامة بن زید بن حارثة، أمه أم أیمن حاضنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووالده زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقصة استرقاقه أن أمه زارت قومها وزید معها فأغارت خيل لبني القيس ابن جسر في الجاهلية على بيوت بني معن فاحتملوا زيدًا معهم فباعوه في سوق عكاظ واشتراه حكیم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد، فلما تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهبته له، وكان أبوه حارثة قد حضر إلى مكة وطلب من النبي أن يقبل الغداء فيه ويعيده إليه فقال: ادعوه فخيّروه، فإن اختاركم فهو لكم من غير فداء، وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني فداء، وعند تخییر زید اختار رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وتزوج أم أیمن فأنجبت له أسامة حتى أدرك الإسلام ولم يعرف إلا الإسلام لله تعالى وهاجَر إلى المدينة، ولقد تلقى أسامة درسًا كبيرًا علمه إياه رسول الإنسانية -صلى الله عليه وسلم- حينما أتى ليشفع للمرأة المخزومية فقال له غاضبًا: «أتشفع في حدٍ من حدود الله؟».

وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحبه حبًا شديدًا كما كان يحب والده زيد فلذلك لقب بالحب ابن الحب، وروي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: «عثر أسامة على عتبة الباب فشج جبهته فقال الرسول: يا عائشة أميطي عنه الدم. فتقذرته فجعل رسول الله يمص شجته ويمجه».

 ومما رواه عن نفسه أنه قال: «كان رسول الله يأخذني والحسن، ويقول اللهم إنني أحبهما فأحبهما»، كان أسامة يعرف أنه يجب عليه أن يجاهد في سبيل الله ليرفع راية الإسلام ويقف بجانب إخوته في الإسلام، وأول ما جرب بعثه الرسول -صلى الله عليه وسلم- على رأس جيش فلقى فقاتل وانتصر ورجع إلى المدينة فاستقبله الرسول -صلى الله عليه وسلم- بفرح كبير، وطلب منه أن يُحدّثه فقال أسامة: «لما انهزم القوم أدركت رجلًا وهويت إليه بالرمح فقال لا إله الا الله فقتلته» فتغير وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: «ويحك یا أسامة فكيف لك بلا إله إلا الله؟!، ويحك يا أسامة فكيف لك بلا إله إلا الله؟!. فقال أسامة فلم يزل يرددها حتى لوددت أني انسلخت من كل عمل عملته واستقبلت الإسلام يومئذ جديدًا فلا والله لا أُقاتل أحدًا قال لا إله إلا الله بعدما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا هو السر في ابتعاد أسامة عن مواطن الفتنة من عهد علي كرم الله وجهه، ویُروی أنه بعث لعلي رضي الله عنه «إنك لو كنت في شدق الأسد لأحببتُ أن أدخل معك فيه، ولكن هذا أمر لم أره».

 أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُكرم أسامة بتوليه على جيش لمحاربة الروم وفاءً لأبيه زيد، وكذلك لينوه بالدور الذي يستطيع أن يقوم به الشباب المسلم لرفع راية الإسلام خفاقة على كل رايات الكفر والضلال، فتذمر بعض المسلمين وكثر الكلام فيما بينهم وكانت حجتهم أن أسامة صغير السن لا يعلم بفنون القتال فلما علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان ذلك في الأيام الأولى من إصابته بالمرض خرج من بيته عاصبًا رأسه وعليه قطيفة وصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «إن بعض الناس يطعنون في إمارة أسامة بن زيد، ولقد طعنوا في إمارة أبيه من قبل وإن كان أبوه لخليقا للإمارة وإن أسامة لخليق لها وإنه لمن أحب الناس إلي بعد أبيه وإني لأرجو أن يكون من صالحيكم فاستوصوا به خيرًا». وكان صلى الله عليه وسلم يصر إصرارًا شديدًا على أن تنفذ البعثة حتى أنه قبل موته كان يردد: «انفذوا بعث أسامة.. انفذوا بعث أسامة».

وبينما الجيش يتأهب للمسير إذ برسول أمه أم أيمن قد جاءه يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت، فتوقف عن المسير وكَرّ راجعًا إلى المدينة.

وبعد أن تولّى أبو بكر -رضي الله عنه- الخلافة صمّم على أن يسير الجيش وفاءً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولقد كان موقفًا نبيلًا من أبي بكر -رضي الله عنه- إن كان يدل على شيء إنما يدل على حبه للإسلام وحرصه على أن يعم جميع من في الأرض، فلقد سار على قدميه يودّع الجيش ليرفع همة الجنود المسلمين فلما رآه أسامة كذلك استحى منه وقال: «يا خليفة رسول الله إما أن أنزل وإما أن تركب»، فقال له رضي الله عنه: «الزم مكانك ما علي أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله».

ورجع أسامة منتصرًا إلى المدينة واستقبله أبو بكر وبعض صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالفرح والسرور واستراح أيامًا، ثم بدأ يأخذ مكانه بين صفوف المجاهدين في سبيل الله المقاتلة المرتدين.

ولقد حظي أسامة بحب الخلفاء من بعد أبي بكر، ومما يُروى أن عمر جلس يقسم أموال بيت المال على المسلمين، وجاء دور ابنه عبد الله فأعطاه نصيبه ثم جاء دور أسامة بن زيد فأعطاه ضعف ما أعطى ولده عبد الله فتعجب عبد الله وسأل أباه: لقد فضّلت عليّ أسامة وقد شهدت مع رسول الله ما لم يشهد، فأجابه عمر: إن أسامة كان أحب إلى رسول الله منك وأبوه كان أحب إلى رسول الله من أبيك. وفي العام الرابع والخمسين من الهجرة بعد جهاد طويل توفي رحمه الله.

أبو سعود

 

الرابط المختصر :