العنوان أضواء على حياة المسلمين في يوغوسلافيا
الكاتب صالح أحمد اليوغسلافي
تاريخ النشر الثلاثاء 16-مايو-1972
مشاهدات 18
نشر في العدد 100
نشر في الصفحة 22
الثلاثاء 16-مايو-1972
يبدو أن المسلمين الذين يعيشون بعيدًا عن المراكز الإسلامية المقدسة، أي بعبارة أخرى الذين يعيشون في دول غير إسلامية، أنهم أكثر تمسكًا وارتباطًا بالإسلام من الذين يعيشون في قلب هذه المراكز! ومهما كان هذا الاستنتاج غريبًا إلا أنه صحيح. لأن الواقع هو الذي يؤكد لنا صحة هذه النظرية وهذه الفئات الإسلامية سواءً في أوروبا أو الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر لاقت ما لاقت من الاضطهاد والتشريد والقتل إلى غير ذلك، ولا تزال تلاقي في بعض الأماكن، كل هذا لا لشيء إلا لأنهم يدينون بهذه العقيدة الراسخة، وعلينا أن نلاحظ مع الأسف «وعلى العالم الإسلامي أن يعترف» أنه في الأزمة الأخيرة كان بعيدًا كل البعد عن معالجة المشاكل والقضايا التي أحاطت بهؤلاء المسلمين ووقف العالم الإسلامي مكتوف الأيدي أمام هذه الظاهرة، والمشاكل والمصائب التي تجتاح العالم الإسلامي لا يمكن أن تكون تبريرًا لهذا الموقف لأنه قبل كل شيء وبعد كل شيء يتناقض مع المنطق الإسلامي والضمير الإسلامي، لأن الوشيجة الإسلامية أمتن من أية وشيجة أخرى ولا يجوز إهمالها أبدًا.
والواقع أن لهؤلاء المسلمين الذين يعيشون في بيئات وظروف مختلفة دورًا عظيمًا خاصة في الوقت الحاضر.
فعندما كان دور العرب في وقت ما نشر العقيدة الإسلامية في أنحاء العالم أصبح اليوم دور هؤلاء في بقاء هذه العقيدة في تلك البلاد وما ندري أي هذين الدورين أخطر وأهم، لكننا نقول إنهما معا مهمان.
وهؤلاء الذين لا يفهمون الإسلام فهمًا كاملًا ولا يجيدون اللغة العربية يحبونه حبًا جمًا ويفهمونه بقلوبهم لأنها لغة القرآن.
ما أن يسمعوا القرآن حتى نرى أعينهم تفيض بالدموع ولا يضحكون ولا يستزعون كما يمكن أن نرى ذلك في بعض الدول التي يسمونها إسلامية! وهذه الظاهرة إن لم تكن عامة فهي موجودة يقينًا.
وعن هؤلاء الذين لا يصدقوننا عندما نقول لهم إن الكتب الإسلامية تباع في نفس المكان مع مجلات الأفلام، وإن أسطوانات ترتيل القرآن الكريم تباع في نفس المكان مع أسطوانات المغنيين، ولهؤلاء الذين لا يصدقوننا في القول نقول إن الدين في هذه الدول أصبح كأي تجارة أخرى أو يكاد أن يكون.
لقد جاء الإسلام في يوغوسلافيا عن طريق الأتراك وهذا في القرن الرابع عشر، وانتشاره في هذه البقعة الأرضية يشبه انتشاره في كل مكان آخر.
والمصادر التاريخية الصحيحة تشير إلى أنه لم يكن هناك إكراه وإجبار، بل دخل الناس في الإسلام حسب إرادتهم ورغبتهم وبعد انسحاب الأتراك من يوغوسلافيا بقي الإسلام لأن الذي يعتنق هذه العقيدة مرة لا يفارقها أبدًا.
ويهمنا بهذا الصدد أن نلقي بعض الأضواء على حياة المسلمين في يوغوسلافيا اليوم لأننا قد تعودنا أن نتكلم عن أمجادنا أكثر من أنفسنا وعن ماضينا أكثر من حاضرنا وربما في هذا جذور مرضنا!
يقارب عدد المسلمين في يوغوسلافيا حوالي أربعة ملايين نسمة ليسوا متمركزين في مكان واحد، بل هم موزعون في جميع المناطق اليوغوسلافية مع أن أكثرهم في وسط وجنوب يوغوسلافيا.
ومسلمو يوغوسلافيا ليسوا من الأصل التركي كما يتوهم البعض، بل هم السكان الأصليون اليوغوسلافيون الذين اعتنقوا العقيدة الإسلامية.
عاداتهم:
أحسن تعريف لعادات المسلمين هناك أن نقول إن عاداتهم الإسلام، طبيعي أن هناك بعضها كالعادات التي أخذوها من جيرانهم كما أخذ هؤلاء بعض العادات من المسلمين، إلا أن المسلمين تجنبوا العادات التي لها طابع غير إسلامي مخالف لطبيعة الإسلام.
وفي نفس الوقت يحترمون الأديان الأخرى ويعيشون معهم في صداقة وعلاقات طيبة، تمسك المسلمون في يوغوسلافيا تمسكًا شديدًا بالشعائر الإسلامية، بل ذهبوا أكثر من ذلك إذ أنهم يعتبرون أن هذا فقط جزء من واجباتهم الإسلامية.
ويبذلون أموالًا هائلة في بناء المساجد والمراكز الإسلامية ويتصورون أن هذه التضحية أعلى مراتب الإسلام وأعلى مراتب العبادة، لقد بنوا بعض المساجد في الفترة الأخيرة في شكل معماري حديث وجديد حتى تلائم المساجد والزمن الذي نعيش فيه، لقد بنوا كثيرًا من المساجد في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية وكثير من هذه المساجد كان قد خرب أثناء الحرب التي استمرت في الأراضي اليوغوسلافية خمس سنوات.
ولابد أن نذكر أن المسلمين هناك يهتمون اهتمامًا بالغًا ويعيشون في جو ذكــريات الأحداث المجيدة في التاريخ الإسلامي، ومثلًا هم يحتفلون بذكرى مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- لا مرة في السنة، بل مرات عديدة، ومجيء شهر رمضان المبارك حدث عظيم بالنسبة لهم إذ تتغير حياتهم فيه تغييرًا تامًا وسرعان ما تحدث نهضة دينية أثناء هذا الشهر المبارك.
والجدير بالذكر أنهــم يتجنبون التزوج بالأقارب ومن الغرائب العجيبة أنهم يعتبرون الزواج بابنة العم أو الخال جريمة وإثمًا لا يغتفر ومثل هذا الزواج لا يتم هناك أبدًا ولسنا في حاجة أن نتكلم عن بعض العادات الأخرى لأنها العادات الإسلامية المعروفة والموجودة في كل مكان وجد فيه المسلمون.
المراكز الدينية والثقافية
اشترك المسلمون من البداية مع الشعوب اليوغسلافية الأخرى في بناء الحضارة اليوغسلافية وأصبح المسلمون من الأعمدة الأساسية التي تقوم عليها هذه البناية وبطبيعة الحال هذه الحضارة لها طابع إسلامي صرف والفن الإسلامي بقيت آثاره إلى يومنا هذا، ولقد برز المسلمون خاصة في فن المعمار ولم يقض الزمن على هذه البنايات العظيمة، بل فهي لا تزال باقية، وهذا التراث موضع الإعجاب من قبل الزوار والسواح وموضع الفخر من قبل المسلمين والشعوب اليوغسلافية بأجملها.
• سراجيفو: هذه المدينة كانت مركزًا دينيًا وثقافيا للمسلمين منذ وجودهم في يوغسلافيا تقريبًا، لقد شيدت في نهاية القرن الخامس عشر، بل هي مركز اجتماعي في يوغسلافيا في إطار جمهورية البوسنة والهرسك وفي هذه المدينة تقوم مدرسة غازي حسروبك وهي المدرسة الدينية الوحيدة في البلقان مع المدرسة الأخرى التي تقوم في جنوب يوغوسلافيا في مدينة برشتنا، ولهذه المدرسة دور كبير في حياة ونشاط الفكر الإسلامي، وفي هذه المدينة تقوم رئاسة المشيخة الإسلامية في يوغوسلافيا وهي السلطة التنفيذية العليا الدينية وعلى رأسها رئيس المسلمين، وفي الوقت الحالي يؤدي هذه الوظيفة السيد سليمان كمورا وفي هذه المدينة تصدر مجلتان إسلاميتان وهما: مجلة - علاسنق ـ التي تصدر منذ زمن طويل والثانية مجلة - البعث الإسلامي - التي بدأت تصدر قبل سنة ونصف.
وأخيرًا لا بد أن نذكر أسماء بعض الشخصيات الإسلامية الكبيرة الذين قدموا للدين الإسلامي خدمة كبيرة وخلدوا أسماءهم في نفوس المسلمين هناك. وأشهرهم قبل الحرب العالمية الثانية من الأدباء صفوت باتشاغتش وموسى تشاتج ومن المفكرين جمال الدين تشاودشوتش الذي كان رئيسًا للمسلمين آنذاك والذي ترجم القرآن الكريم إلى اليوغوسلافية.
أما في الوقت الحاضر فمن أشهر الأدباء المسلمين محمد سلمدوتش والذي اشتهر بكتابه «الدرويش والموت» لا في يوغوسلافيـا فقط، بل في العالم كله.
وترجم كتابه إلى لغات عالمية كثيرة إلى اللغة العربية بطبيعة الحال وهي الآن في متناول القارئ في الدول العربية، أما أشهر مفكريها فهو السيد أستاذنا الفاضل حسين جوزو رئيس تحرير مجلة - البعث الإسلامي - ولقد اشتهر بتفسير للقرآن الكريم وله مقالات وكتب عديدة يناقش فيها القضايا الإسلامية بطريقة معاصرة ممتازة.
هذه هي لمحة سريعة على حياة أكبر جالية إسلامية تعيش في أوروبا التي تسعى وتعمل في سبيل إعلاء كلمة الله.
صالح أحمد اليوغسلافي
جامعة الكويت
«تحضير ماجستير في الأدب العربي»
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكللقاءات «المجتمع».. مع الأخ بشیر مصطفى عثمان حَول أوضاع الإسلام والمسلمين في يوغسلافيا
نشر في العدد 273
15
الثلاثاء 04-نوفمبر-1975