العنوان أطفال فلسطين ولبنان.. شواهد حية على الإجرام الصهيوني
الكاتب محمود الخطيب
تاريخ النشر الثلاثاء 30-ديسمبر-1997
مشاهدات 12
نشر في العدد 1282
نشر في الصفحة 34
الثلاثاء 30-ديسمبر-1997
فلسطين المحتلة
عمار.. وليال.. ومنصور.. وعشرات غيرهم
لو كان ما حدث للطفل الفلسطيني عمار عميرة أصاب طفلًا إسرائيليًا أو أمريكيًا لقامت الدنيا ولم تقعد و لتحركت هوليوود لإنتاج فيلم يحكي مأساة هذا الطفل التي ستظل تلازمه طوال حياته، وعلى الرغم من ذلك فقد لقي هذا الطفل أثناء وجوده في الولايات المتحدة للعلاج اهتمامًا استثنائيًا من أجهزة الإعلام الأمريكية جعلت منه نجمًا صغيرًا ربما تعوضه قليلًا عما سيظل يعاني منه من تشوهات خطيرة في وجهه وباقي أنحاء جسده..
إنها قصة الإرهاب والعربدة الصهيونية ضحيتها أطفال أبرياء من فلسطين ولبنان تتكرر كثيرًا حيث صفة الإجرام متأصلة في جنود الاحتلال وفي قطعان المستوطنين.
عمار.. حالةمأساوية:
ينتمي عمار عميرة لأسرة فقيرة من قرية جماعين قرب مدينة نابلس في الضفة الغربية. والقرية ككثير من قرى الضفة الغربية تقع قرب. مستوطنات يهودية أقيمت على أراضٍ اغتصبت من أهلها الشرعيين ولا يفصل قرية جماعين عن مستوطنة أريل سوى شارع صغير، مما يجعل أهالي القرية في حالة صدام مستمر مع قطعان المستوطنين على الجانب الآخر من الشارع، ومما ضاعف من معاناة أسرة عمار أن بيتهم يقع عند حافة القرية قرب الشارع الرئيسي الذي يفصل القرية عن المستوطنة، فهم على مرمى حجر من حقد المستوطنين اليهود.
كان عمار ابن السادسة يتناول طعام الغداء في البيت مع إخوته عام ۱۹۹۰ عندما اقتحمت البيت مجموعة من المستوطنين المسلحين من مستوطنة أريل وألقوا قنبلة حارقة داخل الغرفة التي كان الأطفال يتناولون فيها طعامهم، وقد احترق البيت وقتل اثنان من إخوة عمار على الفور، بينما أصيب عمار بحروق فظيعة في الوجه والرأس واليدين لا يمكن أن تصفها الكلمات لكن صورة عمار المرفقة أفصح من كل لسان..
هل كان عمار محظوظًا بنجاته من الحادث الإجرامي؟ إن معاناة الولد الصغير وهذا الوجه الجميل الذي شوهه إرهاب الصهاينة ستعيش معه حتى وفاته. ظل عمار ست سنوات يعاني وبدون أي علاج فعلي؛ حيث لا توجد مستشفيات أو مراكز طبية لعلاج الحروق في المناطق المحتلة، ونتيجة للحادث فقد عمار جفنيه ولذلك لم يكن باستطاعته إغلاق عينيه للنوم في الليل، كما أصيب بتيبس وتصلب في مرفقيه كان يمنعه من بسط ذراعيه كما يشاء، وفقد عمار أصبعين من يده اليسرى وتلف إبهامه الأيمن وفقد صيواني أذنيه كما احترقت فروة رأسه بالكامل واحترقت رقبته بصورة مخيفة أدت إلى تدلي جلد الرقبة بين أسفل فمه وصدره. كان منظر الطفل مشوهًا بشكل رهيب مما جعله محط سخرية أطفال القرية وكان نساء القرية يصرخن من الرعب عند رؤيته. لم يستطع عمار الذهاب إلى المدرسة كبقية أقرانه من الأطفال لكن جدته أخذت على نفسها عهدًا بتدريسه في البيت بعيدًا عن أعين الأطفال المستهزئين وعن نظرات الاشمئزاز الطبيعية!
بعد ست سنوات على هذا الحال تولت مؤسسة أمريكية تدعى مؤسسة إغاثة أطفال فلسطين إرسال عمار إلى أحد المستشفيات الأمريكية في مدينة سان دييجو في ولاية كاليفورنيا ليتم علاجه هناك بعد أن تبرع الجراحون والمستشفى بعلاجه بالمجان.
يقول الدكتور مايكل بيترس جراح التجميل في مستشفى سان دييجو والذي عالج عمار دون مقابل بأن حالة عمار مثال كلاسيكي لما يحدث لضحية الحروق عندما يترك دون علاج، ويضيف بأنه «كان يجب علاجه من أول يوم أصيب فيه؛ حيث لم يكن الجلد متيبساً».
وقد حصلت مؤسسة إغاثة أطفال فلسطين على تقرير عن حالة عمار من وزير الصحة في السلطة الفلسطينية الدكتور رياض الزعنون الذي أقر بعدم وجود أطباء في مناطق السلطة الفلسطينية يمكنهم علاج مثل تلك الحالة علاجًا تجميليًا، وقامت المؤسسة الأمريكية مشكورة بالبحث عن مستشفى وأطباء لعلاج الطفل الفلسطيني دون مقابل، وفي منطقة تتواجد فيها جالية عربية يمكنها استضافة عمار أثناء وبعد علاجه، وتقول السيدة هدى المصري الباحثة الاجتماعية في المؤسسة: «إن حالة عمار خاصة؛ حيث لا بد من ضمان وجود عائلة عربية تستضيفه ويمكنها التغلب على مشكلة مظهره المخيف والتعامل مع عمار كطفل يعاني الألم الجسدي والنفسي، وقد وجدنا هذه العائلة في سان دييجو».
أما السيدة جابريلي زوجة محمد تيم التي استضافت عمار في منزلها فقالت: «أريت أولادي صور عمار قبل أن يلتقوه وهيأتهم لوصوله لقد استغرق الأمر بعض الوقت حتى اعتادوا على الاختلاط به، لكن كل شيء سار طبيعيًا في نهاية الأمر».
في شهر فبراير من العام الماضي نظمت الجالية العربية في سان دييجو بالتعاون مع المؤسسة الأمريكية حفل استقبال على شرف الطفل عمار وأطبائه وعدد آخر من الأطباء الذين تبرعوا بعلاج أطفال فلسطينيين ولبنانيين من ضحايا الإرهاب الصهيوني خلال السنوات الخمس الماضية، كان ذلك الحفل فور وصول عمار إلى سان دييجو، ثم أدخل بعدها إلى مستشفى ميرسي «الرحمة» ليخضع الأول عملية دامت ست ساعات على يد الدكتور بيترس والدكتور دوج أربون طبيب التخدير، ثم خضع عمار لثلاث عمليات أخرى على مدى أربعة أشهر قدرت تكاليفها جميعًا بحوالي مليون دولار.
وقد نشرت صحف سان دييجو قصة عمار قبل أن تسارع محطات التلفزيون الأمريكية الرئيسية إلى عقد لقاءات تلفزيونية معه ومع أطبائه والعائلة التي تستضيفه وبثت قصة هذا الولد الشجاع، ويقول العاملون في المؤسسة الأمريكية بأن عمار كان يظهر كل ليلة على شاشة أحد التلفزيونات الأمريكية وهو ما أكسبه تعاطفًا شعبيًا أمريكيًا.
لقد أثبت عمار خلال وجوده في الولايات المتحدة أنه طفل استثنائي، فعلى الرغم من آلامه ومعاناته خلال السنوات الماضية لم يشعر بالخجل من مظهره وهو سعيد بالاستقبال الذي وجده من الجالية العربية في سان دييجو وغيرها من المدن والولايات الأمريكية؛ حيث نظمت له رحلات إلى عدد من الولايات الأمريكية لشرح صور الإرهاب الصهيوني ضد الأبرياء والأطفال في فلسطين ولبنان.
لم يعد لعمار وجهه الجميل الذي خلق فيه لكنه يمتلك معنويات عالية يمكنه بها تجاوز معاناة التشويه الذي سيلازمه طوال حياته، وستظل آثار التشويه شاهدًا على حقد المحتلين الصهاينة وعلى إرهابهم جنودًا ومستوطنين. عمار الآن يعيش في كنف والديه في قرية جماعين بعد رحلة العلاج التي خففت قليلًا من محنته، لكن من يلوم عمار إذا ما قرر امتشاق حزام ناسف وتفجير نفسه بين المستوطنين؟
مؤسسة إغاثة أطفال فلسطين:
تأسست هذه المؤسسة في ولاية أوهايو الأمريكية عام ۱۹۹۰ كهيئة إغاثة خيرية تعنى بمسألة توفير فرص العلاج المجاني في المستشفيات الأمريكية لأطفال فلسطينيين ولبنانيين غالبيتهم من ضحايا الإرهاب الصهيوني، إلا أن بعض الذين أمكن علاجهم عن طريق المؤسسة كانوا حالات مرضية إنسانية حيث لا تتوافر أي إمكانية لعلاجهم في المناطق المحتلة أو لبنان.
مدير المؤسسة- وهو الذي أنشأها- شاب أمريكي صديق ومناصر قوي لقضية الشعب الفلسطيني اسمه ستيفن سوسيبي، وهو صحفي ومتزوج من امرأة فلسطينية تعمل معه في المؤسسة التي مقرها مدينة كنت في ولاية أوهايو الأمريكية، وقد قامت المؤسسة خلال الأعوام الستة الماضية بتوفير فرص العلاج في المستشفيات الأمريكية لحوالي ٨٠ طفلًا فلسطينيًا ولبنانيًا حوالي ٧٠٪ منهم من ضحايا الإرهاب الإسرائيلي، وقد أنشأ ستيف مؤسسته تحت شعار جميل وهو «ليس شرطًا أن تكون فلسطينيًّا كي تحب الفلسطينيين»، وذلك بعد أن لمس حجم المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت حكم الاحتلال الصهيوني وخصوصًا في سنوات الانتفاضة التي سافر عام ١٩٨٨م إلىفلسطين المحتلة لتغطية أحداثها مندوبًا لمجلة «واشنطن ريبورت» الأمريكية.
وقامت المؤسسة بتقديم مساعدات طبية للعديد من المؤسسات الفلسطينية التي تعنى بشؤون المعاقين ومصابي الانتفاضة، وبلغ حجم المساعدات التي قدمتها لها ملايين الدولارات على شكل أجهزة وكتب طبية تبرعت بها مؤسسات أمريكية وهيئات عربية في الولايات المتحدة، كما قامت المؤسسة بإرسال أطباء فلسطينيين إلى الولايات المتحدة لحضور دورات تدريبية ودورات اختصاص طبية على نفقة مستشفيات أمريكية مختلفة.
ويقول ستيف: «لدينا الآن فتاة فلسطينية فقدت ساقها، وطفلان مصابان بحروق مختلفة يتلقون العلاج في إحدى مستشفيات لوس أنجيلوس وهناك طفل يعالج في نيوجيرسي أصيب برصاصة جندي إسرائيلي في فكه وولد آخر يعالج في شيكاغو انفجر فيه لغم أرضي».
شظية صاروخ في رأس الطفلة ليال بَيُّوم:
كان عمر «ليال بيّوم» ثمانية أشهر عندما أصيبت بشظية صاروخ إسرائيلي في رأسها وهي نائمة في بيتها في جنوب لبنان عام ۱۹۸۹م. نقلت الطفلة ليال إلى مستشفى قريب أنقذ حياتها، لكنها ظلت تعاني من شلل في يدها ورجلها ومن وجود منطقة مفتوحة في جمجمتها تهدد حياتها. بعد سبع سنوات نقلت ليال إلى إحدى مستشفيات بلتيمور في الولايات المتحدة عن طريق المؤسسة الأمريكية. وقد أجرى لها جراح أعصاب عربي هو الدكتور حاتم عبده عملية جراحية في مستشفى فرانكلين سكوير لإغلاق الفتحة في الجمجمة حيث كانت تشكل خطورة على حياتها، لكن ليال ستعيش مشلولة طوال حياتها حيث لا تفيد معها أي عملية جراحية لعلاج الشلل في نصفها الأيسر.
منصور أبو سنينة.. ضحية آخر:
كان الطفل الفلسطيني منصور أبو سنينة من مدينة الخليل أول حالة ترسلها مؤسسة إغاثة أطفال فلسطين لتلقي العلاج والتأهيل في إحدى المستشفيات الأمريكية عام ١٩٩٠م، وقد فقد منصور كلتا ساقيه ويده اليمنى وعينه اليمنى عندما ألقت دورية عسكرية إسرائيلية قنبلة مضادة للدبابات على منزل عائلته في الخليل أثناء تناولهم طعام الغداء في شهر نوفمبر عام ١٩٨٩، وقد نقل هو وأخته صباح (۱۳ عامًا) إلى اكرون في ولاية أوهايو؛ حيث تلقيا العلاج مجانًا في أحد المستشفيات هناك وتم تركيب ساقين اصطناعيتين لمنصور وعاد يمشي بهما، بينما أجريت لأخته عملية جراحية لتطويل عظامها، وأثناء وجودهما في الولايات المتحدة نظمت حملة لجمع تبرعات لهما لكي يكملا تعليمهما العالي فيما بعد، وقد تطلب الأمر من منصور التدرب على الكتابة بيده اليسرى، وهو الآن طالب مجتهد يعتزم دراسة الشريعة الإسلامية في المغرب، بينما تدرس أخته صباح مادة التربية في جامعة الخليل.
يتم تغطية تكلفة سفر ومصاريف الأطفال الذين تنقلهم مؤسسة إغاثة أطفال فلسطين للعلاج في المستشفيات الأمريكية من تبرعات الأفراد المحسنين، ويذهب الأطفال إلى هناك دون رفقة والديهم أو أحد من أقاربهم لكنهم يبقون في رعاية عائلات عربية. هذه المؤسسة الخيرية بحاجة إلى الدعم المعنوي قبل المادي من العرب والمسلمين حتى تواصل عملها النبيل في علاج أطفال فلسطين ولبنان الجرحى ضحايا الإرهاب الصهيوني، والمؤسسة لها صفحة على الإنترنيت يمكن لمن أراد زيارة موقعها والاستزادة من المعلومات عن أنشطتها والحالات التي أشرفت على علاجها، وعنوان الموقع هو:
(http://www. wolfenet.Com/-pcrf)
كما يمكن مراسلة المؤسسة على العنوان التالي:
FFThe P.C.R.F
P.O.Box 1926
Kent, Ohio 44240
U.S.A
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
«الإرهاب» في القانون الدولي والشريعة الإسلامية.. إشكالية المفهوم
نشر في العدد 2110
106
الثلاثاء 01-أغسطس-2017