; الميليشيات.. الخطر الذي يهدد مستقبل أفغانستان | مجلة المجتمع

العنوان الميليشيات.. الخطر الذي يهدد مستقبل أفغانستان

الكاتب أحمد منصور

تاريخ النشر الأحد 17-مايو-1992

مشاهدات 55

نشر في العدد 1001

نشر في الصفحة 20

الأحد 17-مايو-1992

كانت الميليشيات هي القوة التي حافظت على نظام كابل بعد خروج السوفييت من أفغانستان في فبراير 1989، وكانت في نفس الوقت هي القوة التي أسقطت أو ساعدت على إسقاط هذا النظام بالتعاون مع المجاهدين في الرابع والعشرين من أبريل الماضي.

وقد بدأت الحكومة الشيوعية السابقة في كابل بتشكيل الميليشيات في أعقاب سيطرتها على السلطة في أبريل عام 1978 واعتمدت في تشكيلها على العرقية الأولى لأوامر الزعيم القبلي الذي يوجهها سواء إلى الخير أو إلى الشر أو إلى اليمين أو اليسار. لذلك فإن تاريخ الميليشيات المحدودة يظهر أن توجهها كان حسب توجه زعيمها أو قائدها حيث تقلبت بعض الميليشيات فكان بعضها مع السلطة في كابل تارة وتارة أخرى مع المجاهدين ضدها، وكما ذكرنا في صدر الموضوع أن الميليشيات هي التي حافظت على النظام في كابل منذ انسحاب السوفيات وهي في نفس الوقت التي ساعدت في سقوطه.

أهم تشكيلات الميليشيات

عرفت أفغانستان خلال سنوات الحرب الأربع عشرة تشكيلات مختلفة لرجال الميليشيات منها ما أسسه في البداية النظام في كابل ومنها ما كان مع المجاهدين ثم استقطبه النظام في كابل واستغله بعد ذلك ومنها من زعماء قبائل لعبوا على الطرفين ومنها ما كانت تأتيهم مساعدات خارجية ومن أهم هذه التشكيلات:

الميليشيات الجوزجانية

وهي التي يتزعمها الجنرال عبدالرشيد دوستم وتنسب إليه أيضًا حيث يقال ميليشيا «دوستم» وهي التي توجد في العاصمة كابل الآن بأعداد كبيرة، ويقال إنهم كان لهم دور كبير في إسقاط النظام في كابل بعدما كانوا من أكبر معاونيه، ويشير بعض المراقبين إلى أن انقلابهم على نجيب جاء بسبب عدم قدرته على دفع الرواتب لهم بالدولار حيث كان يمنحهم رواتب وهبات مالية باهظة بالدولار الأمريكي حسب شروطهم نظرًا لتدني الروبية الأفغانية كما سلحهم بتسليح وعتاد قوي جدًا جعلهم بمثابة جيش آخر داخل الدولة لاسيما وأن بعض المصادر تقدر عددهم بحوالي 50 ألف مقاتل، وقد عرفوا بفظاظتهم وغلظتهم طوال السنوات الماضية حيث إن غالبيتهم من الجهلاء وأهل القرى والبدو وشاربي الخمور وتجار المخدرات والمهربين، ولم يجمعهم تحت قيادة دوستم بعد الولاء العرقي سوى الحصول على المال، لذلك حينما سقطت العاصمة كابل قام هؤلاء بعمليات سلب ونهب واسعة في المدينة فروعوا الآمنين وأثاروا الاضطرابات مما أساء لحكومة المجاهدين التي تولت مقاليد الحكم في البلاد.

أما زعيم هذه الميليشيا رشيد دوستم فقد منح لقب جنرال بصورة شرفية من قبل د.نجيب رئيس النظام السابق في كابل وذلك تقديرًا للجهود التي قام بها في الحفاظ على النظام لاسيما في الشمال.

وقد أشارت بعض المصادر إلى أن دوستم في البداية كان أحد قادة الحزب الإسلامي «حكمتيار» ثم انضم بعد ذلك للجمعية الإسلامية «رباني» ثم ترك الجميع وانضم إلى النظام في كابل ودعمه بقوة خلال الفترة الماضية قبل أن ينقلب هو على النظام، ولعل هذا يفسر إصرار حكمتيار على رفض دخول كابل مادامت ميليشيا دوستم بها وأنها يجب أن تخرج أولًا من كابل لأنها سبب الصراع وتحرك دوستم النزعة العرقية والمال بالدرجة الأولى، وتعتبر مزار شريف مقر وجوده.

ميليشيات «جلم جمع»

ومعناها «ساحبو البساط» ويعتبرون امتدادًا للجوزجانيين غير أنهم أشد غلظة وقسوة منهم ويبلغ عددهم حوالي ثلاثة آلاف مقاتل، وقد كانوا يشكلون قوة أساسية في الأحزمة الأمنية التي تحيط بالعاصمة كابل لحمايتها من السقوط في أيدي المجاهدين وقد عرفوا بالشراسة في القتال والغباء والهمجية في التصرفات وقد قاتلوا ضد المجاهدين في جلال آباد وخوست وكابل علاوة على مناطق الشمال وقد قتل المجاهدون منهم وأسروا كثيرين خلال العامين الأخيرين بصفة خاصة.

ميليشيات سيدكيان

وسيدكيان هو زعيم الإسماعيلية الكبير في أفغانستان وبقي اسمه علامة وصفة لهم وتتمركز هذه الميليشيات في ولاية بغلان حيث يتواجد الإسماعيلية ويقودها الآن سيد منصور نادري وقد أدخل مؤخرًا إلى كابل أكثر من ثلاثة آلاف منهم ليساوم المجاهدين على إخراجهم بعد ذلك لاسيما وأن الإسماعيلية يسعون من قديم لإقامة كيان خاص لهم في أفغانستان، وقد آذوا المجاهدين كثيرًا خلال سنوات الجهاد الماضية، وتأتيهم المساعدات مباشرة من الخارج حتى إن صدر الدين أغاخان منسق الأمم المتحدة السابق لشؤون أفغانستان قد خصهم بمساعدات مالية وعينية كثيرة، قيل إنها سبب مباشر من الأسباب التي أدت إلى إقالته من منصبه بعد ذلك، وتشير بعض المصادر إلى أن عدد الميليشيات الإسماعيلية المسلحة يصل إلى 12 ألف عنصر ويزيد من خطورة هؤلاء أنهم يقاتلون من منطلق عقائدي منحرف ولديهم كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر بينها دبابات ومدفعية وصواريخ حيث كانوا موالين للسوفيات خلال احتلالهم لأفغانستان وموالين للنظام الحاكم من بعد.

تجمعات أخرى

وعلاوة على هذه التجمعات الكبيرة للميليشيا هناك تجمعات أخرى من أبرزها ميليشيات عصمت مسلم وقد كان يعمل مع المجاهدين فترة من الوقت ثم انقلب وانضم للنظام وقد ضعفت قواته بعد هلاكه في العالم الماضي، كذلك ميليشيات «خروت» وهي نسبة إلى قبيلة بشتونية كبيرة تحمل هذا الاسم، وميليشيات «أرض الأجداد»، وميليشيات «رجال الثورة»، وميليشيات «شينواري» نسبة إلى قبيلة كبيرة تمتد بين أفغانستان وباكستان، وتجمعات أخرى صغيرة أسسها الشيوعيون خلال فترة حكمهم من الفلاحين والعمال وغير ذلك من الطبقات الأخرى، وكانت المهمة الرئيسية لهذه الميليشيات هي المحافظة على النظام كدرع عسكري أخر للجيش.

علاقة الميليشيات ببعضها

كانت علاقات الميليشيات ببعضها علاقات مشوبة بالتوتر دائمًا خلال العامين الأخيرين بصفة خاصة وكثيرًا ما كانت تنشب بينها معارك لاسيما الميليشيات الصغيرة التي كانت تتصارع على بعض مناطق النفوذ داخل العاصمة، لاسيما وأن كثيرًا من عناصر هذه الميليشيات كانت تملك بعض المدرعات والأسلحة الحديثة التي مازالت معها إلى الآن.

مخاطر الميليشيات الحالية

تعتبر الميليشيات الحالية لاسيما الكبرى منها هي مصدر الخطر الرئيسي الذي يهدد حكومة المجاهدين الحالية الآن من عدة نواح من أهمها:

1- أنهم يتدخلون من منطلق القوة والتسليح في شؤون الحكومة وبدأوا يظهرون بعض المطالب مثل التي أعلنها رشيد دوستم في المؤتمر الصحفي الذي عقده في مزار شريف يوم الثلاثاء الماضي ودعا فيه إلى إقامة مقاطعات فيدرالية في أفغانستان على أساس عرقي وهي دعوة صريحة لتقسيم أفغانستان.

2- إثارة بعض القلاقل والفتن والمناوشات سواء مع المجاهدين أو مع بعضهم ومحاولاتهم الحصول على امتيازات سواء لطوائفهم أو مناطقهم في الوقت الذي تعتبر فيه البلاد مدمرة تدميرًا تامًا وبحاجة إلى تعاون الجميع وليس إلى تنازعهم.

3- الإساءة إلى حكومة المجاهدين من خلال عمليات السلب والنهب التي تحدث الآن في العاصمة كابل لاسيما للمكاتب والبعثات الدبلوماسية وتنسب للمجاهدين في الوقت الذي لا يشك فيه بأن مسلحي الميليشيا هم الذين يقومون بهذه الأعمال.

4- التفريق بين المجاهدين عن طريق نصرة طرف على طرف أو الانضمام إلى طرف ضد الأخر.

5- محاولة استنزاف طاقات وقدرات الحكومة الجديدة لاسيما وأن مبدأ الميليشيا يقوم أساسًا على الابتزاز.

6- الدخول في صراعات مسلحة مع المجاهدين، لاسيما وأنهم يملكون أسلحة حديثة وصواريخ ودبابات بل وطائرات أيضًا مما يجعل الصورة قاتمة إذا لم يستوعب هؤلاء.

الخروج من المأزق

إن الخروج من هذه الميليشيات ليس له سوى طريق واحد هو وحدة المجاهدين أولًا وتكاتفهم حتى يظهروا بصورة قوية ثم استيعاب الميليشيات بعد ذلك ومحاولة تسخيرها لخدمة الدولة الإسلامية الجديدة كما استغلها الشيوعيون لخدمتهم من قبل لاسيما الميليشيات التي لا تحركها منطلقات عقائدية، حتى يقوى عود الدولة وتصبح القوة في يدها بعد ذلك تجرد هؤلاء حتى ولو من الأسلحة الثقيلة، حينئذ تقر عين المجاهدين بثمار النصر وكذلك تقر عين أنصارهم.

الرابط المختصر :