; أكثر من موضوع (111) | مجلة المجتمع

العنوان أكثر من موضوع (111)

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 01-أغسطس-1972

مشاهدات 26

نشر في العدد 111

نشر في الصفحة 29

الثلاثاء 01-أغسطس-1972

طريق المستقبل

لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها

«قانون حضاري»

 

كلمة المستقبل

ها قد بدا أن الطريق -من غير الإسلام- مظلم وطويل..

وبعد -ربع قرن تقريبًا- من السحق الجماهيري، والضغط العقائدي، وقتل معنى الإنسانية، والمشاريع الاقتصادية الفاشلة، وعبادة الأصنام الورقية... بعد كل هذا عاد العرب يعلنون أن الطريق كان خاطئًا، وأنه لا بد من التحول إلى طريق آخر.

والطريق الآخر المطروح ليس إلا الطريق القديم الذي بدأ مع الحملة الفرنسية، وظهور العميل الفرنسي «محمد علي» وأدعياء التغريب، والاستيراد الحضاري... الطريق الذي ألجأنا بعد أن يئسنا منه إلى الطريق الخاطئ الذي استمر ربع قرن يعد بالشعارات ونظريات «العدل الاجتماعي» الموهوم، ونسحق في سبيل هذا الرضا كل حركات الإسلام وكل إرادات الأفراد، وكل كلمة «لا» وتتحول الجماهير العربية إلى نسبة عددية مهينة يفتخر القادة بحصولهم عليها في كل انتخاباتهم المتكررة.

وبكل ما بقي في وجوهنا من دم، وما بقي في أخلاقنا من كرامة حاولنا أن نستجدي أي طريق خاطئ العون على الحياة، لكن الجميع اتفقوا على إننا لا نستحق منهم هذا العون حتى ولو أخذوا بترولنا، وتمركزوا في بلادنا بقواعدهم العسكرية، حتى مع هذا فهم يرفضون العون على الحياة، مجرد الحياة، بل الحياة في حدود ما قبل الخامس من حزيران مع تنازلات أخرى كثيرة!!

والسؤال التاريخي الآن يفرض نفسه بعد الاعتراف بالطريق الخاطئ الذي فُرض على الأمة العربية والإسلامية، والذي كان من حصاده تشتت القوى الإسلامية، وضياع فلسطين وباكستان، والمسلمين في تشاد والفلبين، والحبشة، وعرقلة السير للوصول إلى وحدة إسلامية فكرية ومصيرية، تدافع متحدة عن فكرها ومصيرها...

السؤال الذي يفرض نفسه -مرة ثانية- إلى أين الطريق؟ هل تنعطف إلى الطريق الآخر الخاطئ الذي جرنا إلى الانعطاف نحو الخطأ الأخير؟ هل نعود إلى اليمين.

في مقابل «العدول» عن السير في طريق اليسار؟ هل تعود تلك العهود التي خلقت أوكار الفساد، وسمحت بمناخها غير الصحي بتبديد طاقاتنا، ومهدت للدخول في متاهة «القبضة الحديدية» التي علمتنا معنى أن يفقد الإنسان حريته، ومعنى أن يتحرك آلة صماء يديرها «الغير»، كما علمتنا كيف تصنع الأقدار بالذين يستغلون حريتهم استغلالًا سيئَا، ولا يشعرون بمعنى الفرصة التاريخية المتاحة، وبعظمة اللحظة التي يتيحها القدر فرصة للنجاة من براثن الزاحفين بجيوش التبشير من الشرق والغرب، سواء هؤلاء الذين يبشرون بعبادة الأقانيم الثلاثة: «الأب والابن والروح القدس» أو الأقانيم الثلاثة الأخرى: «ماركس ولينين وماو»...

لقد قدر لأمتنا أن تسحق من هؤلاء وأولئك معًا، وفي اللحظة المناسبة لالتهامنا؛ وقف الجميع يتصافحون في أرض الملعب الدولي «سايكس بيكو الجديدة» دون أن يعيروا الجماهير التفاتًا، فالمتفرجون يحترقون من التصفيق دون أن يفوزوا بأي كأس، أما المغامرون الذين يهبطون إلى أرض الملعب، يكدحون ويعرقون ويعتمدون على الله وعلى أنفسهم، فهم وحدهم الذين -وإن هزموا مرة أو مرات- لا بد أن يفوزوا يومًا بكأس الحياة.

یا تری ـبعد أن صفقنا وتعلقنا كثيرًا بالشرق والغرب- هل حان وقت نزولنا لأرض الملعب؟!!

مطلوب مؤلف لهذا الكتاب

مسكين هذا الرجل، وأكثر مسكنة منه هؤلاء الذين صنعوا منه بطلًا، كان الرجل فاشلًا مع نفسه، فاشلًا مع بيته، ومع ذلك ذهبوا إليه، ذهبوا إليه مهلهلين يبحثون عنده عن حل لمشاكلهم.

عاش هذا الرجل حياة بائسة تفتقد كل صنوف الاستقرار والحنان والرحمة، لم يكن لديه شيء يعطيه للحياة، حتى قوت يومه، كان في كثير من الأحيان يأخذه من صديق له، وكان تعسًا.. كان تعسا مع زوجته؛ لأنها لم تجد لديه معنى من معاني الإنسانية، خانها.. وذهب إلى أحضان الشيطان، وأنجب ابنًا غير شرعي، هو في لغتنا نحن المسلمين «ابن زنا» لكنه عند الرجل مجرد ابن غير منسوب إليه «حال حياته»؛ خوفًا من زوجه وأهله، أما نسبته إلى الزنا أو غيره، فهذا من مصطلحات الدين.. والدين عند الرجل مرحلة انتهت.. انتهت بانتهاء مرحلة البورجوازية.

هل تعرفون: لقد زعم صديقه أن الولد ابنه؛ خوفًا على كرامته، ولقد ظل كثيرون يخافون أمر هذا الابن الضحية، المسكين، لكن بعد وفاته اضطر الصديق إلى إظهار الحقيقة، ولم تنفع محاولات الإخفاء، وظهرت هذه الحقيقة في خطاب وجهه صديق الأب إلى ابنته... ابنته المسكينة.. إحدى ضحايا هذا الأب الشرير.

- هل تعرفون كيف كانت هذه البنت مسكينة؟

- لقد كانت ضحية فشل الأب وعقده، وقد خرجت إلى الدنيا مشبعة بعقد أبيها الذي لم يحسن تربيتها لأنه كان -في حجمه الطبيعي أقل من إحسان تربية أحد- وبعد أن عاشت المسكينة حياة شاذة شائنة أنهت حياتها بالانتحار، والسؤال بعد هذا:

هل يصلح هذا الرجل لأن يكون مثلًا أعلى لألف مليون نسمة في العالم الآن، أو أكثر؟

. . .

المطلوب الآن تأليف كتاب عن عقد هذا الرجل وشذوذه.

لكن بشرط.. بشرط ألا يكون المؤلف أحد ضحاياه المساكين!

هكذا علمنا تاريخنا

ليس شرطًا أن نكون أقوى «قوة عسكرية» في الأرض كي ننتصر وتنتشر مبادئنا، فانتصار المبادئ ليس تابعًا لانتصار القوة.. وعلينا فقط أن نعد ما استطعنا..

هكذا علمّنا إسلامنا وتاريخنا، لكن الشرط الذي لا بد لنا منه هو أن نكون أقوى «قوة عقائدية» في الأرض، وبهذه الفوقية العقائدية انتصرنا، وهزمنا الفرس والروم، ووصلنا إلى ضواحي باريس في أوروبا، وسيطرنا على البحر الأبيض المتوسط، وهكذا علمنا تاريخنا..

وعندما اندحرنا في بغداد أمام المغول المتبربرين الذين قتلوا الخليفة العباسي، وقضوا على أكبر وأطول خلافة إسلامية، وظهر أننا قوة ضعيفة عسكريًا.. انتصرنا.. انتصرنا بتفوقنا العقائدي، ذلك أننا كنا ما زلنا أقوى عقيدة مسيطرة، وأقوى حضارة متفوقة، فأسلم التتار المنتصرون، وتعلموا منا كتلاميذ مبادئ ديننا، وأصول حضارتنا، وهناك صور من هذا التفوق اعترف بها «مؤرخو النصارى» في الحروب الصليبية، حين كان المسيحيون الذين سلبونا فلسطين في ذلك الوقت يرتدون عن دينهم ويسلمون... !!

الرابط المختصر :