; أمة المجد لن تهن أو تذوب!! | مجلة المجتمع

العنوان أمة المجد لن تهن أو تذوب!!

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر الثلاثاء 18-مايو-1993

مشاهدات 4

نشر في العدد 1050

نشر في الصفحة 37

الثلاثاء 18-مايو-1993

 إن أمة انتشلت نفسها من الجاهلية إلى الإبداع ومن الشرود إلى المجد، السماء في السمو الخلقي والنفسي لأمة تستحق الذكر والإعلاء، وأمة نزل فيها خير كتاب وأفضل شرع وأرسل إليها أعظم رسول وأكرم نبي لأمة ملحوظة محظوظة. هذه الأمة التي طهرت البشرية من الشياطين والطغاة والأوثان، واستطاعت في أيام معدودة أن تطوي ألوية ظلت مشرعة لأباطرة الضلال أزمانا متطاولة وتدك عروشًا أفرخ فيها القهر والفساد لا كاسرة الاستعباد آمادًا بعيدة، لا بد وأن يكون معها عون من الله ومدد من الحق سبحانه، ولا عجب فقد حباها الله بفضل لم تنله أمة، وأكرمها بصفات لم يطمح إليها شعب فطهرها وأعلن طهرها فقال فيه ﴿رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرينَ (سورة التوبة: 108) وأصلح بالها وكفر سيئاتها فقال ﴿كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (سورة محمد: 2) وربطها بالأخوة فقال سبحانه ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (سورة الحجرات: 10) ﴿فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا(آل عمران: 103).

وأعلاها بالإيثار فقال: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ (الحشر: 9) وأنار عقولها بوحيه فقال: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (المائدة: 15) وجعلها ربانية العلم والثقافة فقال: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ (آل عمران: 79) وحقق فلاحها فقال سبحانه ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (المؤمنون: 1) وجعلها قدره الذي يهزم الباطل فقال ﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (سبأ: 49) وأنصاره الذين يبددون الظلام فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ (الصف: 14) وجنده الفاتح الغالب فقال: ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (الصافات: 173) ولهذا ثبتهم بملائكته وكانوا في معيته فقال: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ (الأنفال: 12) وتولى أمرهم بفضله فقال: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ (البقرة:257) وكانوا رجال الصدق في  التاريخ والأمم ورجال العهود في الرسالات والأرض فقال سبحانه ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (الأحزاب: 23) وكانوا أباة الضيم مرفوعي الجبين ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (الشورى: 39) شهداء على القانون مقيمي العدالة قوامين بالقسط ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ (النساء: 135) وأمة هذا شأنها لا بد وأن يكون خطرها عظيمًا وفضلها عميمًا ودستورها قويمًا لها من القوة رصيد لا يقهر، ومدد لا ينفد ولها من العطاء بحوراً لا تنضب، وخزائن لا تفرغ، ولا بد أنها أخرجت لغاية، وأرسلت لهدف، وقد أشار القرآن إلى ذلك وقرره فقال: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (آل عمران: 110) أنيطت بها مهمة الإصلاح وجعلت على عاتقها تبعة التغيير، وهي وإن كانت ثقيلة تندك منها الرواسي، وتنوء عنها الجبال، ولكنها قامت بها وحملتها ودعت إليها، ونصرتها وانتصرت بها ووعتها، وأبلغتها، وضحت في سبيلها وجاهدت من أجلها واستشهدت على دربها، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ (التوبة:111) إذن فهي أمة الفكرة التي تذهب الأوهام وتطرح الوساوس، وأمة المبادئ التي تحمل مبدأها وتضحي في سبيله، أمة تعلي هدفها وتسود به، وتبني عزتها وتسمو بهاء وتشيد مجدها بسواعدها، لا تستجدي نصرًا، أو تستعطف قلبًا أو تتسول حقًا أو تستدر رحمة، بل لا بد أن ينهار تحت معاولها كل صرح باطل، ويندك تحت أقدامها كل بناء ظالم، لأنها صولة الحق وقدره.

وإرادة الله ومدده وصدق القائل:

 كنا جبالا كالجبال وربما                           سرنا على موج البحار بحار

بمعابد الأفرنج كان آذاننا                         قبل الكتائب يفتح الأمصارا

لم نخش طاغوتًا يحاربنا ولو                     نصب المنايا حولنا أسوارًا

تدعو جهاراً لا إله سوى الذي                   خلق القلوب وقدر الأقدارا

أمة ظلت أكثر من ألف عام في الدولة الأولى في العالم تقوده بالعدل وتغذيه بالإيمان والطهر وتدفع عنه البلاء والشر، وتعلمه الكرامة والعزة، يعيش في جنباتها الضعيف معانا، والذمي مصانًا، والمفكر مهابًا، بلغت من العلم مبلغ الريادة في كل شيء، ونالت من التقدم منزلة الإبداع في كل فن ومن الأخلاق مرتبة السمو في كل درب، ومن الذوق أنبل المعاني في كل نفس، فكانت بحق أمة المثل والفضائل والرقي، وبعد .. هل نسيت الأمة ذلك كله وتنكبته وخلف من بعدهم خلف أضاعوا كل هذا التراث وتناسوا كل هذا الفضل والمبادئ، فوكلهم الله إلى أنفسهم وتخلى عنهم وغيروا فغير الله ما بهم، وهل أعرضت الأمة فأعرض الله عنها؟ واعوج بها الطريق فحادت عن الصراط المستقيم؟ هل نكثت بالعهود والمواثيق ﴿فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ (الفتح: 10) الأمر واضح والعلة ظاهرة والدواء قريب والربان ينادي، فهل يطلع البدر من ثنيات الوداع. ويظهر النور وينطلق الإصباح، وتنادي الجموع الموحدة النشيد الحبيب، ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (الإسراء: 81) ونقول اذهبوا فأنتم الطلقاء »

﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ (الروم: 4) نسأل الله ذلك.

الرابط المختصر :