; أمة واحدة .. وقبلة واحدة .. وهدف واحد | مجلة المجتمع

العنوان أمة واحدة .. وقبلة واحدة .. وهدف واحد

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر الاثنين 01-فبراير-1999

مشاهدات 10

نشر في العدد 1335

نشر في الصفحة 49

الاثنين 01-فبراير-1999

أمة واحدة، ورب واحد، ورسول واحد، وقبلة واحدة، وهدف واحد في الحياة، هل رأيت أقوى من تلك الأمة، وأعز نفسًا، وأوثق رباطًا، وأمتن أصرة، إنها الأمة التي يجري في عروقها دماء القوة، وفي كيانها روح الهداية، وفي أعصابها بريق الإيمان، إنها الأمة التي اعتصمت بالله فعصمها الله، وتلاقت حول كتابه فهداها الله والتفت حول شرعته فنصرها الله، فنفضت الهوان وطرحت الذلة والضعة، وائتمرت بنداء ربها وسلكت طريق نبيها وسمعت نداء الوحي في أعماقها يردد النداء القدسي الذي يعصم من الزلل ويمنع من الفرقة (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)) (آل عمران: ١٠٣ – ١٠٥). 

حبل متين وهدف نبيل، وشرع قويم التف حوله المؤمنون فانقذهم من جاهلية عمياء، وعداوة سوداء، وانقلب أعداء الأمس إخوانًا وأحبابًا، وأضحوا أساتذة للبشرية وهداة للإنسانية يعلمونها الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأصبحت الأخلاق لهم سجية نفس والطهارة طبيعة روح، والعزة شارة أمة والقوة دماء عزيمة، والاتحاد لحمة مجتمع، والأخوة حياة رباط أمة، أمة الجسد الواحد والفكر الواحد والدين الواحد، والمنهج الواحد.

وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر» (أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586) )، ولا شك أن هذا التلاحم والترابط والتراص لا يمكن أن يكون من صنع بشر، أو إيحاء إنسان، أو أثرًا لمذهب أو فكرة أو عقل بشر، وصدق الله (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)) (الأنفال: ٦٣) ولهذا يظهر عمل القدرة الإلهية في القلوب، وأثرها في النفوس وأضواؤها في الضمائر، فكم يخسر المبطلون الذين بعدوا عن هذا الهدي وضلوا طريق الرسالة، إنهم أصبحوا اليوم مزقًا وأحزابًا وأوزاعًا كما كانوا أيام جاهليتهم وضياعهم، وما أصدق القرآن في تصوير هذا الموقف المذكر الموحي حين قال: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)) (الأنفال: ٢٦). 

ولهذا أمرنا الله أن نستمسك بهذا الوحي وهذا الدين وهذه الرسالة، وأن تحفظ هذا السر الذي من أضاعه ضل ومزق وتخطفته الرياح وصدق الله: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)) (الأنعام: ١٥٩)، فرقوا ففرق الله شملهم وضلوا فجعلهم الله شيعًا وأحزابًا، وهذا ليس طريق المؤمنين ولا سبيل محمد -صلى الله عليه وسلم- وإنما هو طريق الجاهلين الذين انصرفوا عن الهداية وعاندوا أنفسهم وطبيعتهم قبل أن يعاندوا الهداية، ولن يفلتهم الله سبحانه أو يهديهم طريقًا إلا طريق الضياع في الدنيا والعذاب في الآخرة، ولهذا دائمًا ما يحذر القرآن من هذا الطريق الوعر والدرب الشارد، (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)) (آل عمران: ١٠٥) 

ولا نجد درسًا بليغًا قد أكد القرآن عليه أفضل من هذا الدرس، لأنه يحمل في طياته رباط الدين وسياجه، وعزة المؤمنين ورفعتهم، وفوزهم ونصرهم على أعدائهم، وبقاء أمتهم في زوالهما، وهذا الدرس قد فقهه المسلمون نظريًا وعمليًا، نظريًا في الآيات والتعاليم، وعمليًا في غزوة أحد حيث تفرقت كلمة المسلمين ساعة  نهار، فكانت الهزيمة التي أذهلت حتى المسلمين الراحلين بعد أن كانوا منتصرين، وسجل الله هذا الدرس ليكون عبرة على مدار الأيام فقال تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَ (152)(آل عمران: ١٥٢)، هكذا كان الدرس القاسي، جماعة أرادوا الدنيا وجماعة أرادوا الآخرة، فكانت الهزيمة على الجميع ولو كان فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 وأما نحن اليوم فالتفرق كله على الدنيا وليس فينا من يريد الآخرة، ومن يفترق لأجل الآخرة، وهذه المرحلة العصيبة التي مرت على الصحب الأول لم يلبثوا أن خرجوا منها منتصرين وصاحبهم نصر الله المبين لما أحسوا بوقع الهزيمة وذهاب الريح، وما أظن أن ما لحق الأمة من عار اليوم وما أصابها من وهن إلا نتيجة هذا الشتات وهذه الفرقة التي أصابت المسلمين أفراداً وأمماً ودولاً، وما أظن أن الهجوم الصليبي المعاصر، والهجوم الصهيوني الذي جاء ممسكًا بأذياله لم يبلغا ما بلغا من الأمة إلا بعد أن تقسمت شيعًا وتفرقت مزقًا، والخطورة هذا الأمر في الحس النبوي للرسول -صلى الله عليه وسلم- حذر منه أشد التحذير وشدد فيه النكير عمن أراده أو سعى إليه، فقال: «ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنًا من كان»  رواه مسلم ... 

وصدق الله: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)) (النساء: ١١٥)، ولا أظن أن هذا أمر بتسامح فيه لأنه سنة من سنن الحياة ومعلم من معالم الإسلام، وحكم من أحكامه، يتوقف عليه نجاح أمة أو فشلها، وسيادتها أو خذلانها، والأمة التي تصاب بفيروسه، وتمرض بمكروبه، لاشك في أنها أمة مقضي عليها، وأمتنا اليوم قد وقعت فريسة لفتن الأعداء وشرود المذاهب وضلال الأهواء، وانقلبت بعد تماسك وتجمع وتعاضد إلى فرقة وعداوة، وتقاتل وتناحر، فأني لها أن تبلغ عزًا، أو رفعة أو نصرًا، أو سؤددًا.. كيف وقد فرطت في أخوتها وروحانيتها ورسالتها، وفارقت كتابها وتعاليمها؟

لقد كتب بن جوريون – رئيس دولة إسرائيل الأسبق – يومًا إلى الرئيس الفرنسي ديجول رسالة يقول فيها: «إن سر بقائنا بعد التدمير البابلي والروماني، والحقد المسيحي الذي أحاط بنا ألف عام يكمن في صلاتنا الروحية بالكتاب المقدس».

ألا فبعدًا للذين لا يفهمون ولا يعقلون ولا يعتبرون، ويمنعون كل شيء إسلامي في الأمة، فلا قيام لحزب إسلامي، ولا سماح لعمل إسلامي، ولا ارتباط بجماعة إسلامية مسالمة، ولا مناهج إسلامية، ولا أخلاق إسلامية، ولا إعلام إسلامي، ولا تعليم إسلامي، ولا حكم إسلامي. ولا.... ولا .... ولا نجاح، ولا فوز، ولا سيادة، ولا عزة، ولا نصر حتى يحق الله الحق، ويبطل الباطل، ولو كره المجرمون .

الرابط المختصر :