العنوان أمراض التفاوت الاجتماعي وليدة المناهج الغربية
الكاتب د. محمد الغمقي
تاريخ النشر الثلاثاء 21-مارس-1995
مشاهدات 14
نشر في العدد 1142
نشر في الصفحة 42
الثلاثاء 21-مارس-1995
•السبب الأساسي للفقر هو التوزيع غير العادل للثروات بين المجموعات السكانية.
•القمة لم تخرج بالتزامات مضمونة النتائج لمعالجة مشاكل الفقر، والإقصاء والتفاوت سبب الهيمنة الغربية.
انعقدت بالعاصمة الدنماركية كوبنهاجن من 7 إلى 12/3 القمة العالمية الأولى للتنمية الاجتماعية تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة وبحضور عدد كبير من رؤساء الدول والحكومات، وذلك لمناقشة القضايا المتعلقة بالفقر والإقصاء والتفاوت الاجتماعي داخل المجتمعات، وفيما بينها والخروج بالتزامات غير مضمونة الجدوى من أجل التقليص من هذه الظواهر المتفشية في ظل فشل المناهج والسياسات الرأسمالية والاشتراكية.
والملاحظ أن هذه الندوة تعتبر قمة القمم بالنظر إلى المشاركة الواسعة في أعلى مستوى، فقد حضر خلال هذه القمة 118 رئيس دولة ورئيس حكومة وملك و3800 أعضاء وفود و5500 ممثل لـ 2780 منظمة غير حكومية، ويترجم هذا الحضور الواسع عن أمور عديدة سهولة الإجماع الدولي حول القضايا ذات الطابع الاجتماعي على عكس القضايا السياسية المعقدة بسبب تداخل مصالح الدول وهيمنة قوى النظام العالمي الجديد وإن كانت القضايا الاجتماعية لا تقل أهمية من حيث أبعادها السياسية- توظيف مثل هذه اللقاءات للنظر في بعض المسائل السياسية الثنائية في هذا الإطار أجريت لقاءات ثنائية عديدة بين مسئولين سياسيين خلال هذه القمة- المأزق الذي وجدت فيه الأمم المتحدة نفسها بسبب سياسة التدخل المنحاز لصالح الغرب على حساب قضايا الشعوب المستضعفة الإسلامية منها على وجه الخصوص كما هو الحال في الصومال والبوسنة، مما اضطر مسئولي المنظمة الدولية إلى التركيز على البعد الاجتماعي لتغطية الفشل السياسي...
بيد أن الأهم من ذلك أن تفشي الأمراض الاجتماعية على مستوى عالمي هو الذي دفع أصحاب القرار في العالم إلى الاجتماع للنظر في الحلول الممكنة لمعالجة هذا الداء الذي يهدد الاستقرار الدولي، ذلك أن الاختلال أو التفاوت المريع بين الفقراء والأغنياء داخل نفس البلد أو بين الشمال والجنوب تحول إلى معضلة يصعب حلها.
تشخيص للداء وعلاج سطحى
ولئن تناولت قمة كوبنهاجن تشخيص الأمراض الاجتماعية مثل الفقر والبطالة وتفكك النسيج الاجتماعي، فإنّ الأسباب العميقة لتفشي مثل هذه المظاهر داخل المجتمعات الفقيرة وحتى الغنية مثل أوروبا لم يتطرق إليها بصفة عرضية.
فجوهر المشكل يرتبط بالسياسات المتبعة في المجال الاجتماعي والتنموي، والسياسات مرتبطة بدورها بالفلسفات والأيديولوجيات أو بالرؤى، وما دامت الفكرة عرجاء فإن السياسة الناتجة عنها ستكون خرقاء والعالم إلى حد اليوم ما زال تحت تأثير فلسفتي الرأسمالية الغربية والاشتراكية حتى بعد تصدع الاتحاد السوفيتي، والتجارب المطبقة هنا وهناك أثبتت فشل هذه المناهج في إسعاد البشرية وإنقاذها من ظلمات الجهل والفقر، بل إن النتائج التي عرضتها قمة كوبنهاجن تؤكد وجود ضروب من الاختلال والتفاوت داخل بلدان الشرق والغرب وفي الشمال والجنوب، ويكفى أن بعض الإحصائيات تفيد بأن 50% من سكان العالم ينعمون بحدود 80٪ من ثروات هذا العالم، فالمشكل ليس في تضخم سكان البلدان الفقيرة أو قلة الموارد كما تدعيه بعض الجهات الساعية لتكريس التفاوت تحت شعار «الحد من النسل»، وإنما يتعلق الأمر بمسألة التوزيع العادل للثروات بين الأفراد وبين المجموعات السكانية.
من هنا نفهم خيبة أمل عدد كبير من دول الجنوب المشاركة في القمة الأخيرة؛ لأن تشخيص الداء والعلاج السطحي لا يكفي، فقد صدر في ختام هذا الاجتماع الضخم بيان عام وبرنامج عمل، وهما عبارة عن وثيقة للتنمية الاجتماعية للمرحلة المقبلة، وكذلك الشأن بالنسبة للمنظمات الدولية العاملة في المجال التنموي.
وتحدث البيان العام عن الوضع الاجتماعي العالمي الحالي وتأكيد مبادئ القمة وأهدافها وحدد عشرة التزامات، وهي:
1- محيط مناسب للتنمية الاجتماعية.
2- استئصال الفقر في العالم.
3- الشغل واحترام اتفاقيات المنظمة العالمية للشغل خاصة ضد العمل القسري وتشغيل الأطفال.
4- الاندماج الاجتماعي القائم على احترام حقوق الإنسان والدفاع عنها.
5- المساواة بين الرجال والنساء.
6- حق الجميع في العلم والتربية.
7- التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلدان الإفريقية والبلدان الأقل نموًا.
8- إدماج باب اجتماعي في برامج التسوية الهيكلية.
9- الرفع من أو تحسين استعمال المساعدة من أجل التنمية مع التطبيق الاستعجالي للاتفاقيات القائمة أو المبادرات الجديدة المحتملة فيما يتعلق بديون البلدان النامية.
10- دعم التعاون الدولى لفائدة التنمية الاجتماعية.
تكريس الهيمنة الغربية
أما برنامج العمل فقد تناول بالتفصيل في خمسة فصول ما جاء في البيان العام حول المحيط المناسب للتنمية، والقضاء على الفقر وإيجاد مواطن عمل، وتقليص البطالة، والاندماج الاجتماعي، وتطبيق البيان ومتابعته.
وتبقى المسائل الرئيسية التي تنخر النسيج الاجتماعي قائمة في ظل النظام الاقتصادي الدولي القائم حاليًا والمرتبط بالنظام السياسي الدولي، ولعل غياب كل من كلينتون ويلتسين وميجور عن القمة الأخيرة يعكس حدود النتائج التي تم التوصل إليها والالتزامات المصادق عليها؛ فالمؤسسات المالية الكبرى على سبيل المثال تخضع بدرجة أولى إلى القرار الأمريكي والغربي عمومًا، وسياسات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي إلى جانب نادي باريس ونادي لندن عانت منها وما زالت تعاني إلى يومنا هذا شعوب كثيرة تعيش تحت الهيمنة الدولية بشكل مباشر أو غير مباشر وآخر ما تقترحه هذه السياسات المبادرة المسماة 20/20 والتي تقضي بأن تساهم الدول الغنية والفقيرة بـ20% من المساعدة العامة للتنمية و20٪ من الميزانية الوطنية لفائدة البرامج الاجتماعية الأساسية، وإلزام الدول الفقيرة بهذا السقف تكبيل لها بشكل ملتو وهو ما يعني زيادة خضوعها للمؤسسات الدولية وتبعيتها السياسية والاقتصادية لمراكز القوى في العالم.
غياب التصور الإسلامي
كما أن القمة الأخيرة كرست دور الأمم المتحدة.. كرتيب للسياسات الاجتماعية إلى جانب دور الشرطي الحامي للمصالح الغربية، حيث تم التأكيد على أن الجمعية العامة التابعة لهذه المنظمة الدولية ستتابع تطبيق الالتزامات المصادق عليها، وأنها ستعقد عام 2000 دورة خاصة لتقييم النتائج التي تم التوصل إليها بعد 5 سنوات من اجتماع القمة الأخيرة.
ومن جهة أخرى أبرزت هذه القمة التنافس الأمريكي- الأوروبي على تسيير شئون العالم، والغياب الأمريكي استغلته فرنسا وألمانيا لتأكيد الوزن الأوروبي في تحديد معالم النظام الاقتصادي والاجتماعي الدولي، وربما يكون هناك نوع من تقسيم الأدوار بين الطرفين فتمسك أمريكا بالمسائل السياسية وتتولى أوروبا تسيير القضايا الاجتماعية، علما بأن كل هذه القضايا تصب في نفس المصب الحفاظ على المصالح الغربية.
وتبقى الإشارة إلى عدم بروز التصور الإسلامى الواضح لمعالجة القضايا الاجتماعية كالفقر والبطالة والتفاوت الاجتماعي بالرغم من وجود كتلة إسلامية هامة بين المشاركين في قمة كوبنهاجن، ولعل غياب لوبي إسلامي في مجال حيوي مثل التنمية الاجتماعية يفسر محدودية أبعاد قمة كوبنهاجن الأخيرة في ظل استمرارية الهيمنة الغربية على النظام الدولي القائم.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
أعلى نسبة خلال أربع سنوات ٢٠٠ ألف عاطل عن العمل في الدولة العبرية
نشر في العدد 1350
14
الثلاثاء 18-مايو-1999