العنوان أمريكا- المسلمون في أمريكا
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 25-مايو-1993
مشاهدات 17
نشر في العدد 1051
نشر في الصفحة 28
الثلاثاء 25-مايو-1993
السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط وأثرها على هوية المسلمين العرب في الولايات المتحدة
مقدمة
إن الحضور الإسلامي في الغرب بما فيه من تفاعل وقوة وتزايد بشري ومؤسساتي يطرح أكثر من تساؤل حول مستقبل الإسلام في القارة الأمريكية، وأصبح يتقدم أوليات سياسية في خطاب الدعاة الذين ينادون بتوظيف الإسلام . كثاني أكبر ديانة على الساحة الأمريكية مع نهايات هذا القرن - كورقة ضغط لها تأثير واضح على سياسات ومواقف الولايات المتحدة فيما يتعلق بالشرق الأوسط والعالم الإسلامي بشكل عام.
والأستاذة «إيفون حداد» الأمريكية ذات الأصل السوري والمتحدثة المشهورة في التلفزيون الأمريكي وأستاذة التاريخ بجامعة «أسهرست» قامت بتغطية أحوال المسلمين في الولايات المتحدة في مجموعة دراسات تضمنها كتابها «Moslims in America» وذلك بأسلوب يتسم كباقي دراساتها عن الإسلام بالموضوعية والمنهجية وقوة الحجة في العرض والخطاب، ونأمل باستعراض هذا البحث أن نضيف اسمًا جديدًا إلى أسماء مثل جون أسبوسيتو، جون فول، جون وود وآخرين : تلك القائمة التي يمكن أن تسهم في إطار حملة الانفتاح على الغرب في إيجاد فرص التقارب وتجاوز إشكاليات التعايش بين الإسلام والغرب، وبالتالي إحباط المخطط الصهيوني الهادف إلى تشويه صورة الإسلام وجعله عدوًا لدودًا للغرب وحضارته.
واشنطن - أحمد يوسف
مسلمو أمريكا.. والحفاظ على الهوية الإسلامية
تأثرت هوية المسلم في الولايات المتحدة بالطبيعة الأمريكية عمومًا وبالتجارب الفردية والجماعية للمهاجرين إلى مختلف المناطق الأمريكية خلال المائة سنة الأخيرة، كما أنها تكيفت بواسطة التقاليد والمعتقدات الشخصية المميزة التي جلبها معهم المهاجرون إلى الولايات المتحدة، وهذه الهوية تشهد صقلًا وتشكيلًا بمرور الأيام من خلال المعاملات التي يجدها المسلمون في مناطق إقامتهم وعملهم في المدارس وفي المحاكم، وهذه الهوية عرضة للتبدل والتغيير والنقاش حولها نتيجة للتفرقة التي يتعرضون لها أثناء تعاملهم مع الصورة التي خلقت لهم بواسطة المجتمع المضيف من خلال الآداب والأفلام وأجهزة الإعلام، كما أنها تعرضت لإعادة تشكيل بصورة حادة ودراماتيكية خلال العقود الأربعة الأخيرة من خلال غموض وتخبط السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والعلاقات الأمريكية مع الدول الإسلامية في مختلف أنحاء العالم.
يضم المجتمع الإسلامي في الولايات المتحدة مجموعات عديدة من الناس ينتمون لأكثر من ستين دولة، كما يمثلون مختلف اللغات والهويات الوطنية والعرقية، وقد هاجر هؤلاء في موجات مختلفة مما انعكس أثرها على السياسات الأمريكية المتعلقة بالهجرة بالإضافة إلى الاضطرابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحدث في الخارج، والمهاجرون المسلمون كغيرهم من المهاجرين لديهم مصالح وأهداف متعددة ومتنوعة.
وقد جاءت هجراتهم كمحاولة للاستفادة من الفوائد والخدمات التي توفرها الولايات المتحدة كتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي واللجوء السياسي والحرية الدينية. وعبر السنوات استطاع المسلمون أن يكيفوا ويعيدوا صياغة تنظيماتهم الاجتماعية والدينية لكي يعكسوا بذلك التحولات التي تحدث بالنسبة لمصالحهم ولاهتماماتهم المتنامية. إن هناك عوامل عديدة تدخل في تكوين هويتهم، والتي تخصص هذه الدراسة اهتمامها على موضوع معين يحظى بأهمية خاصة وهو تأثير السياسة الخارجية الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط. ورغم الأهمية الكبيرة التي تكتسبها هذه المسألة في تكوين مفهوم عام عن المسلمين الأمريكيين بين المجموعات الأثنية والقوميات المختلفة التي تشكل المجتمع الإسلامي في الولايات المتحدة، فإن هذه الدراسة ستركز على أولئك الذين يتعرضون لهذه المؤثرات مباشرة وهم المهاجرون من الدول العربية.
بقلم: د. إيفون حداد
إعداد: المؤسسة المتحدة
للدراسات والبحوث – واشنطن
بداية الهجرة
بدأت الهجرة من العالم العربي إلى الولايات المتحدة حوالي عام ۱۸۸۰ واستمرت إلى يومنا هذا. وحملت كل موجة من المهاجرين معها الملامح المميزة لتلك الأجيال. ومع بداية القرن الحالي كان المسلمون القادمون من العالم العربي يعرفون بأنهم «رعايا الدولة العثمانية»، وشكلت التجربة الاستعمارية علاقة وهوية هؤلاء العرب بمجموعات قومية معينة، فقد كان ينظر إليهم على أنهم سوريون ولبنانيون وفلسطينيون وأردنيون إلخ ومؤخرًا بدأ هؤلاء المهاجرون يعرفون أنفسهم أولًا من ناحية قوميتهم العربية، وكان مثل هذا التعريف شائعًا في الفترة التي أعقبت المرحلة الاستعمارية ثم أخيرًا بدأوا يربطون أنفسهم بظاهرة «الأسلمة» أو الإسلامية.
وجلب هؤلاء المهاجرون معهم مفاهيمهم ومعتقداتهم ونظرة بلادهم للولايات المتحدة في الفترة التي هاجروا فيها.
ففي الخمسينيات من هذا القرن كانت الولايات المتحدة بالنسبة لكثيرين تعتبر أرض الفرص، حيث ينبت «الذهب فوق الأشجار» والنموذج المثالي للحياة، ونبعت هذه الشهرة من بين أشياء عديدة من تبنى الرئيس الأمريكي ويلسون في عام ۱۹۱۹ لحق الشعوب في تقرير مصيرها، وأصبحت الولايات المتحدة بذلك رائدة لنظام سياسي عالمي مثالي يدعو لمنح القوميات المختلفة حقها في الاستقلال وحرية اختيار أنظمتها الحاكمة.
السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط
انتهجت الولايات المتحدة دورًا سياسيًا نشطا في شؤون الشرق الأوسط قبل حوالي أربعين عامًا، واحتراسًا من خطر التغلغل الشيوعي وحرصًا منها على ملء ما كانت تعتبره فراغًا (Vacuun) في المنطقة، قامت الولايات المتحدة من خلال النهج الذي اختطه ترومان (١٩٤٧) بانتهاج سياساتها الخارجية القائمة على أساس الاحتواء. وبتصديها لقيادة العالم الحر في الخمسينيات وأصبحت الولايات المتحدة منغمسة في أجواء الحرب الباردة التي قسمت العالم إلى معسكرين معسكر الشعوب الحرة والمعسكر الشيوعي، وكانت دول العالم الثالث تعتبر مناطق للنفوذ والتبعية وعرضة للضغوط والابتزاز والإغراء والارتشاء لتدور في فلك الدول العظمى، وبموجب هذه النظرة فإن هذه الشعوب لم تكن تملك عمومًا أمر نفسها وقرارها واختيار مصالحها الخاصة واستقلالها الذاتي واعتدادها بقوميتها ما لم ترتبط إلى حد ما بعلاقة تبعية إلى الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي، وكان على الشعوب أن تختار الولاء لواحدة من الدولتين العظميين وتأتمر بأمرها وتخدم مصالحها، وهذا الاختيار أملته ظروف الاستقطاب المرتبطة بالقوة العسكرية.
وكانت كل إدارة أمريكية جديدة تأتي بنهج جديد وتدافع عنه باعتبار أنه استمرار للسياسات السابقة وللإجراءات التي اتخذتها الإدارات الأمريكية السابقة، وعلى أساس أنه توضيح للأهداف والقيم الأمريكية المعلنة لتحقيق الديمقراطية والحرية. وكانت هذه السياسات الأمريكية تعتبر في الشرق الأوسط على أنها تتناقض دائمًا مع تلك القيم، وتعطي بالتالي انطباعًا بحدوث تدني في التأييد الأمريكي لتلك الدول، وأصبح المسلمون الأمريكيون يتشككون في أن إيجاد المبررات المقبولة لأعمال بعينها يلعب دورًا رئيسيًا في تطور سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
إن خطة ترومان لعام ١٩٤٧ تضمنت مساندة الشعوب الحرة التي كانت تقاوم «محاولات التقويض بواسطة الأقليات المسلحة أو الضغوط الخارجية»، وبالنسبة لكثيرين من المهاجرين العرب كان من المفترض أن يستحق الفلسطينيون نفس المساندة في مقاومتهم للعصابات اليهودية المسلحة القادمة من الخارج مثل عصابات الهاجاناة وشتيرن وأرجون التي كانت تحاول أن تحل محل الفلسطينيين.
لذلك فإنه عندما قام الرئيس ترومان في ١٥ مايو ١٩٤٨ بالاعتراف بدولة إسرائيل بعد إحدى عشرة دقيقة من إعلان بن جوريون لتأسيسها، اعتبر العرب الأمريكيون هذا الاعتراف بأنه إنكار وتجاهل لآمال وحقوق العرب. وألحق هذا الاعتراف ضررًا بمكانة السياسة الأمريكية والقيم التي تمثلها والصورة التي كانت لدى العرب في الشرق الأوسط والمهاجرين العرب في الولايات المتحدة.
وتسبب اعتراف ترومان بإسرائيل في صياغة مسار السياسة الخارجية الأمريكية على مدى أربعين عامًا ونتج عن ذلك ما أسماه المسلمون بالظلم الذي حاق بالشعب الفلسطيني؛ وكان السبب في ذلك رغبته في الفوز بانتخابات الرئاسة. ويقال إن الرئيس ترومان قد شرح موقفه بالكلمات التالية: «إنني آسف أيها السادة ولكن علي أن أجيب على مئات الآلاف من القلقين والجادين على نجاح الصهيونية، وأنا ليس لدي مئات الآلاف من المواطنين العرب في الدوائر الانتخابية، كما أن المهاجرين العرب قد استأوا من الضغوط المكثفة التي مارسها الوفد الأمريكي في الأمم المتحدة على الدول الأخرى لكسب التأييد لدولة إسرائيل.
السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ودوافعها الحقيقية
إن الاعتراف الأمريكي بإسرائيل وتأييدها المستمر للكيان الإسرائيلي قد تم تغليفهما في إطار تبريرات أخلاقية وأيديولوجية، كما أن اللغة التي استعملت للدفاع عن سياسات الإدارة الأمريكية ومواقفها في الشرق الأوسط قد قوبلت من جانب العرب بالكثير من الامتعاض والغضب واعتبروها ضربًا من الخداع المقنع والنفاق.
إن من الواضح أنه منذ عام ١٩٤٧ أصبحت أهداف السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط محكومة بالاعتبارات المحلية، وذلك بغض النظر عن تضاربها مع القيم الأمريكية المعلنة، وكانت هناك استثناءات رأى من خلالها المسلمون العرب بصيصًا من الأمل المؤقت.
إن رغبة الرئيس إيزنهاور في ممارسة الضغط الأمريكي لضمان انسحاب بريطانيا وفرنسا وإسرائيل من سيناء بعد حرب ١٩٥٦ قد أصبحت معلمًا بارزًا يقيس به العرب مصداقية الولايات المتحدة، وقال إيزنهاور في خطاب متلفز بتاريخ ۲۰ فبراير ١٩٥٧:
«إذا اتفقنا على أن العدوان المسلح يمكن أن يحقق تمامًا أهداف المعتدي فإنني أخشى أن نعيد عقارب النظام الدولي إلى الوراء» واعتبر موقف إیزنهاور ليس فقط دليلًا على أن أمريكا يمكن أن تثبت نفوذها وتؤثر على سياسات إسرائيل، ولكن أيضًا وبصفته رئيسًا يتمتع بقوة الشخصية؛ ليدلل على أن أمريكا يمكنها أن ترتفع إلى مستوى التزاماتها الأخلاقية والمبدئية والأعراف والمثل الدولية المرعية بغض النظر عن السياسات الحزبية في الداخل.
إن حرب ١٩٦٧ يمكن النظر إليها باعتبارها حدًا فاصلًا في العلاقات الأمريكية العربية، فقد جاءت بعد فترة أعلنت فيها الإدارات الديمقراطية للرئيس جون كينيدي «أول رئيس أمريكي يبيع السلاح لإسرائيل» عن خطة كيندي التي أكدت «أننا سوف نتصرف بحزم وبشدة ضد أية دولة في الشرق الأوسط تهاجم جيرانها»، وقام الرئيس ليندون جونسون بإرسال أسلحة أمريكية هجومية إلى إسرائيل محدثًا بذلك تغييرًا في سياسة التوازن التي أرسى دعائمها الرئيس إيزنهاور.
ومازال في أذهان المسلمين الأمريكيين أن المحاولات الأمريكية المتكررة للتخلي عن مبدأ إیزنهاور القائل بعدم السماح للدول باحتلال أراضي الغير بالقوة هي السبب المباشر للأوضاع الحالية في الشرق الأوسط، إن الإذعان الأمريكي للضغوط اليهودية بالسماح لإسرائيل بالاحتفاظ بتلك الأراضي المحتلة ينظر إليه على أنه يرتبط بعاملين مستمرين هما : وقوع الحكومة الأمريكية تحت تأثير اللوبي اليهودي والتعنت الإسرائيلي المستمر.
حقوق الفلسطينيين وسياسة الخداع الأمريكية
- تجمع للمسلمين في أمريكا.
إن الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ حرب عام ١٩٦٧ قد مارست الخداع على العرب حول حقوق الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة، في الوقت الذي كانت تزود فيه إسرائيل بالعون الاقتصادي والعسكري للإبقاء على الاحتلال.
وفي 9 ديسمبر ١٩٦٩ صرح وزير الخارجية الأمريكي وليام روجرز في عهد إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون بأن السياسة الأمريكية ترفض تأیيد أي تغيير في الحدود السياسية المعترف بها عن طريق الاحتلال بالقوة، وذلك باستثناء بعض الحالات الصغيرة التي تم الاتفاق عليها لأسباب أمنية.
وقال: «إننا لا نؤيد سياسة التوسع، ونرى أن على القوات أن تنسحب كما ينص القرار... إننا نؤيد أمن إسرائيل وأمن الدول العربية كذلك. ونحن مع حل سلمي شامل ودائم يضمن الأمن للجانبين»، وفي واقع الأمر فإن تطبيق السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط قد انحرف بصورة حادة عن المسار الذي اختطه وليام روجرز .
وقد اتسم العقدان الماضيان بالإحباط من جانب العرب والمسلمين في الولايات المتحدة وفي الشرق الأوسط، والذين حاولوا فهم ما اصطلحوا على تسميته «بالنفاق» الأمريكي في الشرق الأوسط. ويبدو أن الرئيس نيكسون كان مدركًا لذلك «النفاق» الأمريكي عندما ذكر في مذكراته «كنت أعلم أن خطة روجز لا يمكن تطبيقها، ولكنني كنت أعتقد بأنها مهمة لكي نجعل العرب يفهمون أن الولايات المتحدة لم تلغ موقفها المتعلق بالأراضي المحتلة....»
وحفلت حقبة السبعينيات بالمزيد من الإحباط في الأوساط العربية التي هيأت لهجمات منظمة التحرير الفلسطينية ضد الأهداف الإسرائيلية؛ مما أدى إلى تزايد المشاعر المعادية للعرب داخل الولايات المتحدة وبمقتضى إجراء عرف بعملية (OperationBoulder)«بولدر» تم وضع العرب الأمريكيين تحت مراقبة مكتب التحقيقات الفيدرالي، وصدرت تصريحات جافة من الزعماء الأمريكيين ومن بينها اتهامات علنية من عضو الكونجرس حينذاك جيرالد فورد ذكر فيها أن العرب الأمريكيين كانوا عملاء للصين الشيوعية.
وتحت إدارة الرئيس جيمي كارتر استمرت سياسة المواقف المزدوجة التي أدت إلى اتفاقية كامب ديفيد، وهذه الاتفاقية التي ينظر إليها في الغرب باحترام شديد تعتبر لدى العرب أداة لتقسيم العالم العربي وعزل مصر، وإعطاء إسرائيل اليد الطولي لإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط، وفي مطلع فترته الرئاسية ظهر الرئيس كارتر أمام لقاء جماهيري بمدينة كلينتون بولاية ماساشوستس ليؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وقال : «يجب أن يكون هناك وطن للاجئين الفلسطينيين الذين عانوا لسنوات طويلة»، وبعد اتفاقية كامب ديفيد بدا أن إسرائيل تمارس حق بناء مستوطنات يهودية في الضفة الغربية عن طريق الاستيلاء على الأراضي من الفلسطينيين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل