العنوان أمريكا.. وانهيار حلم الأجداد!!
الكاتب عبداللطيف سيف العتيقي
تاريخ النشر الثلاثاء 28-ديسمبر-1993
مشاهدات 15
نشر في العدد 1081
نشر في الصفحة 42
الثلاثاء 28-ديسمبر-1993
قبل رحيل بوش بأيام من الرئاسة نشرت الإدارة أرقامًا حول الاقتصاد الأمريكي، رجحت أن يصل عجز الموازنة الأمريكية في العام الحالي ۱۹۹۳ إلى ٤٠٠ مليار دولار، ومع ضخامة المبلغ إلا أنه لم يثر الدهشة...
وعلى ذكر البطالة- وهي مرتبطة بالأداء الاقتصادي الكلي- فإن أرقامها تتزايد، بل إن بعض الشركات بدأت بتقليل العمالة، وحتى اتفاق التجارة الحرة بين أمريكا وكندا والمكسيك «نافتا» الذي يرى فيه كلينتون حلًا سحريًا لبعض مشكلات الاقتصاد الأمريكي، لم يؤد إلى حل المشكلة، فالشركات الكبرى بدأت تشغل عمالة مكسيكية في مصانعها، طمعًا في استغلال العمالة الرخيصة.
تتعالى الأصوات في أمريكا تحذر من الكارثة القادمة من انهيار الحلم الأمريكي، ويصل البعض إلى حد التنبؤ بأن «أكبر قوة في العالم تتجه نحو تصنيف من دول العالم الثالث»... مع تفاقم مشاكل العنصرية والجريمة والمخدرات وعجز الموازنة.. إلخ، «إيفان فولون ذي صنداي تايمز مجازين 1992/9/16».
الأزمة الأمريكية في الداخل يعاني منها المجتمع الأمريكي، ويهدد بانهيار حلم الأجداد العظام.. يقول بول كيندي المؤرخ والمؤلف لكتاب «صمود وانهيار القوى العظمى».
رغم أن النقاش حول مستقبل أي بلد يمكن أن يبرز من فرنسا إلى اليابان، إلا أن الانقسام بين المتجادلين حول «لمصلحة من تراجع أمريكا»؟ البعض يراه لمصلحة اليابان، والبعض يراه المصلحة «الولايات المتحدة الأوروبية».
يقول إدوارد لوتواك من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن أن الولايات المتحدة الأمريكية تمر بمرحلة انحدار خطير وطويل المدى، من المحتمل ألا يقف، ويضيف أنه في السنوات العشر الأخيرة مرت أغنى دولة عرفها العالم على الإطلاق بمشاكل لا حصر لها، بحيث إنه خلال جيل سنراها تصبح دولة من دول العالم الثالث.
ويرى لوتواك أن التآكل المستمر للقاعدة الاقتصادية للمجتمع الأمريكي سيجعل الفرد الأمريكي- مع نهاية هذا القرن- أقل في مستواه عن نصف مستوى الفرد في اليابان، وكذلك في أوروبا، فرغم أن أمريكا حققت نموًّا بمقدار الثلث خلال الثمانينات، فإن هذه الثروة الجديدة ذهبت إلى ۲۰ ٪ من المجتمع «قمة المجتمع»، ومعظمها إلى 4% ممن هم في قمة القمة.. فمن بين كل ٥ أسر أمريكية هناك 4 أسر أسوأ حالًا مما كانت عليه ساعة انتخاب ريجان رئيسًا أي عام ١٩٨١، «لقد انعكس الحلم الأمريكي- كما يؤكد لوتواك- فبدلًا من أن تكون أفضل من آبائك كما كان يعتقد كل جيل من الأمريكيين على مدى ٢٠٠ سنة، لا يمكنك أن تفعل ذلك الآن».
ويكمل لوتواك المثقف اليميني، ورئيس دائرة الجغرافيا الاقتصادية بالمركز: إن الانحدار ليس اقتصاديًّا فقط، فحتى الديموقراطية ستصبح في خطر، حيث تكون مهددة بالفارق الهائل بين القليل جدًّا من الأغنياء وملايين الفقراء، «بالضبط كما انهارت الديموقراطية في الأرجنتين».
المهم أن الغالبية تؤيد لوتواك، وحتى من يدعونه بالتشاؤم لا يملكون إلا القلق الشديد حول توجه بلادهم، يقول أحد المعلقين في مجلة تايم الأمريكية: «بينما يصنع الفرنسيون أفضل العطور، والسويسريون أفضل الساعات، يستمر الشك في أن الأمريكان يصنعون أفضل الأحلام.. الأسرة- العنصرية- الجريمة- التعليم- المخدرات- عجز الموازنة- البنية التحتية- المدن الداخلية- الهجرة- التنافس- الوظائف- الرفاه- الرعاية الصحية- السياسة الخارجية»، كلها نماذج آخذة في التفاقم في المجتمع الأمريكي كما بينتها أعمدة المقالات في النيويورك تايمز، والوول ستريت جورنال، وتمتلئ أرفف المكتبات بعناوين جديدة كل يوم «نهاية القرن الأمريكي»، «ما بعد السيطرة الأمريكية»، «أمريكا كقوة عادية»، «وأمريكا ما هو الخطأ».. وفي كتاب جديد صدر هذا الشهر «تحلل أمريكا» لآرثر شليزنجر المستشار الخاص السابق للرئيس كيندي، يخشى الكاتب من الطريقة التي تنقسم بها أمريكا عن نفسها إلى تجمعات عرقية وعنصرية متميزة ومتباعدةـ ويتساءل شليزنجر عما إذا كان الوسط سيظل قادرًا على الحفاظ على تماسك البلاد أم لا؟..
أما أندرو هاكر في كتابه الجديد «أمتان» وهو أستاذ العلوم السياسية في كوين كوليج في نيويورك، فيرسم صورة مفصلة للمشكلة العنصرية المتنامية في أمريكا، موضحًا محاولات السود الفاشلة لكي يكونوا مقبولين في المجتمع.. وكيف أن السود والبيض أصبحوا اليوم متباعدين بشكل خطير.. إن النسخة الأمريكية من التمييز العنصري- يقول هاكر- تبدو اليوم قريبة جدًّا من النظام الذي يتم إصلاحه اليوم في البلد الذي اقترحه يقصد جنوب أفريقيا..!
يشير جورج. ف. ديل وهو من أكثر المعلقين السياسيين اليمينيين بانزعاج واضح إلى أن «الإحساس المتزايد بأن العبودية ومنزلة الدرجة الثانية في تصاعد في أمريكا»، وكذلك المراقب اليميني الشهير آرفينج كريستول، الذي يحاول تلمس الجذور البعيدة للعلة الأمريكية وانعكاساتها على العالم، فيقول.. هناك انزعاج واسع ومتزايد من أن حضارتنا العلمانية- ومعها كل الأيديولوجيات التي خلقتها، وحافظت عليها- تتجه نحو نوع من الأزمة... ويضيف كريستول أن قصة القرن الحادي والعشرين الأساسية ستكون قصة الأزمة، وحين الحديث عن التراجع الأمريكي ينبغي القول إن تراجع الحضارة الغربية.. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن معظم الأمريكيين قلقون حول التركيبة الاجتماعية لبلدهم، وتراجع النظام التعليمي الذي كانوا يفاخرون به الأمم، وفي السنوات الأخيرة اكتشف الأمريكيون مشكلة أخرى انتبه لها غيرهم كالبريطانيين مثلًا من قبل «طبقة دنيا» في المدن الداخلية أغلبيتها من السود، وأطفال أميون بدون عمل، أو ثقافة، أو قيمة أسرية، ويضاف إلى هذه المشاكل البنية التحتية المهملة، وتزايد عدد الأسر والأطفال النازلين تحت خط الفقر، والعجز في الموازنة المتزايد في الاضطراد، والتكاليف الجنونية للرعاية الصحية، ويذكر أن أمريكا تنفق 12% من الناتج القومي الإجمالي على الصحة «ضعف ما تنفقه بريطانيا...».
يقول رجل المال الأمريكي الشهير فليكس روهاتين: «منذ أن جئت إلى أمريكا اعتقدت أني ملكت كل شيء، وأنه إذا أصابنا سوء فسوف نخرج منه سالمين في نهاية المطاف»... كنت دائمًا أعتقد أن أولادي سيكونون أفضل مني، ثم في الثمانينات بدأت أرى حدة مشاكل المخدرات والإيدز والجريمة، والهموم التي سيتركها عجز الموازنة الهائل على كامل أولادنا وأطفالنا.. أعتقد أن أمريكا في مشكلة عميقة جدًّا، وليس لديها الإرادة للخروج منها.
بعد هذا نكتفي بهذا القدر من الجدل الدائر في أمريكا، ونخلص كما يقول كيندى في كتابه الجديد: «الإعداد للقرن الحادي والعشرين»... قبل نحو مائة عام من الآن كان البلد الذي أعتبره زمنًا طويلًا رقم واحد- أي بريطانيا العظمى- يواجه جدلًا مشابهًا حول آفاق مستقبله، «لقد كان بالطبع مجتمعًا مختلفًا عن أمريكا، لكن الكوارث التي واجهتها بريطانيا كانت تشبه تمامًا ما تواجه الولايات المتحدة الآن، إن أمريكا مرشحة لأن تفقد دورها في العالم كما حدث مع بريطانيا في بداية هذا القرن.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
أعلى نسبة خلال أربع سنوات ٢٠٠ ألف عاطل عن العمل في الدولة العبرية
نشر في العدد 1350
15
الثلاثاء 18-مايو-1999