; أهداف التربية الإسلامية | مجلة المجتمع

العنوان أهداف التربية الإسلامية

الكاتب الدكتور عباس محجوب

تاريخ النشر الثلاثاء 20-سبتمبر-1977

مشاهدات 79

نشر في العدد 367

نشر في الصفحة 32

الثلاثاء 20-سبتمبر-1977

أخذت التربية المطبقة في البلاد الإسلامية أهدافها ووسائلها من نظريات جون ديوي وتلاميذه ممن يرون التربية وظيفة اجتماعية؛ بمعنى أنها من ضرورات كل جماعة إنسانية تريد أن تحافظ على بقائها وتتطور في سلم الرقي، وأنها يجب أن تتم في ضوء فلسفة اجتماعية وفي مواقف اجتماعية كذلك، وأن الغاية من التربية هي خلق مواطنين يقومون بالوظائف الاجتماعية التي منها الإبقاء على الثقافة وترقيتها وإصلاح عيوبها.

ويفهم من هذا أن هدف التربية هو خلق مواطن صالح تكون مهمته الإبقاء على ثقافة الجماعة وتهذيبها ونقلها، وأن هذه الجماعة هي التي تضع لنفسها الفلسفة التي تريد تكوينها، والقيم والمثل التي تريد من الأفراد أن يتمسكوا بها، والمهارات التي يراد منهم إتقانها، لذا نجد كثيرًا من الدول الإسلامية وبخاصة التي قامت فيها حركات عسكرية تسعى إلى بناء مجتمعات عربية ديمقراطية اشتراكية، مع التركيز على خصائصها القومية والاجتماعية.

ولكننا إذا نظرنا إلى أهداف التربية في الإسلام -وهي أهداف لا تتغير بتغير المجتمعات- نجد أن التربية الإسلامية قد ارتفعت عن حدود المواطنة بالمعنى الإقليمي الضيق إلى مستوى أعلى من الأهداف تتمثل في «إعداد الإنسان الصالح».. الإنسان على إطلاقه بمعناه الإنساني الشامل.. الإنسان بجوهره الكامن في أعماقه.. الإنسان من حيث هو إنسان؛ لا من حيث هو مواطن من هذه البقعة من الأرض أو من ذلك المكان، وذلك معنى أشمل ولا شك من كل مفهوم للتربية عند غير المسلمين.

ثم ما هو الإنسان الذي أصبح هدفًا للتربية في الإسلام؟

إنه الإنسان الذي تتمثل فيه -كما يقول الأستاذ محمد قطب- الخصائص التالية:

1- التقوى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ .

2- العبادة الخالصة لله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.

3- اتباع هدى الله: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.

فالتربية الإسلامية هدفها الأسمى الأخلاق، وقد دارت آراء علماء المسلمين على هذا الهدف الأسمى الذي هو تهذيب الأخلاق وتقويمها، وتربية الأرواح وبث الفضائل، وتعويد الآداب السامية، وإعداد النشء لحياة طاهرة كلها إخلاص وطهارة. ونستطيع لتوضيح الأمر أن نحدد أهداف التربية الإسلامية فيما يأتي:

أولًا: تربية الأخلاق: 

وهي -كما ذكرنا- أسمى أهداف هذه التربية، حيث وصف الله سبحانه تعالى نبينا الكريم بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم (القلم: 4)، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: «أدبني ربي فأحسن تأديبي»، ويقول: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وقال عليه السلام: «إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا». وعنه صلى الله عليه وسلم: «أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة تقوى الله وحسن الخلق».

وكانت عناية المسلمين منصبة على دراسة العلوم الدينية، وأولها القرآن والحديث وغيرهما؛ لأنها أساس الأخلاق وجماع الفضائل، وبها تتعمق المعاني الطيبة في النفوس، فنجد مثلًا: عبد الملك بن مروان يحدد لمؤدب ولده الوسائل المؤدية لحسن الخلق وكمال النفس فيقول: علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم السفلة؛ فإنهم أسوأ الناس ورعًا، وأقلهم أدبًا، وجنبهم الحشم فإنهم لهم مفسدة.

وكتب الأدب مليئة بمثل هذه الوصايا التي كانت تحدد أهداف التربية التي أولها العناية بالناحية الأخلاقية في النشء؛ إذ من الأخلاق تتفرع الحكمة وحسن التدبير والفطنة لدقائق الأمور، وجودة الرأي، والشجاعة، والكرم، وكظم الغيظ، والوقار، والعفة، والحياء، والصبر، والورع، والقناعة، والعفو، وعزة النفس، وقلة الطمع.

وبالأخلاق الحسنة يتجنب الحمق، والتهور، والتكبر، والصلف، والخوف، والجزع، ودناءة النفس، وقبول المهانة، والذل، والبخل، والشره، والوقاحة، والجلافة، والغلظة في معاملة الناس، وإساءة الظن بهم، والحسد، والملق، والشماتة، واستحقار الآخرين.

وبالأخلاق الحسنة يقترب المسلم من المثل الكامل المتمثل في أفضل الخلق بصفاته ورقته ورحمته وعطفه: ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين، ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ، ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ، ﴿رُحَمَاء بَيْنَهُمْ. وسأل رجل رسول الله «صلى الله عليه وسلم » عن حسن الخلق، فتلا قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (الأعراف: 199)، ثم قال «صلى الله عليه وسلم»: «هو أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك»، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث والأقوال التي توضح غاية التربية الإسلامية وأهدافها، لذلك لا بد من تدريس الأخلاق نظريًّا، وممارستها واقعيًّا، وعدم التهاون فيها، ومراقبة السلوك الحسن والخلق الحميد داخل المدارس والمؤسسات وجميع مناشط الحياة، بل لا بد من أن تخدم المواد كلها هذا الهدف السامي وتؤكده، ولا بد أن تسعى المناشط التربوية كلها لتعميق معانيه وترسيخ أسسه باعتباره عماد التربية في الإسلام.

إن علماء التربية -ومنهم العرب- يتفقون مع النظرة الإسلامية في أهمية الناحية الخلقية في التربية، بل يرون أن نجاح المنهج وفشله يحدد بالناحية الخلقية، ولكنهم يختلفون مع الإسلام في ثبات القيم الخلقية وتغيرها؛ فالقيم الإسلامية ثابتة يتطور الناس حولها، بيد أنها في نظر الآخرين متغيرة بتغير المجتمعات وتطورها وفلسفتها، فالمدارس تؤصل في مناهجها الدراسية القيم والمفاهيم والاتجاهات التي تعارف عليها الكبار وآمنوا بها، فمهمة المنهج نقل خبرات الكبار وأخلاقياتهم إلى الأطفال الذين يعتبرون أمانة لديها، ولهذا نجد اختلافًا في قيم المجتمعات الرأسمالية أو الشيوعية مع قيم الإسلام وأخلاقياته، كما نجد اختلافًا في الوسائل أيضًا؛ لأننا لا نستطيع أن نحقق أهدافًا إسلامية بوسائل غير إسلامية كالديمقراطية أو الاشتراكية.

ثانيًا: إخلاص العبادة لله:

الله سبحانه وتعالى يحدد مهمة وجود الخلق: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات: 56) وقال: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ (النساء: 36). ﴿يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ (النور: 55)، ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (الكهف: 110)، ﴿أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ (يوسف: 40). فالعبادة في مظهرها العام هي الترجمة العملية لمشاعر الفرد نحو خالقه، وخضوعه واستسلامه له، وهي التى تربط الفرد بمجتمعه؛ لأن العبادات كلها تهدف إلى تماسك المسلمين وترابطهم واتحادهم في المنهج والمصير، «ولكن العبادة في هذا المنهج تحتاج إلى توضيح، فهي ليست قاصرة على مناسك التعبد المعروفة من صلاة وصيام وزكاة؛ وإنما هي معنى أعمق من ذلك جدًّا... إنها العبودية لله وحده، والتلقي من الله وحده في أمر الدنيا والآخرة كله. ثم هي الصلة الدائمة بالله في هذا كله... وهذه الصلة في الحقيقة هي منهج التربية كله».

والعبادة بهذا المعنى الواسع «إنما قيمتها أن تكون منهج حياة يشمل كل الحياة.. قيمتها أن تكون خطة سلوك وخطة عمل وخطة فكر وخطة شعور، قائمة كلها على منهج واضح يتبين فيه في كل لحظة ما ينبغي وما لا ينبغي أن يكون».

وهذا الهدف الذي تسعى التربية إلى تأصيله وتعميقه هو هدف مستمد من طبيعة المجتمع المسلم وسماته.. ذلك المجتمع الذي يقوم على إخلاص العبادة لله وحده، وتحرير الإنسان من عبادة غير الله.. ذلك المجتمع القائم على حكم الله وشريعته وقيم الإسلام وتقاليده، فلا يصدر المجتمع في أمر من أموره السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتنظيمية إلا من منهج الله وشريعته والاستسلام له؛ لأن «القاعدة النظرية التي يقوم عليها الإسلام على مدار التاريخ البشري هي قاعدة «شهادة أن لا إله إلا الله» أي: إفراد الله سبحانه بالألوهية والربوبية والقوامة والسلطان والحاكمية.. إفراده بها اعتقادًا في الضمير وعبادة في الشعائر، وشريعة في واقع الحياة».

الرابط المختصر :