; أهم معاقل الإسلام في إندونيسيا.. سومطرا الوسطى تتعرض لنشاط تبشيري مسعور | مجلة المجتمع

العنوان أهم معاقل الإسلام في إندونيسيا.. سومطرا الوسطى تتعرض لنشاط تبشيري مسعور

الكاتب أبو هلال

تاريخ النشر الثلاثاء 26-مايو-1970

مشاهدات 18

نشر في العدد 11

نشر في الصفحة 18

الثلاثاء 26-مايو-1970

مقدمة

منطقه سومطرا الوسطى تضم ولايتين: ولاية سومطرا الغربية وعاصمتها بوكيت تينقي، وولاية رياو وعاصمتها رياو، وتقع جنوبي سومطرا الشمالية التي عاصمتها ميدان وولاية آتشيه التي عاصمتها باندا آتشيه.

وقد دخل الإسلام أول ما دخل إلى إندونيسيا عن طريق سومطرا، وبالتحديد عن طريق آتشيه وسومطرا الغربية، ورغم ما بين المؤرخين من اختلاف في تحديد تاريخ بدء دخول الإسلام إلى إندونيسيا؛ حيث يقول البعض إنه دخل في عهد الخليفة سليمان بن عبد الملك الأموي، ويقول البعض الآخر إنه دخل إلى إندونيسيا في أوائل القرن العاشر أو الحادي عشر الميلادي، إلا أنهم اتفقوا على أن سومطرا هي مركز إشعاعه؛ لذلك نجد الإسلام عريقًا في هذه البلاد أكثر من غيرها في مناطق إندونيسيا، وبسبب كون هذه المنطقة التي تتحدث اللغة الميلاوية التي سميت فيما بعد باللغة الإندونيسية- هي التي حملت الإسلام إلى مختلف المناطق الأخرى كانت اللغة الملايوية تنتشر وتصبح في النهاية اللغة القومية التي وحدت هذه الجزر.

متى بدأ التبشير في إندونيسيا؟

لقد بدأ التبشير المسيحي يصل إلى إندونيسيا مع وصول الرواد والمكتشفين الأوروبيين، وترسخ بعد قيام الاستعمار الهولندي فيها، أي في القرن السادس عشر، ولم يستتب الأمر لهولندا في إندونيسيا إلا في أواخر القرن التاسع عشر، وذلك بسبب الحروب التي قامت ضدها في مختلف المناطق، وهي حروب كان الإسلام هو الدافع الأول لها.

 ولذلك كانت هولندا تحسب للإسلام ألف حساب، وتخشى إثارة أتباعه أو الإساءة؛ حتى لا يسببوا لها المتاعب؛ فكانت حكومة هولندا تحد من نشاط الهيئات التبشيرية، وتحظر عليها العمل في المناطق الإسلامية، كما حظرت عليها استغلال الفقر والجهل والمرض لابتزاز الأديان وسلب العقائد.

أما بعد استقلال إندونيسيا، وبعد أن أصبح سوكارنو رئيسًا لها وهو الذي يحلو له أن يسمى مسلمًا، فقد وجد التبشير المسيحي الأبواب أمامه مفتوحة على مصراعيها بتشجيع من الحكومة أو من سوكارنو على الأصح؛ ذلك لأن سوكارنو بعد أن انتخب رئيسًا للجمهورية، وبدا له أنه أصبح سيد البلاد المطلق لأنه خلف الحاكم العام الهولندي في منصبه، حاول أن يشبع هواياته ويمارس مختلف نزواته حتى وصل إلى درجة الطغيان، واستمرأ تقديس المتزلفين لشخصه، فعارضه المسلمون وأنكروا عليه ذلك؛ فاصطدم بالإسلام وزعماء المسلمين.

وهنا أخذ يعمل لإضعاف الإسلام في إندونيسيا بتفريق كلمة المسلمين؛ فعمل لتفتيت الحزب الإسلامي –مشومى- ووجد من المسلمين من رضي أن يكون أداة لسوكارنو، غير أن سوكارنو لم يكتف بذلك فاحتضن الشيوعيين الذين سددوا إلى حكومة إندونيسيا طعنة غادرة بثورتهم في ماديون في سبتمبر سنة ١٩٤٨ عندما كانت إندونيسيا مهددة بالغزو العسكري الهولندي، لقد احتضنهم سوكارنو ورد إليهم اعتبارهم بعدما وصموا بالخيانة العظمى، ومكّنهم من السيطرة على البلاد، ثم استعان بالمسيحيين وتقرب إلى الأساقفة والمطارنة، حتى أنه طلب طيلسان أحد الأساقفة بعد وفاة الأسقف؛ ليتبرك به ويجعله تعويذة من تعاويذه، وسمح لهيئات التبشير المسيحية بممارسة نشاطها التبشيري في كافة مناطق إندونيسيا بغض النظر عن أوضاعها الدينية والثقافية، كما سمح ببناء الكنائس والأديرة حتى أصبحت جاكرتا وحدها وكأنها عاصمة من عواصم المسيحية لكثرة الكنائس المشيدة بها.

ونشطت الهيئات التبشيرية في أوروبا وأميركا، وأرسلت مندوبيها ومبشريها إلى إندونيسيا من مختلف المذاهب والنِحل، فكنت في تلك الأيام لا تجد باخرة أو طائرة قادمة من الخارج إلا وهي تحمل بين ركابها قسيسين ورهبانًا وراهبات من مختلف الجنسيات واللغات، لا يعرف أحد من أي بلد جاءوا، وأين يستقرون في إندونيسيا، وماذا يعملون، وكم عددهم الحقيقي، وما هي أنواع النشاط التي يمارسونها دون أي معقب أو رقيب.

ولم تنج من مؤامرة سوكارنو هذه حتى منطقة سومطرا الوسطى وآتشيه؛ فقد وفد إلى مدينة بوكيت تينقي عاصمة المنطقة مبشر من هيئة البابتيت اسمه الدكتور أوين.

أهمية منطقة سومطرا  الوسطى

قلنا إن منطقتي آتشيه وسومطرا الوسطى هما مركز الإشعاع الإسلامي لمنطقة الأرخبيل الإندونيسي آتشيه كان لها من سلطان ونفوذ سياسي، وسومطرا الوسطى بما يمتاز به أبناؤها من حماسة للإسلام وتعمق في علومه وحب للأسفار والاغتراب؛ فكانوا يحملون الإسلام معهم أينما رحلوا، ويبلغون تعاليمه أينما حلوا، واستمروا في ذلك حتى بعد أن تقوضت سلطنة آتشيه في مستهل القرن الـ ٢٠ الحالي.

ولما نكبت إندونيسيا بالاستعمار فطن إلى دور المنطقتين الخطير؛ فعمل للفصل بينهما بحاجز متين بإقامة منطقة مسيحية بينهما، ونجح الاستعمار في ذلك بتنصير سكان تابانولي وهضبة كارو البدائيين، إلا من رحم ربك منهم.

واستمرت سلطنة آتشيه في محاربة الهولنديين حتى سنة ١٩٠٤، حيث استسلم آخر سلطان آتشي بسبب وقوع زوجته أسيرة بيد الهولنديين، وهددوه بإيصال الأذى إليها إذا استمر في حربه، ورغمًا من استسلام السلطان فقد استمر الشعب في المقاومة بشتى الأساليب حتى سقطت هولندا في الحرب العالمية الثانية تحت سنابك خيل الغزاة اليابانيين.

وقد شهدت منطقة سومطرا الوسطى «حروب البادري» بقيادة الشهيد إمام بونجول في العشرينات من القرن التاسع عشر، وقد كبّدت هذه الحروب هولندا خسائر باهظة في الأرواح والعتاد والأموال.

ولما استقلت إندونيسيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية وحاولت هولندا استرجاع سيطرتها على البلاد فقامت حروب الاستقلال بين جمهورية إندونيسيا وبين هولندا منذ سنة ١٩٤٥ إلى سنة ١٩٤٩، ونجحت هولندا في غزوها لمناطق إندونيسيا في سنة ١٩٤٨، واحتلت العاصمة جاكرتا وأسرت سوكارنو ورجال حكومة الجمهورية.

أعلن في منطقة سومطرا الوسطى قيام حكومة لجمهورية إندونيسيا برئاسة المجاهد الكبير الأستاذ  شفر الدين برواوير أنيقارا الذي واصل إدارة الحكم، وتزعّم حروب المقاومة والنضال الدبلوماسي منذ ۱۹ ديسمبر سنة ١٩٤٨ حتى رضخت هولندا لقرارات الأمم المتحدة، وأبدت استعدادها للتفاوض مع إندونيسيا حول طريقة تسليم سلطات الحكم والسيادة إلى إندونيسيا، وعُقدت الهدنة في ١٣ أغسطس سنة ١٩٤٩، وظلت منطقة سومطرا الوسطى المعقل الأخير الذي استمر منطلقًا للنضال التحرري حتى النصر.

وعندما تمادى سوكارنو في طغيانه واللعب بنار الشيوعية واحتضن الشيوعيين وأصر على ضرورة إشراكهم في الحكم ولم تُجدِ معه التحذيرات والاحتجاجات، تزعمت منطقة سومطرا الوسطى حركة المقاومة والثورة التي اندلعت بين سنة ١٩٥٨ إلى سنة ١٩٦٠، لقد أعلنت سومطرا الوسطى ثورتها ورفعت شعارًا يقضي بضرورة القضاء على الشيوعية ومحاربة نزعة تقديس وعبادة الأشخاص، وحظر التلاعب بنصوص الدستور، والقضاء على الفساد والرشوة، وسوء استغلال السلطة، وهي الشعارات التي قامت عليها فيما بعد ثورة العهد الجديد التي أطاحت بسوكارنو في أعقاب الانقلاب الشيوعي الفاشل.

ورغمًا من نزاهة الأسس التي قامت عليها ثورة سومطرا الوسطى إلا أن الكثرة غلبت الشجاعة وأفلح سوكارنو في دعوة للثورة إلى المهادنة وأعلن العفو العام عن الثائرين، ولكنه غدر بوعده، وزج بزعماء الثورة إلى المعتقلات التي ظلوا بها حتى سقوط سوکارنو.

وهكذا قامت منطقة سومطرا الوسطى بالأدوار الطليعية لإندونيسيا، وأدت رسالتها مدفوعة بروح الإسلام؛ مما أحفظ عليها وعلى الإسلام قلب سوكارنو.

تلك هي مكانة منطقة سومطرا الوسطى في تاريخ نضال إندونيسيا البطولي الخالد، أما مكانتها من رسالة الإشعاع الإسلامي فقد احتلتها منذ أن سعدت بالإسلام وقامت بأعبائها خير قيام، فقد كان لنشاط أبنائها في التجارة والأسفار أثر كبير في ذيوع الإسلام وانتشاره في أصقاع الأرخبيل، وبرز عدد منهم في الدراسة والتحصيل بمكة والقاهرة، وعادوا إلى أوطانهم وفتحوا المدارس والمعاهد بها.

وأول المناطق في إندونيسيا تأثرًا بحركة التجديد الإسلامي كانت منطقة سومطرا الوسطى هذه؛ فقد حج أحد أبنائها وهو الحاج مسكين إلى مكة أيام استيلاء السعوديين عليها في القرن التاسع عشر، وتأثر الحاج مسكين بتعاليم الوهابية وعاد يحمل قبسًا منها عنها إلى بلاده، ودعا الناس إليها فاستجاب له الكثيرون، وحملوا راية التجديد في إندونيسيا التي تبنتها جمعية المحمدية فيما بعد، وكانت نواة النهضة الإسلامية في إندونيسيا في مستهل القرن العشرين.

أما المدارس الدينية الحديثة والمعاهد والكتاتيب فالمنطقة زاخرة بها بشكل منقطع النظير، ولا تزال هذه المدارس تقوم بخدماتها حتى الآن، وتوجد بالمنطقة مدرسة دينية للبنات أسستها الطيبة الذكر المرحومة الحاجة رحمة اليونسية، وازدهرت هذه المدرسة خلال نصف قرن من الزمن، وخرجت المئات من سيدات إندونيسيا المسلمات اللواتي تزعمن حركة النهضة النسوية الإسلامية في البلاد، وأصبحت لها الآن كلية للبنات، وعم أثرها مناطق إندونيسيا وماليزيا.

ونجد كثيرًا من رواد الحركة الفكرية الحديثة وأقطاب السياسة والاقتصاد يعود أصلهم إلى هذه المنطقة، أمثال: المرحوم الحاج أقوس سالم، ومحمد يمين، ومحمد حتى، ومحمد ناصر، وشهرير، وأسعد والدكتور همكا وغيرهم.

وظلت هذه المنطقة نقية من شوائب الطوائف الدينية الأخرى حتى جاء سوكارنو بالدكتور أوين الأمريكي، مبعوث إرسالية البابتيست التبشيرية إلى مدينة بوكيت تينقي سنة ١٩٦٣ ليمارس نشاطه التبشيري ويثير القلاقل والاضطرابات.

وقد اشتهر قرار مؤتمر المسيحيين الإندونيسيين الذي ينص بوجوب الانتهاء من تنصير جاوا خلال عشرين عامًا ومناطق إندونيسيا الأخرى خلال خمسين عامًا، والمؤتمر انعقد في أوائل الستينات الماضية.

 

الرابط المختصر :