; أهم معاقل الإسلام في إندونيسيا.. سومطرا الوسطى تتعرض لنشاط تبشيري مسعور (2) | مجلة المجتمع

العنوان أهم معاقل الإسلام في إندونيسيا.. سومطرا الوسطى تتعرض لنشاط تبشيري مسعور (2)

الكاتب أبو هلال

تاريخ النشر الثلاثاء 09-يونيو-1970

مشاهدات 69

نشر في العدد 13

نشر في الصفحة 12

الثلاثاء 09-يونيو-1970

مقدمة

منطقة سومطرا الوسطى تضم ولايتين: ولاية سومطرا الغربية وعاصمتها بوكيت تينقي، وولاية رياو وعاصمتها رياو، وتقع جنوبي سومطرا الشمالية التي عاصمتها ميدان، وولاية آتشيه التي عاصمتها باندا آتشيه.

وقد دخل الإسلام أول ما دخل إلى إندونيسيا عن طريق سومطرا، وبالتحديد عن طريق آتشيه وسومطرا الغربية، ورغم ما بين المؤرخين من اختلاف في تحديد تاريخ بدء دخول الإسلام إلى إندونيسيا؛ حيث يقول البعض إنه دخل في عهد الخليفة سليمان بن عبد الملك الأموي، ويقول البعض الآخر إنه دخل إلى إندونيسيا في أوائل القرن العاشر أو الحادي عشر الميلادي، إلا أنهم اتفقوا على أن سومطرا هي مركز إشعاعه؛ لذلك نجد الإسلام عريقًا في هذه البلاد أكثر من غيرها من مناطق إندونيسيا، وبسبب كون هذه المنطقة التي تتحدث اللغة الميلاوية التي سميت فيما بعد باللغة الإندونيسية -هي التي حملت الإسلام إلى مختلف المناطق الأخرى، كانت اللغة الملايوية تنتشر وتصبح في النهاية اللغة القومية التي وحدت هذه الجزر.

 كيف يمارس المبشرون أعمالهم التبشيرية؟

قدم دكتور أوين إلى مدينة بوكيت تينقي سنة ١٩٦٣ والمنطقة كانت ترزح تحت وطأة انتصار سوكارنو على ثورتها، وافتتح الدكتور أوين عيادة طبية له، والدكتور أوين نفسه يعترف بأنه عضو في إرسالية البابتيست التبشيرية العالمية، وإنه قدم إلى المنطقة مدفوعًا بعاطفة التبشير، وحاول فعلا تبشير المرضى الذين يُعالجون في عيادته، والشباب الذين يتصلون به عن طريق الدروس العلمية التي يقدمها لهم، وبرامج الرياضة التي ينظمها لهم.

وحين أحس الشعب بمكائده، وتنبهوا له، احتجوا عليه، وترصدوا نشاطه، وعملوا للحيلولة بينه وبين شراء أراضٍ في المنطقة، فقد أعلن الرجل عن عزمه على شراء قطعة أرض لبناء مستشفى تبشيري عليها وبذل جهودًا جبارة لإغراء ملاك الأراضي ليبيعوه قطعة أرض، ولكن مساعيه تفشل دائمًا، وأخيرًا وبواسطة رئيس بلدية مدينة بوكيت تينقي عثر على قطعة أرض واشتراها بالفعل، إلا أن الشعب احتج واعترض اعتراضًا شديدًا، فتراجع الرجل وخشي الحكام من نقمة الشعب.

وأخيرًا استطاع أن يشتري قطعة أرض عن طريق أحد السماسرة، وتجدد الاحتجاج عليه مرة، وأعلن وزير الشؤون الدينية عن معارضته لبناء مستشفى تبشيري بالمنطقة، غير أن الدكتور أوين لجأ هذه المرة إلى حيلة ماكرة فقد علم أن القيادة العسكرية لمنطقة بوكيت تينقي بحاجة إلى:

 أ- ثكنات للجنود

 ب- مستشفى عسكري خاص بالجيش.

فأراد أن يستغل هذه الاحتياجات واتصل بقائد الجيش، وعرض عليه استعداده لبناء الثكنات، وبإقامة مستشفى يتولى هو إدارته، وتلحق مبانيه بالثكنات، كما قدم للقائد مبلغ عشرين ألف دولار، فرحَّب القائد بهذا العرض السخي، وأعلن عن استعداده للدفاع عن المشروع، وتجرأ على التصريح على أن المسئول عن الأمن في المنطقة ليس وزيرًا من الوزراء، وإنما هو الجيش، ويبدو أن وزير الشؤون الدينية رأى أن يتراجع ويعيد النظر في القضية ويترك الأمر للإدارة المحلية.

وتصدى المجلس النيابي المحلي لمناقشة الموضوع طبقًا لأصول ديمقراطية البانتشاسيلا، التي هي من بدع سوكارنو، ولا تزال سارية المفعول رغمًا من ذهاب سوكارنو.

وهذه الديمقراطية تقتضي أن تنتهي مداولات المجالس النيابية ومناقشاتها إلى قرارات بإجماع الآراء حتى يمكن الاقتراع عليها، ولو شذ رأي واحد بحيث لا يتحقق الإجماع يُعاد الموضوع إلى ولاة الأمور، وهذا يعني أن بإمكان أصوات الأقلية عرقلة وإحباط أغلبية الأصوات، أو إعطاء الأقليات حق الفيتو، وهكذا أسفر نقاش المجلس النيابي المحلي للموضوع عن هدم  إجماع الآراء؛ ففُوض الأمر إلى المحافظ، ووقع المحافظ في ورطة؛ لأنه لا يمكنه البت في الأمر وحده، إذ يوجد هناك مجلس شورى الإدارة المحلية يتكون من قائد المنطقة العسكري، ومدير بوليس المنطقة، ورئيس محكمة الاستئناف، ورئيس مكتب النيابة العمومية، وغيرهم يقوم بتقديم شوراه  للمحافظ، وهكذا أسفر الأمر في النهاية عن قرار المحافظ بالسماح بإنشاء المستشفى التبشيري المشار إليه.

وكان وزير الداخلية الجنرال أمير محمود قد أصدر تصريحا خاصا مؤداه أنه إذا كان الدكتور أوين حريصًا على إسداء خدماته الصحية للمنطقة بوجود هذا المستشفى، أفلا يحسن به أن يقدم هذا المشروع مستلزماته لحكومة الإدارة المحلية التي تتولى تنفيذه فتتبناه وتديره مستقبلًا، غير أنه يبدو أن المحافظ لم يطلع بعد على رأي وزير الداخلية هذا وسبق السيف العذل، واشتد هياج الشعب وتحركت جموعه من مختلف الطبقات، سواء القاطنين بالمنطقة أو النازحين من جاكرتا؛ حتى رأى المحافظ الذهاب إلى جاكرتا والاتصال بهم لشرح خفايا الأمر، ولما رأى أن لا فائدة من الإصرار أبدى استعداده لتقبل ما تقرره الحكومة المركزية بصدد المشكلة، فلو قررت سحب الترخيص فإنه مستعد لتنفيذ ما تقرره.

وتألّف على الفور وفد مكوَّن من زعماء الشعب لمقابلة المسئولين في الحكومة المركزية، فقابل مدير المخابرات الجنرال سوتوبو يوونو، وقائد الجيش الجنرال عمر، وسكرتير الدولة الجنرال عالم شاه، ولم يتمكن من مقابلة  وزير الداخلية الجنرال أمير محمود، ولكنه قابل سفير أميركا بجاكرتا وعرض عليه دقة الموقف التي سببها مبشر البابتيست.

وتدخل البرلمان وطرح القضية على بساط البحث، وكان من بين الأعضاء الذين ناقشوا القضية العضوة المحترمة السيدة/ مفتوهة يوسف التي طالبت بطرد الدكتور أوين من إندونيسيا.

ولم يبد الدكتور أوين أي اهتمام بكل ما يجري حوله، فهو يحس بنفسه تحت حماية قوية، وقد جاء وفد من مبشري هيئة الميلايخي من باندونج برئاسة القس رسلي نورفيا ومعه عدد من شبان المنطقة، تم تدريبهم على أعمال التبشير، وزار مركز البابتيست في بوكيت تينقي وتجولوا معه في عدد من المدن والقرى بالمنطقة بسيارات الجيش، وأخذوا يوزعون المنشورات التبشيرية ويبشرون بالإنجيل.

وقد أثار هذا العمل استياء الشعب فقدم الاحتجاجات والشكوى إلى قائد المنطقة العسكري وإلى المحافظ، وحاول قائد حامية المدينة والبوليس الحربي إرهاب الشعب وإسكاته باستدعاء زعمائه والمسئولين عن تقديم الاحتجاجات وأعضاء مجلس العلماء بقصد إيقاف حملات المقاومة، ولكن ذلك لم يفد ولم يُجدِ شيئًا؛ فقد استمر الناس يحتجون ويطالبون بإيقاف هذه المهازل.

ومما زاد في استياء الشعب أن هذا النشاط يعتبر تحديا وانتهاكا لهيبة رئيس الجمهورية الرئيس سوهارتو، الذي سبق أن دعا زعماء الطوائف والأديان بأن لا يمارسوا نشاطهم التبشيري مع أتباع الأديان الأخرى، وأن يقصروا تبشيرهم على طوائف البدائيين والوثنيين.

ويبدو أن القوم لن يرعووا ولن يرتدعوا، ثقة منهم بأنهم ممسكون بالورقة الرابحة بمساندة قائد المنطقة العسكري.

هذا ما يتعلق بطائفة من طوائف البروتستانت.. أما نشاط طائفة الكاثوليك فيمكن استخلاصه من لائحة المشروعات التي خططتها أسقفية بادانج التي تسيطر على منطقة الأسقفية عن المشروعات بأنها «تجاوب» مع مشروع السنوات الخمس الإنمائية للحكومة.

والمشروع عبارة عن إقامة مؤسسات تبشيرية في الأحياء والمدن الإسلامية، من مستشفيات ومدارس وعيادات طبية، والمراكز الصحية ومساكن للطلبة والطالبات المغتربين، ومراكز تدريب مهنية للخياطة والتطريز وأمثال ذلك، من الساحل الغربي على المحيط الهندي إلى الساحل الشرقي على بوغازملقا وزعت هذه المشروعات على المناطق الاستراتيجية، وإن مما يثير التساؤل هو ضخامة الميزانية المعتمدة لذلك، بينما نجد الحكومة نفسها لا تستطيع تأمين المصروفات اللازمة لبعض تلك المشروعات.

نعم، هناك مبالغ ضخمة جدًّا مرصودة لذلك تقدمها هيئات أجنبية من أجل تنصير مسلمي المنطقة، من الصعب جدًّا تصديق بأن الباعث والمنطلق لهذه العطيات إيمان وحرص أصحاب التبرعات على نشر الهداية النصرانية فقط، ونحن نرى إفلاس النصرانية في أوروبا وأميركا.

مجابهة التحديات:

وهي تحديات يتضافر القوم بين كاثوليك وبروتستانت في توجيهها نحو هذا المعقل العتيد من معاقل الإسلام في إندونيسيا، طامعين في أنهم إذا تمكنوا من تحطيمه فإنهم سيقوضون نبعًا ثرا من ينابيع الطاقة الإسلامية في إندونيسيا.

ونحن المسلمين في إندونيسيا نقاوم هذه المؤامرات في حقل التربية والتعليم والدعوة والإعلام بمن جندوا أنفسهم وأعدوا إعدادًا عاليًا من قبل المجلس الأعلى الإندونيسي للدعوة الإسلامية لشئون العمل الإسلامي، وزودوا بمختلف الكتب والمعدات الإعلامية المحدودة، وهؤلاء الدعاة يتجولون في القرى والدساكر ويتصلون بأفراد الشعب في محافلهم ومنتدياتهم، ومن الجدير بالذكر أن هؤلاء المبلغين تلقّوا دراسات موسعة في الكريستولوجيا حتى يتمكنوا من إقامة الحوار العلمي مع المبشرين ومناظرتهم.

وفي الثلاثين من أكتوبر سنة ١٩٦٩ افتتح في مدينة بوكيت تينقي مركز صحي «هيلث سينتر» أُطلق عليه اسم «ابن سینا» يشمل عيادة طبية، ومستشفى ولادة، ومركزًا لرعاية صحة الأم والطفل، وقد زُود بأطباء وممرضات وممرضين وقوابل قانونيات، كما زُود بسيارة إسعاف من تبرعات محسنين في العالم الإسلامي.

وهي منافسة غير متكافئة؛ فالقوم يملكون مستشفى أُقيم على أرض مساحتها ٥٠×١٧٥ مترًا مزودًا بالمعدات الطبية الكاملة وبمبالغ سخية تبرع بها كبار الأغنياء في أوروبا وأميرکا من مستثمري بترول المسلمين وغيرهم.

لدى المسلمين مشروع لإقامة مستشفى قد يحتاج إلى تكاليف لا تقل عن عشرات الألوف من الدولارات، وهو مشروع على المدى البعيد، والمركز الصحي الذي افتتحه رسميًا الدكتور محمد حتى يلاقي إقبالًا منقطع النظير من الجماهير، حتى ليكاد ينوء بأعبائه.

ولو أمكن تزويد المركز بوحدة طب أسنان ووحدة أشعة ميدانية «بروتيبل»، وسيارة كلينوموبيل «عيادة متنقلة»، وسيارة لاندروفر حمولة ١٢ راكبًا؛ لأمكن إخواننا في بوكويت تينقي من تقديم خدمات صحية وتثقيفية أكثر عمقًا، حيث يستطيعون التغلغل في أعمال القرى النائية بهذه المعدات النقلية، ويستطيع مركز ابن سينا من أداء خدماته الصحية على وجه أكمل.

وبعد، فإن ما نشاهده في منطقة سومطرا الوسطى من تداعي الهيئات التبشيرية من مختلف طوائف النصارى وتساندهم وتضافرهم، يعطينا الترجمة الحية لقوله صلى الله عليه وسلم «يوشك أن تَداعي عليكم الأمم كما تَداعى الأكلة على قصعتها».. في هذه المنطقة الصغيرة من العالم الإسلامي، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الرابط المختصر :