العنوان أولئك أجدادي
الكاتب أحد القراء
تاريخ النشر الثلاثاء 09-مارس-1971
مشاهدات 56
نشر في العدد 50
نشر في الصفحة 21
الثلاثاء 09-مارس-1971
الإسلام دين الله الخالد، بداية ثورة تحريرية جذرية، لا تقف عند زمن، ومسيرة كبرى تحفُّها رعاية السماء، لا تنتهي مدى الدهر، ثورة حرَّرت الإنسان، فلا قيمة للإنسان بدون حريَّته ولا معنى لإدراكه واختياره إذا لم يكن حرًّا، وخيرُ تعبير لهذا المعنى العميق كلمة عمر بن الخطاب المعبرة عن عدالة وروح الإسلام «متى استعبدتم الناسَ وقد ولدَتهم أمَّهاتُهم أحرارًا!»، فليسمع دعاة الحرية المزيَّفة وأنصار جان جاك روسو وسارتر وكامو ودعاة حقوق الإنسان الذين استعبدوا الإنسان بمُنظَّماتهم وهيئاتهم الدولية صهيونيَّة الباطن...!
ثورة حرَّرت الإنسان فيما يعتقد ويؤمن به، فلا يُكرَه أحدٌ على الإيمان، فإنَّ الاعتقاد الصحيح ثمرة الاقتناع الكامل والتصديق الثابت، ومن مرونة هذا الدين أنَّ العقل السليم والفطرة المستقيمة، تتقبَّله وتميل إليه عن طواعية وإيمان قال تعالى ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ﴾. (الكهف: 29)
ومن ثمَّ قرَّر الإسلام حرية وحقّ إبداء الرأي وجعله واجبًا على الأُمَّة في الدعوة إلى المعروف والنهي عن المنكر، وإبداء الآراء حقّ مقدَّس، حتى يبصروا وجه الحقّ والعدل، وعلى الحكام والمسؤولين ألَّا يشعروا بالضيق والضجر لآراء الأفراد والجماعات، فلا خير في حاكم أو مسؤول لا يفتح قلبه لأبناء وطنه، وصدق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال: «لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير في إذا لم أسمعها»، فليتدبَّر وليسمع دعاة الديمقراطية والعلمانية، إنَّ الإسلام في جوهره تحرير الإنسان.
ثورة جدَّدت للإنسانية مفاهيمها ومقوّمات حياتها، ترفعها إلى المستوى الأفضل والهدف الأسمى الذي خُلقَت له ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. (الذاريات: 56)
تبني ما هُدم، وتقوِّم الاعوجاج وتُنير الدرب لمن عمل وعصى لأنّ أصلها في السماء، وفرعها اختلط وانبثق من ضمير وأعماق النفس البشرية، حررتها من قيود الأرض الجامدة، وأدران الهوى والشهوة الجامحة، علت بها للسماء فسيحة الأرجاء لا يحدُّها حدود، تستقي النفحات الإلهية، لتزيدها نقاوة وإيمانًا واستقامة.
ثورة.. خرجت كتائب الجهاد والقوة والفداء من مدرسة الرسول القائد -صلَّى الله عليه وسلَّم- تحمل راية الكفاح المُسلَّح تحت الشعار الربانيِّ.. لا إله إلا الله محمد رسول الله، فاكتسحت جيوش أكبر إمبراطوريتين وهدمت معاقل الشرك والاستعباد والاستبداد.. كلّ هذا حدث.. بعد أن أخلصوا النيَّة لله وحده وازدادوا إيمانًا لا يتزعزع، وثباتًا أرسخ من الجبال الرواسي، ونقاوةً أنقى من سحب السماء، صَقَلتهم، وغذَّتهم، العقيدة والخلق القرآني، وجمعتهم فكرًا وصفًّا وهدفًا واحدًا، وتحت قيادة وراية واحدة، فكانوا كالبُنيان المرصوص، أشدَّاء على الأعداء، رُحماء بينهم، عند ذلك تحقّق فيهم قول سبحانه وتعالى ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ﴾ (آل عمران: 110)، وأولئك أجدادي فجِئني بمثلهم..!
محمد فرج الدليمي