; أولادنا والهواتف المحمولة | مجلة المجتمع

العنوان أولادنا والهواتف المحمولة

الكاتب أ. د. سمير يونس

تاريخ النشر السبت 19-يوليو-2008

مشاهدات 16

نشر في العدد 1811

نشر في الصفحة 59

السبت 19-يوليو-2008

سألتني إحدى الأمهات - بإحدى الدورات الأسرية في تربية الأولاد - عن السلوك التربوي للأم إزاء الحاح أولادنا على شراء الهواتف المحمولة، ومن أهم الأسئلة التي طرحتها هذه الأم: ما الأسباب التي أدت إلى إصابة أولادنا بسعار شراء الهواتف المحمولة وتبديلها باستمرار؟ أنستجيب لرغباتهم أم لا؟ ومتى نستجيب، ومتى نرفض؟ وكيف نربي أولادنا على حسن التعامل مع هذه الأجهزة وتفادي شرورها؟ وفي هذا المقال أحاول أن أجيب عن هذه الأسئلة، وخاصة أن تلك الأسئلة – في تقديري – تشغل بال كثير من الآباء والأمهات.

1 - السلوك الاستهلاكي: فالحقيقة أننا في العالم العربي جبلنا على الاستهلاك، ورآنا أولادنا نسلك في حياتنا السلوكيات الاستهلاكية، ولم نهتم بتربيتهم على السلوك الاستثماري، فانعكس ذلك على معتقداتهم وأفكارهم وتصرفاتهم، فالأمر – إذن – جذوره قديمة، ويرجع إلى إخفاقنا في تربية أولادنا، وغياب القدوة في هذا الصدد.

2 - الرغبة في الوجاهة: وهذا الأمر لم يصب به الأولاد فحسب، بل أصاب الكبار أيضا، فأكثرهم يتنافس على اقتناء آخر الصيحات في عالم تكنولوجيا الهواتف المحمولة، حيث صار الهاتف دليلًا على المظهر الاجتماعي والطبقي، ومن لوازم ما يسمونه بـ «البريستيج»، لذا تجد أكثرهم يشهرون الهاتف كي يراه الناس، ليعلم المشاهدون أن حامل هذا الجهاز ثري أو «جنتلمان» كما يقولون، وبعضهم يرغب في استخدام الإضافات التكنولوجية التي تميزت بها الأجهزة الحديثة؛ ليستخدموها في أعمالهم، ولكن هؤلاء قليلون. 

3 - وسائل الإعلام والإعلانات: فالفضائيات والصحف والمجلات لها دور كبير في جذب الجماهير إلى شراء الحديث من هذه الأجهزة، ولم تقتصر الإعلانات هنا على الفضائيات والصحف والمجلات فحسب، بل تطالع ذلك في الشوارع، والمجمعات التجارية التي تكتظ بالناس.

4 - ركوب موجة الموضة: فقد أصبح – في اعتقاد الشباب والفتيات – أن تحديث الهاتف المحمول من مظاهر الموضة والتطور، وعلامة من علامات الشخصية العصرية، ومن ثم فهم ينظرون إلى من يقتني جهازًا محمولًا قديمًا على أنه شخص كلاسيكي رجعي غير متطور، ومتأخر عن عصره.

والسؤال الآن هو: هل نستجيب لرغبات أولادنا في شراء الأجهزة المحمولة؟ ومتى نستجيب؟ ومتى نرفض؟

إن الإجابة عن هذا السؤال ليست مطلقة تمامًا، ولا هي بالمقيدة تمامًا، فكل حالة تقدر بقدرها، فعلى الآباء أن ينظروا لأولادهم الراغبين في شراء هذا الجهاز، فإن كانوا قد هيئوهم لحسن استخدامه، وكان الابن مدركًا لذلك، وفي احتياج إلى هذا الجهاز لتحقيق المصلحة، كأن يكون وسيلة لاطمئنان الأبوين عليه، وكان الابن مؤمنًا من أضرار هذا الجهاز الصحية والأخلاقية، فهنالك يلبي الآباء رغبة ابنهم أو بنتهم، أما إذا كان الابن لم يهيأ لاستخدام هذا الجهاز، وليست لديه القدرة على حسن استخدامه والمحافظة عليه، فيجب تأجيل الشراء لحين تأهيل الابن وتهيئته قبل اقتنائه.

والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: كيف نربي أولادنا على السلوك السوي إزاء شراء الجهاز المحمول واستخدامه؟

ثمة عدة وصايا للآباء يمكنهم باتباعها لتحسين أفكار أولادهم وسلوكياتهم المرتبطة بالأجهزة المحمولة، وفيما يلي أهمها:

1 - إعطاء الآباء القدوة للأبناء: فأولادنا أعينهم معقودة على تصرفاتنا، يرون الأب والأم يشتريان ويجددان في الأجهزة والأغراض، بمناسبة وبغير مناسبة، وخاصة في الكماليات والتحسينات لا في الضروريات، فكل من الأب والأم حريص على تجديد السيارة كل عام مثلا دون داعٍ. وكل منهما حريص على اقتناء أحدث صيحة في الأجهزة المحمولة وهكذا، ثم يطالبان الأولاد بالتعقل والاعتدال في شراء الأجهزة المحمولة، وهنالك لا يكون لنصحهما أي تأثير ،بل يصدق فيهما قول الشاعر.

لا تنه عن خلق وتأتي مثله          عار عليك إذا فعلت عظيم

2 - تربية الأولاد على سلوك الاستثمار، لا الاستهلاك.

3 - تنشئة الأولاد على الأسس الإسلامية في الإنفاق، ومفاهيم اقتصاد البيت المسلم.

4 - تبصير الأولاد بمفهوم الأولويات، ومن الأمور المهمة في هذا الشأن إطلاع العقلاء من أولادنا على دخل الأسرة، «وارداتها»، وأوجه الإنفاق المطلوبة، وترتيبها حسب الأولويات، وفي ذلك تعميق لممارسة الشورى بين أفراد البيت المسلم، وغرس كثير من القيم والمهارات في نفوس أولادنا، ومن أهمها: تحمل المسؤولية، والاعتماد على النفس، والقدرة على اتخاذ القرار أو المشاركة فيه، والقدرة على إبداء الرأي في أدب وحكمة، والإيجابية، وتعميق التقارب والتفاهم بين أفراد البيت المسلم.

٥- تربية الأولاد على التميز وتجنب التقليد الأعمى: فمعلوم أن من خصائص الأطفال والمراهقين التطلع والتقليد، وهم يعايشون رفاقهم في المدارس، ويختلطون بجيرانهم في البيوت والمساكن، ويلتقون بأصحابهم وأصدقائهم في النوادي، ويرون معهم أحدث الأجهزة المحمولة، فتنتقل إليهم العدوى، ويرغبون في مجاراة أقرانهم.

وعلاج ذلك يتم بتربيتهم على التميز والاستقلالية في الشخصية، وتبصيرهم بعواقب التقليد الأعمى، وما ذكره القرآن الكريم في هذا الشأن، قال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾ (الزخرف: 23)، ومن هدي رسولنا الكريم في هذا الشأن: «لا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا».(رواه الترمذي).

6 - توعية الأولاد بخطورة سوء استعمال الأجهزة المحمولة، سواء في الجانب الأخلاقي، أو في المجال الصحي، وينبغي للآباء ألا يسرفوا أو يتكلفوا في التحذيرات الأخلاقية: لأن ذلك ربما يدفع الأولاد إلى استكشاف المجهول.


 

([1]) أستاذ المناهج وأساليب التربية الإسلامية المساعد. 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

المجتمع الثقافي (1196)

نشر في العدد 1196

12

الثلاثاء 16-أبريل-1996

استراحة المجتمع (العدد 1309)

نشر في العدد 1309

13

الثلاثاء 21-يوليو-1998