; أيام في أسطنبول | مجلة المجتمع

العنوان أيام في أسطنبول

الكاتب د. محمد بن موسى الشريف

تاريخ النشر السبت 11-أغسطس-2007

مشاهدات 19

نشر في العدد 1764

نشر في الصفحة 39

السبت 11-أغسطس-2007

  • مناظر جليلة وجمال أخاذ يصادفك أينما ذهبت... وهو شاهد على عظمة الخالق جل جلاله.

  • مناطق سياحية عديدة تجذب السائح مثل: البسفور وروعته والبحر وجماله والتلال وخضرتها المزدانة بالمآذن وبقايا سور القسطنطينية العظيم ومناقل الماء.

تركيا جوهرة من جواهر العالم الإسلامي، وإسطنبول درة تركيا الفاخرة، ففيها يلتقي الشرق وسحره وجلاله، مع الغرب ورونقه وحضارته المادية، ويلف كل ذلك مآذن شامخات بالآذان صادحات تذكرك بعظمة الإسلام وهيبته وهي عاصمة الخلافة قروناً، وهي المدينة التي قال عنها نابليون تحسراً لو أردت أن أختار عاصمة للعالم الم لاخترت القسطنطينية وقد  هم بأخذها والتعاون مع الروس من أجل هذا.

لكن الله صرفه، وأوقع بينه وبين الروس وحشة لتسلم للمسلمين عاصمتهم. 

وفي كل رقعة من تركيا آثار إما إسلامية وإما رومانية أو يونانية، وذلك لموقعها الإستراتيجي الفريد. وقد سبق أن ذكرت بعض تلك الآثار في الحلقة الأولى من (أيام في إسطنبول).

عظمة المساجد

وإسطنبول تأسرك بعظمة مساجدها وشموخها وجلالها. وقد عمد السلاطين إلى بناء تلك المساجد في القسم الأوروبي من المدينة ليرسخوا الإسلام فيه، وتأسرك عظمة مسجد السلطان أحمد الذي يسميه الغربيون "المسجد الأزرق" لغلبة الزرقة على مبانيه الداخلية. ويشدك مسجد السليمانية باتساعه وجلاله، لكن ما من مسجد شدني وأثر في مثل "مسجد السلطان" محمد الفاتح، في حي الفاتح من إسطنبول، ولا أذكر أني صليت فيه يوماً إلا وانهمرت دموعي، ولا أدري لماذا؟ الجلال بانيه؟ أم الروعة مبانيه؟ أم لعذوبة أذانه؟ أم لجمال صلاته؟ لا أدري حقاً لكن الذي أدريه هو هذا الشعور الغريب الذي ينتابني كلما اقتربت من ساحاته العظام، وهو يمتاز عن أقرانه من الجوامع بأن الكفار لا يأتون لزيارته، ولا يزعجون المصلين بالولوغ في ساحته، وربما كان هذا هو سبب الشعور الذي ينتابني كلما صليت فيه، إضافة إلى العوامل التي ذكرتها آنفاً، والله أعلم.

والجامع يقع في حي الفاتح، وهو حي يغلب على أهله المحافظة، وكثير منهم صالحون، وزينة الجامع الشيخ المعمر المبارك أمين سراج وهو قد ناهز التسعين وما زال يدرس فيه حفظه الله، وهو ممن أدرك زمان الهالك مصطفى كمال، الذي غرب تركيا ومحا معالم الإسلام منها ردحاً طويلاً من الزمان، وهي الآن تتعافى من آثاره، وتبرأ من أفعاله، وهناك يدرس الدكتور أرسلان، وهو ممن تخرج في جامعة أم القرى، وللجامع أكثر من إمام، وقد عرفت إماماً شاباً فيه يسمى أحمد، وهو دمث الأخلاق حسن الملقى، وقد أصعدني إلى سدة السلطان التي كان يصلي فيها، وإلى الجناح الذي كان مخصصاً لراحته فتذكرت أمجاد السلاطين العظام عليهم رحمة الله.

حادثة عجيبة

ومن عجائب ما وقع لي في هذا المسجد أني كنت في سنة ١٤٠٧هـ تقريبا /۱۹۸۸م.

قد زرت تركيا برفقة أصحاب لي مع عائلاتهم، وكنا قد استأجرنا حافلة كبيرة لتنقلاتنا، وزرنا بورصة ونزلنا مع حلول المساء، فصادف دخولنا إلى إسطنبول وقت المغرب، والمطر نازل بغزارة وقوة، فتملكتني إرادة قاهرة لم أدر سببها إلا بعد دخولي الجامع، تملكتني إرادة لا ترد ولا تدفع أن أصلي في الفاتح، وعرضت ذلك على أصحابي وكنت أمير الرحلة، فقالوا: إن الليل قد أقبل. والمطر غزير، ونحن متعبون ومعنا النساء والأطفال، فقلت لهم: فلندع النساء والأطفال في الحافلة ولننزل نحن وأصررت، فلم يملكوا مع إصراري إلا الاستجابة، فنزلنا ومشينا مسافة طويلة بجوار أسوار الفاتح حتى ولجنا إلى ساحته ثم إلى الجامع، ففوجئت بأن الجامع مليء تماماً. ولم يكن الجامع ليمتلئ في مثل ذلك الوقت، بل حسبه أن يكون فيه صف أو صفان، ورأيت الناس قد رفعوا أيديهم يدعون ويبكون وثلاثة من المشايخ في قبلة المسجد مستقبلين الناس يدعون ويبكون ويؤمن الناس، فعجبت وجلست مع صاحبي ندعو بدعائهم ورجاء إصابة بركته، لكن لا تدري ماذا يقولون، ثم بعد الفراغ سألت من بجواري فقالوا: إن الناس اجتمعوا لصلاة الشكر بمناسبة استقلال أذربيجان، فعجبت من هذا وقلت: كم من الناس عندنا من لم يسمع بأذربيجان أصلاً، أو سمع بها ولا يدري أين هي. وهذه عاطفة محمودة من الأتراك، وقد حزنت لأن المسجد مهمل لم يلحقه ترميم منذ فترة طويلة، وهذا عجيب من المسؤولين الأتراك الذين كان يجب أن تتوافر عنايتهم بهذا المسجد.

ضيافة كريمة وصليت في مسجد أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وزرت قبره الزيارة الشرعية، وقصته جليلة وهي أنه كان مع أول جيش غزا القسطنطينية زمان معاوية رضي الله عنه، وقد قال النبي : أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم ... فأدركته المنية هنالك فطلب من قائد الجيش يزيد أن يدفن في أقرب مكان إلى أسوارها، ثم اندثر مكانه إلى أن عرف زمان محمد الفاتح يرحمه الله تعالى، فكان من حسناته أنه بنى مسجداً هنالك، وجعله في قبلة القبر حتى يخرج من الحرج الشرعي وذهبت للصلاة في المسجد والسلام على ذلك الصحابي الجليل، فجاءني رجل لطيف بشوش، ورجاني أن أذهب معه فاستجبت له. 

ومررنا بمقابر كثيرة خلف المسجد حتى وصلنا إلى مكتب له، فإذا هو رئيس كشافة تركيا، وله صلات كثيرة بالعرب والمسلمين واسمه أمين أفندي، وقد أتعب نفسه - جزاه الله خيراً - في خدمتي واستضافتي كلما ذهبت إلى تركيا بعد ذلك.

أمور محزنة ويسوء الزائر في تركيا رؤية السياح الأوربيين الشرقيين والروس الذين جاؤوا للفساد، كما يسوؤه منع الكماليين الحجاب، فيضطر الوالد للذهاب بابنته إلى ألمانيا وغيرها من دول الغرب لتدرس بحجابها، بينما هي ممنوعة من الحجاب في دار الخلافة سابقاً فإنا لله وإنا إليه راجعون، فإن هذه من المضحكات المبكيات التي لم تكن تدور بخلد أشد الناس تشاؤماً قديماً! لكن هؤلاء اللا دينيين هكذا يرون.. وهكذا يصنعون بحريات الناس!

وقد ساءني استمرار إغلاق جامع أيا صوفيا الذي أغلقه الهالك مصطفى كمال وحوله إلى متحف، هذا الجامع الجليل الذي حوله الفاتح من كنيسة يشرك فيها بالله إلى جامع يعلن فيه التوحيد، فأغلقه عدو الإسلام الأول في القرن الفائت، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وفي إسطنبول متحف جليل وهو متحف "طوب قابو"، وفيه آثار إسلامية كثيرة، وهو واقع في مقر السلاطين الأتراك الذين كانوا يعيشون فيه سابقاً، وهو متحف جدير بالزيارة حقيق بالتعهد.

ومما يفرح في إسطنبول انتشار الحجاب بين الفتيات والنساء، وهذا أمر كاد يندثر قبل عقود قليلة، وهو من فضل الله تعالى على أهل ذلك البلد، لكن عدداً من النساء يخدشن هذا الحجاب بضيق ما يلبسن وتعدد ألوانه تعدداً صرن فيه كعارضات أزياء، ثم إنه من المعتاد في المطاعم والأسواق أن تجد امرأة محجبة وتدخن علناً أمام الناس.. فأين الحياء؟! وما هذا الحجاب؟ وهل شرع الحجاب إلا ليكون حجاباً للنساء عن الرجال وحاجزاً؟! فهل يتحقق الحجاب بهذه الفعال؟! وأين شروط الحجاب الشرعي؟!

أكبر دور للمخطوطات

وفي إسطنبول دور للمخطوطات الإسلامية هي في مجموعها الأكبر والأغنى في العالم، وسبب ذلك أن الكتب كانت ترد على الخلفاء من كل جهة، على سبيل الهدية أو البيع، وأن الخلفاء العثمانيين في فتوحاتهم العربية الإسلامية كانوا يأخذون من العواصم التي يدخلونها عدداً كبيراً من الكتب ويرسلونها إلى دار الخلافة، وكانت هناك حركة تبادل ضخمة للكتب بين العلماء في دار الخلافة وأقرانهم في ديار الإسلام لذلك كله وغيره كانت تلك الدور للمخطوطات في مجموعها هي الأغنى والأكبر في العالم كله.

مناظر جميلة

وفي إسطنبول مناظر جليلة وجمال أخاذ يصادفك أينما ذهبت، وهو شاهد على عظمة الخالق جل جلاله، فهناك البسفور وروعته والبحر وجماله، والتلال وخضرتها المزدانة بالمآذن، وهناك بقايا سور القسطنطينية العظيم، ومناقل الماء التي كانت تنقل الماء من مكان إلى آخر بعيد..

الرابط المختصر :