; إسرائيل.. تمحو التاريخ الإسلامي.. من القدس! | مجلة المجتمع

العنوان إسرائيل.. تمحو التاريخ الإسلامي.. من القدس!

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 23-مايو-1972

مشاهدات 18

نشر في 101

نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 23-مايو-1972

ومقال في «الجارديان»

إسرائيل.. تمحو التاريخ الإسلامي.. من القدس!

هل فقد العالم الإسلامي.. الإحساس بمشكلاته؟؟

 إن اليهود يقتربون -يومًا بعد يوم- من هدفهم في إلغاء الوجود الإسلامي في القدس وإقامة معابدهم على أنقاض حقنا العقائدي هناك.

هذه مشكلة عقائدية وتاريخية كبرى.

 ولأنها مشكلة بهذا الحجم فقد اهتم الإعلام العالمي بها. وسواء كان الاهتمام في صالح اليهود أو في مصلحة الحياد التاريخي.. أو ضد اليهود.. فإنه قد حدث فعلًا، ولا يزال يحدث.

في العد الماضي من «المجتمع» نشرنا المقال الخطير الذي كتبته مجلة «المدافع» المسيحية.. تبشر فيه بسيادة اليهود في الأرض... وبقرب إقامة «هيكلهم» على أطلال مقدساتنا.

 وفي الأسبوع الماضي كتبت «الجارديان» مقالًا هامًا عن نفس الموضوع.. محو التاريخ الإسلامي من القدس ونظرًا لأهمية الموضوع وحساسيته فقد أثار اهتمامًا واسعًا.. ونقدًا متتابعًا.

ويبدو أن العالم المسيحي لا تسيطر عليه نظرية واحدة تجاه هذا الموقف.. فإذا كان مقال جريدة «المدافع» -الذي نشر في عددنا الماضي- يتبنى الموقف اليهودي ويناصره..  فإن ردود فعل المقال الذي نشر في الجارديان يعكس وجهة نظر أخرى..  مسيحية أيضًا.. بدا ذلك في خطاب أرسله أحد رجال الكنيسة الإنجليزية إلى الجارديان يتهم فيه اليهود بالتعصب وخداع الرأي العام العالمي.

وهذا التباين في وجهات النظر.. وفي المواقف يحتاج إلى استثمار ذكي من جانبنا.. وإلى المبادرة بدفع القضية إلى مراكز الانتباه والاهتمام.. عن طريق متابعة تطوراتها.. وعن طريق عرضها بوعي وحنكة.

أين العالم الإسلامي؟ أین زعماؤه؟ أین أعلامه؟ أین کتابه؟ أین مؤرخوه؟ أین جامعاته؟

وجهة نظر أخرى «مسيحية» تبشر بمصير قاتم لليهود

مجال التحرك لتطويق الجريمة متاح.. لو وُجد الرجال

الجميع يهتم بمصير القدس.. باستثناء المسلمين!!

كتب دافيد هيرست مراسل الجارديان في الشرق الأوسط مقالًا في الأسبوع الماضي بهذا العنوان «أعلاه».. والجارديان من أوسع الصحف انتشارًا في إنجلترا بعد التايمز وبالذات في أوساط المثقفين والجامعات الإنجليزية.. وما إن ظهرت هذه المقالة حتى انبرت لها أقلام المجتمع اليهودي في إنجلترا بالنقد وبإتهام دافيد هيرست بالعمالة للدعاية العربية والإسلامية!! وكان هناك أيضًا رد فعل مضاد من رجال الكنيسة الإنجليزية فقد أرسل أحدهم خطابًا مطولًا نشر في الجارديان في اليوم التالي يتهم فيه الحكومة الإسرائيلية بأنها لم تف بوعودها باحترام الأماكن الإسلامية المقدسة في مدينة القدس المحتلة، وأنها استعملت هذه الوعود بعد حرب ١٩٦٧ لتخدير الرأي العام العالمي وأن إسرائيل بانتهاكها هذه الحرمات أنما تضرب بفرص السلام عرض الحائط وأن على اليهود أن يتذكروا أنهم طردوا من هذه المدينة منذ قرون بعيدة، وأنه لا يشك في أن التاريخ سيعيد نفسه مرة ثانية. والواقع أن مقالة هيرست تعكس موقف قطاع كبير من الرأي العام البريطاني، ولكن سطوة اليهود المالية في هذه الجزيرة التي تخطو إلى طريق الانحدار والفقر، يمنع السياسة الإنجليزية من التعبير الصريح عن مـوقف الرأي العام، فماذا كتب دافيد هيرست.

«إن من المتفق عليه –الآن- أن القدس هي العقبة الرئيسية

-        الكاتب ينطلق من اقتناعه بحكاية السبق مع إسرائيل نحو إحلال السلام في الشرق الأوسط..  ويبدو ذلك جليًّا من آخر استفتاء للرأي العام الإسرائيلي فقد اتضح أن 31 % من اليهود يريدون الإبقاء على سيناء كلها، ٥٦% لا يريدون تنازل عن الضفة الغربية 73 % لا يفرطون في قطـاع غزة، 91 % بالنسبة لشرم الشيخ، 92 % بالـنسبة لمرتفعات الجولان.. أما بالنسبة للقدس فإن الإسرائيليين لا يتنازلون عنها إطلاقًا؛ حيث اتضح من الاستفتاء أن 4% فقط استعدوا لقبول نوع من الإدارة المشتركة على الجزء العربي من المدينة، 1% لا غير استعد لقبول استعادة الحكم العربي للأماكن الإسلامية المقدسة.. فاليهود يعتبرون أن لهم حقًا فريدًا بالنسبة للقدس.

إن اليهود لا يستطيعون تحدي حق العرب في المدينة باستخدام المعيار الوحيد الذي يعترف به القانون الدولي المعاصر، ألا وهو القرون الطويلة من الاستقرار في المكان والمعيشة به وملكية الأرض.. ولذلك لجأ الذكاء اليهودي إلى اختراع معيار جديد لتدعيم حقهم في القدس من الناحية القانونية وهو الارتباط العاطفي والوجداني العميق بالقدس.

وكأن العالم مطالب من وجهة نظرهم بأن يقدر ماذا تعني العودة إلى هذا المكان بالنسبة لليهود الذين تركوا القدس منذ ١٩٠٠ سنة.. أو بعبارة أخرى إن العالم مطالب ألا يحس بأي وقاحة في إدعاء بن جوريون مؤخرًا، عندما أكد أن القدس كانت العاصمة اليهودية مدة تقارب ۳۰۰۰ عام منذ عهد الملك داوود، وإن كان اليهود يطالبون الرأي العام العالمي بأن يكون له إحساس بالتاريخ فإن العرب أيضًا لهم إحساس بالتاريخ قائم على أسس أكثر رسوخًا من ادعاءات اليهود.. وتاريخ العرب في القدس مرتبط بالإسلام وبالأماكن المقدسة فيه وخاصة بالحرم الشريف؛ والذي يعتبر مفخرة القدس الرئيسية، ولكن في هذه الأيام فإن الإسرائيلين لا يقفون عند حد التقليل من شأن الأساس القانوني لحق العرب في القدس فقط، وملكيتهم للأرض، ولكنهم يسيئون إلى الارتباط العقائدي للمسلمين بهذا المكان.. وأن العرب يشعرون أن الإسلام قد أهين في أقدس ثالث مكان يتجهون إليه، إن المسجدين الكبيرين في القدس وهما: الأقصى، وقبة الصخرة ما زالا يدعوان المؤمنين إلى الصلاة ولكن الأصوات الصاخبة التي تتعالى من أسفل المكان، حيث الراقصون والعابثون من إسرائيليين يرقصون ويتماجنون عند حائط المبكى أصبحت تفسد قداسة المكان، وتحرم المصلين من ممارسة عباداتهم، بينما تستمر أفواج الزائرين الإسرائيليين، الذين لم يكن لهم الحق عبر قرون طويلة -في فترات الحكم غير الإسلامي طبعًا- من دخول هذه الأماكن -من غزو هذه الأماكن الإسلامية المقدسة يوميًّا وبدون توقف.. حتى أصبح يخيل للزائر للحرم الشريف الآن أنه ليس رمزًا إسلامیًّا.

 والواقع أن الإسلام واليهودية مرتبطان ماديًّا بالقدس، فإن المنطقة الكبيرة التي يقف عليها المسجدان هي نفس المنطقة التي بني عليها هيرود معبده الثالث؛ والذي حطمه الرومان في سنة ٧٠ قبل الميلاد.. وحائط المبكى نفسه يقف على نفس المنطقة التي بني عليها المعبد الثالث، ولكن المسلمين أيضًا يحترمون حائط المبكى.. وفي عام ۱۹۳۰ حکمت لجنة قضائية عالمية بأن هذا المكان ملك شرعي للمسلمين؛ وكل ما يتمتع به اليهود إنما هو حق محدود بممارسة العبادة، وقد أخذوا هذا الحق عن طريق تسامح المسلمين ونبلهم عبر القرون.. وهذا الحكم إنما هو تأكيد عالمي محايد لما يعرف في لغة القانون «بالأمر الواقع» وقد نمى عن طريق اتفاقات وتقاليد ورثت عبر قرون طويلة في هذه المدينة التي تلتقي فيها الديانات الثلاث الكبرى.

 لقد كان امتلاك حائط المبكى واحتلال المدينة القمة التي كللت حرب ١٩٦٧ وفي نفس الوقت كانت أكبر خسارة للعرب.. وعندما دخل الجنرال دايان إلى حائط المبكى أعلن أنه سيحترم الأماكن المقدسة؛ ولكن ذلك لم يخف الحقيقة الرئيسية؛ وهي أنه هنا وفي القدس كان الاختلال الحقيقي في ميزان القوى ليس القوى السياسية والعسكرية فقط؛ ولكن اختلال في ميزان القوى العقيدية.

 إنه ربما كان من المتوقع أن يحاول اليهود تكريم المعبد أو الهيكل؛ بأخذ منطقة واسعة حوله، وتعميرها بما يليق بالمكانة الدينية لهذا المكان لديهم..

ولكن إدعاءهم بأن غزو القدس أعاد الاحترام لحقوق العبادة إنما كان نفاقًا وتظاهرًا بالورع أثبتت الأيام أنهم أبعد ما يكونون عنه.. فبعد أربعة أيام من هذا التصريح للجنرال دايان جاءت الجرافات الإسرائيلية لتمحوه.. ومحت معه أيضًا حكم اللجنة الدولية المذكور آنفًا، بالإضافة إلى سبعُمائة عام من التاريخ الإسلامي الذي تمثل في الأوقاف الإسلامية الملاصقة لحائط المبكى التـى بناها صلاح الدين بنفسه، وبذلك حطمت الجرافات مسجدين في هذا الحي.

ولقد وقف الأمر عند هذا الحد؛ والذي لا شك في أنه كان قد خطط له من قبل، أو أن السلطات الإسرائيلية قد هدمت هذه الأماكن في غمرة الحماس بالنصر؛ فإنه كان من الممكن للعرب أن يغفروا -لماذا؟ - هذه الفعلة الأثيمة.. ولكن الزعامات الدينية في إسرائیل أعلنت عن رغبتها في هدم وكشف جانبين كاملين من الحرم الشريف -من الناحية الجنوبية الغربية القريبة من حائط المبكى حتى ما يسمى ببوابة الأسباط في الشمال الشرقي.. وعلى طول هذه المنطقة التي تبلغ حوالي نصف ميل تقع الأوقاف الدينية والمدارس والمحاكم ناهيك عن مئات من الآدميين من العرب، أو بعبارة أخرى في هذه المنطقة التي يهدمها المتعصبون من اليهود توجد مجموعة كبيرة من المؤسسات والمناطق السكنية التى تنمو عادة حول أي مكان للعبادة والحج.. وهي تعتبر نماء عضويًّا ملتحمًا بأي مكان مقدس، وتكتسب نفس الحرمة والقداسة.. ولذلك فإن إزالتها تعتبر بمثابة بتر المسجد من البيئة الطبيعية التي يجب أن تحيط به.

وبعد هدم حي المغاربة بدأ اليهود في عمل حفريات للتوصل للامتداد الجنوبي لحائط المبكى، وعلى أثر ذلك حدثت تصدعات في مجموعة من المباني التاريخية التي تنتمي لديانات أخرى وطلب من السكان إخلاؤها، ثم صادروا ممتلكات أخرى من الجهة الشمالية لحائط السلسلة وفي هذه الأيام يعد اليهود لكارثة جديدة؛ فقد بدأت وزارة الشئون الدينية منذ فترة في التنقيب عن الهيكل من تحت الممتلكات العربية، وأزالت في طريقها مبانی كثيرة، ثم إذا ببلدية المدينة تحفر أربع حفر في حائط الحرم الشريف بحجة وضع دعامات لحماية المكان، وعندما احتج الزعماء الدينيون من المسلمين أصدرت الحكومة الإسرائيلية بيانًا؛ بأنها لم تقترف جُرمًا، عندما حاولت تدعيم المبنى، ولكن من الناحية الفنية أصبح من الصعب المحافظة على سلامة البناء، وفي هذا الشهر وعد «ايجال الون» بأن حملة التنقيب والحفريات ستوقف إذا ثبت لهم بأن من المستحيل حماية المبنى من السقوط ولكن السؤال : هل صحیح سيوقف الإسرائيليون عمليات التنقيب؟ فالمعارضة الدينية قوية للغاية؛ فإن مئات اليهود يذهبون يوميًّا للغناء عند مكان التنقيب، مطالبين الحكومة بالإسراع في هدم الحائط كله، ويؤيدهم في ذلك جناح كبير من السيـاسيين داخل الكينيست وعلى رأسهـم «مناحيم بيغن» وقد ذهب الحاخام اليهودي الأكبر في إسرائیل إلى مكان التنقيـب ومن هناك أصدر إعلانًا هذا نصه:

«یا مقاولي مدينة القدس؛ أين هي الجرافات وآلات الحفر التي هدمت حي المغاربة، فأفسحت الطريق أمام حائط المبكي؟ لقد قررت بلدية المدينة هدم المباني القديمة؛ وهذا القرار يجب أن ينفذ دون أي شعور بالخجل أو الخوف، وإن سكان المكان مهما بلغ عددهم سيعطون أوامر الإخلاء، إننا لن نتخلى عن هذا الأمر حتى يهدم حائط هذا المسجد من أعلى حجر فيه حتى أسفله، ومن طرفه الجنوبي حتى الشمالي قرب بوابة الأسباط حتى يخلو المكان لإبراز الهيكل».

ومن الناحية القانونية يعتبر هذا خرقًا واضحًا وعلنيًّا «للأمر الواقع». والآن كيف تستطيع السلطات الإسرائيلية الادعاء بأنهم يقومون بواجبات الدعاية التقليدية لحقوق الطوائف الدينية بكل دقة، والتي ميزت السلطات الإسلامية التي تعاقبت على المدينة من قبل؟ وذلك حينما يهزءون بسلطات المجلس الإسلامي كما فعل كبير الحاخامات اليهودي، وإذا كان احتجاج زعماء المسلمين شديدًا فإن اليهود يلجأون إلى طردهم من البلاد كما فعلوا مع رئيس المجلس الإسلامي السابق عبد الحميد السائح، وإذا كان الاحتجاج بلهجة لطيفة؛ فإنهم يتجاهلونه، ومنذ عام ١٩٦٧ أرسل المجلس الإسلامي ما يزيد عن «۷۰» سبعين خطابًا إلى السلطات الإسرائيلية، ولكن لم يستلم ردًّا واحدًا.

ففي واقع الأمر أن الحكومة الإسرائيلية وليس المجلس الإسلامي هي التي تسيطر على الحرم الشريف، وقد أخبرني بالمون؛ وهو مستشار تيدي كوليك؛ عمدة مدينة القدس، في العلاقات مع السكان العرب بأن كل ما يتم في المدينة يأتي بالاتفاق مع المجلس الإسلامي، وعندما قلت له بأنهم أرسلوا عشرة جنود إسرائيليين لأخذ مفاتيح حي المغاربة حتى يتسنى لليهود دخول الحرم؛ فكيف يكون ذلك بالاتفاق؟ قال: إنك مخطئ فإننا أرسلنا ۱۲ جنديًّا وليس ۱۰ جنود.. إن اليهود يفخرون بأنهم بعد قرون طويلة قد منحوا زوار المدينة حرية زيارة الحرم الشريف؛ وهذا يعني إعطاء اليهود حرية الدخول إلى الحرم، وهذا الإجراء -في حد ذاته- يعتبر خرقًا واستهانة بقداسة المكان خاصة مع سلوك الزوار اليهود المشين داخل المسجد.

وقد أخبرني السيد: عارف العارف عمدة المدينة الأسبق وهو من المؤرخين المحترمين لتاريخ المدينة؛ بأنه دخل مرة إلى الحرم مع مجموعة من السواح بقيادة مرشد يهودي، وفي أثناء تعريف المرشد اليهودي للمكان أخبر السواح؛ بأن العرب في عهد الإمبراطور «هاردیان» قد حطموا البقية الباقية من الهيكل اليهودي؛ مما جعل السيد: العارف يخاطب السواح في نهاية الزيارة، ويخبرهم بخطأ المرشد اليهودي وتحريفه للتاريخ. إن اليهود يعمدون دائمًا إلى إظهار المسلمين بأنهم مخربو الحضارات، وأنهم لا يحترمون ممتلكات الآخرين التاريخية، وهم دائمًا يشيرون لزوار المدينة إلى المقبرة اليهودية في جبل الزيتون؛ والتي يمكن رؤيتها من الحرم الشريف على أنها علامة واضحة للتخريب خلال الحكم الأردني.

 وقد أصدرت الحكومة الإسرائيلية ما يسمى «بالكتاب الأبيض» أسهبت فيه عن الأعمال التخريبية التي جرت للمقبرة اليهودية في جبـل الزيتون وبأن الأحجار قد استعملت في تعبيد الطرق، ولكن بعد توحيد المدينة بعد السيطرة اليهودية فإن العرب يستطيعون الآن أن يذهبوا ليروا ماذا فعل التخريب اليهودي بالجزء الخاص بالمسلمين من المقابر؟ وبالذات ما حدث لمقبرة «مأمن الله» العربية؛ والتي دفن بها بعض صحابة الرسول – صلى الله عليه وسلم – أنفسهم، وعلى أي حال فإن المقبرة اليهودية تعتبر قانونيًّا قائمة على أرض مملوكة للمسلمين، ولكن المقبرة الإسلامية لم يبق فيها الآن شيء يذكر فقد مسحتهـا جرافات البلدية اليهودية، وسوتها بالأرض وأزالت كل معلم يدل عليها بما في ذلك عظام الموتى من صحابة الرسول محمد - عليه الصلاة والسلام- الذين يعتز بهم المسلمون.

ولكن هذا التخريب الرسمي لمقدسات الآخرين يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تقوم بها للصالح العام كما يدعون.

والواقع إن ما يقوم به الإسرائيليون في مدينة القدس نحو المقدسات الإسلامية في نظر المسلمين من سكان القدس وفي نظر الرأي العام العالمي، الذي له إحساس ووعي بالتاريخ؛ إنما هو جحود ونكران بالجميل على مستوى تاريخي؛ فإن أحدًا لا يستطيع أن ينكر قول المسلمين والعرب، بأن من بين كل الغزوات والفتوحات العسكرية التي تعاقبت على المدينة فإن المرتين اللتين فتح المسلمون فيهما المدينة كانتا أكثر تمدنًا وتسامحًا بالمدينة ومقدساتها وسكانها من الغزوات الأخرى، سواء أكانت رومانية أو مسيحية ومن الحقائق الثابتة أنه خلال فتح الخليفة: عمر بن الخطاب للمدينة في عام ٦٣٦ ميلادية وضع الأساس القانوني لمفهوم «الوضع الراهن» بكل العوائق، وفي ذلك الوقت كانت القدس مدينة مسيحية، وعند التسليم أعطى البطريرك المسيحي حينذاك؛ وهـــو «سوفرونیوس» ضمان حرمة الأماكن المقدسة المسيحية وحق المسيحية في حرية العبادة، وقد تضمن مفهوم «الوضـع الراهن» حينذاك الحجر الروماني القديم على إقامة اليهود في المدينة، وقد أكد الخليفة: عمر كل ذلك، ولكن تساهل الحكام المسلمون بالتدريج طوال فترة حكمهم للمدينة بالنسبة لليهود، وعندما جاءت الحملات الصليبية للقدس عام ۱۰۹۹ ميلادية ذبحوا كل المسلمين من سكان المدينة، واستباحوا منازلهم ومقدساتهم الدينية، وقد امتلأ الحرم الشريف بالجثث والدماء، أما بالنسبة لليهود فإن الصليبيين عندما جاءوا دفنوهم أحياء في المعبد اليهودي الذي اكتشف أنهم أقاموه بموافقة المسلمين، وعندما استعاد صلاح الدين المدينة مرة أخرى للحكم الإسلامي في عام ۱۱۸۷ ميلادية فإنه لـم يقترف أي عمل انتقامي ضد أى  طائفة؛ فلم يصب أي فرد من السكان بأذى ولم يهدم أي مبنى.. دينيًّا كان أم سكنيًّا، ولم يقم جنوده بسلب المنازل وهتك الحرمات كما فعل الرومان والصليبيون «واليهود اليوم». والأهم من ذلك فإن الحياة اليهودية عادت إلى مجراها الطبيعي مرة أخرى في عهده بعد أن كبتها الصليبيون؛ وقد استعاد المسيحيون الأرثوذكس ملكيتهم لأماكنهم المقدسة في المدينة بأمر من صلاح الدين، وفي الختام لا يستطيع الإنسان إلا أن يردد مع العرب؛ بأنه من المؤسف بأن اليهود في القرن العشرين لا يستطيعون محاكاة التسامح الذي أظهره المسلمون في القرنين الثاني عشر على عهد الخليفة: عمر، وفي القرن السابع عشر في عهد صلاح الدين.

 

الرابط المختصر :