العنوان إسلام.. أمريكاني!
الكاتب الأستاذ سيد قطب
تاريخ النشر الثلاثاء 31-أغسطس-1971
مشاهدات 26
نشر في العدد 75
نشر في الصفحة 16
الثلاثاء 31-أغسطس-1971
إسلام.. أمريكاني!
سيد قطب
يونيو ١٩٥٢
الأمريكان وحلفاؤهم مهتمون بالإسلام في هذه الأيام، إنهم في حاجة إليه ليكافح لهم الشيوعية في الشرق الأوسط، بعدما ظلوا هم يكافحونه تسعة قرون أو تزيد، منذ أيام الصليبية، إنهم في حاجة إليه كحاجتهم إلى الألمان واليابان والطليان، الذين حطموهم في الحرب الماضية، ثم يحاولون اليوم بكل الوسائل أن يقيموهم على أقدامهم، كي يقفوا لهم في وجه الغول الشيوعي، وقد يعودون غدًا لتحطيمهم مرة أخرى إذا استطاعوا.
والإسلام الذي يريده الأمريكان وحلفاؤهم في الشرق الأوسط، ليس هو الإسلام الذي يقاوم الاستعمار، وليس هو الإسلام الذي يقاوم الطغيان، ولكنه فقط الإسلام الذي يقاوم الشيوعية، إنهم لا يريدون للإسلام أن يحكم، ولا يطيقون من الإسلام أن يحكم، لأن الإسلام حين يحكم سينشئ الشعوب نشأة أخرى، وسيعلم الشعوب أن إعداد القوة فريضة وأن طرد المستعمر فريضة، إذًا، يريدون للشرق الأوسط إسلامًا أمريكانيًا. ومن ثم تنطلق موجة الإسلام في كل مكان.
فالكلام عن الإسلام ينطلق من صحافة مصر هنا وهناك، والمناقشات الدينية تغرق صفحات بأكملها، في صحف لم يعرف عنها في يوم ما حب الإسلام ولا معرفة الإسلام. ودور النشر -ومنها ما هو أمريكاني معروف-تكتشف فجأة أن الإسلام يجب أن يكون موضوع كتبها الشهرية، وكتاب معروفون ذوو ماضٍ معروف في الدعاية للحلفاء، يعودون للكتابة عن الإسلام في أيام الحرب الماضية، ثم سكتوا عنه بعد انتصار الحلفاء، والمحترفون من رجال الدين يصبح لهم هيل وهيلمان، وجاه وسلطان، والمسابقات عن الإسلام والشيوعية تخصص لها المكافآت الضخام.
أما الإسلام الذي يكافح الاستعمار -كما يكـافح الشيوعية- فلا يجد أحدًا يتحدث عنه من هؤلاء جميعًا.
وأما الإسلام الذي يحكم الحياة ويصرفها، فلا يشير إليه أحد من هؤلاء جميعًا.
إن الإسلام يجوز أن يستفتى في منع الحمل، ويلا يجوز أن يستفتى في دخول المرأة البرلمان! ويجوز أن يستفتى في نواقض الوضوء، ولكنه لا يستفتى أبدًا في أوضاعنا الاجتماعية أو الاقتصادية أو نظامنا المالي، ولا يستفتى أبدًا في أوضاعنا السياسية والقومية، وفيما يربطنا بالاستعمار من صلات.
إنها مهزلة بل إنها لمأساة.. ولكن العزاء عنها أن للإسلام أولياءه، أولياءه الذين يعملون له وحده ويواجهون به الاستعمار والطغيان والشيوعية سواء، أولياءه الذين يعرفون أن الإسلام يجب أن يحكم كي يؤتي ثماره كاملة، أولياءه الذين لا تخدعهم صداقة الصليبيين المدخولة للإسلام، وقد كانوا حربًا عليه تسعمائة عام.
إن أولياء الإسلام لا يطالبون باسمه برًا وإحسانًا، ولكن يطالبون باسمه عدالة اجتماعية شاملة كاملة، ولا يجعلون منه أداة لخدمة الاستعمار، والطغيان، ولكن يريدون به عدلاً وعزةً وكرامةً، ولا يتخذون منه ستارًا للدعاية، لكن يتخذونه درعًا للكفاح في سبيل الحق والاستعلاء.
أما دور العلن الذي يعلن بالإسلام في هذه الأيام، وأما المتجرون بالدين في ربوع الشرق الأوسط، أما الذين يسترزقون به من اللعب به على طريقة الحواة، أما هؤلاء جميعًا فهم الزبد الذي يذهب جفاءً عندما يأخذ المد طريقه، وسيأخـذ المد طريقه سريعًا، أسرع مما يظن الكثيرون ﴿إِنَّهُمۡ يَرَوۡنَهُۥ بَعِيدٗا وَنَرَىٰهُ قَرِيبٗا﴾، ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔٗاۚ﴾. صدق الله العظيم.
إلى النائمين.. في العالم الإسلامي
يوليو ١٩٥٢
نحن في مصر مشغولون لا نفيق، ليس لدينا وقت للتفكـير فيما يدبره لنا اليهود بمعاونة العالم الصليبي، نحن مشغولون بالانقلابات الوزارية مشغولون كذلك بالانتخابات: هل تكون بالقائمة أم بالوزن أم بالكيل؟ مشغولون بحكاية الاستثناءات هل تُرد لأصحابها أم لا ترد؟ ومن منهم ترد إليه استثناءاته ويزاد ومن منهم يؤخذ منه ما معه؟!
وهي أمور -كما ترى- من الأهمية بحيث لا تترك وقتًا ولا جهدًا للتفكير في أي شيء آخر.
وفي هذا الوقت تقترب إسرائيل يومًا بعد يوم من حدود سيناء المصرية، المصرية اسمًا، وإن كانت مصر لا تعرف عنها شيئًا، لأن السياسة اليهودية الإنجليزية عزلتها عن مصر طوال فترة الاحتلال، ولم يكن هذا العزل شيئًا عارضًا، ولا أمرًا غير مقصود، إنما كان وفقًا لسياسة بعيدة الفور تتفق مع أطماع اليهودية العالمية.
إن شبه جزيرة سيناء تشتمل على أقدس مقدسات اليهود ضمن جانب الطور الأيمن نودي موسى، وعليه تلقى الألواح وبه صخرة العهد، وسيناء هي أرض التيه، لذلك كله ترف حول سيناء أطماع اليهود التاريخية ويربى أبناؤهم على عقيدة أن جزيرة سيناء هي قلب مملكتهم الموعودة، وما فلسطين إلا جزء صغير من تلك المملكة التي تضم سيناء وفلسطين وشرق الأردن وقسمًا من سوريا والعراق حتى الرافدين.
وعلى هذا الأساس هم يعملون منذ أجيال وفي سنة ١٩٠٦، وفدت على مصر لجنة إنجليزية يهودية، قضت في سيناء خمس سنوات كاملة تفحص عن كل شيء فيها، وتنقب عن المياه الجوفية والأراضي الصالحة للزراعة، والمعادن والطبيعة الجيولوجية بصفة عامة، والمناخ والطرق والأهمية الإستراتيجية، وعادت ومعها تقرير شامل يثبت أن سيناء صالحة لإسكان مليون شخص وإعاشتهم.
وقد عني الإنجليز بعزل سيناء عن كل نفوذ للحكومة المصرية، وكان محافظ سيناء «جارفس» الإنجليزي هو حارس شبه الجزيرة إن تمتد إليها عين مصرية، وأفهموا المصريين أن هذه الصحراء لا أمل فيها ولا ضرورة للاهتمام بها لأن المياه الجوفية فيها لا تصلح لخلق حياة مستقرة، وكان هذا كله لحساب اليهود الذين يسيرون دفة بريطانيا.
ومن المعروف أن جيش إسرائيل عندما تجاوز الحدود المصرية سنة ١٩٤٨، كان أول عمل لرجاله عندما وطئت أقدامهم رمال الصحراء بعد رفح، أن ترجلوا جميعًا وقبّلوا تراب الأرض وأقاموا الصلاة، ثم تابعوا خطواتهم في الأرض المقدسة.
أما اليوم فهم يقيمون على الحدود استحكامات قوية، ويسكنون في أرضها الفتيان الفدائيين بزوجاتهم وأولادهم، يقطعونهم الأرض ويبنون مساكنهم تحتها -لا فوقها- ويمدونهم بالمال ليستصلحوها.
وأمامهم ألوف الأميال المربعة في الشقة المصرية خلاء، فإذا أرادوا هم أن يزحفوا فسيزحفون من استحكاماتهم على الحدود، ووراءهم العمار وإذا أردنا نحن حتى أن ندافع، وقفت جيوشنا ووراءها هذه الألوف من الأميال القاحلة الجرداء الخاوية من السكان.
لماذا؟ لأننا نحن مشغولون، مشغولون بالانقلابات الوزارية، مشغولون بالانتخابات.. هل تكون بالقائمة أم بغير القائمة؟ مشغولون بالاستثناءات ومن ترد إليهم استثناءاتهم، ومن لا ترد.. مشغولون بهذه الأمور الكبار التي لا يجوز أن يلهينا عنها خطر اليهود أو غير اليهود وما تكون سيناء وهي صحراء جرداء إلى جانب كراسي الوزارة الفخمة ومقاعدها الوثيرة وقاعاتها المكيفة الهواء.
سيد قطب
سيّد قطب.. في نظر الجمَاعة الإسْلامية
وصل وفد الجامعة الإسلامية إلى الكويت يوم الخميس ٢٦ أغسطس الحالي.. وكان مؤشر الأيام يتجه رويدًا.. رويدًا إلى ۲۹ أغسطس، يوم ذكرى استشهاد سيد قطب، وفي هذه المناسبة وجه الأستاذ رحمة إلهي الكلمة التالية:
سيد قطب من الأفراد القلائل الذين استنار بهم تاريخ الأمة.. وكان سيد رمزًا حيًا للإسلام في هذا العصر.. كان يخافه الظلم والظالمون.. ولذلك تكتلوا ضده.. وظنوا أنهم بالتخلص منه يستطيعون إيقاف الزحف الإسلامي الذي كان يقوده سيد.. ولكنهم لا يعلمون أن استشهاد سيد في سبيل الإسلام أعطى الزحف الإسلامي قوة أكبر وأمضى.
أفكار سيد وإنتاجه كانا عملًا عظيمًا لا نجد له في التاريخ مثيلًا إلا قليلًا، إن استشهاده نموذج رائع للشخصية الإسلامية.. ومفخرة في التاريخ الإسلامي أن نجد من يجمع بين الإنتاج.. والاستشهاد في سبيل الإنتاج.. ونسأل الله أن يهيئ لنا هذا الطريق.. وأن يوفقنا للتضحية بكل ما نملك من سبيل!
الحامدي.. يروي عن المودودي
روى الأستاذ خليل الحامدي عن السيد أبي الأعلى المودودي هذه الرواية.. قال:
«في عام ١٩٦٦ بمكة المكرمة، وفي فندق شبرا، دخل شاب عربي مسلم على الأستاذ المودودي وقدّم له كتاب «معالم في الطريق» للأستاذ سيد قطب.. وقرأه الأستاذ المودودي في ليلة واحدة.. وفي الصباح قال:
«كأني أنا ألفت هذا الكتاب.. وأبدى دهشته من التقارب الفكري بينه وبين المؤلف.. ثم استدرك يقول: لا عجب فمصدر أفكاره وأفكاري واحد وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم».
· وروي الأستاذ الحامدي أيضًا عن السيد أبي الأعلى المودودي هذه الرواية، قال: «غداة إعدام الشهيد سيد قطب.. دخلنا على المودودي في غرفته.. وكانت الصحافة الباكستانية قد أبرزت الخبر على صفحاتها الأولى.. وقص أمير الجماعة علينا هذه القصة فقال: «فجأة أحسست باختناق حقيقي.. ولم أدر لذلك سببًا.. فلما عرفت وقت إعدام الشهيد سيد قطب في الصحف، أدركت أن لحظة اختناقي هي نفس اللحظة التي شُنق فيها سيد قطب».
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل