; إلى الخلف سر! - حصاد الانقلابات في الوطن العربي | مجلة المجتمع

العنوان إلى الخلف سر! - حصاد الانقلابات في الوطن العربي

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 18-يوليو-1972

مشاهدات 11

نشر في العدد 109

نشر في الصفحة 3

الثلاثاء 18-يوليو-1972

إلى الخلف سر!

حصاد الانقلابات في الوطن العربي

منذ ربع قرن- تقريبًا- وبالذات منذ قيام الكيان اليهودي فوق أنقاض جزء عزيز من بلادنا.. هو فلسطين.. والعالم العربي يموج بالانقلابات وشعارات الثورة.

ويضج بكلام عالي الطنين عن التقدم والتطور.

وليس هناك رجل يؤمن بالله، ومعه عقله وصوابه يرفض أو يفكر- مجرد تفكير- في رفض التغيير والانتقال من الواقع السيئ إلى واقع أفضل منه في كل شيء.

فالتغيير مطلب ديني وسنة من سنن الله عز وجل: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ﴾. (الرعد: ١١).

ومن الملاحظ في التحول التاريخي أن التغيير- خاصة حين يوجد التحدي- يتجه بالأمة ويدفعها إلى مواجهة التحدي. ويشحذ كل خصائصها لمصارعته، ويستنفر جميع طاقاتها للتغلب عليه.

فحين تواجه أمة ما «التحدي» فليس أمامها إلا:

- أن تكون

- أو لا تكون

أي إن الصراع يكون ضروريًّا.. والمواجهة تصبح حتمية عند من يريد أن يبقى في معترك الصراع على البقاء.

﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾. (البقرة: ٢٥١).

وربما لأول مرة في التاريخ يكون التغيير في أمة تواجه التحدي لصالح العدو.. لا ضده.. ومن أجل التمكين له.. لا من أجل تقويضه.

هذه ظاهرة تستحـق الدراسة.. لأنها ظاهرة غريبة فعلاً.

وهذه الظاهرة تتمثل في مفارقات رهيبة بين توفير عوامل النهضة للعدو.. وبين حرمان العالم العربي من هذه العوامل.

وهذه المفارقات المذهلة.

من الخرافة أن نسميها.. صدفة.. فالصدفة- إن وجد شيء اسمه الصدفةـ لا تتكرر.. ولا تتنوع.. ولا تَطَّرد.. أما حين يتكرر الشيء.. ويتنوع.. ويطَّرد؛ فإن يد التدبير ترى من خلال تكراره.. وتنوعه واطِّراده.

ولنفكر معًا في هذه المفارقات.

• رؤوس الأموال اليهودية تتدفق على الأرض المحتلة بغزارة.. فتنعش مجالات استثمار الغزاة. في الصناعة والزراعة والتجارة. ويكون محصول ذلك نهضة اقتصادية لصالح العدو في أرضنا المحتلة.

في هذا الوقت بالذات؛ تهاجر رؤوس الأموال العربية إلى الخارج هاربة من مواطنها الأصلية.

ومن السهل جدًّا توجيه النقد لهجرة رأس المال العربي إلى الخارج.. ولكن هل هذا كل شيء..

إنه لولا المزعجات من الليالي لما ترك القطا طيب المنام.. وهنا يتبدّى السؤال الطبيعي والضروري وهو: لماذا هرب رأس المال العربي إلى الخارج؟

الإجابة واضحة.. فعمليات السطو والسلب والنهب التي تمت تحت شعارات التأميم والمصادرة.. كانت السبب الرئيسي في جزع رأس المال العربي وهروبه من وطنه.

وهذا الترويع لم يقم به العدو.. وإنما قام به العرب أنفسهم.

وكانت النتيجة أن مجالات الاستثمار الزراعية والصناعية والتجارية ظلت مجدبة مما أدى إلى تعويق النهضة الاقتصادية.

فهل هي صدفة؟

رأس مال يهودي قادم- ومحاط بالضمانات- لإنعاش العدو.

ورأس مال عربي هارب- ومهدر الحرمة- لإفقار العالم العربي.

• وخلال الوقت الذي يسارع فيه علماء اليهود إلى الأرض المحتلة لوضع خبرتهم العلمية وتجنيدها لدعم الكيان الصهيوني.. ويستفيد العدو من هذه الطاقات العلمية في:

- البحوث العلمية.

- في التخطيط والإدارة.

- في صناعة الأسلحة.

- في سمعة علمية عالمية تكسب الكيان الصهيوني هالة تقدمية في المجامع والمؤتمرات الدولية.

في هذا الوقت بالذات- وباطّراد عجيب- تُطارد الكفاءات العلمية العربية. وتضطر للهجرة إلى الخارج تحت ضغط أكثر من سبب.. فمن العلماء العرب من هاجر نفورًا من التسلط الغوغائي على مرافق البلاد.. ومنهم من هاجر بسبب الغبن المتعمد وحرمانه من حياة مريحة تعينه على أداء رسالته العلمية.. ومنهم من هاجر بسبب الاختلال البشع في المعايير والمقاييس الاجتماعية، فأكثر الناس تهريجًا وصخبًا وفشلًا هو أقربهم إلى المراكز الفعالة.. أما الذين يضفي عليهم العلم الوقار والرزانة وتمنعهم عقولهم الكبيرة من ممارسة الدجل التهريجي؛ فهم أبعد الناس عن المراكز الفعالة.. مع أنهم بمقياس الكفاءة يستحقون كل تقدير.. ومنهم من هاجر بسبب غياب الحرية.. وسيطرة القهر والكبت حتى في المجال العلمي المجرد!!

وفي هذا الجو حرم العالم من كفاءاته العلمية في:

- البحوث العلمية.. ومن ثمَّ تعثرت خطى البحث العلمي في العالم العربي.

- في التخطيط والإدارة.. ومن هنا رأينا الارتجال يشمل كل شيء.

- في صناعة الأسلحة.. ومن ما زلنا نتسول حتى الأسلحة الصغيرة.

- في سمعة علمية عالمية.. ومن هنا يوصف العالم العربي بالتخلف والانحطاط في مجال المقارنة بينه.. وبين العدو.

فهل هذه.. صدفة؟؟؟

• وخلال الوقت الذي يتمتع فيه العدو باستقرار سياسي.. يتيح له الاستقرار العلمي والاقتصادي.. ويهيئ له جوًّا مناسبًا للبناء العسكري.. وفي مدى ربع قرن تقريبًا لم نسمع بانقلاب واحد في الكيان الصهيوني.. في هذا الوقت بالذات تستعر الفتن في العالم العربي وترجُّ استقراره.. وتصبحه الزلازل السياسية وتمسيه.

وفي دوامة الزلازل السياسية يذهب الاستقرار الاقتصادي والعلمي.. والعسكري.

فهل هذه صدفة؟

• وخلال الوقت الذي يقيم فيه العدو كيانه على أساس ديني ويدير معاركه ضدنا بروح دينية، ويستشهد زعماؤه بآيات التوراة.

ويقول- مثلًاـ رئيس وزراء العدو ليفي أشكول عام ١٩٦٧- وهو يتحدث عن حملة 5 حزيران يوم ١٢- ٦- ١٩٧٢ في الكنيست.

«وجيش الدفاع يسيطر على شبه جزيرة سيناء على طول قناة السويس وفي الضفة الغربية من نهر الأردن وفي مرتفعات الجولان.. المرور في مضائق تيران وفي خليج إیلات حر.. وحدت القدس.. هذه هي المرة الأولى منذ قيام الدولة واليهود يصلون!» بجوار حائط المبكى بقايا دار قدسنا وماضينا التاريخي. وكذلك «يصلون!» عند «قبر راحيل!»، هذه هي المرة الأولى التي يستطيع فيها اليهود في جيلنا أن يصلوا في مغارة المكفيلا «الحرم الإبراهيمي» بالخليل.. مدينة الآباء..

تحققت الآية القائلة: «هناك أجر لعملك.. وعاد الأبناء إلى حدودهم..».

في هذا الوقت بالذات يقف زعماء عرب.. وكتاب عرب.. وصحافيون عرب وينادون بالتخلص من الدين الإسلامي لأنه- في نظرهم- سبب هزيمة حزيران.

ويدعون الأمة العربية لتجهيز الأكفان للإسلام من أجل دفنه إلى الأبد.

فهل هذه صدفة؟!

• وخلال الوقت الذي يبعث فيه اليهود لغتهم العبرية الميتة.. ويتعصبون لها.. ولا ينطقون إلا بها.. ويدرسون العلوم المختلفة بها.. وينشئون جامعة تحمل اسمها.

في هذا الوقت تقوم عصابات في العالم العربي تدعو للتخلص من اللغة العربية.. لأنها لغة رجعية لا تساير التطور ولا تستوعب ما يستجد من ابتكارات ومصطلحات!!

فهل هذه صدفة؟!

• وخلال الوقت الذي يضغط فيه العدو على الدول الكبرى من أجل مصالحه.. يضحى زعماء عرب بمصالح بلادهم في سبیل مصالح الدول الكبرى؟.

فهل هذه صدفة؟!

إن التغيير مطلوب، ولقد قامت في العالم العربي ثورات وانقلابات بدعوى التغيير، ولكنها انتهت إلى طريق مسدود.

بينما التحدي لا يزال قائمًا.. وبثقله وخطره، وهنا لا بد من تغيير جديد يندفع في طريق مفتوح نحو العزة والتمكين والتغيير الجديد لا بد أن يكون جديدًا في المحتوى والتنفيذ.

أي في «الفكرة» والمنطلق، وفي الرجال، وبسقوط جميع المبادئ والشعارات المطروحة في المنطقة.. ليس هناك سوى الإسلام نتخذه أساسا لتغيير شامل.. ومنطلقًا لمسيرة ذكية واعية.

وبسقوط الرجال الذين سقطت شعاراتهم وراياتهم، ليس هناك سوى الأمل في رجال أُصلاء أمناء.. علاقتهم بربهم حسنة.. ووفاؤهم لشعوبهم قوي ومخلص.

الرابط المختصر :