; اتفاقية 17 مايو.. ألغي الشكل وبقي المحتوى | مجلة المجتمع

العنوان اتفاقية 17 مايو.. ألغي الشكل وبقي المحتوى

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 13-مارس-1984

مشاهدات 27

نشر في العدد 662

نشر في الصفحة 4

الثلاثاء 13-مارس-1984

لا يخفى أن اتفاقية 17 مايو 1983م بين لبنان وإسرائيل جزء من استراتيجية العدو المرتكزة على عقد اتفاقيات صلح منفردة مع دول المواجهة وتطبيع العلاقات معها على غرار اتفاقيات كامب ديفيد والاتفاقية الإسرائيلية - المصرية التي كان بطلها السادات! وهي تمهيد لبسط نفوذ وهيمنة دولة العدو على العالم العربي والإسلامي والتحكم في مقدراته الجغرافية والبشرية وثرواته الطبيعية وطمس معالم الحضارة الإسلامية واستبدالها بحضارة يهودية مزعومة كما يخطط شياطين اليهود.

وانطلاقًا من الوعي الكامل لخطورة المخطط اليهودي، عمدنا من هذا المنبر إلى التنبيه والتحذير من مغبة التجاوب مع خطط العدو.. وقفنا ووقف معنا المسلمون والمخلصون أجمعون ضد اتفاقيات كامب ديفيد وضد الاتفاقية الإسرائيلية - اللبنانية.

وفي الأسبوع الأول من الشهر الجاري اتخذ مجلس الوزراء اللبناني قرارًا باعتبار اتفاق 17 مايو لاغيًا وباطلًا، وذلك في أعقاب مباحثات أجراها أمين الجميل وحافظ أسد في دمشق، وراح الإعلام في بعض الدول العربية يصور إلغاء الاتفاق وكأنه نصر مؤزر انتشى به البعض وأخذ يخاطب الناس وكأن الإلغاء أعاد لهم الروح من بعد ممات!

فهل كان قرار الإلغاء حقًا خطوة على طريق التصدي للمخططات الصهيونية والأمريكية؟ وهل الإلغاء يحرر لبنان والأمة العربية من السطوة الإسرائيلية؟؟

وفي معرض الإجابة على هذه التساؤلات يجدر بنا التوقف عند الظروف التي تم فيها إلغاء الاتفاق.

أولًا: لم تكن الاتفاقية قائمة من الناحية الواقعية وذلك لعدة أسباب:

• فالاتفاقية لم تكن مكتملة من الناحية القانونية لأن الرئيس اللبناني لم يوقع عليها.

والاتفاقية كانت مجمدة إسرائيليًا منذ توقيعها، حيث عمدت إسرائيل خلافًا لأحد بنودها بالبقاء في جنوب لبنان، متذرعة بضرورة انسحاب القوات السورية في وقت متزامن! ويجدر بنا هنا التذكير بتصريحات أكثر من مسؤول يهودي حيث قالوا: إن الموقف السوري إزاء لبنان يخدم الاستراتيجية الإسرائيلية!

ثانيًا: جاء قرار الإلغاء في ظروف: 

• انسحاب قوات المارينز الأمريكية قبالة الشواطئ اللبنانية وانسحاب القوات البريطانية.

• إعلان أمريكا عن تخليها عن الاهتمام بالمشكلة اللبنانية والفصل بينها وبين مشكلة الشرق الأوسط.

• حسم معركة بيروت الغربية والضاحية الجنوبية لصالح وليد جنبلاط ونبيه بري اللذين طالبا باستقالة الجميل ومحاكمته.

في مثل هذه الظروف تمت صفقة الإلغاء بين الجميل وأسد حيث صار الصراع محليًا، ولما كانت سوريا عارضت اتفاقية 17 مايو منذ البداية ودفعت جبهة الخلاص الوطني لمعارضتها، وجدت الفرصة سانحة، خاصة وأن الجميل الذي تخلت عنه إسرائيل مؤقتًا ورفضت أمريكا المضي قدمًا في دعمه عسكريًا لتخوفها من النتائج المترتبة على ذلك، وجد أيضًا أن مصلحته تقتضي الاتفاق مع سوريا.

وقرار الإلغاء من هذا الجانب نصر للسياسة السورية بلا شك، لأن السياسة السورية لا تقوم على أطماع إقليمية في لبنان كما يشاع، وإنما تقوم على أساس أن يبقى قرار لبنان بيده أو يملك أن يؤثر فيه على الأقل.

وهذا الفهم يفسر إلى حد ما لماذا وقفت سوريا مع الكتائب في الحرب اللبنانية ولماذا وقفت ضدهم في معركة الجبل وبيروت الغربية.

على أن الإمساك بالورقة اللبنانية لا يعني بالضرورة المواجهة العسكرية بين سوريا وإسرائيل فقد ثبت بشكل قاطع أن سوريا لم تحارب إسرائيل ولم تقف في وجهها أثناء احتلال لبنان من جنوبه حتى العاصمة بيروت! ويصدق هنا قول أحد المحللين السياسيين اللبنانيين إذ يقول «تريد سوريا دائمًا أن تكون هي جسر عملية السلام في الشرق الأوسط» واتفقت الإيكونومست والفاينشال تايمز على أن سوريا ستتحرك نحو التسوية، ولكن بحذر وذلك في معرض تعليقهما على قرار إلغاء اتفاق 17 مايو!

وما دام الأمر كذلك فلم يكن مستغربًا أن نقرأ في الأخبار أن أسد والجميل اتفقا على حق إسرائيل في تأمين حدودهما الشمالية ومنع العمليات الفدائية ضدها من الجنوب!

أما من الجانب اللبناني فلا تزال الجبهة اللبنانية على موقفها، وفي أعقاب الإلغاء جرت اتصالات محمومة بين مسؤولي المارون واليهود، وأعلنت إسرائيل عن خطة لإعادة انتشار قواتها في الجنوب وأنها ستمكث هناك إلى ما شاء الله!!

واليوم يبدأ مؤتمر المصالحة في لوزان ومعظم الأطراف تصر على مواقفها الأمر الذي يجعل المراقب يتنبأ بفشل المؤتمر أو على الأقل الحفاظ على صيغة لا غالب ولا مغلوب إلى أجل غير مسمى مع احتمال الانتهاء بالتقسيم.

ومن هنا أيضًا يتضح أن محتوى اتفاق 17 مايو بقي على ما هو عليه وهو هيمنة إسرائيل على لبنان والتحكم فيه وفي بنيته السياسية والاجتماعية والسياسية، عن طريق علاقاتها الوطيدة مع المارون والدروز، وإذا كانت إسرائيل طبقًا لمكتب القوات اللبنانية في القدس تفضل الانتظار لحين انتهاء الانتخابات الأمريكية، فما بال أقوام يصرون على تسمية هذا الانتظار انتصارًا كبيرًا يجب أن تنحني لصانعيه الرقاب؟!

وقد يثار هنا موقف السوفيات وتحالفهم مع سوريا، لكن يرد على ذلك بأن السوفيات يدركون جيدًا أن الشرق الأوسط منطقة نفوذ أمريكية منذ توقيع معاهدة يالطا، ويدركون كما شهد كيسنجر أن سوريا تتصرف طبقًا لمصلحتها الإقليمية! وإذا كان لديهم النية لإثبات الحضور في عملية التسوية في الشرق الأوسط، فإن وضع نظام حكمهم الانتقالي لا تمكنهم من ذلك.

وإنه لعجيب إذن أن تصطنع بعض الأطراف نصرًا زائفًا تتابعه فيه وسائل الإعلام التابعة أو المضللة، وتوظف ذلك، لا من أجل دحر العدوان واسترجاع الأوطان والديار كما يزعمون، وإنما للتنافس مع أطراف أخرى حول الدخول في عملية السلام المزعومة!

لقد أصبحت المصلحة الإقليمية أو الذاتية مهما كان تقدير هذه المصلحة خاطئًا هي معيار الإخلاص والوطنية والتقدمية لدى معظم أنظمة الحكم العربية، وما لم تنتبه الشعوب المغلوبة على أمرها فستظل هكذا في دوامة.

وللخروج من الدوامة لا بد من أمور:

- الوعي السياسي لحقيقة الأدوار التي يقوم بها العدو والعملاء.

- الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين.

- البناء المتأني المتين سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.

فهل تنتبه الأمة بعد طول غفلة، وهل يبزغ فجرها بعد ليل بهيم؟ ذلك ما نرجوه وما هو على الله بعزيز وصدق الله إذ يقول ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ (الأنعام: 95).

الرابط المختصر :