; اتفاق القاهرة.. الطريق إلى الهاوية | مجلة المجتمع

العنوان اتفاق القاهرة.. الطريق إلى الهاوية

الكاتب عاطف الجولاني

تاريخ النشر الثلاثاء 22-فبراير-1994

مشاهدات 9

نشر في العدد 1089

نشر في الصفحة 30

الثلاثاء 22-فبراير-1994

ما حدث وما تم الاتفاق عليه لا يظهر أبدًا فلسطين على خارطة الشرق الأوسط... بهذه الكلمات عقب الرئيس السابق للوفد الفلسطيني المفاوض حيدر عبد الشافي على اتفاق القاهرة الأخير الذي وقعه ياسر عرفات عن منظمة التحرير، ووزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز عن الجانب الإسرائيلي، والذي وصفه عرفات بأنه يعني عودة فلسطين على خريطة الشرق الأوسط.

وقد جاء الاتفاق الأخير بعد مفاوضات استمرت حوالي أربعة أشهر، وأدى تأجيلها المتكرر إلى تأخير بدء تنفيذ اتفاق غزة- أريحا الذي كان من المقرر المباشرة به في 13/12/1993، أي قبل ما يزيد على شهرين، وقد سبق توقيع اتفاق القاهرة مفاوضات مكثفة في طابا وباريس والقاهرة وواشنطن وأخيرًا في دافوس قبل توقيع الاتفاق برعاية مصرية في القاهرة.

ويشار إلى أن الخلاف بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي قد تركز خلال الأشهر الأربعة الماضية على القضايا الأمنية، وخاصة فيما يتعلق بالسيطرة على المعابر الحدودية، ومساحة منطقة أريحا، والترتيبات الأمنية حول المستوطنات والطرق في قطاع غزة، وللتعرف على حجم التنازلات الجديدة التي تبرع بتقديمها ياسر عرفات، الذي أصر- ورغم معارضته اللجنة التنفيذية للمنظمة- على ترؤس مفاوضات القاهرة، لا بد من استعراض مواقف كلا الطرفين من تلك القضايا الخلافية، ومقارنتها مع النتيجة النهائية التي تم الاتفاق عليها في القاهرة.

  1. المعابر الحدودية

ففيما يتعلق بالمعابر الحدودية بين منطقة الحكم الذاتي وكلا من الأردن ومصر، كان الإسرائيليون يصرون على ضرورة أن تكون السيطرة الأمنية كاملة في أيديهم لضمان عدم تسرب أشخاص غير مرغوب فيهم إلى الأراضي المحتلة، وحتى لا تستخدم هذه المعابر لتهريب أسلحة إلى الداخل، في حين كان المسؤولون الفلسطينيون يطالبون بأن تكون السيطرة على المعابر من حقهم، مع إمكانية القبول بإشراف فلسطيني- إسرائيلي مشترك، شرط أن تكون السيطرة الحقيقية في أيدي الفلسطينيين، ولكن بموجب اتفاق القاهرة الأخير سيكون للإسرائيليين السيطرة العليا والكاملة أمنيًّا على المعابر الحدودية، وستكون صاحبة الحق في تقرير من يسمح لهم بالدخول إلى الأراضي المحتلة سواء كانت تلك التي يطبق فيها الحكم الذاتي قطاع غزة وأريحا، أو التي ستبقى خاضعة خلال المرحلة الانتقالية للسيطرة الإسرائيلية، ولم يقدم الإسرائيليون مقابل ذلك سوى إجراءات رمزية كرفع العلم الفلسطيني على الجناح الفلسطيني في المركز الحدودي.

ووفق الاتفاق الأخير سيكون على كل معبر حدودي ثلاث نقاط عبور: الأولى تستخدم للفلسطينيين المقيمين في منطقة أريحا وقطاع غزة، والثانية تستخدم للفلسطينيين المقيمين في بقية مناطق الضفة الغربية، أما الثالثة فتستخدم للفلسطينيين المقيمين في بقية مناطق الضفة الغربية أو القطاع «أي الفلسطينيين من غير سكان الضفة والقطاع»، وستكون الكلمة الأخيرة فيمن يحق له الدخول على هذه المعابر للإسرائيليين، كما سيكون من حقهم تفتيش أي شخص على هذه النقاط الثلاث، والتحقيق معه إن لزم الأمر، وكذلك تفتيش أمتعته.

۲ - مساحة منطقة أريحا

بالنسبة المساحة أريحا طالب الفلسطينيون بالسيطرة على كامل منطقتها، والتي تزيد مساحتها على ٣٥٠ كم٢، فيما عرض الإسرائيليون في بداية الأمر على الفلسطينيين ٢٥ كم٢ ثم ٥٥ كم٢، ووفق اتفاق القاهرة فقد تم الاتفاق على أن تحدد مساحة أريحا وفق الخريطة المتفق عليها المرفقة لهذا الاتفاق، ورغم أن الاتفاق لم يشر بشكل واضح وبالأرقام إلى المساحة، فقد سربت الصحف الإسرائيلية أن المساحة التي تم الاتفاق عليها هي ٥٥ كم٢ كما عرضت إسرائيل سابقًا، وفي تأكيده لذلك أعرب رئيس الوفد الفلسطيني للمفاوضات حول تطبيق اتفاق غزة- أريحا نبيل شعث عن شكوكه في أن يتم الاتفاق على مساحة تزيد على ٥٥ كم، وفي محاولة لتسويق الاتفاق في هذه النقطة نص الاتفاق على أن يوضع مقام النبي موسى- عليه الصلاة والسلام- تحت الإشراف الفلسطيني للغايات الدينية، وأن يكون من حق الفلسطينيين زيارة منطقة المغطس على نهر الأردن تحت العلم الفلسطيني في ثلاثة احتفالات دينية في السنة، ومقابل ذلك توضع الشؤون الدينية في كنيس «شالوم آل إسرائيل» الموجود في مدينة أريحا تحت إشراف السلطات الإسرائيلية.

وإضافة إلى ما سبق وفي تنازل فلسطيني جديد سيتم تسيير دوريات عسكرية مشتركة «فلسطينية- إسرائيلية» في مدينة أريحا.

3- المستوطنات والطرق في قطاع غزة

وقد كانت إسرائيل تطالب بأن يشمل تواجد قواتها المناطق الزراعية والأمنية حول المستوطنات، وليس داخلها فقط، كما طالبت بأن تكون لها السيطرة على الطرق الرئيسية التي تربط بين المستوطنات، فيما كان المفاوضون الفلسطينيون يطالبون بأن يقتصر الوجود الإسرائيلي على المستوطنات، وأن ينفذ الجيش الإسرائيلي عملية انسحاب كاملة من قطاع غزة، وليس مجرد عملية إعادة انتشار في مناطق محددة حول المستوطنات، وقد جاء في اتفاق القاهرة تأكيد خضوع المستوطنات والمنشآت العسكرية على طول الحدود المصرية للسلطات الإسرائيلية، وكذلك المناطق الزراعية حول المستوطنات ستكون خاضعة لها من الناحية الأمنية، ولكن لم يتم الاتفاق حتى الآن على مساحة هذه المناطق، ونص الاتفاق كذلك على تسيير دوريات إسرائيلية منفصلة، وأخرى مشتركة مع الفلسطينيين على الطرق الرئيسية التي تربط بين المستوطنات الإسرائيلية.

تحقيق متطلبات إسرائيل

ومن خلال الاستعراض السابق للنقاط المختلف عليها نلاحظ أن وجهة النظر الإسرائيلية هي التي طبقت في غالبية تلك النقاط، ونجحت «إسرائيل» بالفعل في فرض جميع شروطها، وحصلت على كل ما تريد، وخاصة في الجانب الأمني، وقد صرح وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز- الذي وقع الاتفاق عن الجانب الإسرائيلي- بأن الاتفاق يلبي متطلبات «إسرائيل» مائة بالمائة، ويعطيها السيطرة المطلقة فيما يتعلق بالأمن، كما أكدت أجهزة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية- التي قالت أنها ناقشت بنود الاتفاق بندًا بندًا قبل توقيعه- بأن الاتفاق يحافظ على معظم مصالح إسرائيل، وبالأخص المصالح الأمنية، وقالت صحيفة دافار الإسرائيلية: إن اتفاق القاهرة أمن لإسرائيل سيطرة كاملة على المعابر، وفي معرض توضيحه للسياسة التي تعاملت بها الحكومة الإسرائيلية مع المفاوضين الفلسطينيين قال وزير البيئة الإسرائيلي يوسي سارید: «أعتقد أنه عند الحديث عن المسائل الأمنية فإن علينا أن نلوي أذرع شركائنا في الحوار.. على أن لا نكسرها؛ لأن هذه الحكومة مهتمة ببقاء عرفات قويًا.. أما إضعاف عرفات فسيكون خطأ يمكن أن تنعكس آثاره السلبية على هذه الحكومة».

أما على الجانب الفلسطيني فقد أثار الاتفاق ردود فعل متفاوتة، ولكنها في معظمها كانت معارضة للاتفاق، ولم تقتصر هذه المعارضة على القوى أو الفصائل التي لها موقف معارض منذ البداية، بل امتدت لتشمل أولئك المؤيدين لاتفاق غزة- أريحا، فقد أعلن ثلاثة من أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة رفضهم المشاركة في اجتماع دعا إليه عرفات مؤخرًا احتجاجًا على توقيع اتفاق القاهرة، وهؤلاء الأعضاء هم: ياسر عمرو، وجمال الصوراني، وسليمان النجاب، وأعلن حزب الشعب الفلسطيني المؤيد لاتفاق غزة- أريحا معارضته لاتفاق القاهرة، ودعا اللجنة التنفيذية للمنظمة إلى رفضه وعدم الموافقة عليه، وقال سليمان النجاب الرجل الثاني في الحزب: إن «عرفات لم يكلف بالتوقيع على أية اتفاقية»، كما صرح عضو المكتب السياسي للحزب تيسير العاروري بأن الاتفاق الأخير فاق أسوا التصورات التي كان يمكن للطرف الفلسطيني أن يوافق عليها، ووصف الاتفاق بأنه «أول الخطوات الفعلية على طريق الهاوية».

من جانبها انتقدت حركة حماس اتفاق القاهرة، ووصفته بأنه مذل، وقال السيد محمد نزال ممثل حركة المقاومة الإسلامية في الأردن لـ «المجتمع»: «إن اتفاق القاهرة مخز ومذل، وهو يكشف الوضع المزري الذي وصلته قيادة المنظمة التي أسقطت ورقة التوت، وتنازلت عن كل شيء»، وفي معرض تفسيره للتأجيل المتكرر للمفاوضات التي سبقت توقيع الاتفاق بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني قال نزال: «إن ذلك لم يكن أكثر من مناورة وعملية خداع من أجل ترويض الفلسطينيين لقبول التنازلات الجديدة، فعرفات كان يدرك منذ أن وقع اتفاق غزة- أريحا حجم التنازلات التي قدمها، ويخشى من مواجهة الفلسطينيين بها دفعة واحدة»، أما المهندس إبراهيم غوشة المتحدث الرسمي باسم حماس فقد صرح بأن الاتفاق يعكس الهيمنة الصهيونية الأمنية المتحكمة في كل صغيرة وكبيرة... وأضاف: «لقد رضخ الطرف الفلسطيني كليًا لشروط الطرف اليهودي».

وأنتقد جورج حبش الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اتفاق القاهرة، وقال: «إنه يعني مغادرة عرفات لمنظمة التحرير الفلسطينية، وانتقاله إلى معسكر الخصوم»، ورأت صحيفة تشرين السورية: «إن اتفاق القاهرة قد كرس سيطرة إسرائيل بشكل كامل».

ولا بد لنا من أن نشير ختامًا إلى أن اتفاق القاهرة قد عالج عددًا محدودًا فقط من النقاط الواردة في اتفاق غزة- أريحا، بينما تنتظر عشرات النقاط مفاوضات واتفاقات قادمة، ويلاحظ أن كل اتفاق جديد يأتي سقفه أدنى بكثير من سابقه، ويتضمن تنازلات جديدة كما حصل في اتفاق القاهرة الأخير، وهذا ما يطرح الكثير من التساؤلات حول حقيقة وجود اتفاقات غير معلنة بين عرفات وإسرائيل يجري الإفراج عن أسرارها بشكل تدريجي، كما يطرح تساؤلات في نفس الوقت حول حقيقة الدور الذي سيلعبه عرفات خلال المرحلة القادمة..

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل