العنوان استقالات أعضاء الوفد الفلسطيني مناورة سياسية أم صراع على السلطة؟
الكاتب عاطف الجولاني
تاريخ النشر الثلاثاء 24-أغسطس-1993
مشاهدات 11
نشر في العدد 1063
نشر في الصفحة 28
الثلاثاء 24-أغسطس-1993
اختلفت تحليلات المراقبين للأزمة التي نشأت عن تقديم ثلاثة من أعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض استقالاتهم من عضوية الوفد، والتي أشغلت الرأي العام الفلسطيني والعربي على مدار أسبوع كامل، وقد أحدثت تلك الأزمة بلبلة واسعة في الأوساط الفلسطينية، وأثارت ضجة كبيرة تشبه إلى حد كبير تلك التي نجمت قبل أشهر قليلة عن استقالة رئيس المجلس الوطني الفلسطيني عبد الحميد السائح احتجاجًا على المسار السياسي للمنظمة الفلسطينية.
ولكن على الرغم من الشبه الظاهري في حجم الأزمة التي أحدثتها كلا الاستقالتين فإن ثمة خلافات هامة وجوهرية بينها؛، حيث إن قليلًا من الشبهات قد أثيرت في حينه على حقيقة موقف السائح الذي بقي مصرًا رغم كل الضغوط التي مورست عليه على الاستقالة، في حين أن الكثير من الشبهات والشكوك وعلامات الاستفهام قد دارت حول حقيقة ومصداقية الاستقالات الأخيرة لأعضاء الوفد الفلسطيني الثلاثة، ولعل أهم الأسباب التي دفعت مختلف الأوساط المختلفة إلى طرح التساؤلات حول حقيقة الأزمة الأخيرة التي نشأت عن تلك الاستقالات هي أن اثنين من الأعضاء الثلاثة المستقيلين على الأقل هم من المعروفين باندفاعهما الشديد في تأييد المفاوضات الحالية، والحرص على استمرارها في ظل أية ظروف أو ملابسات تحيط بتلك العملية، ولم تكن هناك أية إشارات أو دلائل سابقة على أنهم يحتجون على الطريقة التي تدار بها المفاوضات، أو أنهم ينوون أو يفكرون في تقديم استقالاتهم.
وإضافة إلى ما سبق فإن الطريقة التي روج من خلالها لتلك الاستقالات ونهايتها الدرامية السريعة وغير المفاجئة قد أثارت الكثير من علامات الشك والريبة حول إمكانية أن تكون تلك الاستقالات مفتعلة ومتفق عليها مسبقًا.
فالأعضاء الثلاثة الذين قدموا استقالاتهم هم أنفسهم الذين سربوا الخبر إلى وكالات الأنباء، وسعوا إلى ترويجه على أوسع نطاق ممكن ثم ما لبثوا وبشكل غير مقنع أن عادوا لسحب استقالاتهم بشكل سريع ومدهش بمجرد التقائهم بياسر عرفات في تونس.
أما فيما يتعلق بالطريقة التي تعاملت بها قيادة المنظمة مع تلك الاستقالات فقد أثارت هي الأخرى العديد من التساؤلات، فقد نفى المسؤولون في منظمة التحرير في بداية الأمر الأنباء التي تحدثت عن تلك الاستقالات، وشككوا بوجود نية لدى أعضاء الوفد للاستقالة، وقالوا إنها محض إشاعات، فقد نفى الطبيب عبد الرحيم عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وجود استقالات، وقال إن الأخبار التي يتم تناقلها بهذا الخصوص لا أساس لها من الصحة، وأكد ذلك محمود عباس (أبو مازن) وبسام أبو شريف، ونبيل شعث المستشار السياسي لعرفات الذي قال إن قصة الاستقالة غير صحيحة، لكن وخلال يومين فقط عاد المسؤولون الفلسطينيون ليقروا بوجود تلك الاستقالات، ولتعلن المصادر الفلسطينية أن عرفات قرر إحالتها إلى اللجنة التنفيذية للبث فيها، واتخاذ القرار المناسب بشأنها، حيث أعلن فيما بعد أن اللجنة قررت رفض الاستقالات، ودعت الأعضاء الثلاثة إلى سحبها، كما قررت أيضًا ضم سبعة من أعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض، ومن ضمنهم الأعضاء الثلاثة إلى الهيئة القيادية العليا المشرفة على الوفد الفلسطيني.
الدكتور عبد العزيز الرنتيسي المتحدث باسم المبعدين الفلسطينيين شكك بصحة تلك الاستقالات وقال في تصريح خاص لمجلة المجتمع إن هذه الاستقالات عبارة عن مسرحية تهدف إلى إلهاء الشعب الفلسطيني عما يدور في الخفاء من حلول ستعصف بحقوقه في وطنه، وإلى إضفاء مزيد من الشرعية على الوفد المفاوض وإعطائه بعض المصداقية.
وأضاف أن هذه المسرحية تشكل خطرًا على قضية الشعب الفلسطيني، كذلك لم يستبعد ممثل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الأردن محمد نزال في تصريح المجتمع أن تكون تلك الاستقالات مجرد مناورة سياسية لتخفيف الضغط الجماهيري في الداخل عن الوفد المفاوض، وإظهاره بمظهر الحريص على عدم تقديم تنازلات، ولكنه قال إن ذلك لا ينفي إمكانية أن تكون تلك الاستقالات حقيقية في إطار التنافس على السلطة المستقبلية بين الداخل، ممثلًا بالوفد الفلسطيني وبين قيادة المنظمة وعلى رأسها عرفات.
وكان استطلاع للرأي أجرى خلال الأيام القليلة الماضية في الضفة والقطاع من قبل مركز القدس الفلسطيني للإعلام بالتعاون مع شبكة (سي إن إن) الأمريكية، وشبكتين تليفزيونيتين هولنديتين قد أظهر أن غالبية الشعب الفلسطيني هي ضد استمرار المفاوضات، وترى ضرورة انسحاب الوفد الفلسطيني منها.
وقد أثارت نتائج الاستطلاع في حينه حفيظة أعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض الذين بدءوا يدركون حجم الغضب الشعبي من مواقفهم، وبشكل خاص فيصل الحسيني، وحنان عشراوي، وفي إشارة إلى أجواء السخط الشعبي تلك قال فريح أبو مدين أحد قادة حركة فتح في قطاع غزة «أتحدى فيصل الحسيني الحضور إلى غزة» وهو ما دفع الحسيني ليصرح عقب صدور قرار اللجنة التنفيذية للمنظمة برفض الاستقالات بقوله «صدر قرار اللجنة التنفيذية برفض، وطلب منا الاستمرار في عملنا باعتبار أن ما قمنا به كان ضمن الخط الذي تعبر عنه منظمة التحرير الفلسطينية»، وهي إشارة واضحة إلى خوف الحسيني وبقية أعضاء الوفد من تزايد النقمة الشعبية على مسار المفاوضات، ورغبتهم في عدم تحمل التبعات والنتائج الناجمة عن فشل المفاوضات.
إضافة إلى ما سبق يعتقد بعض المحللين أن منظمة التحرير الفلسطينية أرادت من خلال افتعال مناورة الاستقالات المزعومة الضغط على الحكومة الإسرائيلية وإقناعها بضرورة قبول التفاوض المباشر مع منظمة التحرير، وإعطائها دورًا أكبر في الإشراف وإدارة العملية التفاوضية، خاصة وأن الاتصالات السرية التي أعلن عنها بين مسؤولين إسرائيليين وآخرين في منظمة التحرير ربما تكون قد شجعت قيادة المنظمة على مثل هذه المناورة، ويعزز وجهة النظر هذه ما ذكرناه سابقًا عن ضم سبعة من المفاوضين الفلسطينيين إلى الهيئة القيادية العليا المشرفة على المفاوضات، فقد صرح فيصل الحسيني فور صدور هذا القرار بأن المفاوضين الفلسطينيين «باتوا بوضوح ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية في مفاوضات السلام».
وربما تكون قيادة المنظمة قد أرادت من خلال هذا الإجراء كذلك تأكيدًا لأنها صاحبة القرار النهائي في المفاوضات، وإقناع الشارع الفلسطيني بأن الجانب الفلسطيني قد حقق إنجازًا هامًا من خلال كسر شرط إسرائيل السابق بضرورة أن لا يكون أعضاء الوفد الفلسطيني ممثلين لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي هذا السياق كتب يوسي أولرت السياسي والكاتب الصحفي الإسرائيلي في صحيفة (يديعوت احرونوت) الإسرائيلية «حظيت نوايا الاستقالة لدى رؤساء الوفد الفلسطيني بإشهار إعلامي يتناسب وكفاءة شلة الحسيني وعشراوي المسرحية، فثمة بالتأكيد بعد درامي مفتعل في التطور الأخير، فمن الواضح أن المنظمة قد حققت من ناحيتها هدفًا هامًا وهو أنها هي التي تقرر الأمور وهي التي تمسك الخيوطة».
كما صرح يوسي بيلين نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه: «إذا تبين أنه لا يوجد من نتحدث إليه من سكان الأراضي (المحتلة) هنا، فسوف يتعين علينا أن نعيد التفكير بكل جدية في الأمر بما في ذلك كسر محرمات تلاشت بالفعل على أي حال»، ويقصد بذلك التفاوض المباشر مع المنظمة.
غير أن الموقف الإسرائيلي الرسمي بهذا الشأن عبر عنه وزير الخارجية شمعون بيريز الذي قال: «إن إسرائيل لا تتحدث مع منظمة التحرير الفلسطينية، وأنها تجري مفاوضات مع وفد فلسطيني»، وأضاف: «إذا سافروا إلى تونس في الدرجة الأولى أو في الدرجة الثانية، وإذا أضفت عليهم تونس هذا الوصف أو ذاك فإن الأمر لا يهم بالنسبة لنا أنهم نفس أعضاء الوفد ونفس الأشخاص ونفس الإجراءات، واعتبر أن التعيينات التي أعلنت في مقر المنظمة بضم أعضاء الوفد الفلسطيني إلى اللجنة القيادية العليا التابعة للمنظمة «نوع من الحيل ولن تغير من طبيعة محادثات السلام».
ورغم ترجيحنا للاحتمال السابق بأن قصة الاستقالات ربما تكون مناورة سياسية يقصد منها تحقيق أكثر من هدف، إلا أن ذلك لا ينفي في الوقت نفسه احتمال أن تكون تلك الاستقالات مؤشرًا بالفعل على وجود خلاف وتنازع على الأدوار والصلاحيات بين الوفد الفلسطيني الذي يعتبر نفسه الأحق والأقدر على استلام سلطات أي حكم مقبل قد تسفر عنه المفاوضات، وبين قيادة المنظمة في تونس التي تعتبر المفاوضين الفلسطينيين مجرد موظفين قامت هي بتعيينهم، وتملك تغييرهم في أي وقت تريد.
وعلى كل الأحوال وأيًا كانت الأسباب الحقيقية وراء تلك الاستقالات التي نجحت بالفعل في التغطية على الحدث الأهم، وهو تقديم الورقة الفلسطينية حول الحكم الذاتي التي سلمها الوفد الفلسطيني إلى وزير الخارجية الأمريكي في جولته الأخيرة، وتضمنت تنازلات جديدة كبيرة من الجانب الفلسطيني فيما يتعلق بتجاوز قضية القدس، وتأجيل بحثها إلى المرحلة النهائية، وكذلك الولاية الجغرافية على الأراضي، فإن قيادة المنظمة تبدو عاقدة العزم على المضي قدمًا في طريق المفاوضات رغم كل صيحات الرفض والتحذير والمطالبات المستمرة بالخروج من نفق المفاوضات الذي أوصل القضية الفلسطينية إلى مأزق كبير، لقد أعرب (٤٢%) من الفلسطينيين في استطلاع الرأي الذي أشرنا إليه آنفًا عن تأييدهم للقوى الإسلامية وبخاصة حركة حماس، وقالوا إنها تملك البديل للخروج من المأزق الذي تمر به القضية الفلسطينية، فيما أعطى (82%) من الفلسطينيين المستطلعين في قطاع غزة تأييدهم للقوى الإسلامية، فهل يدرك عرفات أسباب وحقيقة هذه المؤشرات، أم يبقى مصرًا على المضي في الطريق المظلم؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل