العنوان استقالة رئيس وزراء إثيوبيا.. وتداعياتها على قومية «الأورومو» المسلمة
الكاتب محمد سرحان
تاريخ النشر الخميس 01-مارس-2018
مشاهدات 26
نشر في العدد 2117
نشر في الصفحة 44
الخميس 01-مارس-2018
الأزمة تطورت رفضاً لمخطط حكومي بتوسعة العاصمة أديس أبابا على حساب أراضي قومية «الأورومو» المسلمة
لشدة العاصفة اتبعت الحكومة سياسة تصالحية تضمنت الإفراج عن 6 آلاف معتقل سياسي وإغلاق بعض السجون
متوقع قبول البرلمان استقالة “ديسالين” وترشيح الائتلاف الحاكم شخصية جديدة تخلفه
صالح: الانقسام ازداد اتساعاً واتخذ أبعاداً إثنية وعرقية ومناطقية غير مسبوقة
الدابولي: ربما تلجأ واشنطن لـ”تديين” الأزمة لضمان عودة دول المنطقة إلى كنفها بعد تمدد الصين بالمنطقة
شبانة: انتقال السلطة لن يتسبب في حدوث انفراجة بالمسار التفاوضي بخصوص سد النهضة بل قد يتعقد أكثر
تطورات متلاحقة تشهدها الساحة السياسية في إثيوبيا، آخرها إعلان حالة الطوارئ في البلاد لثلاثة أشهر ثم تمديدها لستة أشهر، بعد يوم واحد من استقالة رئيس الوزراء والأمين العام للائتلاف الحاكم «هايلي مريام ديسالين»، منتصف فبراير الماضي، التي قد تكون انعكاساً لوصول الأزمة في هذا البلد متعدد الإثنيات إلى مستوى غير مسبوق، وهو ما يشير إلى أن الأيام القادمة قد تكون حبلى بتطورات جديدة يطول معها غياب الاستقرار.. فما دلالات الاستقالة؟ وهل هي حالة انحناء اضطرارية أمام العاصفة، أم مجرد عملية تدوير من داخل النظام يغير فيها جلده فقط لعبور الأزمة؟
في بيان استقالته، قال «ديسالين»: إنه اتخذ قراره بالتنحي على أمل أن يساعد في إنهاء سنوات الاضطرابات والقلاقل السياسية، وأن يكون من شأن هذه الاستقالة تنفيذ إصلاحات تؤدي إلى سلام وديمقراطية دائمين، مطالباً الإثيوبيين بالحفاظ على استمرار الديمقراطية والتمسك بالوحدة.
المكتب التنفيذي للحزب الحاكم، بدوره، عقد اجتماعاً، وأعلن قبول استقالة «ديسالين»، لكنه أعلن أنه سيبقى في منصبه رغم الاستقالة لتصريف أمور الحكومة، حتى قبول هذه الاستقالة من قبل البرلمان المكون من 547 نائباً أغلبهم من الائتلاف الحاكم.
جذور الأزمة
الأزمة في إثيوبيا خرجت للعلن في أواخر عام 2015 عندما خرجت مظاهرات في إقليم قومية «الأورومو» (أكبر القوميات وغالبيتها من المسلمين)، رفضاً لمخطط حكومي لتوسعة العاصمة أديس أبابا، كان يتضمن سحب مساحات من أراضيهم الزراعية –حوالي 120 كيلومتراً مربعاً- منهم وإدخالها في إطار الاستثمار، ضمن خطة تطوير وتوسعة العاصمة، الأمر الذي رآه الأورومو تقليصاً لنفوذهم الاقتصادي، ومحاولة من «التيجراي» لابتلاع مدنهم وبلداتهم لصالح جماعات عرقية أخرى، إلى جانب عوامل متعلقة بالهوية.
لاحقاً امتددت الاحتجاجات إلى مناطق نفوذ “الأمهرة” (ثاني أكبر القوميات)، شمالي البلاد، احتجاجاً ضد سياسات التهميش، وكذا نقل تبعية أراضٍ زراعية منهم بمحيط بلدة ولقايتي الأمهرية إلى ولاية التيجراي المجاورة، واتسعت رقعة الاحتجاجات التي اتخذت طابعاً إثنياً وموجهة ضد “التيجراي” (من 6 - 10% من السكان) المتنفذة في نظام الحكم، لكن الحكومة قابلت هذه الاحتجاجات بالقوة الغاشمة؛ سقط على إثرها المئات واعتقل الآلاف، وتم إخماد هذه الاحتجاجات، التي سرعان ما عادت مجدداً في عام 2016م، ما اضطر الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ في أكتوبر 2016م ولمدة 10 أشهر.
لكن لم تفلح كل الوسائل التي اتخذتها الحكومة في وأد هذه الاحتجاجات بما فيها حالة الطوارئ وحتى استخدام القوة، التي أدت لانتقادات لأديس أبابا باستخدام العنف وانتهاك حقوق الإنسان، ولشدة العاصفة اتبعت الحكومة سياسة تصالحية تضمنت الإفراج عن نحو 6 آلاف معتقل سياسي، وإغلاق بعض السجون وتحويلها إلى متاحف، إلا أن ذلك لم يفلح في إخماد الاحتجاجات.
أقلية تحكم الأغلبية
بالنظر إلى الواقع السياسي في إثيوبيا ومراحل الحكم فيها، قال محمد الدابولي، باحث في معهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، لـ»المجتمع»: النظام السياسي الإثيوبي يقوم على سيطرة الأقلية على الأغلبية، ففي عهد الإمبراطور «هيلاسلاسي» سيطرت جماعة الأمهرا التي تسكن أعالي هضبة الحبشة على كافة أرجاء إثيوبيا؛ أي كانت تتحكم في الجماعات الأخرى مثل التيجراي، والأورومو، وبعد سقوط حكم «هيلاسلاسي» في منتصف السبعينيات تولى الحكم نظام شيوعي بقيادة «منجستو»، زعيم الدرغ، وهو من الأمهرا، وكان شيوعياً عكس «هيلاسلاسي» الذي كان ينصّب نفسه ملكاً لمملكة مسيحية، ورغم أن «منجستو» كان شيوعياً فإنه استمر في دعم جماعته الأمهرا ضد الجماعات الأخرى خاصة التيجراي، والأورومو، واتبع سياسة الاستيلاء على الأراضي من قومية الأورومو لصالح الأمهرا.
لا شك أن هذه التطورات الحاصلة في إثيوبيا سيكون لها تداعيات على المستويين الداخلي والخارجي، فمن جانبه، توقع الباحث بالشأن الأفريقي عباس محمد صالح في تصريحات لـ”المجتمع”: أن تتعمق الأزمة بشكل أكبر داخل إثيوبيا؛ لأن الانقسام داخل البلاد ازداد اتساعاً، واتخذ في طوره الحالي أبعاداً إثنية أو عرقية ومناطقية غير مسبوقة باتت تهدد وحدة وتماسك البلاد على المدى البعيد، وتجري تعبئة كبيرة داخل البلاد للدفع بالحراك السياسي نحو غاياته، وهي إعادة هيكلة السلطة في البلاد بشكل جذري تقوم على أساس الأوزان الديموجرافية؛ وهو ما يجعل الأوضاع هناك على شفا الانزلاق لسيناريو “رواندا جديدة”، لا سيما في ظل مضي السلطة الحاكمة في اتجاه مغاير لمطالب الأورومو والأمهرا ومعهم مجموعات وقوميات صغيرة أخرى، تبدو أقرب للاصطفاف ضد أقلية التيجراي المتنفذة في حكم البلاد.
سيناريوهات محتملة
في ظل انحصار حوار الجبهة الحاكمة مع بعض القوى السياسية الموالية لها، مثل حزب المنظمة الديمقراطية لشعب الأورومو، المنفصل واقعياً عن شعب الأورومو، وانقطاع خطوط الاتصال مع المعارضة الحقيقية، خاصة حركة تحرير أورومو، بزعامة «أوميجتا شارو»، ومع التطورات المتلاحقة أصبحت إثيوبيا محط أنظار الكثيرين حول إلى أي من المآلات تتجه الأمور بهذا البلد لا سيما مع مكانة أديس أبابا في منطقة القرن الأفريقي.
في هذا الصدد، وفي تصريحات لـ”المجتمع”، توقع عبدالرحمن سهل، مدير مركز الصومال لتحليل الأزمات، أحد سيناريوهين؛ أولهما: مضي النظام بنفس الخط السابق في التعامل مع الأزمة، معتبراً أن إعلان حالة الطوارئ قد تكون مؤشراً على ذلك.
السيناريو الثاني: الاتجاه نحو ديمقراطية تعد شكلية بإعطاء منصب رئيس الوزراء لقومية الأورومو، وأضاف أن الائتلاف الحاكم ضحى بـ”ديسالين” من منصبه ككبش فداء حفاظاً على مكتسبات الائتلاف وتفادياً لانهياره.
من جانبه، توقع محمد الدابولي عدداً من السيناريوهات، منها: نجاح النظام في احتواء المعارضة في مناطق الأورومو عن طريق بعض التسكينات المؤقتة مثل تعيين رئيس للوزراء “مدجن” ينتمي للأورومو مع بعض الإصلاحات الشكلية والإفراج عن المعتقلين وهو ما تم بالفعل؛ وبالتالي تكون عملية الاحتواء هذه عملية تدوير للنظام وإطالة عمره.
يضيف الدابولي: هناك سيناريو آخر قد يبدو مستغرباً، وهو أن يتم “تديين” الأزمة؛ بمعني اعتبار أن ما يحدث حالياً هو اضطهاد للمسلمين في إثيوبيا؛ ما يعني فتح بوابة كبيرة لبعض التنظيمات والجماعات بالانتقال من الصومال إلى إثيوبيا وظهور ما يمكن تسميته بالجهاد الإثيوبي، وعن منطقية هذا الطرح، يرجعه الدابولي إلى أن المنطقة خاصة في القرن الأفريقي بدأت ترزح سياسياً نحو القطب الآسيوي الصيني، بمعني أن الصين استحوذت على العديد من العقود الاستثمارية هناك خاصة النفط؛ لذا من الممكن أن تلجأ واشنطن لمثل هذا الخيار من أجل ضمان العودة الكاملة لدول المنطقة إلى كنفها.
كما لم يستبعد الدابولي خلق أزمة داخل جماعة الأورومو ذاتها، عن طريق صنع نوع من الطبقية؛ أي أن تضطهد الجماعة ذاتها، وسيتم ذلك من خلال استقطاب بعض العناصر من الجماعة ومنحها بعض السلطات كرئاسة الوزراء، وبعض الامتيازات الاقتصادية؛ لتكوين جماعة داخل الأورومو تسيطر عليها اقتصادياً وترتبط بمصالح مصيرية مع النظام الحاكم؛ وبالتالي يتحول نضال الشعب الأوروموي من نضال لإعلاء هويتهم الإثنية والقومية إلى نضال للحصول على بعض المكتسبات الاقتصادية، خاصة أن بعض الأورومو موالون للنظام الحاكم.
الملفات الخارجية
أما عن عملية انتقال السلطة أو عملية تغيير جلد النظام إن نجحت، وتداعياتها على المصالح الوطنية والملفات الخارجية وأبرزها ملف سد النهضة، فيرى د. أيمن شبانة، أستاذ العلوم السياسية بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، في تصريحات لـ»المجتمع»، أن الثوابت المرتبطة بالمصالح الوطنية الإثيوبية ستكون المحدد الحاكم لسياسات السلطة الجديدة إزاء أزمة سد النهضة، واستبعد أن يسهم انتقال السلطة بإثيوبيا بحدوث انفراجة في المسار التفاوضي، بل إن العكس هو الصحيح في الغالب.
وتوقع شبانة أن السلطة الجديدة لا سيما في وجود اليد الطولى لـحركة تحرير شعب التيجراي خاصة لو تم اختيار زعيمها “ديبرتسون جبرميتشل”، وهو ينتمي إلى نفس مدرسة “زيناوي”، ستقود الأمور نحو التصعيد مع مصر في مفاوضات سد النهضة، وفقاً لنظرية “الهروب إلى الأمام” التي تقوم على حشد التأييد الشعبي في الداخل من خلال افتعال وتصعيد الأزمات الخارجية.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل