العنوان استقلال الجزائر وخلق الوفاء للإسلام
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 04-يوليو-1972
مشاهدات 19
نشر في العدد 107
نشر في الصفحة 3
الثلاثاء 04-يوليو-1972
استقلال الجزائر وخلق الوفاء للإسلام
في معسكر للتدريب ناء.. رفع أحد الجنود أذان المغرب.. ووقف أفراد الكتيبة في الصف للصلاة.
وكان أحد الجزائريين الذين تلقوا بعض تعليمهم في إحدى البلاد العربية قد انضم منذ لحظات للكتيبة. ولم يتردد قائد الكتيبة في أن يقدم هذا القادم الجديد ليؤم الجنود في الصلاة، بتقدير أن هذا الرجل أكثر الحاضرين فقهًا وحفظًا للقرآن لحداثة عهده بالبلاد العربية التي يدرس فيها الإسلام.
وإذا بالمفاجأة تحبس ألسنة الجميع. فقد اعتذر الرجل ليس عن الإمامة، بل عن الصلاة ذاتها؟ تقدم قائد الكتيبة وصلى بجنوده، وبعد أن فرغ من الصلاة، أجرى تحقيقًا عاجلاً مع هذا الذي جاء ليقاتل الفرنسيين وهو تارك الصلاة!
ـ قائد الكتيبة: لماذا امتنعت عن الصلاة؟
- تارك الصلاة: لأنني لم أصل من قبل قط.
- قائد الكتيبة: ألا تعلم أن أول شرط في الانضمام لكتيبتنا هو: إقامة الصلاة؟
- لا.. لم أعلم!
وأنهى قائد الكتيبة التحقيق السريع، وكلف بعض جنوده بترحيل تارك الصلاة عن المعسكر، وأرسل برقية عاجلة للقيادة العامة تقول: «لا ترسلوا لنا الفرنسيين الذين يحملون أسماء إسلامية».
هذا الموقف يوضح طبيعة الثورة الجزائرية.. ومنطلقاتها.. وسلوكها الإسلامي.
وموقف الطرف المضـاد ـالاستعمار الفرنسي- يوضح كذلك طبيعة الثورة الجزائرية.. وروحها الإسلامي.
فالاستعمار الفرنسي كانت بلاغاته عن العمليات العسكرية تتحدث عن الشهداء بصبغتهم الإسلامية فكانت تقول: قتلنا من «المسلمين» كذا.. وكذا.
وكان هذا الاستعمار يستصرخ العالم المسيحي ليقف بجانبه لإخماد «ثورة إسلامية رهيبة في الجزائر!!»
وكان عدوانه المتعمد على المساجد، وتحويلها إلى كنائس، وإحراقه لزوايا تحفيظ القرآن، ومحاولاته المستمرة لقتل اللغة العربية وطمس أصالة الأسرة المسلمة، كل ذلك كان موجهًا ضد الإسلام مباشرة... والاستعمار دومًا لا يخاف ولا يقيم وزنًا للتدين السلبي.. وإنما يخاف أبدًا حين يتحول الإسلام في صدور الرجال ومشاعرهـم وأفكارهم إلى حركة إيجابية حية تناجز الظلم والطغيان وتعلم الناس العزة والحرية والشموخ.
وفي هذا الأسبوع تحتفل الجزائر الشقيقة بمرور عشر سنوات على استقلالها. واستقلال الجزائر ليس حدثًا عاديًا ولا مهرجانًا مزدانًا بالأضواء التي يضيع في لمعانها المضمون العميق.
استقلال الجزائر «مواقف» عظيمة ذات أبعاد تاريخية وفدائية، وإسلامية لها دلالتها في مسيرة أمتنا.
ـ فالموقف التاريخي تمثل في طرد الاستعمار الفرنسي من الجزائر بعد احتلال دام 130 عامًا تقريبًا.
والمعنى العميق في هذا الموقف أن الحق -مهما طال الزمن- لا يتحول إلى شيء بال في متحف القدم، قد يقهر شعبًا على ترك حقه، لكن ليس معنى ذلك أن الذي أخذ بالقهر قد تحول إلى حق، وأن الشعب المقهور قد فقد حقه إلى الأبد.
إن شعب الجزائر غلب على أمره 130 عامًا، ولكن ما أن عزم هذا الشعب على الظفر بحقوقه المسلوبة، وما أن تجمعت بعض الظروف والأحداث المناسبة، حتى أصبح الحق في نفوس أصحابه غضًا كأن عهده بالوجود اللحظة، وحتى عادت الجزائر إلى أبنائها، أصبح الاستعمار الفرنسي في ذمة التاريخ.
والموقف الفدائي يتمثل في التضحيات الهائلة التي قدمها شعب الجزائر في معاركه مع الاستعمار الفرنسي. إن مليونًا من الشهداء يفوق تعداد دولة بكاملها من الدول قليلة العدد. إنه رقم لو خرج في مظاهرة عادية لأصبح ظاهرة تاريخية يتحدث عنها الناس والكتب، فما بال إذا خرج هذا العدد طلبًا للشهادة في سبيل الله، خرج في موكب عظيم متجهًا نحو الجنة؟
والتضحية في طلب المعالي تهون، عند من يدرك المعالي ويريد أن يحيا عزيزًا كريمًا.
شعب الجزائر كان يستطيع أن يحافظ على مليون نفس ليضيف إلى عدده الحالي مليونًا آخر من الناس. وفي هذه الحال، سيعيش الجميع عيش الذل والمهانة، وليست هذه سيرة الأحرار الذين يرون في المهانة موتًا حقيقيًا.
والموقف الإسلامي يتمثل في اعتماد الثورة الجزائرية على العقيدة الإسلامية في الكفاح الطويل المرير. إن ثورة الجزائر قامت على أكتاف أهل الريف، وهم القوم الذين عكف علماء الجزائر وشيوخها على تعليمهم القرآن والعبادات الإسلامية في المغارات والكهوف.
من هناك انفجرت الثورة.. انفجرت والمصحف الشريف في أيدي الثوار يتلونه آيات بينات.. ويتمثلونه عملاً وسلوكًا.. ويفتدونه جهادًا وتضحية.. واستشهادًا
ليس الملاحدة.. ولا السكارى.. ولا المتفرنسين.. ليس أحدًا من هؤلاء فجر الثورة.. وقادها.. إنما الذي فجر الثورة ورواها بدمه.. وغذاها بأعصابه وعمره هم الركع السجود
﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ﴾ (البقرة: 177)
· ومن الوفاء للإسلام أن تمكِّن الجزائر هذا الدين في أرضها كما مكَّنها هو في أرضها... وأبقى على شخصيتها وأصالتها.
لقد كان الاستعمار يحاول مسخ شخصية الجزائر بتجريدها من إسلامها وعروبتها.. وجاهدت الأمة حتى أحبطت محاولات الاستعمار.. ومن الوفاء للإسلام اليوم أن يُرد إليه اعتباره في الجزائر ويجد مكانته اللائقة في التشريع والتربية والتوجيه الاجتماعي.. وأن تخرج الجزائر بهذا الدين مُبْشِرة داعية إلى مثله وقيمه وحقائقه في العالم.
فذلك خلق الوفاء.. ومنطق المصلحة.. والضمانة التي تحمي الجزائر من المسخ والتشويه الداخلي في المستقبل. يا أبناء الجزائر.. لقد جحد رجال.. وجحدت أوطان حق الإسلام.. فلا تقلدوا الجاحدين.. وكونوا أوفياء لدينكم وأماناتكم.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
تجديد الغزو الفرنسي للشرق الإسلامي من خلال المطبعة والمدفع
نشر في العدد 2148
27
الخميس 01-أكتوبر-2020
اللغة.. الباب الواسع الذي استهدفت منه فرنسا الهوية العربية
نشر في العدد 2148
41
الخميس 01-أكتوبر-2020