العنوان تركيا - اضطرابات سياسية... ونزاعات عرقية!!
الكاتب عمر ديوب
تاريخ النشر الثلاثاء 08-ديسمبر-1992
مشاهدات 21
نشر في العدد 1028
نشر في الصفحة 40
الثلاثاء 08-ديسمبر-1992
يمكن تشبيه الوضع في تركيا بحالة تلك السيدة الكردية، التي هي أم لضابط تركي متقاعد من القوة الجوية التركية ومتزوج بامرأة كردية من القوقاز حيث يقول الابن "إن والدتي تحرضني دائمًا على الإرهاب وتقول لي: إنك طيار جيد فإذا ما احتدم أي قتال فما عليك إلا أن تحلق بطائرة حربية فوق رؤوس من يقتلون الأكراد وتطلق النار عليهم." فسألتها مستنكرًا: ياأماه أتدرين ما تطلبينه مني؟! بالطبع فإن هذه الأم لا تدري ما تطلبه بل شأنها شأن تركيا التي لا تدري هي الأخرى ماذا تريد.
فبعد مرور حوالي سبعة عقود من الزمان على قيامها من تحت أنقاض الإمبراطورية العثمانية ما انفكت تركيا تطلب الكثير من نفسها ولقد بلغ السيل الزبى عندما انفجرت أزمة هوية كانت في الغليان منذ نشأة هذه الجمهورية، وقد تزامنت الاضطرابات في تركيا مع وقوع الدول المجاورة لها أيضًا في أزمات خانقة نتيجة صراعات عرقية وانهيار الشيوعية في البلقان والجمهوريات السوفياتية سابقًا في أسياالوسطى.
إن دولة تركيا قامت على أسس مذهب أتاتورك الداعي إلى الخلطما بين الديمقراطية على النمط الغربي والاشتراكية والديكتاتورية، بالطبع فقد صمد هذا النظام أمام صدمات سياسية واقتصادية متكررة لكنه أخذ يركع أمام الاضطرابات السياسية التي تشهدها العاصمة أنقرة – حاليًّا – إلى جانب النزاع القائم بين الأتراك والأكراد في جنوب البلاد وإن الوضع المتفجر في تركيا ينبئ بنشوب حرب أهلية وشيكة.
إن اندلاع حرب كهذه من شأنها أن تكون لها أصداء خارج الحدود التركية ذلك أنه منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها مازالت تركيا نقطة اتصال بين أوروبا من جانب والشرق الأوسط والقوقاز.. تلك المنطقتان اللتان دمرتهما الحروب وتحكمها أنظمة مستبدة مناوئة للغرب من جانب آخر، ولا شك أن تركيا قد استفادت إبان الحرب العالمية الثانية من مشروع مارشال الخاص بالمساعدات وانضمت أيضًاإلى الحلف الشمالي الأطلسي «الناتو»، في الخمسينيات وقدمت أيضًا قواعد جوية وأنواع دعم أخرى أثناء حرب الخليج. إن نهايةالحرب الباردة قد قللت بطريقة أو بأخرى أهمية تركيا الاستراتيجية ولكن نظرًا لكونها مجاورة لكل من العراق وإيران وسوريا ومطلة علىأهم الموارد المائية في المنطقة فإن أهميتها السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط قد زادت بالفعل وخاصة إبان الحرب الباردة.
إن تركيا هي أقرب إلى جمهوريات أسيا الوسطى جغرافيًا وروحيًا أكثر من أوروبا، وإن علاقاتها مع شعوبها الناطقة باللغة التركية والحكومات الجديدة فيها من شأنها أن تساعد في معرفة عما إذا كانت ستختار هذه المناطق التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي سابقًا ما بين الديمقراطية العلمانية الغربية والأصولية الإسلامية لكي تصبح القوة السائدة في هذه المناطق المكتظة بالسكان والتي يعوزها الاستقرار.
إن نشوب حالة فوضي في تركيا من شأنه أن يتسبب في حدوث سلسلة من نزاعات عرقية لتشمل على نطاق واسع كل المناطق الممتدة من البلقان إلى القوقاز. وفي الوقت الذي تشهد فيه ما كان يعرف سابقًا بيوغسلافيا قتالًا داميًا بين المسلمين والمسيحيين، وتشهد فيهأيضًا كل من فرنسا وألمانيا تنامي مشاعر العداء ضد العرب هناك- فإن نشوب أي حرب أهلية في تركيا التي تجمع بين الإسلام والديمقراطية الغربية قد يكون بمثابة انطلاقة شرارة صراع عقائدي بين الشعوب الإسلامية والمسيحية.
وقد واجهت تركيا موجات اضطرابات بدءًا من ثورة الأكراد التي وقعت في عام ۱۹۲٥ إلى الوقت الراهن وطوال الفترة ما بين ١٩٦٠-۱۹۸۰ وقعت انقلابات عسكرية كل عشر سنين بحجة حماية البلد من الفساد وأعمال العنف وإذا لم يحدث انقلاب خلال العقد الأخير فإنه تم عزل رئيس الوزراء سليمان ديميريل مرتين من منصبه.
وقد لاحت في الأفق بارقة أمل عندما تم إعادة انتخاب السيد ديميريل في السنة الماضية ووعدت حكومته باتباع برنامج يتم تنفيذه، في فترة لا تتجاوز ٥٠٠ يوم لإخراج البلد من مشاكلها الاقتصادية، وتعهدت أيضًا بوضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان وإيجاد تسوية للمشكلة الكردية غير أن هذا البرنامج قد راح ضحية الانقسامات الشديدة تحت قبة البرلمان.. وهكذا فقد وصلت نسبة التضخم إلى ٧٠٪ وتوقف النمو الاقتصادي تقريبًا لغرق الشركات الحكومية التي لم تتم "خصخصتها" في الفساد، فضلًا عن المنافسة الحامية بين الرئيس تورغوت أوزال ورئيس الوزراء سليمان ديميريل، ومن المتوقع أن تعقد انتخابات مبكرة خلال العام القادم مما سيتسبب حتمًا في عرقلة عجلة النمو الاقتصادي.
وفي الوقت الذي اشتدت فيه أعمال العنف بين الأكراد والأتراك فإن هناك شائعات تفيد بوقوع انقلاب وأن صغار الضباط أخذوا يبدون استياءهم إزاء الفساد السياسي والاقتصادي وتلقي تعليمات بشأن الأكراد من حكومة مدنية، غير أن من الملاحظ أن الجيش قد اكتسب نفوذًا أكبر ويقوم بنشاطات أوسع في الجزء الجنوبي الشرقي من البلاد مما يتنافى مع الوعد الذي قد قطعه ديميريل على نفسه بشأن التوصل إلى حل سلمي في النزاع الكردي.
وإذا حقق الجيش مؤخرًا بعض الانتصارات في محاربته الانفصاليين المنتمين إلى حزب العمال الكردي فقد أدى التحالف بينه وبين الأتراك في شمال العراق إلى طرد أعضاء الحزب من قواعدهم في شمال العراق حيث كانوا ينطلقون للقيام بعمليات عسكرية ضد تركيا وسوريا وإيران. غير أن هذه الانتصارات كانت باهظة الثمن لما انطوت عليها من انتهاكات لحقوق الإنسان بما فيها إعدام المدنيين وقتل الصحافيين وانضمام الأكراد في الجزء الجنوبي الشرقي إلى صفوف الانفصاليين.
إن البوادر تشير إلى أن الحكومة تسعى نحو الفصل بين الأتراك والأكراد وأن ذلك كما أسلفنا سوف يجر البلد إلى حروب أهلية تشمل كل المناطق المجاورة. وختامًا نطرح ذاك السؤال: ماذا تريد تركيا من نفسها؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلبنسبة مشاركة 84% وتصويت 52.1% لصالحه.. الشعب التركي يجدد الثقة بالرئيس «أردوغان»
نشر في العدد 2180
28
الخميس 01-يونيو-2023
الحــرب الأوكرانيـــــة اختبــــار صعـــب للعلاقـــــات التركيــــة الروسيـــة
نشر في العدد 2183
28
الجمعة 01-سبتمبر-2023