; اقتصاد الأسرة المسلمة في رمضان | مجلة المجتمع

العنوان اقتصاد الأسرة المسلمة في رمضان

الكاتب د. أشرف دوابه

تاريخ النشر الخميس 01-يونيو-2017

مشاهدات 18

نشر في العدد 2108

نشر في الصفحة 24

الخميس 01-يونيو-2017

رمضان فرصة سنوية وشحنة إيمانية للسمو بالروح وتنظيم الاقتصاد الأسري طوال العام

وظيفة الإدارة المالية للأسرة يترتب عليها التخطيط لمصادر الإيرادات خلال فترة زمنية قادمة

على ربة البيت الاعتماد على نفسها في صنع ما يحتاجونه من مأكولات وحلويات ومشروبات

نسبة الاستهلاك في رمضان ينبغي أن تنخفض بمقدار الثلث باعتبار تخفيض عدد الوجبات

تستقبل الأسر المسلمة شهر رمضان - شهر البركة والخيرات - بالاستعداد له بكل ما لذّ وطاب من المأكولات، ورغم ما يمثله هذا الشهر الكريم من فرصة للسمو بالروح، فإن هناك من الأسر من يقدم شهوات الجسد من طعام وشراب على مكانة الروح، فبات عن العبادة مثقلاً، وللروحانيات فاقداً، وللإفراط الاستهلاكي تابعاً.

إن رمضان فرصة سنوية وشحنة إيمانية للسمو بالروح وتنظيم الاقتصاد الأسري ليس في شهر رمضان فحسب بل في شهور العام أجمع، خاصة ونحن نرى العديد من المشكلات الاقتصادية التي تضرب الأسر في مقتل، بل وتؤدي إلى انفصام عراها.

إن الواقع – للأسف الشديد - يكشف عن أن معظم الأسر المسلمة لا تهتم بالتخطيط لميزانيتها، سواء بشكل يومي أو شهري أو حتى سنوي، عكس الأسر الأوروبية التي تحرص على وضع ميزانية لنفقاتها الأسبوعية والشهرية لا تتجاوزها مهما كانت الظروف، هذا في الوقت الذي يحث ديننا على التخطيط، ويأمرنا بتطبيقه على أرض الواقع، ففي الحديث: “اعقلها وتوكل” (رواه ابن حبان).

التخطيط لمصادر الإيرادات

إن رمضان فرصة للأسرة المسلمة لإقرار إدارة مالية لميزانيتها باعتبار المال هو عصب الحياة، وبه تكون النفقة واستمرارية الحياة، ووظيفة الإدارة المالية للأسرة المسلمة يترتب عليها التخطيط لمصادر الإيرادات المتوقعة خلال فترة زمنية قادمة، كما أنها تتناول من ناحية أخرى تحديد أوجه الإنفاق لهذه الإيرادات وفقاً لما هو محدد لها، فهي لا تقوم فقط بدور البحث عن المال وإنفاقه فقط، وإنما تعمل أيضاً على تحديد الأوجه اللازمة للإنفاق من حيث أهميتها والأولوية التي يجب أن تحتلها بين مصادر الإنفاق الأخرى.

إنه مع ارتفاع أسقف الاستهلاك، وكذلك اشتعال الأسعار - لا سيما قبل وأثناء رمضان - أصبحت العديد من الأسر المسلمة تعاني عجزاً مزمناً في الميزانية، يشتد أثره مع الإسراف في رمضان وعدم مراعاة القاعدة القرآنية الحاكمة للاستهلاك: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ) (الأعراف: 31) .

إن رمضان فرصة للأسرة المسلمة، وبصفة خاصة الزوجة، لتطبيق تلك القاعدة على أرض الواقع، بأن تكون ذات سلوك شرائي عقلاني لا عاطفي، فتحدد أولوياتها للشراء، وتدوّن ذلك قبل خروجها للشراء، حتى تشتري ما تحتاجه، ولا تشتري سلعاً لم تكن في ذهنها يوم أن خرجت للشراء، مع تحديدها وقتاً في الأسبوع للشراء حتى لا يضيع المصروف في جزيئات ومشتريات ليست في حاجة إليها، مع مراعاة أن تأخذ من مصروف البيت بقدر احتياجاتها للشراء.

ويمكن للأسرة المسلمة ترشيد استهلاكها في الأغذية من خلال تجنب الإنفاق على الأطعمة السريعة، وكذلك تجنب تناول الوجبات خارج البيت، وشراء السلع الغذائية بصورة أكبر من اللازم؛ مما يؤدي إلى فسادها وعدم الاستفادة منها، مع أهمية معرفة الأسرة للسلع الغذائية من حيث جودتها وسعرها، ومعرفة بدائل السلع الأساسية، حتى يمكن الاستعانة بها عند اختفاء سلعة أو ارتفاع ثمنها، واختيار البضاعة المناسبة لدخل الأسرة، والموجودة في أسواق الجملة القريبة من المسكن، ومراعاة التوقيت المناسب لشراء السلع.

ولتعتمد ربة البيت على يديها في صنع ما يحتاجه بيتها من مأكولات وحلويات ومشروبات، وكذلك عدم طبخ كميات كبيرة من الطعام تزيد عن الحاجة، وتجنب الإكثار من الأصناف المطهوة في الوجبة الواحدة، والاستفادة من بواقي الأطعمة، بدلاً من التخلص منها، مع وضع الطعام قدر الحاجة عند إعداد المائدة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يوجهنا أن «طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية» (رواه مسلم)، وأن اللقمة نعمة يجب المحافظة عليها وصيانتها، ففي الحديث: «إذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى، ثم ليأكلها، ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ فليلعق أصابعه، فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة» (رواه مسلم).                    

رمضان شهر الاقتصاد

إن المنطق الرياضي يشير إلى أن رمضان شهر الاقتصاد؛ فنسبة الاستهلاك في شهر رمضان ينبغي أن تنخفض بمقدار الثلث، باعتبار تخفيض عدد الوجبات من ثلاث وجبات في الأيام العادية إلى وجبتين في ذلك الشهر الكريم.

إن رمضان محاولة لصياغة ميزانية رشيدة للأسرة، وعملية تدريب مكثّف تستغرق شهراً واحداً تفهم الأسرة أن بإمكانها أن تعيش بإلغاء بعض المفردات الاستهلاكية من حياتها اليومية ولساعات طويلة كل يوم، وذات يوم أوقف عمر بن الخطاب ابنه عبدالله - رضي الله عنهما - وسأله: إلى أين أنت ذاهب؟! فقال عبد الله: للسوق، وبرر ذلك بقوله: لأشتري لحماً اشتهيته، فقال له الفاروق: أكلما اشتهيت شيئاً اشتريته؟!

مأثورات اقتصادية

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم ويباهي بكم ملائكته؛ فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله» (رواه الطبراني).

مفاهيم اقتصادية

الاستهلاك

ينظر للاستهلاك على أنه ما ينفقه المستهلك على السلع والخدمات سعياً لتحقيق منفعة أو إشباع الحاجات، وتمثل السلع والخدمات الاستهلاكية السلع التي تفنى أو تستهلك حينما يحصل المستهلك على منفعته أو إشباعه منها بطريقة مباشرة، ويمكن تقسيم تلك السلع من حيث عمرها الذي تمكثه في حيازة المستهلك إلى نوعين؛ أولهما: سلع فانية (غير معمرة) حيث لا تعمر إلا لدقائق معدودة، وثانيهما: سلع معمرة، حيث تعمر لسنوات.

وتفترض النظرية الاقتصادية الغربية أن المستهلك يسلك سلوكاً رشيداً على وجه العموم، بمعنى أنه سوف يحاول دائماً في حدود الدخل المخصص للاستهلاك والأثمان السائدة أن يتخير مجموعة السلع والخدمات الاستهلاكية التي تحقق له أقصى إشباع ممكن، ولا يعني هذا عدم وجود المستهلك غير الرشيد الذي يتصرف على عكس النمط المذكور، ويرتبط الاستهلاك ارتباطاً وثيقاً بالدخل القومي، حيث يمثل أحد مكوناته، وهو منافس للادخار، كما أنه أحد مؤشرات الرفاهية في المجتمع.

ولا يمكن تصور مجتمع بدون استهلاك، فالاستهلاك هو العملية الحيوية التي قامت عليها الدورات الاقتصادية المنعشة للأمم، كما أنه السبب الأساسي في التطور الحضاري منذ أقدم العصور، وبسببه قامت الثورات الاجتماعية والحروب الدولية، ولعل الحصار الاقتصادي والمقاطعة خير دليل على إمكانيات السلعة في التأثير، فالاستهلاك ليس كله شراً أو عملية ذميمة كما يصورها البعض، ومن الظلم أن يتم وصف أي شيء مبتذل على أنه استهلاكي،  فالرشادة فيه خير وعملية مفيدة للفرد والمجتمع، والإسراف فيه شر وعملية مضرة بالمجتمع، وما عال من اقتصد.

وإذا كانت النظم الاقتصادية الوضعية جعلت الإشباع المادي هو غاية المستهلك دون اعتبار للقيم، فإن النظام الاقتصادي الإسلامي يجمع بين الإشباع المادي والروحي بصورة متوازنة في دائرة الحلال، فهو ينظر للاستهلاك على أنه عمليات الإشباع المتوالية للحاجات الإنسانية بالطيبات، ولما كانت الحاجة في المنهج الاقتصادي الإسلامي هي الافتقار إلى شيء من مقومات الحياة الضرورية أو الحاجية أو التحسينية المعتبرة شرعاً، فإن الاستهلاك يعد وفق هذا المفهوم الشرط المادي لاستمرار الوجود الإنساني، وبه قوام الطاقات الروحية والعقلية والجسدية ودوامها، ومن ثم فإنه  فرض واجب بقدر ما يشبع حاجات الإنسان ويحقق مقاصد الشريعة الإسلامية من حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال.

الرابط المختصر :