العنوان الأحكام الشرعية ومنافاتها للقوانين الوضعية
الكاتب الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود
تاريخ النشر الأربعاء 15-يونيو-1977
مشاهدات 12
نشر في العدد 354
نشر في الصفحة 43
الأربعاء 15-يونيو-1977
الحمد لله الذي وفق من أراد هدايته للإسلام فانقادت للعمل به الجوارح والأركان وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة من قال ربي الله ثم استقام. وأشهد أن محمدًا نبيه ورسوله سيد الأنام.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه البررة الكرام وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد،
فإن الله سبحانه أنزل كتابه المبين وبعث رسوله محمدًا الصادق الأمين رحمة للعالمين وهدى للناس أجمعين.. فجاء بدين كامل وشرع شامل صالح لكل زمان ومكان قد نظم حياة الناس أحسن نظام بالحكمة والمصلحة والعدل والإحسان فلو أن الناس آمنوا بتعاليمه وانقادوا لحكمه وتنظيمه ووقفوا عند حدوده ومراسيمه لصاروا به سعداء وقد سماه الله شفاء لعلاج عللهم وإصلاح مجتمعهم فقال سبحانه.. ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ (فصلت: 44).
كما سماه رحمة للعالمين أي للخلق أجمعين فقال سبحانه ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107) كما أنه دين الخلق أجمعين فقال سبحانه ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ (سبأ: 28) ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ (الأعراف: 158) وكتب سبحانه الرحمة والفلاح الذي هو الفوز والنجاح بخير الدنيا والآخرة لمن تمسك بهديه وحكم بشريعته فقال سبحانه ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ (الأعراف: 156-157).
﴿فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الأعراف: 157).
فبما أن محمدًا رسول الله وخاتم المرسلين فكذلك شريعته هي خاتمة الشرائع فلا يجوز لأحد أن يحكم أو يتحاكم إلى غير شريعته ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في يد عمر قطعة من التوراة قال له: «يا عمر لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ولو كان أخي موسى حيًّا ما وسعه إلا اتباعي».
كما قيل من أن عيسى عليه الصلاة والسلام متى نزل في آخر الزمان فإنه يحكم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام وهو معدود من أمته.
وقد نصب سبحانه شريعة الإسلام لجميع الناس في الدنيا بمثابة الحكم القسط تقطع عن الناس النزاع وتعيد خلافهم إلى مواقع الإجماع وهو القرآن والسنة. يقول الله سبحانه ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ (النساء: 59).
وقد اتفق العلماء على أن الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته. فهما ميزان القسط التي توزن بهما الأقوال والأعمال. ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ (الأحزاب: 36)، ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (النور: 51).
إن لسلفنا الصالح من الصحابة والتابعين وسائر علماء المسلمين الفخر العميم والفضل العظيم حيث بنوا للناس مجدًا شامخًا من فقه دين الشريعة الإسلامية المستنبط من نصوص الكتاب والسنة وما تشتمل عليه من العقائد والقواعد والأحكام وأمور الحلال والحرام قد بذلوا في تصحيحها وتمحيصها غاية جهدهم ونهاية وسعهم على حسب المناسبات فاستنبطوا الأحكام وبينوا للناس الحلال والحرام وكشفوا عن قلوبهم سجوف البدع والضلال والأوهام.
وقد قام بوضعها وأسس نظمها عدول أعلام وجهابذة علماء الإسلام فأفنوا أعمارهم في سبيل الحفاظ على فقه هذا الدين وعلى صيانة هذا الكنز الثمين وعلى تهذيبه وترتيبه وتبويبه بحيث يدخل على كل قضية من بابها ويقف على حقيقة العلم بها من وسائلها وأسبابها فانتفع الناس بعلمهم وحمدوا عاقبة أمرهم وذلك من لدن عصر نزول القرآن إلى هذا الزمان وما سيقع بعد أزمان، فلا تقع مشكلة ذات أهمية من مشكلات العصر إلا وفي الشريعة الإسلامية طريق حلها وبيان الهدى من الضلال فيها. كما أنه لا يأتي صاحب باطل بحجة باطلة إلا وفي الشريعة الإسلامية ما يدحضها ويبين بطلانها.
ولقد مر على هذه الأنظمة الشرعية أكثر من ثلاثة عشر قرنًا وكل علماء المذاهب الأربعة متفقة على العمل بأصول عقائدها وقواعدها وفرائضها وفضائلها وحدودها وحلالها وحرامها وليس فيها مادة واحدة يمكن حذفها ولا موضع واحد يحتاج إلى تعديل أو تبديل أو تغييره بغيره أو إزالة شيء من قوانين الشرع عن مكانه أو إلغائه للاستغناء عنه فهي باقية ما بقي الدهر صالحة لكل زمان ومكان لا تتغير بتغير الزمان والأحوال.
بينما القوانين الوضعية قد وضعت مرارًا وغيرت مرارًا تمشيًا مع رغبة أهلها وتطوير أحوالهم وتغير عاداتهم وقد اعترف بذلك علماؤهم وقد أصبحوا اليوم فوضى حيارى ليس لهم دين يعصمهم ولا شريعة تنظمهم ويتمنى الكثير منهم الرجوع إلى شريعة الإسلام لتنقذهم من مهالكهم وفوضى مدنيتهم. ولا يزال ينكشف لهم عامًا بعد عام ضرورة حاجتهم إلى العمل بشريعة الإسلام. كما عملوا بها في إباحة الطلاق الذي هو محرم في شريعتهم ويطالب بعضهم الآن في إباحة التعدد للزوجات وكذا الحكم بتحريم الخمر رجوعًا إلى شريعة الإسلام وكانوا يرونه مباحًا في عقيدتهم وسيكون لهذا التداعي تجاوب ولو بعد حين.
...ولما ظهرت بدعة الشيوعية الاشتراكية ضج من الخوف منها جميع الدول الكبرى مثل إنجلترا وفرنسا وأمريكا خوفًا من أن تقوض بتجاراتهم ومصانعهم وشركاتهم... فأصدرت إنجلترا قرارًا في إحدى مجلاتها قائلة إنه لا يستطيع أحد أن يقوم في وجه هذه الفكرة مع كثرة أنصارها وأعوانها سوى شريعة القرآن الذي فيه ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْق﴾ (النحل: 71).
وإنه يجب تعميم إدخال هذه الفقرات في سائر المدارس النصرانية حتى يتعلمها الشباب والشابات.. كما أنهم في هذا الزمان لما ابتلوا بالكوارث والفتن وانتشار الفواحش من القتل والنهب والسرقات وهتك الأعراض واختطاف النساء والأولاد وحرق الحوانيت المملوءة بالأموال والتجارات أخذوا ينادون ويندبون شريعة الإسلام ويقولون سلام الله على دين الإسلام الذي يحكم بقتل القاتل وقطع يد السارق والقبض على أيدي الجناة ويجعل الناس آمنين في دورهم وأوطانهم... لأن الناس اليوم يتخبطون في ظلمات من الشقاوة وفنون من الجاهلية والهمجية وقد غرقوا في بحار التحلل وعبادة المال وبعدوا كل البعد عن ساحل السلامة ووسائل الراحة والنجاة.
لكون دين الإسلام هو دين البشرية كلهم عربهم وعجمهم ويهودهم ونصاراهم فهو الكفيل بعلاج عللهم وإصلاح مجتمعهم ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.
إن الشريعة الإسلامية هي تنزيل الحكيم العليم شرعها وأوجبها من يعلم مصالح العباد في المعاش والمعاد وإنها هي أسباب سعادتهم في دنياهم وآخرتهم لأنها تهذب الأخلاق وتطهر الأعراق وتزيل الكفر والشقاق والنفاق ومدارها على جلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها.. فهي مبنية على حفظ الدين والأنفس والأموال والعقول والأعراض.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل