العنوان الأسرة والطفل (122)
الكاتب كاميليا النجار
تاريخ النشر الثلاثاء 17-أكتوبر-1972
مشاهدات 16
نشر في العدد 122
نشر في الصفحة 27
الثلاثاء 17-أكتوبر-1972
المجتمع الصائم.. مجتمع يمتثل ولا يستسلم
مجتمع يمتثل
إن الصوم عبادة مفروضة وخالصة لله، إنه عبادة إصلاح للروح والبدن وعبادة تعد الإنسان لحياة الخير، لخير الإنسان نفسه وخير جماعته وقد قال المنفلوطي في الصوم إنه تأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع، لكل فريضة حكمة وهذا الصوم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة يستثير الشفقة ويحض على الصدقة.
فالصوم يعلم الصبر لما فيه من مشقة ومجاهدة للنفس حول نوازعها ورغباتها
وهو عبادة تزكي النفس وتطهرها منسوبة إلى الله وحده إذ قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به».
فالصوم لله عبادة تؤدى دون أن تناقش وتطاع دون أن يخالج النفس فيها أمر آخر سوى الطاعة والامتثال المطلق لله تعالى.
إننا نبحث عن فوائد الصوم وأثره في صحة الإنسان أو في خير المجتمع، ولكن هذه فوائد نلمسها لدفع المسلم إلى تأدية الفريضة والحق أن تأدية فريضة الصوم يجب أن يكون دافعنا الأساسي إليها هي كونها عبادة
العبادة:
قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون﴾ (الذاريات: 56)
لم يفرض الدين على الإنسان أن يعتكف في المسجد ليل نهار أو ينقطع عن الدنيا وينصرف إلى الصوم والصلاة وغيرها من العبادات انصرافًا تامًا وإنما المقصود هو أن كل ما يأتيه الإنسان من أعمال يجب أن يكون إتيانها أو تركها مستندًا إلى القرآن أو السنة. وأن يراد بالعمل أو الترك مرضاة الله، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد فيما رواه الإمام البخاري: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى».
إن نية الإنسان المتجهة إلى الله ابتغاء وجهه تجعل من عمله عبادة يؤجر عليها ويثاب أما إذا كانت غير ذلك فيكون العمل دنيويًا لا يؤجر عليه ولا يثاب.
إن العبادة تكون في القول والصمت وفي الحركة والسكون، وفي النوم واليقظة، ويظهـر ذلك في قول الله تعالى للرسول الكريم:
﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ (الأنعام: 163).
إن التقرب إلى الله يكون بتأدية الفرائض، والإكثار من النوافل ففي الحديث الشريف يروي النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه: «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها، ولئن سألني لأعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه».
إن الأولياء الذين آذن الله بالحرب من عاداهم هم آمنوا وكانوا يتقون، والتقوى هي أن يراعي المسلم الله في كل عمل، وأساس التقرب من الله تأدية الفرائض من صلاة وصيام وزكاة وحج للبيت من استطاع إليه سبيلًا.
كما أن القرب من الله يكون بالإكثار من النوافل، فالصيام إذن تأدية للفريضة، ولكن للصيام نوافل هي: الصوم عن اللغو والصوم عن الباطل إذ قال النبي عليه الصـلاة والسلام «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» رواه أبو هريرة.
وكذلك قال رسول الله: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب وإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم».
والصوب تقرب إلى الله ففيما رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمـا يرويه عن ربه عز وجل: «إذا تقرب العبد إليّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإذا تقرب إليّ ذراعًا تقربت إليه ذراعًا وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة».
ويكون التقرب إلى الله بالاستغفار، خصوصًا رمضان وقد قال تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ ( هود: 52 )
وبما أن الصوم انتصار على شهوات النفس فإن العبادة ومنها الصوم تجعل المجتمع يمتثل لله فالمؤمن يدع نفسه تنقاد إلى مستوى أرفع في الإنسانية.
مجتمع لا يستسلم
إن المجتمع الذي انتصر كل فرد فيه على نفسه فهو مجتمع قوي فهو لا يستسلم للبغي والعدوان، فالصائم إنسان صلب يؤثر إنسانيته على ما فيه من حيوانية، وحدث معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم، «الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار».
أي لم يقبل الصائم طغيان نفسه على نفسه وبالتالي لن يقبل طغيان الغير عليها، وهو مطالب بتكريم نفسه ودفع الأذى عنها، لأن الله كرمه على كثير من المخلوقات، فهو مجتمع من غاياته مقاومة الاعتداء ودفع الهزيمة ويحرض الله المؤمنين لدفع العدوان ورفع الظلم ولتحقيق السلام بقوله ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (البقرة: 190 )
والصوم- مما سبق- يتضح أنه عبادة تهيئ لعدم الاستسلام للشر أيًا كان مصدره. فهو يحض المجتمع على أن يحتفل لله ولا يستسلم لما عداه من عوامل الطغيان والاعتداء ويمتثل لعوامل الخير والسلام.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
محطــات إيمانيــة في طريــق التربيـــة.. نعمـــة بـلــوغ رمضـــان
نشر في العدد 2177
115
الأربعاء 01-مارس-2023