; الأسرة "98" | مجلة المجتمع

العنوان الأسرة "98"

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 02-مايو-1972

مشاهدات 16

نشر في العدد 98

نشر في الصفحة 28

الثلاثاء 02-مايو-1972

 

شعارنا

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (النحل: 97).

مذكرات زوجة

«١٣»

وكانت الليلة الأولى من شهر رمضان المعظم.. وكعادة الوالد في مثل هذه الليلة من كل عام تجلس الأسرة كلها في حجرة الاستقبال بعد صلاة التراويح ليحدثها حديثًا روحيًا يفيض بالنغمات الربانية عن هذا الشهر الفضيل.. مفصلًا أحكام الصيام مردفًا ذلك بسرد لطيف لصيام الأولين.. وكنت أرى الوالد في الخمس ليال الأولى مدرس تاريخ! يحفظ التراجم للصائمين والصائمات.

ابتداء من أمهات المؤمنين إلى العارفات الصالحات.

وقصصيًا بارعًا يُحسن متابعة الأحداث والوقائع والتعليق على كثير من المواقف.

الزائر المرتقب!

المهم أنه ما إن أخذنا مجلسنا حتى سمعنا طرقات على الباب.. لقد كان الزائر في هذه الساعة خطيبي.. حاولنا الانصراف من المجلس.. إلا أن الوالد أشار إلينا بالبقاء!!

لقد فوجئت به شابًا لیس بالقصير ولا بالطويل.. وليس بذي هندام أنيق ولا وضيع ألقى علينا السلام! وتوقف عند مدخل الحجرة.. حتى هش له الوالد، وأذن له بالجلوس بجواره قائلًا: يسعدنا أن تشاركنا هذه الجلسة «الرمضانية» مع زوجتي وابني وابنتي.. وأشار إلى كل واحد منا كأنه يعرفه بأشخاصنا.

 

ارتباك

لقد رأيتني في ارتباك شديد لا يخفى على من يلاحظ حركاتي الكثيرة رغم صمتي وإنصاتي!

أنا التي كنت أحسب نفسي جريئة.. أجادل وأناقش، وأتصور الميدان أنا فارسته الوحيدة التي ستدخل جلسة الخاطب بلسان نسائي مثقف، ونظرات فاحصة مدققة.. لم أستطع طوال ساعة شاركنا فيها إلا النظرة الأولى للمظهر العام! وكانت إجاباته المقتضبة على أسئلة والدي في الصوم وأحكامه وتاريخه تشد انتباهي وتأخذ على مسامعي، وتسرع في ضربات قلبي وخفقانه.

لقد أدركت أن الوالد أراد أن يرفع الكلفة بحيث تخرج الجلسة عن مظاهر التكلف و«البروتوكول» وتكون جلسة عائلية علمية يسيطر عليها أسلوب الحديث المناسب لبداية المعرفة وأعلم فيها مقدار علم خطيبي بالإسلام.. وهو الشرط الأساسي المخطوط لمن يكون رب أسرة مسلمة ينهج بها صراط الله المستقيم.

وليعطيني أول بند في الثقة التي وضعتها في عنقه ليدرس بها الشخص الذي أريده

وأبتغيه.

إن خلق التواضع كان واضحًا فيه.. إذ إنه كثيرًا ما كان يعزف عن الإجابة ليحيلها على والدي معتذرًا بأنه لا يجوز أن يتحدث «ومالك بالمدينة»! وكان الاحترام لأبي وتقديره واضحين فيه.. بل لأفراد الأسرة كلها.. ومن أول جلسة انطبعت في ذهني صورته على الوجه الآتي:

بساطة المظهر التي لمستها من أول نظرة العلم بالأحكام الإسلامية من خلال إجاباته القصيرة الصحيحة المحددة. تواضعه من جلسته التي لم أر فيها أثرًا لمظاهر الكبر وتقديم مواهبه للغير، احترامه من خلال احترامه للآخرين كبيرهم وصغيرهم.

وبعد استئذانه لم يحاول الوالد سؤالي في أي شيء بل أذن لنا بالانصراف للنوم

استعدادًا للاستيقاظ للسحور وصلاة الفجر.. لكن أخي لحقني في حجرتي ليهمس لي قائلًا:

- والله يا أختي لقد استرحت له كثيرًا.. إني لأشعر بأنه سيكون أخًا أكبر لي، وسيساعدني كثيرًا في استذكار دروسي.. وانفجر ضاحكًا!

قلت له وأنا أريده أن يطيل في الحديث عنه: لا تكن أنانيًا تبحث عن مصلحتك فقط!!

- مصلحتي.. مصلحتك.

لا تكوني أنانية تستأثرين به وحدك ألف مبروك.. أنا موافق موافق!! وأغلق الباب خلفه.

«ك أ. ع»

 

لهف نفسي على.. اليتيم

كلما طاف بخاطري يوم عاشه طفل محروم من والده رأيتني منفطرة الفؤاد، ممزقة الأعصاب، دامعة العينين!!

ويدور في أعماقي شريط أنغام حزينة!! وتمر أمام عيني صور مطبوعة أصولها في أعماقي من بداية عمري وتمييزي.. وشاهدت اليوم الذي ودعنا فيه الوالد -رحمه الله- إلى عالم الخلد وملك لا يبلى.. وكلمات الأسى والإشفاق تطرق أسماعي من أهلي وأقاربي.. ونظرات العطف ترمقني بها عيون كل الناس.. ومع الأيام وجدت الكلمات والنظرات لم تستطع أن تسد الفراغ الذي تركه والدي في نفوسنا وحياتنا!!

ويأتيني في النهاية مشهد أليم يرتبط بالصور السابقة وإن اختلف في أشخاصه وأسبابه.. مشهد أطفالي ووالدهم يُنتزع من بينهم قهرًا بأيدي العسف والطغيان ليحال بينهم وبينه بأسوار صنعها جبروت فريق من البشر!! ويعمق الإحساس في نفسي نحو اليتم الحقيقي والصوري!!

وأتحدث مع نفسي في ذكرى مولد الحبيب المصطفى -عليه الصلاة والسلام- لماذا اختار الله اليتم لحبيبه ومصطفاه.. وأنا التي أشعر بالألم ومرارته، ويشدني عطفًا وحدبًا يتيم يمر أمامي ولو بالصدفة؟!

ويأتيني الجواب من خلال السيرة العطرة لكثير من الأنبياء والمرسلين.. فأبو الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- تربى يتيمًا حكمًا وإن كان أبوه حيًا.. إذ طرده بعد أن فاصله ﴿لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (مريم: 46). واعتزلهم وما يعبدون من دون الله..

وموسى -عليه السلام- تربى يتيمًا في قصر فرعون ﴿ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ (طه: 39)

حتى «يوسف عليه السلام» ألقوا به في غيابة الجب والتقطه بعض السيارة ليلحق بجده في اليتم الحكمي!!

- وعيسى -عليه السلام- ولد من غير أب حتى قيل لأمه ﴿يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (مريم: 27)!!

ومن قبل هاجرت «هاجر» بولیدها «إسماعيل» عليه السلام إلى أرض غير ذي زرع عند بيت الله المحرم.. ليتركهم «أبوه» رافعًا يده إلى السماء ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ (إبراهيم: 37).

وأخيرًا ولد خاتم الأنبياء والمرسلين يتيمًا، قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ (الضحى: 6). إذن هذه ظاهرة ارتبطت بصفوة الأنبياء والمرسلين ولم ينفرد بها الحبيب المصطفى.. فلماذا؟!

والذي أستطيع أن أعلل به هذه الظاهرة:

أولًا: إن اليتم يشد أنظار الناس إلى اليتيم فهو نوع من جذب الانتباه إليه من كل الناس حوله.

ثانيًا: وبذلك يصبح أمرًا طبيعيًا أن يتتبعوا مراحل نشأته وبناء شخصيته.

ثالثًا: إن كل أمر أخلاقي مستقيم يتميز به ويتصف به لا بد أن يثير احترام الناس له وإكبارهم لشخصه، وحديثهم عنه.

- ولذلك كانت أنظار مكة كلها متجهة نحو اليتيم «محمد» الذي عاف أخلاق الجاهلية وعُرِف بينهم بالصادق الأمين.

رابعًا: إن حرمان الطفل من حنان أبيه ثم أمه يجعل منه شخصًا غير مرتبط بفرد معین ويكون ارتباطه بكل الناس الذين التفوا حوله ويجعل لشخصيته قوة ذاتية وخاصة إذا ما ارتبطت بتربية السماء وتوجيهاتها ولذلك كان يقول -عليه السلام- «أدبني ربي فأحسن تأديبي» وذلك يشد انتباه الناس إلى الله العلي الكبير الذي فطره على الصراط السوي.

خامسًا: إن الوالدين في العموم لا يمكن أن يجحدا ابنهما ولو خالفهما ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (هود: 45).

لكن اليتيم تمر عليه صنوف من الهجران المقصود وغير المقصود فيتعود مستقبلًا على هجران الأعداء والمكذبين له.

سادسًا: إن اليتيم وهو يواجه الحياة بكل ما فيها يحتاج إلى مدد قوي يشد من أزره ويرعى حياته فيكون اتجاهه طبیعيًا إلى الله بارئ النسم.

سابعًا: ألا يذكر فضل تربيته لأحد سوى الواحد الأحد فلا تكون المنة والفضل إلا لله.

ثامنًا: أن يكون في هذه الأحوال قد تهيأ نفسيًا وعقليًا للوحي الذي ينزل عليه من السماء يبلغه رسالة ربه.

تاسعًا: أن تكون حياته درسًا لمن بعده في الاستقلال بالرأي السليم إذا ما أيقن أنه على الحق وسواه على الباطل.

فهل يستطيع كل يتيم ويتيمة وغريب وغريبة.. أن يجعلا من سيرة «اليتيم» صلوات الله عليه درسًا يحتذى «فطوبى للغرباء»؟!

أم ابتهال

 

هذه مشكلتي.. فما الحل؟

السيدة/ أم ابتهال

كان العيد الأول لابنتي الوحيدة «سناء» الشهر الماضي، ورفض زوجي إقامة احتفال خاص بالمناسبة السعيدة!! ولم يستطع إقناعي بالأسباب.. لقد شعرت من تصرفه هذا أنه يكره البنات. وهل أنا التي أصنف المواليد؟ تؤرقني الآن الشكوك!! وأخشى أن تعصف بحياتنا.. فبماذا تنصحين؟

القارئة، (ص)

يا عزيزتي (ص)

١- لا يجوز أبدًا أن تبني الأحكام وتتم التصرفات على الشكوك والهواجس.. فإن بعض الظن إثم، والظن أكذب الحديث!

٢- لا يمكن أن تسير الحياة الزوجية سيرها الصحيح إلا إذا مزج مياهها العذب بخلاصة الصراحة والمكاشفة.

٣- إن كره البنات لا أحسبه موجودًا عند الرجال الأسوياء مسلمين كانوا أو غير مسلمين! وإنما هو حدس وتخمين النساء من آثار الأولين الجاهليين.

٤- وأحسب أنه أراد أن يفهمك وجهة نظره، ولكن غضبك وانفعالك لرفضه طلبك أصم أذنيه عن سماع حديثه، وأغلق قلبك عن الانفتاح لمعرفة رأيه!

نحن عندنا فقط «العقيقة» وهي الاحتفال في اليوم السابع للمولود.. ويعق عنه قربى لله.. بالذبح والإطعام والتصدق بنقد يوازي وزن شعره.. فأولى بنا أن نتمسك بما سنه رسولنا وأجازه ديننا.. وأبعاد هذه الفرحة عندنا طلب من الله أن يبارك فيه ذكرًا كان أو أنثى.

ومن ناحية أخرى بدأت مع هذه الظاهرة عوامل التسابق والتنافس في التكاليف والزينات والموائد التي يدعى لها الأصدقاء والأغنياء فقط مع تحذير ربنا لنا من الإسراف وتحذير رسولنا من هذه النوعية في مثل هذه المناسبات «شر الولائم يدعى لها الأغنياء، ويحرم الفقراء».

وخرجت عن المضمون الذي أراده «بالعقيقة» والتي يسميها البعض «التميمة» وهو الرجاء والدعاء لله، وبر الفقراء والإحسان للمعوزين شكرًا لله على نعمته.

لذا يا عزيزتي: لا تدعي الشكوك تمزق رباط عشك، وخير لك أن تستفسري منه على صفاء وفي مهل.. وفقني الله وإياكِ لما يرضيه.

 

تأملات في.. حديث شريف

أخرج الترمذي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من لبس ثوبًا جديدًا فقال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمل به في حياتي، ثم عمد إلى الثوب الذي أخلق -أي بلى- فتصدق به، كان في حفظ الله وفي كنف الله وفي سبيل الله حيًا وميتًا».

·     هل فكرتِ يا أختاه مرة واحدة وأنتِ تقفين أمام المرآة معجبة بشكلك وإتقان خلقتك أنك صنعة الله -سبحانه وتعالى- فتقولين ما وجهنا إليه الرسول الكريم: «اللهم حسّن خُلقي كما حسّنت خلقي»؟!

·     هل فكرتِ وأنتِ تعمدين إلى الثوب الجديد تلبسينه أن تشكري الله الذي أعطاك إمكانية شراء خامة وقدرة تفصيله وإن كنت دقيقة في التصور تتذكرين مراحل إيجاده قطنًا أو حريرًا ثم إعداده خيوطًا ثم نسيجًا ثم خياطته على قدك أخيرًا..!! فتقولين: «الحمد لله الذي كساني إياه من غير حول مني ولا قوة»؟!

·     هل فكرت في حكمته.. يقيكِ الحر والبرد ويستر العورات تكريمًا لنا عن سوانا من المخلوقات، وتجملًا به إسعادًا لأنفسنا؟!

·     هل فكرتِ أخيرًا في أخواتك المحرومات من أمثاله فتصدقت عليهن بالقديم المكدس عندك أشكالًا وألوانًا وأصنافًا بدلًا من أن يغذيه القدم والتخزين والبلى؟!

·     لعلك تنعمين بحفظ الله وكنفه في المحيا والممات.

الرابط المختصر :