; الأنتليجانسيا العربية في الغرب | مجلة المجتمع

العنوان الأنتليجانسيا العربية في الغرب

الكاتب يحيى أبو زكريا

تاريخ النشر السبت 10-مارس-2001

مشاهدات 8

نشر في العدد 1441

نشر في الصفحة 38

السبت 10-مارس-2001

 

تعيش الانتليجانسيا، أو النخبة الثقافية - العربية في الغرب حالة من الخيبة والتراجع شبيهة بتلك الحالة التي كانت عليها هذه الانتليجانسيا في موطنها الأصلي، وعلى الرغم من أن هذه النخبة غادرت موطنها باتجاه عواصم المنفى بحثاً عن الرزق وللتمتع بالهامش الواسع للحرية والإبداع.

إلا أنها أصيبت بخيبة أمل كبيرة، بل الأكثر من ذلك أنها تعطلت لديها حركة الإبداع، لأسباب عديدة منها فقدان النسيج الثقافي العربي، حيث إن أغلب العرب الموجودين في الغرب تهمهم العملة الصعبة أكثر من الهم الثقافي والقضايا العربية، ومنها انقطاع تواصل هذه النخبة مع المنابر الإعلامية والثقافية العربية، الأمر الذي أدى بها إلى أن تعيش عزلة حقيقية، وانعكس كل ذلك على أدائها الإبداعي الذي انطفأ مع مرور الأيام. ولم تتمكن هذه النخبة من الانخراط في الوسط الثقافي الغربي، لأن ذلك يتطلب نقض معظم المنطلقات الفكرية الكائنة في شعور ولا شعور النخبة العربية، وحتى إذا كتب لهذا المبدع أو الكاتب أن يجد حيزاً صغيراً ضمن الخريطة الثقافية الغربية، فإن ذلك يدخل في سياق التوظيف وفي سياق زركشة الديكور لتتحقق مقولة القبول بالآخر. هذا الآخر الذي فقد تميزه، وأصبح جزءاً لا يتجزأ من الأنا الغربية، وبالتالي يكون إنتاجه امتداداً للمنظومة الثقافية في الغرب.

ومما يدعو إلى التعجب أن النخبة العربية نقلت معها إلى عواصم المنافي الإشكالات الثقافية نفسها السائدة في العالم العربي، واستمرت الجدران قائمة بين مختلف الحساسات الأيديولوجية. فاليساري مازال على ماركسيته، والبعثي على بعثيته، والقومي على قوميته، والإسلامي على إسلاميته، والحرب الأيديولوجية مستعرة بين هذه الحساسات الأيديولوجية، كما لو أن السجال مازال في العالم العربي. وعوض أن تلجأ هذه النخبة ذات المشارب الفكرية المتعددة إلى إيجاد قواسم مشتركة فيما بينها في محاولة لخلق أطروحة جديدة قد تساهم مساهمة مفيدة في مشروع النهضة، إلا أنها مازالت تعيش بالذهنية القديمة، ومازالت الخلافات والتنابز بالألقاب وتبادل التهم سمة النخبة التي يفترض أنها هاجرت من أجل مواصلة الإبداع بعيدًا عن رقابة السلطات العربية وقيودها.

وبات لكل توجه ثقافي ناديه ومنبره، وبين هذا النادي والنوادي الأخرى كل أنواع الحروب الكلامية التي برع فيها العرب، وتجد كل جمعية ثقافية تسعى للإيقاع بالجمعيات الأخرى لدى السلطات الغربية هنا وهناك. وأصبح الهم هو الحصول على الأموال المخصصة لمساعدة الجمعيات الثقافية».

وهناك ظاهرة على غاية من الخطورة بدأت تسود وسط النخبة العربية المثقفة، وهي أن عديدًا من الكتاب والصحافيين والمبدعين الذين لجأوا إلى عواصم المنفى وجدوا أنفسهم في بطالة كاملة ويعيشون من خلال المساعدة الاجتماعية المحدودة التي تقدمها الدول للاجئين، ولم يتمكنوا من الحصول على موقع عمل في الدوائر الثقافية أو الإعلامية، وباتوا يعيشون في وضع نفسي صعب سهل مهمة بعض الجهات التي يهمها توظيف رؤوس هؤلاء المثقفين والصحافيين وكان التعامل سهلًا بين هذه الجهات وبين الذين باعوا ضمائرهم ومبادئهم وأخلاقهم وأمتهم، وأصبحوا عملاء بامتياز، يعرف الغربيون من خلالهم كل صغيرة وكبيرة عن العالم العربي والإسلامي، وأحيانًا يكلف هؤلاء برحلات ميدانية إلى العالم العربي، وهم أقدر على التسلل إلى أبناء جلدتهم والعودة بتقارير وافية عما تريد هذه الدوائر معرفته.

وتحوي مراكز الدراسات الاستراتيجية في الغرب عديدًا من الكفاءات العربية التي تسهم في إفهام دوائر القرار من نحن وكل شيء عن سياستنا واقتصادنا وفقهنا وثقافتنا، ومادامت العملة الصعبة موجودة فكل صعب يهون. 

لكن هذا لا يعني أنه لا توجد نخبة مازالت محافظة على طهرها الثقافي والسياسي وتعمل جاهدة على الاستفادة من محاسن الحضارة الغربية، ومحاولة تصحيح فكرنا العربي، وإردافه بعوامل القوة حتى يتحول إلى ديناميكية لإخراج الواقع العربي والإسلامي من أزمته الراهنة.

"تركيا الأخرى"

مصطلح «تركيا الأخرى» أطلقه لأول مرة أحد خبراء الاجتماع المعروفين في تركيا، ثم شاع بعد ذلك حتى صار أكثر كتاب الصحف يستخدمونه في زواياهم اليومية. والمقصود بتركيا الأخرى هو أكثريتها الفقيرة البائسة من جراء سوء توزيع الدخل، حيث يتواصل الاختلال على مر الأيام بسبب التضخم والمشكلات الاجتماعية والثقافية الناتجة عن النزوح الجماعي والسريع من الريف إلى المدن. والأدهى من ذلك عدم ظهور أي بصيص من الأمل.

أظهر استطلاع للرأي قامت به أخيراً إحدى المؤسسات المتخصصة في تركيا، أن 47% من المواطنين الأتراك يرون أن الاقتصاد سيكون في وضع أسوأ كلما تقدمت الأيام، وأن نسبة التعساء في تركيا وصلت إلى 76%.

إذن هناك أسباب أخرى إلى جانب الاقتصاد في إيجاد «تركيا الأخرى» أو «تركيا البائسة». فـ«تركيا الأخرى» معدمة كما أنها تحس بالعزلة والسحق من الناحية الاجتماعية والثقافية.

ويقول استطلاع آخر إن القاعدة التي يعتمد عليها حزب العمال الكردستاني ليس الأغنياء الأكراد المقيمين في القرى أو المدن، بل المسحوقين النازحين أو المهاجرين من القرى والأرياف إلى المدن الكبيرة، أو بالأصح إلى ضواحيها، والمنظمة التي تعرف بحزب الله التركي، هي الأخرى حصيلة الظروف العرقية والبيئية نفسها.

إن إيديولوجية الثامن والعشرين من فبراير مرحلة مقررات مجلس الأمن القومي التي أطاحت بحزب الرفاه خارج السلطة، لا تفهم ذلك، وعليها أن تفكر بالأمر جديًا ولا يعلم غير الله كيف كان القطاع السني الغاضب في الأحياء الفقيرة سيعبر عن غضبه لولا الجماعات الإسلامية والخط السياسي المعتدل لحزب الفضيلة. 

ومن الواضح أن المنظمة المعروفة بجبهة حزب التحرير الشعبي الثوري اليسارية حققت تنظيمها الواسع على قاعدة شعبية معينة، وهؤلاء أيضًا ليسوا من الموسرين في القرى والمدن، بل من الشباب العلوي المعوز الذي يعيش في أطراف المدن.

الأحياء الفقيرة عبرت عن غضبها بطريقة غير سياسية بردة فعل ضد احتفالات رأس السنة مثلًا. كما يظهر أيضًا على شكل «عدم مبالاة بمستقبل تركيا وعدم المبالاة هذا يعني عدم الاهتمام بالمستقبل الذي قد يتحول في أي لحظة وبسهولة إلى إحراق للمستقبل من أجل قضية. وقد تتحول الأحياء الفقيرة إلى أداة سياسية دون سابق إنذار.

إذا كنا نحزن لمقتل رجال الشرطة والجيش أكثر من غيرهم لأنهم لا يموتون نتيجة مرض أو حادث، بل يقدمون أرواحهم أثناء تأدية واجبهم الوظيفي، فإن هناك وجهًا آخر للعملة. لماذا يستمر الإرهاب عندنا منذ خمسة وثلاثين عامًا؟! ما نوع هذا الغضب حتى يتحول إلى هجوم انتحاري، أو إضراب عن الطعام حتى الموت. ويتسبب في إزهاق آلاف الأرواح على مدى السنين، ويكلف عشرات الآلاف من أرواح المواطنين وقوات الأمن؟!

إنه موضوع طويل وشائك.. يمكن جمعه تحت عنوانين رئيسين:

أولهما: إنعاش الاقتصاد عن طريق زعامة مدنية قوية تبعث الأمل في النفوس، وتشكل لغة اقتصادية جديدة وعودة الفرحة إلى الحياة في المجتمع.

والثاني: تطوير سياسة للدولة تخرج أصحاب الهويات من الشعور بالسحق والهوان وتجعلهم يتكاملون ويتجانسون مع باقي فئات المجتمع.

الرابط المختصر :