; الإجابة لفضيلة د. عبدالله الجبرين (رحمه الله) | مجلة المجتمع

العنوان الإجابة لفضيلة د. عبدالله الجبرين (رحمه الله)

الكاتب د. أحمد ناجي

تاريخ النشر الجمعة 01-سبتمبر-2023

مشاهدات 23

نشر في العدد 2183

نشر في الصفحة 36

الجمعة 01-سبتمبر-2023

إعـداد- د. أحمـد ناجـي:

 

إنجاح الطلاب غير المستحقين

في نهاية كل عام دراسي نتعرض للضغط من مدير المدرسة لإنجاح بعض الطلاب الذين لا يستحقون النجاح بحجة تحسين صورة المدرسة، فهل يجوز للمدير أن يقوم بهذا الفعل؟

- الواجب على المدير أن يحث المدرسين على التعليم النافع، وعلى بذل الجهد للطلاب وحثهم على الإقبال والتقبل والتفهم، وتفقد أحوال التلاميذ وشحذ هممهم وتشجيعهم على الفهم والإدراك والمواظبة، وحسن السيرة والسلوك، وحضور البال وقت الإلقاء، والاهتمام بالحفظ، والاستعداد قبل دخول الفصل، والبحث مع المدرس عن الإشكال، وحث المعلم على النصح والتوجيه للطلاب، وتشجيع من يفهم أو يتفوق فيهم،  واختيار المدرسين المخلصين من ذوي الكفاءة والأهلية بحيث يكون له الأثر في إيصال المعلومات إلى أذهان الطلاب؛ فبذلك ونحوه تنجح المدرسة وتتفوق على غيرها في النتيجة الطيبة والسمعة الحسنة، ويكتسب المدير فيها والمدرسون لسان الصدق والذكرى الحسنة بين المدارس الأخرى.

فأما مع الإهمال والغفلة عن التربية الحسنة، ثم عند الامتحان يأمر المصححين بالتساهل والتغاضي عن الأخطاء والزيادة في الدرجات لمن لا يستحق ذلك، فإن هذا لا يجوز؛ حيث إن هذه الامتحانات يقصد منها معرفة ذوي الكفاءة والنباهة الذين أقبلوا على التعلم برغبة ومحبة وصدق واهتمام، والذين هم أهل أن يتولوا المناصب الحساسة التي تهم الأمة وتنفع المجتمع وتخدم صالح الدولة وتعود عليها بالفائدة الطيبة، ويعرف أهل الإهمال والإعراض، وأهل البلادة والفهاهة وضعف الإدراك وقلة الفهم ممن لا يصلح لتولي الولايات المهمة.

فعلى هذا أرى أن على المدير والمدرسين عند الامتحان إعطاء كل ذي حق حقه، وعدم المحاباة أو الميل مع البعض، وإعطاؤهم ما لا يستحقونه ولو بدرجة أو درجتين، وذلك هو العدل والإنصاف، وإعطاء كل طالب ما يستحقه، وهذا هو السر في إخفاء أسماء الطلاب والاكتفاء بالأرقام السرية؛ مخافة أن بعض المدرسين يتحاملون على بعض من يريدون نقصه، أو يتغاضون عن بعض الهفوات ممن يميلون إليه؛ فالعدل هو الواجب لقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) (النحل: 90).

مساعدة الطالب للنجاح

بعض الطلاب ينجح في كل المواد بامتحانه النهائي عدا مادة واحدة، ويحتاج لكي ينجح في هذه المادة درجتين أو ثلاثاً أو أربعاً، فهل يجوز لمدرس تلك المادة أو للإدارة مساعدة هذا الطالب؛ حتى يجتاز الامتحان وينجح للمرحلة التي بعدها؟

- يجوز ذلك متى كان هذا الطالب مثالياً معروفاً بالسمت والصلاح والاستقامة والجد والنشاط والفهم والذكاء، وعرف أن هناك سبباً عاقه وحط من درجاته، أو صعوبة مسألة نبا عنها الفهم، أو تصور الجواب على غير الصواب لعجلة أو قلة تفكير، ومثل هذا يقع كثيراً من آحاد الطلاب الذين لم يعرف عنهم التساهل ولا العبث ولا شيء من الإهمال، ويعرفون بالتقدم والسبق في كل عام، فمتى حدث لأحدهم عائق خاص، ولم يبق عليه إلا درجتان أو ثلاث أو نحوها، فأرى الإغضاء عنه وإعانته؛ فإن بقاءه في سنته عاماً آخر مما يكسر من نفسه ويضعف همته ويعوقه عن الجهد الذي كان يبذله.

وأما إن كان من أهل التفريط والإهمال والتساهل وكثرة الغياب؛ فأرى أنه لا يستحق الإعانة، ولعل عند الإدارات من التعاليم ما يرشدهم في ذلك.

إفتاء المدرس بغير علم

يتساهل بعض المدرسين في الجرأة على الله، وذلك بإصدار الفتاوى بغير علم؛ وذلك عندما يسأله أحد الطلاب، فيُحلّل ويحرِّم ويوجب ويقول: هذا مستحب وهذا مكروه وهذا مباح، ثم يتبين أن فتواه غير صحيحة، فما حكم ذلك؟ وما الآثار السيئة للفتوى على الله بغير علم، سواء على نفس المفتي أو على المستفتي أو على الأمة؟

- هذا خطأ كبير؛ فإنه من التقوُّل على الله تعالى الذي توعد عليه بقوله: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ 44 لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) (الحاقة)، فمن تجرأ وأفتى وحلَّل وحرَّم بغير علم فقد أدخل في الشرع ما ليس منه، وقد قال تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (الإسراء: 36)؛ أي لا تتكلم فيما لا تعلمه، وقد كان أكابر العلماء يتوقفون في مسائل كثيرة؛ خوفاً من القول بغير علم، ويستدلون بقوله تعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) (النحل: 116).

وقد رُوي أن مالك بن أنس رُفع إليه أربعون مسألة، فأفتى في أربع فقط، وتوقف في الباقي، ولم يكن ذلك نقصاً في هذا الإمام، وهكذا الإمام أحمد يتوقف عن المسائل التي لا يجد فيها دليلاً، وإذا احتيج إلى الجزم قال: أرجو أو أستحسن أو ينبغي كذا وكذا دون الجزم بالحكم.

فعلى المدرس وغيره ألا يتجرأ في الحكم، فإن سُئل وهو في الفصل الدراسي رد المسألة إذا كانت خارجة عن موضوع الدرس، وانشغل بالدرس الذي يقوم بإلقائه، وإن سُئل خارج الدرس وكانت المسألة ليس له بها علم أحال على من هي من اختصاصه، وإن شك في الحكم ولم يستحضر الدليل توقف، وقد كان كبار مشايخنا يُسألون في الدرس عن بعض المسائل، فيقول أحدُهم: لا أدري، ويقولون: إنَّ لا أدري نصفُ العلم، ومن أخطأ لا أدري أصيبت مقاتله.

وقال بعض مشايخنا: إن القول على الله بلا علم يعتبر أكبر من الشرك؛ واستدل بقوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (الأعراف: 33)؛ فإنه ذكر الأسهل وهو الفواحش، ثم الإثم وهو أكبر من الفواحش، ثم البغي وهو أكبر من الإثم، ثم الشرك وهو أكبر من البغي، ثم القول على الله بلا علم فهو أكبر من الشرك؛ لأنه تخرُّص في الدين وتجرؤ على الحكم وتشريع بغير مستند، فهو مزاحمة للرب في تشريعه، فأمّا إن علم الدليل واستحضره فإنه يقول به، ولو لم يكن من أهل الفتوى، حتى لا يكتم العلم، وإذا شك فيه قال: هذا ما أعلم وفوق كل ذي علم عليم.

وقد ورد النهي عن كتمان العلم فقال تعالى: (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 42)، وفي الحديث: «من سُئل عن علمٍ يعلمهُ فكتمهُ ألْجِمَ يومَ القيامةِ بِلِجَامٍ من نارٍ» (أخرجه أبو داود (3658)، والترمذي (2649)(1).

الرابط المختصر :