العنوان الإسلام والصيام
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 17-سبتمبر-1974
مشاهدات 13
نشر في العدد 218
نشر في الصفحة 24
الثلاثاء 17-سبتمبر-1974
خص الله رمضان من بين سائر الشهور بإنزال القرآن فيه.
فريضة الصيام المباركة كتبها الله أيضًا على أمم سابقة.
الغاية من الصيام.. التقوى.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ (سورة البقرة: 182، 183)
بهذا النداء الإلهي يخاطب الله عباده المؤمنين بهذا اللفظ المحبب إلى قلوبهم والذي ترتاح إليه نفوسهم وتطمئن به خواطرهم موجبًا عليهم فريضة الصيام ومبينًا أن هذه الفريضة المباركة لم تكن مقصورة عليهم بل قد فرضها الله على الأمم قبلهم لما فيها من زكاة للقلب وتطهير للنفس وإبعاد لها عن مواطن المعصية وتضييق لمالك الشيطان فيها.
وهنا تظهر الغاية الكبرى من الصوم، فالصوم يعتبر وسيلة من الوسائل الموصلة إليها وطريقًا من الطرق المؤدية إليها وهي تظهر واضحة جلية في قوله تعالى في آخر الآية ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ إنها تقوى الله يخاطب الله بها عباده المؤمنين بعد ما قرر لهم فريضة الصيام وهي الحاجز بين المؤمن وفعل المعصية، فما من خير إلا وتقوى الله سبيل موصل إليه وما من شر إلا وتقوى الله حاجز حصين يقي المؤمن من الوقوع فيه، وقد ذكرها الله في القرآن في مواطن متعددة فقال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ (سورة البقرة: 194)
وقال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾، ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ﴾ (الطلاق: 2، 3)
وقال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13)
ثم يبين الله مقدار الصوم وأنه ليس أبد الدهر ولا من كل شهر ثلاثة أيام كما كان من قبلنا، وإنما هو أيام معدودات تخفيفًا وتيسيرًا لئلا تضعف النفس عن حمله وتقصر في أدائه بل إنه رخص فيه عن المريض حتى يشفى والمسافر حتى يقيم وظاهر الآية مطلق المرض والسفر بدون تقیید روی جابر- رضي الله عنه- قال: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- في سفر فرأى رجلًا قد اجتمع عليه الناس، وقد ظلل عليه، فقال: ما له؟ فقالوا: رجل صائم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ليس من البر الصوم في السفر» أخرجه مالك، والشيخان، وأبو داود، والنسائي.
ويجوز الصيام منهما لما روى عن حمزة بن عمرو الأسلمي، أنه قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-: أصوم في السفر؟ قال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر»
ولما روى عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» رواه مسلم والنسائي.
وقد خص الله شهر رمضان من بين سائر الشهور بإنزال القرآن ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ﴾ كما قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ ( القدر: 1)
ثم نزل على الرسول- صلى الله عليه وسلم- مفرقًا حسب الحوادث والوقائع وليلة القدر ليلة عظيمة أبهمها الله على عباده كما أبهم ساعة الإجابة من يوم الجمعة، وكما أبهم رضاه في الطاعات وسخطه في المعاصي ووقت قيام الساعة وغيرها؛ كل ذلك ليجتهدوا في العبادة ويكثروا من الصلاة والقيام والتضرع والخشوع والسؤال والإكثار من الطاعات والابتعاد عن المعاصي وتقوى الله في السر والعلانية.
هذا وللصيام آداب يتحلى بها الإنسان المسلم في كل أوقاته لا سيما في رمضان أحرى وآكد منها ما يلي:
۱- الصدق وعدم الكذب، ولكل منهما أثرهما في بناء المجتمع وفساده.
روی عن ابن مسعود- رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا» متفق عليه.
٢- الغيبة والنميمة: فالإنسان المسلم لا يغتاب أخاه المسلم ولا يسعى بين إخوانه بالظلم والإفساد، روى عن أبي هريرة- رضي عنهما- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قال أحدهم: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته» أخرجه مسلم .
٣- التواضع وعدم الكبر:- فالمسلم على كل أحيانه متواضع لا يتكبر عن قبول الحق ولا الناس ولا يحقرهم، وقد فسره النبي- صلى الله عليه وسلم- بقوله: «بطر الحق وغمط الناس» أي الاعتلاء عن قبول الحق واحتقار الناس وازدراؤهم.
روى أبو هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا ينظر الله يوم القيامة من جر إزاره بطرًا» متفق عليه، والتواضع من صفات المؤمنين ومن تواضع لله رفعه.
٤- غض البصر عن النظر إلى المحرمات:- قال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾، ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ (النور: 30، 31)
ففي هذه الآية الكريمة يأمر الله عباده المؤمنين بغض النظر إلى ما حرم الله النظر إليه إلا وجد حلاوة الطاعة في قلبه، فعن أبي أمامة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة أول مرة ثم يغض بصره إلا أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها» رواه أحمد.
٥- الابتعاد عن قول الزور وكلام الشتم: وهو ذكر الناس بما يكرهون ووصفهم بما لا يحبون والشهادة بالباطل ورمي الأبرياء بغير حق، وقد ورد التهديد في قول الزور والعمل به، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» رواه البخاري وأبو داود.
هذه بعض الصفات التي يتصف بها الإنسان المسلم وهي تبين لنا الصورة الحية للصائم الصادق، ولكن- وللأسف- أصبح كثير من المسلمين يعكسون هذه المعاني الرفيعة وصار الصوم مجالًا لإثارة النفس وسبيلًا للكلام الفاحش وطريق للغيبة والنميمة- أعاذنا الله منها- وقد ورد فيهما من التهديد الشيء الكثير لذلك ينبغي للإنسان المسلم أن يتحلى بهذه الأخلاق الفضيلة لا سيما في هذا الشهر المبارك؛ ليصبح نموذجًا لغيره يقتدى به وليحقق قول الرسول- صلى الله عليه وسلم- قولا وعملا.
جعلنا الله من المقبولين في هذا الشهر المبارك وأنار لنا سبيلنا وطريقنا وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة به جدير وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ع. ح. م
السعودي
الرابط المختصر :
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
محطــات إيمانيــة في طريــق التربيـــة.. نعمـــة بـلــوغ رمضـــان
نشر في العدد 2177
115
الأربعاء 01-مارس-2023