العنوان الإسلام و.. الثروة
الكاتب الشيخ عبد الله النوري
تاريخ النشر الثلاثاء 01-يونيو-1971
مشاهدات 25
نشر في العدد 62
نشر في الصفحة 22
الثلاثاء 01-يونيو-1971
الإسلام و.. الثروة
اكتساب الخبرة الفنية... فرض!!
واستغلال الثروات... واجب!!
بقلم الأستاذ عبد الله النوري
الثروة أو الثراء كثرة المال، والمال عصب الحياة، والله جل جلاله وعد عباده المؤمنين بكثرة المال، إن هم أطاعوا واتبعوا فقال: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ﴾
(النور: 55).
والاستخلاف ملك، والملك ثروة وغنى، وما أجدر المسلمين بطاعة الله ليكونوا خلفاءه في أرضه التي سخرها لعباده ووعد الصالحين منهم بإرثها. ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: 105).
والصالحون هم الذين يعلمون كيف ينتجون وكيف يستثمرون، يعملون ولا يكسلون، ويصلحون ولا يفسدون.
وفي ميراث الأرض أكبر ثروة إذا كان هذا الميراث بيد مصلح مدبر، لم يستحوذ الجهل على عقله ولم يتبع الشهوات، وبديهي أن الأرض غنية، وكنوزها ملآى بنعم الله يستغلها من يعلم ويبحث وينقب.
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (الزمر: 9).
والذين لا يعلمون هم من وصفهم الباري جل شأنه بقوله: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ (الأعراف: 179).
والإسلام دين عمل - عمل للدنيا وعمل للآخرة، والإسلام لم يبخل بثواب للعاملين. فالله الذي أمر بالصلاة والصيام والحج أمر من صام وحج وصلى أن يمشي في مناكب الأرض ليعمل ويأكل من رزق الله فيها، كما أمر المصلين بقوله: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ (الجمعة: 10).
الخلافة.. والعمران
والله الذي جعل الإنسان خليفة في الأرض سخّر له الأرض، فخلق له كل ما في مائها ويابسها وسمائها.
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ (البقرة: 29). نعم، جميع ما فيها من خيرات وقوى ظاهره وباطنه.
خلقها لبني الإنسان ولم يخلقها لغيرهم. فالملائكة لا يأكلون ولا يشربون والحيوان متى شبع اكتفى حتى يجوع. والجن لا يطلبون ثراءً ولا عمرانًا.
إذن فكل ما في الأرض سواء كان على ظهرها أو في جوفها أو في جوها تحت تصرّف الإنسان ليكون سيدًا فيه ومالكًا لكل ما فيه. لأن الله جل جلاله خلق الجن والإنس ليعبدوه، ولكنه أمر الإنس أن يعبدوه وأن يعمروا هذا الكون ليكون بهم جميلًا.
هكذا خلق الله الإنسان ميّالًا بطبعه إلى مأوى يأوي إليه وكساء يقيه الحر والقر ينام على وطاء ويحتمي من تقلبات الجو بغطاء وبالرغم من بساطة عيشه في إبان عصوره الأولى فقد لبس ما يستر عورته، واستعمل الآلة فحرث وزرع وحصد وادّخر مما حصده حبوبًا وثمارًا ورعى أنعامًا استنتجها وعد منتوجاته منها وباع واشترى وكال واكتال.
وأما الأرض فملآى بالخيرات ففي بحارها ثروات حيوانية مائية وبرمائية وفيها مغاصات تنتج الجوهر وغير الجوهر، وفيها مناجم المعادن السائلة والجامدة وفي برها الحيوان والنبات، كل هذه الخيرات ملك لبني الإنسان. فإن كان ملكًا لفرد سمي ملكًا خاصًا وإن كان ملكًا للدولة فهو ملك عام تحت إشرافها لا يجوز أن يحتجزه أحد. والدولة ترعاه وتنتجه ليعود نفعه على الأمة كلها في الدفاع عن حريتها والمحافظة على أمتها وفي تعمير البلاد وفي المصروفات العامة.
وبقدر ما تملك الأمة من ثروة تكون مكانتها بين الأمم، وبقدر ما تُصدره من إنتاج تكون محترمة لحاجة الناس إليها.
الثروة.. والأيدي العاملة
وإن الأرض لا تنشق عن خير حتى تشقها أيدي البشر ولا تمطر سماؤها بالنعيم حتى يستعد لاستقبال هذا المطر من يشق الأرض لاستنباته. فلا حصاد دون حرث وغرس، ولا كسب بلا سعي وكد، ولا وفرة في الإنتاج إلا بعد جد وتعب ولا إبداع ما لم يكن هناك تفكير.
ولو أننا تدبرنا -كما أمرنا الله- فيما أنزله في كتابه العزيز لعلمنا أنه جل شأنه أوجب على المسلمين أن يتعلموا كل علم من العلوم على اختلافها.
فقد قال فقهاء الإسلام إن تعلم كل حرفة يحتاجها الناس في مجتمعهم فرض كفاية على ذلك المجتمع.
إذن فواجب علينا نحن المسلمين -في عصرنا هذا- أن نتعلم كل علم من علوم الصناعات والطبيعة والكيمياء والذرة والكهرباء وغيرها لأننا محتاجون أشد الحاجة لهذه العلوم بعد أن نتعلم كتاب الله.
وما أجدرنا نحن أهل القرآن بامتثال أوامره حتى نكون خلفاء الله في أرضه.
فالقرآن بيّن لنا أن الله -عز وجل- مدّ الأرض وألقى فيها رواسي هي الجبال وأنبت فيها من كل شيء موزون.
والنبات الذي نعرف كان في عهد الرسالة مكيلًا وكان الموزون هو المعادن بجميع أنواعها. كالذهب والفضة والحديد وليس غريبًا على اللغة العربية أن تشير إلى إنبات المعادن فقد أطلقت على بني الإنسان الإنبات. ففي سورة نوح في الآية (17) ﴿وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا* ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾ (نوح:17-18)
إذن فالبحث عن كنوز الأرض واجب والعمل في كله ميسر ففي البحث عن كنوز الأرض صناعة، وفي حرثها زراعة وفي السعي في مناكبها تجارة ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ (النجم: 39).
إن الأرض ملك الله استعمر فيها بني الإنسان فقال جل من قائل: ﴿هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها﴾ (هود: 61).
كسب حلال ومصان
وأطيب الكسب ما كان من حلال. وطرق الحلال واضحة مفصلة في كتب الفقه وقد أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن من وسائل حلية الكسب إتقان العمل وقال: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه».
والمال في الإسلام مصان لا يجوز أن يغتصب من صاحبه إلا أن يؤخذ منه بحق. ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إلى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون﴾ (البقرة: 188).
وفي كل مال حق معلوم، للسائل والمحروم، وهذا الحق فريضة من الله للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله يجب أن يعطيها من يملك المال. فإن لم يعطها من فرضت عليه أخذت بحق الله.
وفي غير الحق لا يغتصب مال من واضع اليد عليه حتى الأرض. فمن ملكها بشراء أو أحياها بعد موت فهي له. وفي الحديث الشريف عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من أحيا أرضًا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق» رواه الترمذي وأحمد وأبو داود عن سعيد بن زيد رضي الله عنهم.
«ومعنى عرق ظالم» - ما غرس في هذه الأرض بغير إذن الذي أحياها.
هكذا علمنا الإسلام كيف نسعى وكيف نبني وكيف نسود وكيف نحفظ الحقوق.
عبد الله النوري
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل