; الاستغلال الجنسي للأطفال في العالم: الغرب يدمر الطفولة ويحطم الإنسانية | مجلة المجتمع

العنوان الاستغلال الجنسي للأطفال في العالم: الغرب يدمر الطفولة ويحطم الإنسانية

الكاتب جمال الطاهر

تاريخ النشر الثلاثاء 24-سبتمبر-1996

مشاهدات 39

نشر في العدد 1218

نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 24-سبتمبر-1996

  • لم يعد هناك أي معنى لما يسمى بالحضارة الغربية طالما أنها تصل في النهاية إلى تدمير الإنسان في كافة مراحل عمره.

الملفات المعروضة على المؤتمرات والندوات الدولية المتواترة، وخاصة في هذا العقد الجاري هي ملفات سالبة في أغلبها تحاول معالجة المشاكل الكبرى التي تواجهها وتتخبط فيها البشرية في أواخر هذا القرن العشرين وتمس هذه الملفات قضايا عديدة بعضها متعلق بالإنسان وأوضاعه وبعضها الأخر بمؤسسات ما يسمى بالنظام الدولي والعلاقات السائدة فيه والمترتبة عليه، والبارز في أعمال ونتائج هذه المؤتمرات الدولية المتواترة هو ضعف النتائج ومحدودية الحصاد، وهشاشة البدائل والآفاق من جهة، وضعف الالتزام العملي الدولي بمقرراتها ومواثيقها التي لا تكتسي في أغلبها أي صفة قانونية ملزمة من جهة ثانية، الشيء الذي يزيد أكثر من مخاوف المتتبعين للموقف الدولي المجزوم جدًا سواء في بعده الإنساني أو المؤسساتي.

 ومن الأمثلة على هذه الوضعية المنذرة يبدو المؤتمر الدولي الأول حول ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال في العالم، المنعقد مؤخرًا في استكهولم بالسويد بمشاركة ١٢٠٠ ممثل عن ۱۲۰دولة، و ٥٠ منظمة وهيئة دولية وغير حكومية انتبهوا بعد ثلاثة أيام من المداولات إلى أن أعلنوها حربًا مقدسة، ضد هذه الظاهرة الشيطانية والثالوث غير المقدس: دعارة الأطفال الاستغلال الجنسي للأطفال، وتجارة خلاعة الأطفال، ويقدر تقرير تقريبي أن عدد الأطفال المستغلين جنسيًا في العالم ضمن شبكات التجارة والسياحة الجنسية يبلغ قرابة مليون طفل أغلبهم من الذكور وتفيد بعض التقديرات الأخرى أن قرابة مليون طفل سنويًا في العالم يقع إدخالهم ضمن شبكات الدعارة المنظمة وذلك عن طريق السياحة الجنسية على وجه الخصوص التي هي بدورها ثمرة لشبكة من العوامل والأسباب المعقدة، ويؤكد الاتساع المطرد لهذه الظاهرة أن استعباد الإنسان لأخيه الإنسان لا يزال موجودًا ولم ينقطع حتى في المجتمعات المتقدمة جدًا، وإن أخذ أشكالًا ومظاهر جديدة ويبدو الأطفال كأبرز ضحايا ظاهرة الاستعباد العصري، في نهاية هذا القرن وخاصة في مجال الاستغلال الجنسي فضلًا عن الاقتصادي، ومع أن هذه الظاهرة ليست بجديدة، إلا أنه لم يقع تناولها في السابق ضمن هذه الحدود الدولية، حيث كان ينظر إليها على أنها مجرد قضية محلية خاصة بهذه الدولة أو تلك، فقد تطورت الإباحية خلال السنوات الأخيرة من السرية عبر تداول ضيق للمجلات والأشرطة الخليعة وعبر القنوات التليفزيونية مدفوعة الأجر إلى حالة من العلنية الواسعة جدًا وغير المنضبطة، حيث يقع تداول ملايين الصور الخليعة على أوسع نطاق وحيث القنوات التليفزيونية المتعددة التي تبث برامجها عبر الأقمار الصناعية، وأخيرًا عبر شبكة الإنترنت.

أهم عوامل نشوء هذه الظاهرة:

مع أن هذه العوامل تبدو معقدة ومتداخلة جدًا بحيث يصعب حصرها وضبطها، فإن المهتمين بهذه الظاهرة والباحثين فيها يذهبون في كتاباتهم إلى التركيز خاصة على الأسباب والعوامل المباشرة التالية:

1- الفقر والعوامل الاقتصادية الأخرى التابعة له و اللصيقة به يمثل من وجهة نظر الكثير من الباحثين السبب الرئيس الأول في نشوء وشيوع ظاهرة استغلال الأطفال، سواء على المستوى الجنسي أو الاقتصادي، حيث أشار تقرير حديث المنظمة العمل الدولي إلى وجود ما لا يقل عن مليون طفل في العالم يعانون من الاستغلال الاقتصادي بتشغيلهم في أعمال شاقة وخطيرة ويأجور زهيدة جدًا «أنظر المجتمع عدد ۱۲۰۷»، ومع أن الفقر أصبح ظاهرة تكاد تكون عامة ومشتركة بين أغلب بلدان العالم تقريبًا بما فيها دول الشمال الغني «كندا، والولايات المتحدة وفرنسا»، فإنها تبدو منتشرة ومستفحلة أكثر في دول الجنوب الفقيرة التي لا تتوفر لديها إمكانيات وسبل الحد منها والتخفيف من حدتها، في مثل هذه البلدان يلجأ العديد من أولياء العائلات الكبيرة نتيجة عجزهم الاقتصادي عن تلبية حاجيات من يعولون إلى عرض خدمات أولادهم وبناتهم في سوق الدعارة من أجل مبالغ زهيدة قد لا يحصلون عليها في بعض الأحيان.

2- السبب الرئيسي الثاني: هو ضعف المستوى التعليمي والتربوي الذي وإن كان في البلدان الفقيرة أو السائرة في طريق النمو نتيجة التخفيض المستمر والمتزايد من جهة حكومات أغلب هذه البلدان الميزانيات التربية والتعليم مقابل التضخيم أكثر فأكثر في الميزانيات المخصصة للتسلح واستيراد الكماليات، فإن هذا الضعف في الدول الغنية يبدو نتيجة عوامل أخرى منها أساسًا الانقطاع المبكر عن الدراسة رغبة من الطلاب في الدخول المبكر لسوق الشغل لتأمين حاجياتهم من الملاهي والمخدرات، ومنها أيضًا انتشار عصابات الشبان في أغلب المعاهد والأحياء. ومنها أيضًا انتشار ظاهرة الأسرة ذات المعيل الواحد «عادة ما تكون المرأة هي المعيلة للأبناء» التي يبلغ عددها على سبيل المثال ٩٥٤,٧١٠ في كندا، و268880 في مقاطعة كيبيك إحصائيات سنة ١٩٩١م.

3- السبب الثالث: هو الثورة المعلوماتية عامة ومنها خاصة شبكة الإنترنت التي أجمع المشاركون في ندوة ستوكهولم على أنها أخطر الوسائل التقنية في إشاعة الاستغلال الجنسي للأطفال والتشجيع عليه، فقد ذكر بعض المشاركين أنه يوجد الآن على شبكة الإنترنت مليون صورة خليعة وأربعون مليون صفحة مخصصة المعلومات تتعلق بدعارة الأطفال، ولا تتوقف خطورة الإنترنت عند هذا الحد فقط، وإنما تتعداه إلى ما هو أخطر من ذلك بكثير، ومن ذلك ما ذكره الخبراء في هذه القمة من صعوبة، بل استحالة معرفة الجهة التي تقوم ببث ونسخ وتسويق مثل هذه المواد من جهة، والفراغ القانوني الكلي تقريبًا في مادة التعامل مع مثل هذه الجهات.

وقد أجمعت كل الوفود التي حضرت فعاليات قمة ستوكهولم على أن ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال في العالم وإن لم تكن حديثة، فإنها توسعت خلال العقود الأخيرة بشكل لم يعد يمكن معه الصمت أو التعامل معها على أنها قضية محلية خاصة بهذا البلد أو ذاك، فقد أصبحت هذه الظاهرة جزءا من الجريمة المنظمة على المستوى العالمي تقف على إدارتها عصابات وشبكات دولية ممتدة في أغلب بلدان العالم ومخترقة للكثير من الفضاءات الهامة بما فيها الأمن والمال والسياحة والإعلام والسياسة، وتبدو قوة هذه الشبكات في توسلها بتقنية الإنترنت التي تعمل من خلالها على إشاعة ثقافة معينة، وكمًا هائلًا من المعلومات حول مسالك وطرق البحث عن الأطفال المستهدفين وكيفيات خطفهم واستغلالهم جنسيًا ضمن شبكات محلية ودولية لتجارة الجنس.

ومما يزيد في تعقيد الموقف ما ذكره العديد من الخبراء في مجال المعلوماتية عامة والإنترنت خاصة من عدم وجود أي تكنولوجيا قادرة حتى الآن على إيقاف هذا السيل العارم من الدعارة المعلوماتية أو حتى على مجرد تنقيتها والتخفيف من حدتها، وتضاف إلى هذه الصعوبة التقنية صعوبة أخرى مادية وهيكلية تتعلق بفقدان الأجهزة الأمنية للإمكانيات البشرية والتقنية لمواجهة هذه الشبكات التي لا يقل عدد مستعمليها والمستفيدين من خدماتها عن ٢٠٠ مليون شخص في العالم، إزاء أخطار الإنترنت.

وانطلاقًا من الصعوبات الحالية في السيطرة عليها دعا العديد من المؤتمرين في ستوكهولم الدول والمنظمات المشاركة إلى اعتبار أن الإنترنت تحديًا جماعيًا جديدًا، كما يدعو إلى اتخاذ استراتيجية عملية مستعجلة المراقبة أو المواجهة «تفجر المعلومات والاتصالات عبر الأقمار الصناعية والإنترنت التي جعلت من العالم عالمًا بلا حدود».

وقد بينت الأحداث الأخيرة في بلجيكا التي تزامنت مع انعقاد مؤتمر استكهولم التي كشفت عن عصابة خطيرة لاختطاف واغتصاب وقتل البنات أن مجرد التصويت على كم هائل من القوانين والإعلانات لا يكفي وحده لمواجهة فعالة وناجحة لنشاطات شبكات الجريمة المنظمة بشكل عام وشبكات خطف الأطفال واستغلالهم جنسيًا بشكل خاص، ومما يضاعف من خطورة الموقف تساهل العديد من الدول مثل بلجيكا، وكندا في إطلاق سراح المساجين قبل إنهاء مدة عقوبتهم حتى ولو كان بعضهم قد يمثل خطرًا على غيره مثلما بينت ذلك إحصائيات جديدة بكندا حصلت عليها المية مفادها أن ٢٥%من المجرمين يعودون إلى الإجرام بعد إطلاق سراحهم قبل إنهاء عقوبتهم واستيفاء علاجهم النفسي.

تواضع نتائج المؤتمر:

المهتمون بهذه الظاهرة والمتتبعين لفعاليات مؤتمر استكهولم يتخوفون من شيئين اثنين:

 الأول: هو تواضع أشغال ونتائج المؤتمر وخاصة خطة العمل المقررة والمعلنة، والتي اعتبرها العديد من ممثلي الدول والأطراف المشاركة مخيبة للآمال ومختلفة عن المرحلة، وغير كافية، وذلك لاقتصارها على مجرد دعوة الدول لوضع وإنجاز مشاريع وبرامج عمل وطنية أو قومية من الآن وحتى سنة ٢٠٠٠م تهدف إلى توسيع الجهود الرامية لمواجهة «تجار وعصابات الجنس»، وإلى التدرج القانوني في اتجاه «تجريم» السباحة الجنسية وعمليات الاستغلال الجنسي للأطفال، وذلك من خلال إصدار تشريعات تسمح للدول بإمكانية المتابعة القضائية لمواطنيها الذين يرتكبون مثل هذه الجرائم حتى ولو قاموا بذلك خارج بلدهم الأصلي، كما هو معمول به حتى الآن في كل من ألمانيا وفرنسا وغيرها.

الثاني: أنه رغم أهمية ما تضمنته الوثائق النهائية لهذا المؤتمر، فإن هذه الوثائق لا تمثل أكثر من نوع من الالتزام الأخلاقي والأدبي للتعاون بين كل الشركاء والأطراف من الدول ومنظمات غير حكومية، والإنتربول، ومنظمات أممية، وغيرها ضد الاستغلال الجنسي للأطفال وضد تجارة الجنس بشكل عام، فهذه الوثيقة كغيرها من العديد من الإعلانات والوثائق الدولية الأخرى، فاقدة لكل صفة قانونية ملزمة فهي حسب المنظمين لا تزيد عن كونها «نداء من أجل العمل»، ومن أجل تعاون الجهات المعنية بمواجهة هذه الظاهرة ولا ترمز إلى أكثر من رغبة المنتظم الدولي لإعطاء دفع جديد لمقاومة شبكات الاستغلال الجنسي للأطفال.

أخيرًا... إذا ما أضيفت هذه الظاهرة وهذه الإحصائيات المفزعة عن الاستغلال الجنسي للأطفال في العالم إلى الإحصائيات الجديدة المنشورة عن وضعية الأطفال في سوق الشغل التي تعرضنا إليها في مقالات سابقة في المجتمع فإن الإنسان يصيبه الخوف والقلق الكبيران عن مستقبل الطفولة في العالم الذي انتهى فيه نظامه الثقافي والقيمي المهيمن إلى إنتاج حالة من التأكل الذاتي أو الانتحار من خلال تهديد الطفولة التي تمثل مستقبل البشرية، إن الوجهة الأخطر في مثل هذه الظواهر الجديدة التي أصبحت تعاني منها الإنسانية هو هيكلية أزمة المنظومة القيمية المهيمنة وهي المنظومة الغربية التي دخلت منذ عقود في حالة من انسداد الآفاق ومن العجز عن التجدد خارج إطار الأزمة الحالية، إن هذه الظواهر وغيرها مرشحة ضمن الموقف الراهن إلى التواصل وإلى التمدد والتعقد أكثر في المستقبل، ولن يوقف هذا المسار صيحات الفزع المتعالية من هنا وهناك ولا كثرة المواثيق والإعلانات المقررة في هذه الندوة أو تلك.

في النهاية يمكن القول إن إنسانية أو أنسنه الحضارة والثقافة المهيمنتين لم يعد لها أي معنى طالما أن نهايتهما أصبحت تدمير الإنسان في كل مراحل عمره وفي كل أبعاده، وفي كل قيمة، وهو ما يجعل العالم يستقبل مرحلة لا إنسانية، مرحلة تقنية كل شيء فيها محكوم بالتقنية التي لن تعير اهتمامها إلا للمصالح الآنية والوفيرة، أما الإنسان وقيمه فلن يكون لهما من اعتبار سوى ما قد يجلبانه من نفع مادي، أو سياسي، أو غيره لهذه الجهة، أو تلك.

رغم تواضع حصائد هذا المؤتمر الدولي الأول من نوعه وعدم توفيقه في الخروج بأمور عملية واضحة وملزمة تساعد في القضاء على هذه الظاهرة، وعلى هذا النوع من التجارة المحرمة وغير الأخلاقية، فإن الإضافة الأساسية لهذه الظاهرة الدولية هي كسر وتجاوز حاجز الصمت الدولي الذي أحاط في السابق بهذه الظاهرة المفزعة، وهو ما يمثل في حد ذاته نجاحًا كبيرًا للندوة.

الرابط المختصر :