; التعليق الأسبوعي (298) | مجلة المجتمع

العنوان التعليق الأسبوعي (298)

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 04-مايو-1976

مشاهدات 31

نشر في العدد 298

نشر في الصفحة 4

الثلاثاء 04-مايو-1976

الجزع من «المشكلات». يساوي- في سلبيته القاتلة- «البرود» إزاء المشكلات.

فالجزع يفقد النفس ثباتها والعقل رويته. والبرود يفقد المواطن الإحساس بما يدور حوله. وكأنه قد فقد نعمة البصر والسمع، والنطق، والشم، واللمس..

وفي كل شر ما حق.

فليس بالجزع والبرود تواجه المشكلات وتوجد الحلول.

وفي الأسابيع الأخيرة كثر الكلام عن ضرورة الاستقرار الوطني وواجب الحزم مع- المخربين- وحماية البلاد من صراع المنشورات والخلافات المجلوبة من الخارج. و. و. و

والانتباه الوطني موقف ينبغي أن يستمر ويشحذ فنحن في عالم ارتد إلى عصور الغاب في القضم والافتراس. حمل روح تلك العصور الهمجية. وتزود حديثًا بإمكانات العلم ووسائله وأجهزته.

والغفلة والتثاؤب- في مثل هذه الظروف موت. أو مدخل واسع إلى الموت.

لكن كيف يكون الانتباه الحقيقي؛ وكيف يكون الاستقرار؟ هذا هو السؤال الجوهري.

فالأهداف لا تحقق بالأماني المجردة.

• وهنا ننبه إلى خطرين عظيمين

• خطر الذين يهولون الموقف- بالتضخيم اللفظي والتكرار- حتى لكأنهم يتمنون أن تقع حوادث مروعة وهنالك يتباهون- بصحة نظريتهم..

إن الكلام في هذه الأمور يحتاج إلى دقة المسؤولية وإلى ذكاء غير عادي يضع كل الاعتبارات في حجمها الحقيقي. بلا غلو وبلا تظاهر.

● وخطر الذين- يهونون- الموقف حتى لا يجذبهم أداء الواجب من لهوهم وعبثهم. وهم قوم إذا كان لهم حق طاروا إليه شعاعًا وإذا كان عليهم واجب مشوا بظهورهم.

كيف يكون الاستقرار؟ وأي نوع من الاستقرار ينبغي أن يكون؟ 

إن في العالم الشيوعي استقرارا. ولكنه- استقرار القبور حيث لا حريات، ولا حركة اختيارية. وإن في العالم الرأسمالي استقرارًا. ولكنه- استقرار وهمي- فإذا ضربنا بأمريكا- قمة النظام الرأسمالي- مثلًا- رأينا تحت القشرة التي تسمى استقرارًا زلازل ودوامات تكاد تطوى المجتمع الأمريكي وتبتلعه.

في مدينة نيويورك وحدها تقع جريمة كل ٣٠ ثانية. وإن ٩ تسعة ملايين من الجرائم الخطرة- تقترف سنويًّا في الولايات المتحدة الأمريكية. وإن الحكومة الفدرالية ترصد سنويًّا- مع تصاعد مستمر- ۳۰ ثلاثين مليار دولار لمكافحة الجريمة وإن في واشنطن غرفة لا نوافذ لها. تضم آلتين إلكترونيتين تخرجان من أدراجهما في بضع ثوان- ٧٥٤٠٠٠- بطاقة تحمل معلومات سرية عن مواطنين أمريكيين- التجسس الأمريكي على الأمريكيين- هذا إلى جانب فوضى الهيبيين ودوامات المخدرات، والتمزق الأسرى وأمراض الأعصاب. والفضائح السياسية والتجارية من ووترغيت إلى لوكهيد. إلخ إلخ.

ومنذ قليل، كان السطحيون يقومون- لبنان- كنموذج ممتاز للاستقرار والازدهار.

فانظر كيف كان عاقبة السطحيين وعاقبة لبنان ذاته؟

إن الناس يجمعون على- الاستقرار- كمطلب مشترك لا خلاف عليه. حتى أن- طلب الاستقرار كان واحدًا من أسباب المشركين في رفض دعوة التوحيد ودين الإسلام: - ﴿وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. (القصص:57)

وهو الاستقرار الوهمي الذي يتفق مع عقلية المشركين وتصورهم الجاهلي.

المهم: أن الناس يطالبون جميعًا بالاستقرار. ولكنهم يختلفون اختلافًا أساسيًّا وواسعًا في فهمه وتصوره.

• فمنهم من يتصور الاستقرار في- تدمير المجتمع وتخريبه ونسفه وهم الشيوعيون

• ومنهم من يتصور الاستقرار في- تثبيت الواقع السيئ- وهم اليمينيون الذي يفرقون من الإصلاح ويرجفون من نتائجه لأنهم يرون فيه تهديدًا لأطماعهم وامتيازاتهم ومظالمهم.

• أما الحل الإسلامي. فلا يقر التدمير الفوضوي الحاقد. ولا يقر تثبيت الواقع السيئ.

إنه ينادى- بالتغيير- طريقًا للاستقرار الحقيقي: - ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (الرعد:11).

والفرق بين التدمير والتغيير أن الأول نزعة قوامها الأحقاد والعقد وردود الفعل والثارات والانتقام، والثاني: منهج يقر الحق ويلغي الباطل. منهج قوامه الانتقاء والاختيار وإرساء القواعد السليمة للانطلاق الصحيح.

الاستقرار الوطني شروطه ومناخه

 من هنا- وفي ضوء المفهوم الإسلامي- للاستقرار– فإن للاستقرار الوطني شروطًا لا بد من توفرها. ومناخًا لا بد من تهيئته.

• الشرط الأول: اختيار الإسلام منهجًا للحياة الكويتية. منهجًا ينشط المواطنون جميعًا- حكومة وشعبًا- في الالتزام به. ولئن اختلف الناس بعد ذلك ففي البرامج التفصيلية التي تخدم الأهداف الإسلامية المجمع عليها.

إن هذا الالتزام يحقق وحدة الهدف. ووحدة الاتجاه ووحدة الطريق. وهذا أقوى شرط من شروط الاستقرار.

• الشرط الثاني: إزالة التناقضات من الحياة الكويتية. فمما لا شك فيه أن مجموعة من التناقضات قد تراكمت. 

وهذه التناقضات المتراكمة أدت إلى بلبلة ظاهرة ستقود بدورها- ما لم يحدث تدارك عاقل ومخلص- إلى ما هو أكثر من البلبلة. ومن الواضح أن إهمالًا قد حصل في مواجهة تلك التناقضات وهي في بدايتها.

- إن محاولات عديدة بذلت لتمزيق المواطن. فلم تواجه بما تستحق من حزم ومواجهة.

- ومحاولات عديدة بذلت لتمزيق «الأسرة» فلم تواجه بما تستحق من حزم ومواجهة.

- ولقد هجمت على الكويت موجة من الفساد الاجتماعي فلم تواجه بما تستحق من حزم ومطاردة.

إن ما يحدث في كثير من الفنادق والمؤسسات السياحية وما يعرض في التلفزيون والسينما. من فساد رهيب إنما هو تناقض مروع في الحياة الكويتية.

تناقض يصطدم بالمقررات التربوية في وزارة التربية. برسالة المسجد.

تناقض يصطدم بفطرة الناس. فهم إما أن يظلوا على فطرتهم تحت ضغط الفساد. وإما أن يسايروا الفساد فتتلف فطرتهم.

وانتشار الجريمة وتفاقمها تناقض تراكم مع الأيام حتى أمسى رعبًا نفسيًّا واجتماعيًّا.

- ومدارس التنصير تناقض عقائدي يفسد تصور الأجيال ويلوث مصادر ثقافتها.

- والمذاهب الوثنية كالمهاريشي وغيره تناقض عقائدي يفسد تصور الناس ويلوث مصادر ثقافتهم.

- وفقدان التنسيق بين أجهزة الدولة تناقض. لا يتحقق مع وجوده انسجام ولا استقرار حقيقي.

إن إزالة هذه التناقضات شرط ضروري من شروط الاستقرار الوطني.

• الشرط الثالث: إصلاح الأخطاء.

ذلك أن وجود الأخطاء هو أنسب مجال لنشاط المخربين. وتآمر المتآمرين.

إنه لا الحزم السياسي المجرد ولا الإجراء اللا إداري الصارم يستطيع- وحده- ضمان الاستقرار.

إنه الشجاعة في مواجهة الأخطاء والعزم العملي على تغيير الواقع إلى أفضل. وأنجح خطة تجرد المتاجرين بالأخطاء من أمضى أسلحتهم.

إن العقل اليميني الغبي يتوهم أنه يستطيع هزيمة «اليسار» بشتائم متتابعة.

والحق أن الشتائم سلاح عاجز. أما السلاح القوي الفعال فهو إصلاح الأخطاء. وهذا الإصلاح يتمثل في:

• إقامة عدالة اجتماعية حقيقية.

• توفير خدمات أفضل للناس في شتى المجالات.

• هز الجهاز الإداري في الأعماق وإحداث تغيير حقيقي في كل قنواته حتى يتمكن من دفع البلاد في طريق الإنتاج الممتاز والأداء السليم.

 

مسؤولية مجلس الوزراء

إن الإحساس بخطر الفساد الذي يجتاح البلاد يؤرق كل مخلص. حريص على قيم الإسلام. حريص على سلامة الوطن. فما يبث في التلفزيون من فسوق وتحريض على العصيان. وما ينشره الماسوني الياس ميرزا من انحلال وخلاعة عبر أوكار تسمى «مطاعم» أو أماكن ترفيه. وما يقوم به حلفاء حزب الكتائب من نشاط مريب. وما يشده الناس كل يوم من جرائم هتك العرض وغيرها.

كل ذلك وغيره كثير. يتطلب تحركًا عاجلًا وقويًا من مجلس الوزراء ابتغاء الحسم والعلاج، فمهما يكن من أمر فإن المسؤولية تنصب على مجلس الوزراء بحكم تبعاته وصلاحياته.

إنه مسؤول بين يدي الله- عز وجل- عن كل ما يحدث في البلاد ﴿وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (البقرة:283)

 

رؤية- حديث مع وزير التربية

  1 موسم الامتحانات وانتحار المعلم

في العام الماضي كنت متحفزًا لكتابة هذا الموضوع ولكن الوقت مضى دون أن أكتب وعددت نفسي مقصرًا.. لأن مثل هذا الأمر لا يسكت عليه ومن الواجب أن يوضع الإنسان أمام مسؤولياته وواجباته.

والذين يغضبون إذا ما ذكروا لا نحسبهم يقيمون لواجبهم وزنًا، وهؤلاء لا يستأهلون أن يكونوا سدنة لحق أو أن يعطون حقًا لأحد يشرفون عليه.

والموضوع الذي نتحدث عنه ليس بالأمر الهين.. ولكنه خطير.. جد خطير وإن كان من يقومون به يهونون من شأنه ولكني أرفع صوتي أن يكون موضع التطبيق والتنفيذ.. أعرفتم ما هو؟.. إليكم البيان.

بعد أيام تحوي المقاعد المدرسية تلاميذها في جلساتهم الأخيرة إيذانًا بانصراف عام دراسي.. أعنى أنهم يدخلون امتحانات آخر العام..

ماذا في هذا.. نعم ما هناك من حديث؟ 

كل شيء هناك.. وكل الأمر في هذه الأيام وما يليها.. فالذين يمارسون الوجاهة يعيشون أحلى أيامهم.. والذين يفرقون من مواجهة ناظر المدرسة ويخضعون لأمره.. والذين ينافقون كثيرون وهذا موسم جيد للنفاق..

نعم إن النتائج لم تكن صحيحة أبدًا في السنوات الأخيرة.. وكل الكشوف التي تصرف جهد المدرس طوال العام.. ما هي إلا مضيعة للوقت والجهد.. وهي مسرة في قلبه.. فهو يعرف يقينًا أن الراسب طول العام.. بقدرة قادر سوف يغادر فصله إلى آخر.. شامتًا مستهزئًا من كل مدرس كان يعرفه أنه من الباقين ولسان حاله يقول: ألم أقل لك؟.. ما فائدة أن يتعب الطالب نفسه إذا كان يضمن نجاحه في آخر العام بكل يسر وسهولة؟..

لا مفر من هذا الكلام.. فبعد أيام سوف تبرز هذه الظاهرة في كل مدرسة فإذا كان نظام الحزم قد طبق على تسرب الأسئلة واهتم له وما يزال بين الفينة والفينة...

تشم له رائحة.. فإن عدم الاكتراث باق في ملاحظة النتائج

كل ناظر يود أن تكون نسبة النجاح في مدرسته كبيرة.. ولذلك فهو يحرص أن يجعل من المدرس أداة.. يسخرها لمصالحه.. والمدرس قد يكون جريئًا فيصرخ معلنًا أن هذا لا يجوز أن يصدر من الإدارة التي تأمره بالحزم في المنهج وتتراخي في آخر العام.. ضاربة بكل ما أوصت به طول العام عرض الحائط.

 

غيره لا يعرف شيئًا أبدًا عن الرياضيات وإذا حدثته عنها قال.. هل تتكلم معي؟ ثم تولى.. وهو يردد: النجاح مضمون..

من علم طلاب المرحلة المتوسطة هذا الكلام.. من علمهم أن النجاح مضمون مع كسلهم ورسوبهم طول العام.

ألم يكن إبراهيم طوقان على حق عندما قال:

يا من يريد الانتحار وجدته

 

 

إن المعلم لا يعيش طويلًا

 

نعم إنهم ينحرونه بكلامهم.. هذا

فيشعر أن الرسالة التي يحملها يسقطها المسؤولون.

كلمة هادئة يا وزارة التربية.

الأمر على حقيقته سوف يتجلى بعد أيام.. ما رأيك لو اشتددت في الموضوع وترصدت له.. إن زيارة عادية للمدارس في هذه الفترة تعطي الانطباع الصحيح... إن دراسة واعية لكشوف الطلاب ومراجعة صحيحة لأوراق امتحانهم سوف تكشف عن زيف فظيع.. ولكم بعد ذلك أن تضعوا كل مزيف أمام تاريخه وفعله.

إن هذا يحدث.. ويحدث كل عام ويزداد عامًا بعد آخر.. والطلاب ينجحون والإهمال يزداد.. ويربو.. وتتخرج أجيال لا تفهم معنى العلم أو التهذيب وبالتالي فخوفي عليك يا بلدى.. وخوفي عليكم.. ماذا تقولون لربكم غدًا؟...

 

صحيح ما يقوله البعث عن جنبلاط. وصحيح ما يقوله جنبلاط عن البعث

في الأسبوع الماضي ارتفعت حدة الاتهامات بين حزب البعث وجنبلاط، وقال كل منهما عن الآخر كلامًا يستحق أن نمحصه ونقول فيه رأينا، وليس معقولًا الاعتقاد أن هذا الكلام للدعاية والاستهلاك فقط، وليس له نصيب من الواقع. 

قال البعثيون عن جنبلاط: 

إنه يسعى بكل ما يستطيع لتقسيم لبنان، وقد باشر فعلًا هذا التقسيم فيما أسماه «نظام الإدارة المحلية»، وهذا المخطط وراءه الصهيونية وإسرائيل، ومن قبل قالوا مثل هذا الكلام وزعموا أنه قد نقل إليهم محضر المحادثات التي جرت بين جنبلاط والمبعوث الأمريكي. وكلامهم صحيح: فجنبلاط أسفر عن مؤامرته القديمة عندما أسس جيشًا أسماه «جيش فخر الدين»، وكان وما زال حريصًا على استمرار حمامات الدم في لبنان وهو يعلم أن انتصار فريق على آخر أمر مستحيل لأن المخططات العالمية والداخلية لا تسمح بهذا، ويعلم جنبلاط كذلك أن استمرار الحرب معناه لا حل إلا التقسيم، وهو الذي يسعى إليه جنبلاط وباشره فعلًا عندما أوجد نظام الإدارة المحلية... وكما أننا نحمل بيار الجميل وفرنجية وشمعون مسؤولية المجازر في لبنان فجنبلاط شريك- لهم. في هذه المسؤولية ويتحمل معهم وزرها وتبعاتها.

وكل الناس في لبنان وحتى شركاء جنبلاط- الجبهة الوطنية- يعرفون حقيقة موقفه، وأنه يسعى ليكون رئيسًا للبنان ولو على جماجم الشعب كله، وليسوا واثقين منه، وفقدان الثقة يظهر من بعض مواقفهم، مع أن الظروف الراهنة وارتباط البعث مع الموارنة فرض عليهم، التعاون معه. 

وقال جنبلاط: 

إن البعث أقام اتحادًا مع الأردن ويسعى من أجل أن يقوم نظام في لبنان مواليًا له من أجل السيطرة على الضفة الغربية وإنهاء القضية الفلسطينية.

وهذا الكلام صحيح ويعرفه عامة الناس، ومن أجله قامت مظاهرات داخل سورية، ووقعت أزمة بين المنظمات ومنظمة البعث في كل من سورية ولبنان. وقال جنبلاط: لماذا يهاجمنا البعث ويسكت عن الإدارة المحلية التي أقامها بيار الجميل والموارنة!؟! لماذا لا يهاجم البعث الموارنة بل يدافع عنهم أشد دفاع؟!

نعم: إن بين الموارنة والبعث علاقات قوية جدًّا، وصلت إلى مستوى وقوف البعث معهم وحمل السلاح ذودًا عنهم وحماية لهم..

البعثيون حموا قصر بعبدا، واشتبكوا مع جيش لبنان العربي ومع المرابطين من أجل الموارنة، وها هم يستميتون ليأتي رئيس الجمهورية يخدم مصالحهم ويكيل بصاعهم.. وكل هذه الخطوات تأتي منسقة مع الأردن، تباركها أمريكا، ويدافع عنها المبعوث الأمريكي في لبنان، وإسرائيل راضية إن رضيت أمريكا، ورضاؤها هو الذي جعلها تصمت سنة كاملة دون أن تتدخل في لبنان ولو كان التدخل البعثي خطرًا عليها لما صمتت مطلقًا طوال هذه المدة.

ويدور في النفس سؤال ملح: هل حقيقة هناك خلاف بين البعثيين وجنبلاط؟! 

إن إثبات هذا أمر في غاية الصعوبة!!.

فأمريكا صديقة الطرفين، ورسلها يستقبلون أحسن استقبال عند الطرفين، والنتائج واحدة هنا وهناك... وإقامة دويلات طائفية هدف تتسابق إليه كل الأطراف.. باستثناء القيادة الإسلامية من أبناء السنة، الذين شاءوا لأنفسهم أن يكونوا نهبًا بين الأطراف المتقاتلة، وسلمًا يرفعون على أكتافهم من يحارب الله ورسوله.

وبعد ذلك فمن شروط اللعبة الدولية أن يفتعل المتفقون خلافًا يشغلون به أذهان الناس عن قضيتهم المصيرية بقضية جانبية تنصرف إليها كل الجهود، ويساهم بها من ينتظر منهم أن يحملوا السلاح بوجه المؤامرات التي كانت تلوح في الأفق وصارت واقعًا ليس في الساحة. من يصدمها:

خلا لك الجو فبيضي وأصفري...

نشك في حقيقة الخلاف بين جنبلاط والبعثيين لما سبق ولأن التاريخ يحدثنا عن نماذج من هذه المعارك المصطنعة:

عندما تصدى «المعتصم» لحرب الزنادقة، وأوكل أمر حربهم لقائده المشهور «الأفشيني»، ثم تبين له فيما بعد أن هذا القائد من الزنادقة، وأنه كان ظاهريًّا يحاربهم ويقود جيش خليفة المسلمين، لكن في الحقيقة كان يدلهم على نقاط الضعف في جيشه ويهيئ لهم السبل التي يفتكون بها في الجيش مما جعلهم يوقعون خسائر فادحة في جيش المسلمين.

وإذا كان للمسلمين خليفة استطاع أن يعرف تآمر قائده ويوقع به أشد الضربات جزاء وفاقًا فإلى الله المشتكى إن ليس للمسلمين اليوم خليفة يستطيع أن يكتشف المتآمرين فليفعلوا ما يشاءون وفي ذلك الوقت وقبل اكتشاف القائد الأفشيني لم يكن أحد من المسلمين يشك بقيادته وولائه المسلمين وحسن بلائه.

والتاريخ حقًّا يعيد نفسه وهناك تشابه كبير بين هذه الواقعة وواقعنا الحاضر. تشابه في الشكل والجوهر، تشابه في الأدوار والممثلين، وحبذا لو يجد تاريخنا رجالًا يربطون حوادثه بواقعنا ويستفيدون مما حصل.

وأخيرًا: فلقد قال كل من جنبلاط والبعثيين أن هناك أمورًا لم يقولوها وسيقولونها مستقبلًا.

ونعتقد أن أسيادهم سيتدخلون بطريقة ما حتى لا يكشفوا أمورًا ليس من مصلحة الأسياد أن يكشفوها، وافتعال الخصومة له حدود لا يتعداها ولا يسمحون بتجاوزها.. وللقارئ أن يتصور خطورة ما يمكن أن يقوله كل طرف عن الطرف الآخر طالما أن ما قيل حتى الآن هتك الأستار، وأظهر الوجوه الكالحة على حقيقتها...

وإلى متى ينتظر المسلمون هذه المناسبات التي تقع بين الأنظمة العربية فيتضح لنا من خلالها أنهم يمثلون أدوارًا معينة، ويخططون لأهداف غير التي يصرحون بها ثم تعود هذه الأنظمة والأحزاب إلى الاتحاد والتضامن إذا كان خصمها مشتركًا، وما لها من خصم إلا الشعوب إذا صحت من نومها.

واستيقظت من كبوتها.

آن للمسلمين أن يدركوا واقعهم ويقوموا بدورهم فإن قضايانا كلها وقدسنا وفلسطيننا لا يمكن أن تعود إلينا إلا بالإسلام والراية الإسلامية، والجيوش المؤمنة التي ليس فيها مشرك واحد.

 

إيران أولى من الخليج

تشهد إیران حملة عنيفة للقضاء على الرشوة والفساد والانحرافات. وقد وصل عدد المعتقلين في هذه الحملة التي يشرف عليها شاه إیران شخصیًّا إلى عدة آلاف، معظمهم من أوساط السلطة والتجارة والإدارة. وقد أمر الشاه بعدم التساهل مع المتهمين بقضايا الرشاوى والعمولات غير المشروعة.

وكانت التحقيقات قد شملت عددًا من النافذين الذين ثبت أن لهم علاقة بالمشاريع الكبرى، سواء في المصانع أو تجارة السلاح، أو صفقات الأغذية والإنشاءات. وقد تبين أن عددًا من الشركات قد دفع عمولات كبيرة في هذا الصدد، مما انعكس على أسعار السلع التي تباع للمواطنين. وقد أمر الشاه بإعادة العمولات والرشاوى المدفوعة.

هذا الخبر الذي تناقلته الصحف منذ أيام ليس شيئًا جديدًا ولا ظاهرة غريبة في واقع إيران الاجتماعي وما تعانيه من تفسخ سياسي، ولعله أخف بكثير من انتشار المخدرات في أوساط الشباب انتشارًا خطيرًا جعل الحكومة تطارد تجار المخدرات وتفرض عليهم أشد أنواع العقوبات، ولسنا في صدد تحديد العلاج الذي ينقذ إيران مما تعانيه من تدهور، لكننا نقول للمسؤولين الإيرانيين.

أن بلدكم أحق بالعناية من الخليج، وعلاج الثورات الداخلية أجدر من إرسال جيش إلى عمان، ووضع حد للرشاوى والفساد والانحرافات أهم من احتلال جزر عربية، ومطاردة تجارة المخدرات أحسن من التفكير بتجزئة دول الخليج وتهديدها.. وتحويل إيران إلى ترسانة أسلحة لا يغني عنكم شيئًا، إذا كان حاملو السلاح منهارين سكارى معربدين، وعجبًا لمن يسكن في بيت من زجاج كيف يتطاول ويهدد غيره، وبيته لا يصمد أمام أول حجر تلقيه عليه... وخير لنا ولأهل إيران أن نعود إلى الإسلام الذي ألف بين قلوبنا وجعل منا خير أمة أخرجت للناس.

الرابط المختصر :